الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


رابعة لأوباما أو ثانية لترامب (2)

طارق الهوا

2024 / 7 / 4
مواضيع وابحاث سياسية


كان أداء جو بايدن الباهت المرتبك ليس مفاجئاً خلال المناظرة الأولى. المفاجأة، كذبة إعلامية تتردد وتنتقل بدون تفكير، فقد وصفه الرئيس السابق ترامب "جو النعسان ---sleep---y Joe" أثناء سباق حملتهما الانتخابية سنتي 2019/2020، لكن آلة الدعايات الجبارة ضد اليمين القومي بشكل عام وصفت ترامب بأنه ديماغوجي مراوغ غير صادق وفوضوي، ثم أثبتت الأيام مصداقية ترامب على الأقل في حكمه على منافسه بايدن.
عدم أهلية بايدن للحكم أو اعادة انتخابه لا تصب في مصلحة بلد بحجم أميركا، وما أعترف به حتى أشد أعداء ترامب بعد المناظرة، كان قمة جبل جليد فقط عن فترة أداء رئيس يُدار بواسطة من يهمس له من الخلف، وكانت معظم قراراته عكس مصالح الدولة الأميركية وفي مصلحة "الووكيزم" و " إعادة تشكيل العالم" great rest وغيرهم.
لا شيء عفوياً في المناظرات الأميركية، وهذه المناظرة صُممت بدهاء سيكولوجي شديد بحيث كانت المذيعة تسأل في معظم الاحيان ترامب (نظرية الإسقاط. وهنا تعني حث لاشعوري للمشاهد على هوس ترامب بمطاردة النساء) كما صُممت بحيث لا يعطي بايدن أي أرقام سواء عن عدد المهاجرين غير الشرعيين (ترامب ذكر 18 مليون وبايدن لم ينكر ذلك على الهواء) أو تصور حاسم عن الإجهاض حتى لا يفقد أصوات الديمقراطيين الكاثوليك، أو عن مشكلة التضخم التي ترهق المواطن صاحب الدخل الوحيد من معاشه أو تقاعده، كما تجاهل مصممو المناظرة تماماً ديون أميركا، وركزوا فقط على معرفة التزام ترامب بالاعتراف بنتيجة الانتخابات المقبلة في حال خسارته، ولم يُسأل بايدن السؤال نفسه، وكانت بعض أسئلة المناظرة فِخاخاً تجنبها ترامب بتحكم غير معهود منه في عفويته أثناء الاجابة، لأن ترامب كما يقولون في أميركا he talks his mind، وهي من سلوكياته المعروفة.
تمر أميركا بأزمات كل عدة عقود، نتيجة مساحتها وتنوع أعراقها وتزايد عدد سكانها، فخلال ستينات القرن الماضي تحدثت النخب عن سقوط وشيك بيد الشيوعيين، بعد اختفاء لجنة مكارثي بسبب اتهامها بالعنصرية والغوغائية والتزمت الديني، ثم أظهر النموذج الديمقراطي الليبرالي الأميركي قدرته على إصلاح نفسه، بل سقطت الشيوعية في عهد ريغان، ومالت دول كثيرة منها إلى النهج الرأسمالي.
أميركا اليوم لا تمر بأزمة اختلاف رؤى سكانها هذه المرة، بل تمر بضعف وأجندة داخلية/خارجية ممنهجة بتحالف أطياف "الووكيزم" كافة من يسار ويسار وسط وليبراليين ونافذين أصحاب نظرية إعادة تشكيل العالم من خلال الهجرة غير الشرعية، إضافة إلى الراديكاليين الإسلاميين.
أجندة ممنهجة تهدف في نهاية المطاف إلى "التغيير"، وهو شعار أوباما الذي لم يسأله أحد عن معناه أو شكله السياسي، ولا يعرف أحد شكله حتى اليوم، وما يُقال عنه إنه نوع من الاشتراكية.
هل صحيح أن الحزب الديمقراطي لم يكن يعلم بأداء بايدن المتردي خلال سنوات حكمه التي توشك على الانتهاء وفوجىء بأدائه أثناء المناظرة؟
من الصعب جداً أن يكون الجواب نعم، لأن هذا الرد معناه سذاجة سياسية غير مسبوقة وغير معهودة عند دهاة الديمقراطيين.
