الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أجراس الشتاء

فاطمة الشيدي

2006 / 12 / 16
الادب والفن


الشتاء !!
غواية الحكي على قارعة أرصفة عيون متربصة الدهشة ، والضحكات المتطايرة على جوانب الكون
أغنيات الدفء اليتيمة إلا من ذاكرة حبلى بالوله
قافية الروح المبللة بالأمنيات ، المدثرة بالمعاطف والشوق
رائحة المدفئة المتناومة على قدمي رب صغير يحتسى الشاي بالزنجبيل ويشتهي تلمس فراء قطته زرقاء العيون ..
في حين تناور رائحة اللبان كي تطغى على المشهد !!
***
في الشتاء!!
تعاتب زهور الغاردينيا الرب : " أنت لم تهب لنا معطفا ولا حبيبا وهذا البرد وفير !"
في الشتاء المطر حلم معلّق في سرة الغيم ، والقلب تتصاعد أبخرته من شدة الشوق ، و تتلوى الأصابع بين بعضها عناقا ، فيتحول الجسد محرقة للروح..
في الشتاء !!
طائر العتمة متأهب للتحليق بنا عاليا بين ثنايا فردوس غائر اللذة ، للانتشاء بالتدثر والنوم المبجل، والحلم بأزمنة خرافية الطعم والرائحة بين يدي كائنات أسطورية التمثل .
في الشتاء!!
تخلع الوجوه ملامحها في مقاربة فنتازية مع أصول الأشياء ، وتصير للماء حاسة سادسة ، وتشكيل خرافي البهجة في نزعته الغريزية للتكيف مع الفصول ..
التدحرج في الشتاء غاية الأشياء المتكورة
في الشتاء!!
تنقر الوحدة القلوب الزجاجية بإلحاح حاد وصارم كنقار الخشب فتحفر فيها حفرا عميقة وتترك ندبا بارزة..
ولاصدر غابة يضم بيت شعر تائه في مسارات الوجد
الأسئلة تتقافز في الشتاء كأطفال يمرحون فوق الثلج
هل كان عليك أن تذهب لتأتي ـ أو تأتي لتذهب و الأسماء لعبة ، والحظ جبروت الكائن ..؟
من أي الطرق يمكن للزوايا أن تلتحم .؟
وهل للمصابيح أن تعانق العتمة بوله جارح لتنضج الدمعة حين تتسرب بينهما حارة كالفناء ؟
هل كان عليّ أن أخبرك عن علاقتي بالمجانين الذين مروا على ذاكرتي ببطء غير مفتعل ، والذين قبلوني في الحلم من فمي، فما جزعت من العشق وكنت أنتظرهم كل ليلة ولكنهم لم يعودوا ..؟!!
لازلت أذكر كان أحدهم يبكي واليد العليا تسحبه من بين يدي بشعره الكث وعيناه العسليتان وقميصه المخطط بالكحلي ، وهو لم يفرغ بعد من قص حكايته عليّ عن الجنية التي رآها حين سال وادي "عاهن" واخترق المزارع ، وكان هو الوحيد الذي قاوم البرد والعتمة وحمل "الشيوَل" ليحرك الوادي باتجاه البلدة الرابضة شمالا جهة الماء .
وكان الثاني يتمنى أن ينظر في عينيّ ليرى أسنانه كاملة ، لتعجب به السيدة التي يخترع لها كل يوم حكاية عن البحر وحورياته اللواتي يختصصنه بالسمك الطري كي لايأكل البرد يده التي يداعبهن بها بلطف وحنان ..
***
المرايا التي خذلتهم كانت تعكس صوت جدتي وهي تغني لي أغنيات القيظ
كانت تقول : قلبك نافذة الشمس أغلقيه في الشتاء كي لايفضحك الحنين
وفي الشتاء أكل الغياب وجه جدتي وأصابعي
والغياب الذي يشبه طعم الكاكاو مع القهوة في صباحات الشتاء القارصة
أيضا لم يستثن وجهك الذي أنجبه الضوء في لحظة تعامد مع الأرض لاتتكرر
صيّره زادا له .. وصيرني للحنين
الآن ..سأستبيح حنيني لأبكيك .. أو لأقصيك ..
