الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


صعود اليمين المتطرف في أوروبا وتقاربه من السلطة... هل يتكرر سيناريو تيار الإسلام السياسي؟

كرم الدين حسين
صحفي باحث وكاتب

(Karameddine Hcine)

2024 / 7 / 3
السياسة والعلاقات الدولية


كانت الانتخابات الأوروبية التي جرت بين 6 و9 يونيو 2024 بمثابة بروفا استباقية للأحزاب الأوروبية قبل الانتخابات الوطنية لكل بلد على حدا، وستكون فرنسا أول بلد يعرف إجراء انتخابات تشريعية في فترة ما بين 30 يونيو و7 يوليو.

بالعودة إلى الانتخابات الأوروبية، فقد صوّت حوالي 400 مليون شخص في هذه الانتخابات، لانتخاب 720 عضوًا في البرلمان الأوروبي، الذي يعد الهيئة التشريعية، ويعمل مع المجلس الأوروبي لتمرير القوانين بناءً على مقترحات المفوضية الأوروبية، كما يوافق على الميزانية أو يرفضها. ويمكن القول إن الانتخابات الأخيرة للبرلمان الأوروبي، الذي يتألف من ممثلين منتخبين عن مواطني الاتحاد الأوروبي، قد غيرت المشهد السياسي في الاتحاد الأوروبي، مما أدى إلى تحوله نحو اليمين بشكل أكبر.

إذ كان المحافظون الأوروبيون – حزب "الشعب الأوروبي" (EPP) - هم الفائزين الواضحين في هذه الانتخابات بـ189 مقعدًا، بينما تمكن "الاشتراكيون والديمقراطيون" (S&D)، واليسار إلى حد كبير، من الحفاظ على مواقعهم بـ135 مقعدًا و39 مقعدًا على التوالي. في حين كان الخاسرون هم الخضر والليبراليون (تجديد أوروبا)، الذين فقدوا أكثر من 40 مقعدًا في البرلمان، بينما حققت الكتل الشعبوية اليمينية – "المحافظون والإصلاحيون الأوروبيون" (ECR) - واليمينية المتطرفة – "الهوية والديمقراطية" (ID) - مكاسب كبيرة بين 76 و58 مقعدًا على التوالي بزيادة 7 و9 مقاعد عن الانتخابات الماضية.

هذه النتائج تؤكد ما تم رصده في السنوات الأخيرة، أن أوروبا بدأت تشهد ظاهرة ارتفاع تيارات اليمين المتطرف، وهو أمر ينعكس على مختلف الأصعدة السياسية في القارة العجوز، بما في ذلك فرنسا التي تعد من الدول البارزة في هذا السياق مع ارتفاع شعبية زعيمة اليمين المتطرف ماري لوبان، حيث بدأ هذا الاتجاه في التأثير على المشهد السياسي، وباتت الأحزاب اليمينية المتطرفة تلتقط دعمًا أوسع من الناخبين، وتنضم إلى حكومات الائتلاف أو تتقدم في استطلاعات الرأي.

وتعزى هذه الظاهرة إلى عدة عوامل، منها القلق من الهجرة واللاجئين، والتحديات الاقتصادية المستمرة التي تعصف بالطبقات العاملة، مما دفع الناخبين إلى التفضيل لأحزاب تعد بحماية الهوية الوطنية وتعزيز السيادة الوطنية على حساب التكامل الأوروبي.

وفي فرنسا، تقدم حزب "الجبهة الوطنية" بشكل كبير، ويتزايد دعمه بين الشرائح الاجتماعية المختلفة، مما ينذر بأنه قد يكون له دور أكبر في المستقبل السياسي للبلاد.

هذا الصعود المتدرج والمفاجئ لليمين المتطرف في أوروبا، يذكرني بصعود التيار الإسلامي في البلاد العربية حيث يوجد عدد كبير من أوجه التشابه بين التجربتين.

