الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الحاضرية الوجودية ويوتوبيا الديمقراطيات الرأسمالية

غالب المسعودي
(Galb Masudi)

2024 / 7 / 3
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق


إن الديمقراطية كفكرة وممارسة ليست مشروعًا يوتوبيًا بحد ذاتها، بل هي هدف سياسي قابل للتحقيق في الواقع العملي، على الرغم من التحديات التي تواجهها. الفرق الرئيسي بين الديمقراطية ومشاريع اليوتوبيا هو الواقعية والقابلية للتطبيق. الديمقراطية هي نظام سياسي قائم على مبادئ محددة كالحكم بالرضا، احترام حقوق الإنسان، تداول السلطة، وغيرها، وهذه المبادئ يمكن صياغتها وتطبيقها على أرض الواقع، بالرغم من الصعوبات. أما المشاريع اليوتوبيا فهي أحلام مثالية عن مجتمع مثالي لا يمكن تحقيقه بالكامل في الواقع، لذا الديمقراطية هي عملية تطورية تتحسن تدريجيًا بتطور المجتمعات، بينما مشاريع اليوتوبيا تصور مجتمعًا مثاليًا كاملًا مرة واحدة، الديمقراطية هي نظام سياسي قائم على مشاركة الشعب في صنع القرار، أما مشاريع اليوتوبيا فقد تكون محصورة في أفكار نخبوية، بالطبع هناك تحديات كبيرة أمام تحقيق الديمقراطية الكاملة، لكنها ليست مستحيلة وتبقى هدفًا سياسيًا قابلاً للتطبيق على المدى الطويل.
إن مفهوم "يوتوبيا الديمقراطيات الرأسمالية" يشير إلى طرح لفكرة المجتمع المنظم ديمقراطياً حيث يتمتع جميع المواطنين بالحرية والمساواة والعدالة ، لكنها تشير في الواقع إلى أن تحقيق هذا النموذج سيكون صعبا المنال في ظل إساءة استخدام السلطة الديمقراطية, من قبل الحكام والمسؤولين الذين يتبنون التوجه الفلسفي والاقتصادي الرأسمالي الهجين, يتجلى هذا في أشكال مختلفة كالفساد والقمع والاستبداد, ومحاولة تطبيق الديمقراطية باعتبارها هدفا مجتمعيا لكنه يصطدم مع طموحات السلطات البائسة التي تدعي الديمقراطية, هذه نقطة مهمة لا شك, تواجه الجهود الرامية لتطبيق الديمقراطية ,وهي تمظهر شكلي من قبل السلطات التي تدعي الديمقراطية ولا تؤمن بها عمليا . فلسفيا لا تدعم الرأسمالية الانظمة الديمقراطية، الا انها تسوقها كباقي اليوتوبيا التاريخية والاسطورية، كالمدينة الفاضلة او جمهورية افلاطون او الجنة الميتافيزيقية. من وجهة نظر بعض المفكرين والفلاسفة، الرأسمالية لا تتناغم بشكل طبيعي مع الديمقراطية، وقد تكون الديمقراطية في الواقع مجرد "يوتوبيا" أو خيال في ظل هيمنة النظام الرأسمالي. ذلك لأن الرأسمالية تميل إلى تركيز السلطة والثروة في أيدي قلة من النخب والشركات الكبرى، وهذا يتعارض مع مبادئ المشاركة الشعبية والمساواة التي تقوم عليها الديمقراطية, من ناحية أخرى، هناك من يرى أن الرأسمالية والديمقراطية ليستا متناقضتين بالضرورة، وأن النظام الرأسمالي بإمكانه أن ينسجم مع بعض أشكال الديمقراطية، خاصة في الغرب, ففي هذه الرؤية، الديمقراطية ربما لا تكون مثالية أو كاملة، لكنها تمثل آلية للتداول السلمي للسلطة وحماية الحريات الفردية والملكية الخاصة التي تتوافق مع المصالح الرأسمالية, وذلك لأن الديمقراطية تتجاوز مجرد تحقيق الرفاه الاجتماعي، لتشمل المشاركة الشعبية الفاعلة في صنع القرار والتوزيع العادل للسلطة والموارد, وهذا يبقى تحدٍ كبير أمام التوجه الرأسمالي السائد. بشكل عام، يبدو أن تحقيق "اليوتوبيا الديمقراطية الرأسمالية" يواجه تحديات كبيرة على المستوى العملي، فالوصول إلى مجتمع قائم على الرخاء وتحقيق الذات للجميع يبقى أمرًا صعب