حاولت نزعك كعصابة لاتليق بأصحاب برج "الحمل" برج المجانين والشعراء
قصدت المقبرة ..
مررت أصابعي على جرحي فاشتعل مجددا .. فبكيت
كان دمه لايزال حارا
عمدته بالنسيان فاستفّحل في دمي عواصفا من الهذيان والأرق
كأن الحنين مراجيح القلب وغابة الرمل بعواصفها الصفراء
وكأن وجهك بوابة الحنين وكوة الشمس
صدى ضحكتك لازال يستبيحني ككمنجة بوتر وحيد ولحن مراوغ
وحجرة الذاكرة الخاصة بك أصبحت مضاءة بإضاءة وردية هذا الشتاء
كي لايدخلها أحد !!
مشاجبها وافرة الفوضى بكل ماعلق بالروح من بهتانك وموتي
كل شيء هناك إلا أنت
***
الصباحات المملوءة بدوائر الأدخنة تهبك مدفئة للروح
وطاقة للرؤيا المتعثرة
وحضورك الشهي كالشمس في الشتاء حاضر بقوة في مجالس النميمة والنقاشات المطوّلة
ولكنك صامت بينهم ..
لايسمع صوتك الحاد ، ولايرى لمعان عينيك حين تتشبث برأيك سواي
لذا قد يعجب البعض حين أضحك بلا سبب
الخيانات القصيرة التي أبادرك بها كل لحظة لأبرا منك
تتحول عجزا إلا عن سفر عميق في مداراتك الموازية للشمس
لادروب تصل الحلم ببقايا حنين مهجور وقافية معطرة بالنحيب
ولا ألسنة للأطفال الخرس الذين يبكون بكبرياء وأنفة على مدخل القلب كل ليلة أجاهد فيها كي أتنفس خارجك
ولا أثر لضحكة غائبة موجعة معلقة على أجراس المسافات وذكرى الهمس
الشتاء ذاكرة الموتى
وحنين الجهات للجهات
***
الشتاء !!
أن نتفنن في صنع رجل الثلج بأنفه الطويل وقبعته السوداء
ونبتسم حين نتجاذب الغطاء، وحين نشرب الدواء وحين ترتجف الشفاه كلحظة المكاشفة وترتعد الأوصال كلحظة اللقاء
حين تتعانق العيون باحتياج
والأكف باحتياج
والضلوع باحتياج
فالحب في الشتاء قطـرات .. قطـرات ..
ونحن نموت واقفين محتجبين وراء سحائب النسيان كسنديانة قديمة
ولا ننصف الأرواح بلحظة التذكر في لهفة الحنين
والشوق في الشتاء : زخـات .. زخـات .. زخــات ...
الشتاء جرحك المتقيظ كلما مر هسيس الهواء المحدودب الأشرعة
أو تلمظ طعم الملح الغارق في احتمالاته المنحسرة الشواهد عن زهد البحر في حواري المرجان
الشتاء!!
سحائب الذكرى التي تدغدغ المساء فيكركر بين يديها حتى البكاء
حين السماء ترتدي براقع الغيم ، وتشاكس النجمات ، وتبتسم للشمس المرتعدة كعجوز جميلة، وتنجب أطفالا مطهرين بالسيول يرفرفون بمظلاتهم الملونة بيننا
***
الشتاء !!
وجه المواقد حين تظهر أسنانها الملمعة بالدفء ، وتشتهي ظلال يديك على جمرها المتقد بالوله
لنشطر الأحلام بيننا كالرغيف ..
ونطعم السمكات المتراقصات على صوت المطر، من فتات الضحكات الطازجة
ونزرع الأمنيات زهورا بيضاء على قوارع الدرب التي نعبرها ليسقيها المطر قطـرات من دمه الأبيض
فيحفنا بالسلام
الشتاء ذاكرة القلب








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. فيلم السرب يتخطى 8 ملايين جنيه في شباك التذاكر خلال 4 أيام ع


.. الفنان محمد عبده يكشف عبر برنامج -تفاعلكم- أنه يتلقى الكيماو




.. حوار من المسافة صفر | الفنان نداء ابو مراد | 2024-05-05


.. الشاعر كامل فرحان: الدين هو نفسه الشعر




.. جريمة صادمة في مصر.. أب وأم يدفنان ابنهما بعد تعذيبه بالضرب