أوجه التشابه بين صعود اليمين المتطرف في أوروبا والتيار الإسلامي في العالم العربي
أول تشابه يمكن أن نلاحظه بين التجربتين، أنهما معًا يدافعان عن قومية وهوية إضافة إلى استقلال في القرارات. فاليمن المتطرف يدافع عن قومية البلد المنتمي له وعن هوية أوروبية مسيحية، مما يجعله يطالب بوضع حد للهجرة نحو أوروبا وطرد المهاجرين المتواجدين هناك، إضافة إلى منع تمدد الإسلام في أوروبا وهو ما يبرر منع الحجاب في فرنسا مثلًا، ومطالبة اليمين المتطرف في هولندا بإغلاق كافة المساجد في البلاد قبل تراجعه عن هذا المشروع من أجل الدخول في ائتلاف حكومي. كما أن الأحزاب اليمينية المتطرفة كلها تطمح إلى تفكيك الاتحاد الأوروبي لأنها تراه بمثابة نوع من إخضاع واستغلال حيث تستفيد منه دول على حساب دول أخرى.

كذلك، التيار الإسلامي يدافع عن القومية والهوية الإسلامية، حيث طالب هذا التيار بتطبيق الشريعة الإسلامية في المجتمعات العربية التي تعد جلها بلادًا إسلامية، كما طالب هذا التيار الحكومات العربية والإسلامية بالتخلص من التبعية للغرب الذي يريد تدمير الإسلام وإخضاع المسلمين له.

كما يمكن تلخيص التشابه الثاني في الصعود المتدرج للتجربتين معًا. فتيار الإسلامي في البلاد العربية رغم شعبيته الكبيرة إلا أن صعوده في المشهد السياسي جاء بتدرج ولم يكن صعودًا فوريًا للقمة، وأبرز مثال على ذلك حزب العدالة والتنمية المغربي الذي منذ سنة 2003 وهو يحرز تقدمًا ملحوظًا من انتخابات إلى أخرى إلى غاية الوصول إلى رئاسة الحكومة المغربية في سنة 2011 قبل أن يغادرها سنة 2021. وحتى في دول ديكتاتورية مثل مصر، على سبيل المثال، فرغم فشل الأحزاب الإسلامية وحركة الإخوان المسلمين في الوصول إلى سدة الحكم أو الحصول على مقاعد متزايدة في مجلس الشعب إلا أنه كان واضحًا أن أي انفراج سياسي يحدث في البلاد سوف يجعل هذا التيار من متصدري المشهد السياسي المصري، وهو بالفعل ما حدث بعد ثورة 25 من يناير.

نفس الأمر يحدث لتيار اليمين المتطرف في مختلف دول أوروبا، حيث نرى في كل محطة انتخابية سواء رئاسية أو تشريعية صعود هذا التيار أكثر فأكثر، وخير مثال على ذلك تجربة ونتائج حزب الجبهة الوطنية في فرنسا.

أما التشابه الآخر فهو يبرز على مستوى الجيوسياسي والاستراتيجي، حيث إن الأحداث العالمية وخصوصًا في أوروبا وأبرزها حرب أوكرانيا - روسيا تساهم في صعود اليمين المتطرف كما ساهمت حركات الربيع العربي في صعود التيار الإسلامي في البلاد العربية، ناهيك عن الأزمات الاقتصادية والمناخية وارتفاع البطالة التي نراها في كلا التجربتين.

هل يلقى اليمين المتطرف في أوروبا نفس نهاية التيار الإسلامي في شمال إفريقيا؟

إن الصعود المتزايد لليمين المتطرف، الذي أصبح له تأثير كبير على السياسة والمجتمع في عدة دول أوروبية، ليس مجرد ظاهرة محلية، بل يُفسر بشكل أوسع ليشمل الديناميكيات الدولية والإقليمية التي تلعب دورًا كبيرًا في تشكيل السياسات الداخلية.

ويمكن استخلاص كل هذه الأسباب في عاملين رئيسيين هما:

الدور الدولي واللوبيات الاقتصادية: إن صعود اليمين المتطرف في أوروبا قد يكون مدعومًا من قوى دولية كبرى، مثل الولايات المتحدة، التي قد ترى فيه توجهًا مناسبًا لامتصاص حالات الغضب الشعبي نتيجة للاستقطاب السياسي والاقتصادي، خصوصًا مع اقتراب شبح اندلاع حرب نووية بين الدول الأوروبية ممثلة في حلف الناتو وروسيا. كما يمكن للوبيات الاقتصادية الكبرى أيضًا أن تلعب دورًا حاسمًا في تمويل حملات اليمين المتطرف، لتحقيق أهدافها المؤيدة للتحرير الاقتصادي والقومية.