المنال في ظل الديناميكيات الراهنة للنظام الرأسمالي. كما ان للحداثة الماركسية ورؤيتها للمستقبل كان له تأثير كبير على الفكر السياسي والاجتماعي، كذلك أثرت الحاضرية الوجودية بشكل كبير على رؤية الإنسان لذاته والعالم من حوله. لذا يمكن أن تساهم هذه الفلسفات في إعادة صياغة النماذج البديلة للتنظيم الاجتماعي والاقتصادي، هناك بعض الاليات التي يمكن للفرد من خلالها التوفيق بين الحاضرية الوجودية والديمقراطية في ظل البؤس الرأسمالي. وهو فهم الديناميكيات الفلسفية والاقتصادية التي أدت الى تراجع حاد في تطبيق ادعاءات الديمقراطية الرأسمالية منها:
خيبة أمل الديمقراطية
الوعود الكاذبة للديمقراطية في إحداث المساواة والعدالة الاجتماعية أدت إلى إحباط وشعور بانعدام الجدوى تجاه النظم السياسية الحالية.
التباين المتزايد
فجوات الدخل والثروة المتزايدة بين الطبقات المختلفة في ظل الأنظمة المدعومة من الرأسمالية قد بعثت على الإحساس بالغربة والإقصاء الاجتماعي.
التغيرات التكنولوجية السريعة
التحوّلات التكنولوجية السريعة والتأثير السلبي على فرص العمل قد أدت إلى ضياع الهوية والهدف لدى الأفراد.
العولمة وفقدان الهوية الثقافية
تأثير العولمة الرأسمالية على الهويات الثقافية المحلية خلق شعورًا بالاغتراب والبحث عن معنى وأصالة الوجود.
غياب الرفاهية الحقيقية
تركيز النظام الرأسمالي على الربح والاستهلاك بدلاً من الرفاهية الحقيقية دفع الناس إلى البحث عن أشكال بديلة للرضا والتحقق الذاتي.
في ظل هذه الظروف، تزداد الأفكار الإيديولوجية والدينية المتطرفة والطائفية التي تحاول تقديم إجابات وحلول بديلة للوجود والغرض من الحياة. هذا يتطلب إعادة النظر في النماذج الاقتصادية والسياسية السائدة لتحقيق مزيد من العدالة والرفاه الحقيقي, بالطبع، هذه التحولات الجذرية في المؤسسات والممارسات الديموقراطية لن تكون سهلة التنفيذ أو خالية من التحديات, لكن إذا تم تطبيقها بشكل صحيح، من خلال الحاضرية الوجودية تساعد في تجاوز قيود الديموقراطية الليبرالية الرأسمالية وتحقيق مستويات أعلى من المشاركة والعدالة والحرية الحقيقية للمواطنين.ان إمكانية الحاضرية الوجودية كنموذج فلسفي واقتصادي بديل للوقوف في وجه العولمة ونظام التفاهة و يوتوبيا الديمقراطيات المصاغة رأسماليًا سيكون من خلال:
التحدي للنيو ليبرالية والرأسمالية المتطرفة
الحاضرية الوجودية تقف في وجه المنطق الرأسمالي المتطرف للربح والاستغلال غير المحدود. بدلاً من ذلك، تركز على إعادة توزيع الموارد وتمكين المجتمعات المحلية والعمال. هذا يشكل بديلاً للنيو ليبرالية التي أدت إلى تفاقم أوجه عدم المساواة على الصعيد العالمي.
التركيز على البشرية والعدالة الاجتماعية
بدلاً من تقديس السوق والربح، الحاضرية الوجودية تضع البشر في المركز وتهدف إلى تحقيق المساواة الاقتصادية والاجتماعية. هذا يتعارض مع طبيعة العولمة التي غالبًا ما تركز على مصالح الشركات متعددة الجنسيات على حساب المصالح الشعبية.
التركيز على المحلي والمجتمعي
الحاضرية الوجودية تعطي الأولوية للمجتمعات المحلية والسيطرة الشعبية على الاقتصاد. هذا قد يشكل بديلاً للتجانس والهيمنة الثقافية التي غالبًا ما تصاحب العولمة.
إعادة التفكير في الطبيعة الإنسانية والحرية
بدلاً من النظر إلى البشر كوسائل للربح والاستهلاك، الحاضرية الوجودية تركز على الحرية الوجودية للفرد والتحقيق الذاتي. هذه الرؤية تشكل بديلاً للتبعية الاقتصادية والاجتماعية التي تفرضها العولمة.