هم لم يقدروا تماماً أن تسعين دقيقة ستؤدي إلى الورطة الحالية وتداعيتها التي ستشكل كرة ثلج، ستجمع بايدن وأعضاء الكونغرس الديمقراطيين، لأن التراجع في جمع التبرعات الانتخابية سيطالهم جميعاً، وسيؤدي ذلك ربما إلى تقلص الأغلبية الديمقراطية في الكونغرس.
من المرّجح ألاّ ينسحب بايدن من السباق الرئاسي، رغم كل ما يُقال، لأن حلول نائبته أو زوجة أوباما أو حاكم كاليفورنيا محله قبل أقل من شهرين من المؤتمر الوطني الديمقراطي يحمل أخطارا كبيرة، منها عدم أهليتهم لهذا المنصب، وانقسام الحزب الديمقراطي نفسه، وعدم استطاعة أحد هؤلاء البدلاء الصمود أمام كاريزما ترامب، و"صدق" الأكاذيب والتلفيقات التي كان ولم يزل يقولها كما يزعمون.
مرارة المناظرة سيتجاوزها الحزب الديمقراطي كأن شيئاً لم يكن، وربما يعتبروها نكسة سينساها الناس مع حماسة المناظرة الثانية، التي يمكن لبايدن تخطيها بسلام بعد تدريبات مكثفة على ما يجب قوله، أو لأن أجندة النافذين في الحزب يمكنها قبول ربح ترامب لفترة ثانية، لأنه لن يستطيع علاج ما فعلوا، أو جعل اميركا عظيمة كما يقول. هم أصحاب نفس طويل مثل الإخوان المسلمين تماماً.
إذا فاز بايدن رغم كل ما يقال عنه حتى من الديمقراطيين، فمعنى ذلك أن تيار "التغيير" الذي يتبناه أوباما هو الذي فاز وليس هو، وهم على استعداد للتصويت حتى لخيال مآته ينفذ آلية "التغيير"، بغض النظر عن مصالح أميركا بوجود رئيس قوي.
كما أن فوز بايدن في انتخابات 2024 قد يسبب مشكلة أعمق بكثير من مشكلة 1960 عندما فاز جون كيندي بنسبة ضئيلة 113 ) ألف صوت من أصل 69 مليون صوت) على منافسه الجمهوري ريتشارد نيكسون، ففي تلك السنة عارض المحافظون من جنوبي أميركا السياسات الليبرالية لسيناتور ماساتشوستس الوسيم، خصوصاً فتح مسألة الهجرة لمواطني شرق أوروبا، والأميركيين الأفارقة وحقوقهم وما يسعى إليه مارتن لوثر كينغ، واشتبه الجمهوريون آنذاك في تزوير الانتخابات في إحدى عشرة ولاية ورفعوا دعويين في تكساس وإلينوي، حيث فاز كينيدي في كل منهما بأقل من 9 آلاف صوت، وقال الجمهوريون في الدعويين أن الديموقراطيين في إلينوي اقترعوا بأسماء الموتى في شيكاغو، ولم يشارك نيكسون في طعون الانتخابات، لأن "بلدنا لا تستطيع تحمل معاناة أزمة دستورية"، حسب ما قال.
فوز بايدن هذه السنة يمثل مشكلة أعمق هي الاختلاف العظيم بين رؤية أجندة حلفاء التغيير لأميركا، ورؤية المحافظين وعلى رأسهم دونالد ترامب الذين يرفضون تغيير أميركا ديموغرافيا أو سياسيا أو اجتماعيا. ولا أحد يستطيع التكهن بما سيحدث لو تنحى بايدن لسبب ما أو مات قبل الانتخابات (حالة تجمده أثناء الكلام ذات دلالة خطيرة)، أو لو حقق فوزه شبه المستحيل إذا واصل سباق الرئاسة، لأن ترامب لن يتخذ موقف نيكسون، كما لن يصمت أتباعه والمحافظون على استمرار "التغيير" لمدة أربع سنوات أخرى بحيث يصبح واقعا يستحيل تعديله أو تغييره أو إيقافه.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. عاملات منزليات مهجورات في شوارع بيروت | الأخبار


.. استمرار القتال والقصف بين حزب الله وإسرائيل • فرانس 24




.. -وُلدت خلال الحرب وقُتلت بعد أشهر-.. جدة تنعى حفيدتها بعد غا


.. ضربة قاصمة لحزب الله.. هل تعيد تشكيل مستقبل لبنان؟




.. عادل شديد: استمرار المواجهة سينعكس سلبا على المجتمع الإسرائي