العوامل الداخلية والتحديات الأوروبية: يأتي صعود اليمين المتطرف في سياق من التحديات السياسية والاقتصادية الكبرى داخل أوروبا، مثل ارتفاع نسب البطالة لدى الشباب الأوروبي، وارتفاع نسب التلوث، ونقص في المواد الغذائية، مما يزيد من شعبية اليمين المتطرف في بعض الأوقات كأداة للمعارضة للسياسات الحكومية الحالية. ومع ذلك، تظل هذه الحكومات والكيانات الاقتصادية الكبرى في دول القارة على استعداد لاستخدام اليمين المتطرف لتحقيق أهدافها، قبل أن تتحول للعمل ضده.

وإذا صحت الفرضيات والعوامل السابقة، فنحن أمام إعادة للتجربة الإسلامية في شمال إفريقيا، حيث استُعملت فيها الأحزاب والحركات الإسلامية كحل انتقالي بين سقوط أنظمة موالية للغرب لكنها لم تعد صالحة للبقاء، وأنظمة أخرى أكثر ولاءً.

حيث استبدلت القوى الغربية الأنظمة العربية الديكتاتورية بأنظمة أخرى مشابهة لها، لكن كان لابد من فترة انتقالية يُترك فيها اختيار الحكم للشعب والذي كان معروفًا في سائر البلاد العربية أنه يميل للتيار الإسلامي الذي لم يجرب الحكم بعد ولم تتلطخ سمعته مع الحكومات السابقة.

وهو ما حدث في مصر التي قامت فيها ثورة شعبية ضد النظام العسكري والحكم الأحادي ليختار الشعب رئيسًا مدنيًا د.محمد مرسي المحسوب على التيار الإسلامي، قبل أن يتم الإطاحة به بمباركة دولية وإعادة نفس النظام السابق لكن بوجوه جديدة.

وهناك حالة حزب العدالة والتنمية في المغرب الذي كان صعوده إلى الحكم أكثر هدوءًا من الحالة المصرية وحتى التونسية، حيث كان الشارع المغربي آنذاك أكثر استقرارًا، وكان يمكن الحفاظ على نفس التركيبة الحكومية مع تغيير في الأسماء، إلا أن عددًا من الأطراف السياسية الوطنية والدولية أرادت فسح المجال للتيار الإسلامي المعتدل المتمثل في حزب العدالة والتنمية للوصول إلى سدة الحكومة، ومن بعد وضع عراقيل له قصد إنهاء شعبيته المتزايدة، خصوصًا أنه حزب لم يجرب شؤون الحكم ودوالبه. وهذا ما حدث بعد أن ظل الحزب يتزعم الحكومة لمدة عشر سنوات من 2011 إلى غاية سنة 2021 قبل أن يتراجع إلى المركز الثامن في الانتخابات التشريعية الأخيرة.

بالنظر إلى القرارات السياسية الحالية والديناميات الدولية، يبقى اليمين المتطرف في أوروبا على خطى حركات سياسية سابقة، تم تعزيزها ثم تقليل تأثيرها من قبل القوى الكبرى. لكن التحديات الداخلية والضغوط الإقليمية قد تلعب دورًا كبيرًا في تحديد مسار هذا النهج المتطرف في المستقبل. .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. حزب الله وإسرائيل.. تصعيد متواصل على الحدود اللبنانية| #غرفة


.. تقارير: إسرائيل استهدفت قادة كبار في أعلى هرم الهيكل التنظيم




.. جهود التهدئة.. نتنياهو يبلغ بايدن بقرار إرسال وفد لمواصلة ال


.. سلطات الاحتلال تخلي منازل مستوطنين في القدس بعد اندلاع حريق




.. شهداء بقصف إسرائيلي استهدف مدرسة تؤوي نازحين وسط غزة