بالطبع، تحدي هيمنة العولمة والرأسمالية المتطرفة هو تحد هائل. ولكن إذا تمت ترجمة مبادئ الحاضرية الوجودية إلى ممارسات سياسية واقتصادية ملموسة، فإنها توفر نموذجًا بديلاً قد يساعد في الوقوف في وجه الاتجاهات المهيمنة للعولمة. إن انحراف الحكومات عن تحقيق الحرية السياسية الحقيقية والتي ترتبط بقدرة الأفراد على تحقيق ذواتهم والتصرف بحرية والتوجه الى التطرف الأيديولوجي وديكتاتورية الطائفة، على حساب الديمقراطية الحقيقية، هي مشكلة كبيرة وواقعية يواجها العديد من المجتمعات في الوقت الراهن.
من منظور الفلسفةالحاضرية الوجودية، هذا الواقع يثير تحديات كبيرة فيما يتعلق بتحقيق الحرية السياسية الحقيقية والتي ترتبط بقدرة الأفراد على تحقيق ذواتهم والتصرف بحرية. عندما تفشل الحكومات في تمكين المواطنين وتدعم بدلاً من ذلك السلطوية والتسلط، فإن ذلك يحد بشكل كبير من إمكانية الأفراد لممارسة حريتهم السياسية والشخصية. من وجهة نظر الحاضرية الوجودية، هذا الواقع يؤكد على ضرورة نضال الأفراد من أجل تحرير أنفسهم والمجتمع من هيمنة السلطة السياسية المستبدة. يتطلب ذلك اتخاذ مواقف وإجراءات ثورية لإعادة تشكيل النظام السياسي بما يحقق الديمقراطية الحقيقية والحرية السياسية للمواطنين. تعكس هذه المشكلة الحاجة الملحة إلى تطوير فهم أعمق للحرية السياسية والديمقراطية من منظور فلسفي وجودي. وهذا ما يساعد على إيجاد الحلول المناسبة للتعامل مع تحديات السلطة السياسية. فلسفيا الديمقراطية تحتاج الى حاكم فيلسوف والفيلسوف لا يمكن ان يكون حاكما وهذه معضلة فكرية، أن هناك تناقضًا أساسيًا بين الحاكم الفيلسوف والفيلسوف الحاكم في الفلسفة السياسية. هذه المعضلة الفكرية التي طرحها أفلاطون في "الجمهورية" لا تزال تشكل إحدى أكبر التحديات في تحقيق الديمقراطية الحقيقية، من وجهة نظر الفلسفة الحاضرية الوجودية، هذه المعضلة تكشف عن التوتر المركزي بين حاجة المجتمع إلى قيادة حكيمة وحاجة الفرد إلى الحرية والاستقلالية. فالحاكم الفيلسوف، على الرغم من حكمته، ينتمي إلى عالم السلطة والإكراه، في حين أن الفيلسوف بطبيعته ينبغي أن يكون حرًا من قيود السلطة ليتمكن من البحث والنقد. قد تكون إحدى الحلول المقترحة هي تطوير نموذج للديمقراطية تشاركية، حيث يتم تمكين المواطنين من المساهمة بشكل مباشر في صنع القرار السياسي، بحيث لا يتركز الحكم في يد فرد أو مجموعة محددة. هذا قد يساعد في تجاوز هذه المعضلة الفكرية، بالإضافة إلى ذلك، يمكن أن تلعب المؤسسات والممارسات الديمقراطية الأخرى، مثل حرية التعبير والاجتماع وتداول السلطة، دورًا مهمًا في ضمان أن الحكم لا ينحصر في يد الحاكم الفيلسوف، في النهاية، إن معالجة هذه المعضلة الفكرية هي تحد مستمر في الفلسفة السياسية، والذي يتطلب جهودًا مستمرة لتطوير نماذج ديمقراطية أكثر شمولية وتمكينًا للمواطنين، ويشير ذلك إلى الصعوبات الكبيرة في التوفيق بين المثالية الفلسفية والواقعية السياسية.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. التشريعيات الفرنسية: ما السيناريوهات المحتملة في ظل عدم حصول


.. ما هي صلاحيات الرئيس الفرنسي في الجمهورية الخامسة وفق الدستو




.. الجولة الثانية من التشريعيات: نواب فرنسيون أعيد انتخابهم وآخ


.. أم سعودية تروي كيف ساعدت لعبة الغولف بتقوية العلاقة بين أفرا




.. رئيس جهاز الأمن الداخلي الشاباك رونين بار توجه إلى مصر لمواص