الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الأفروسنتريك والحقوق التاريخية المزيفة!

هويدا صالح
روائية ومترجمة وأكاديمية مصرية

(Howaida Saleh)

2024 / 7 / 6
مواضيع وابحاث سياسية


لم يكد ينتهي المصريون من"تقليعة" فيلم "كليوباترا" الذي أعلنت عنه منصة "نتفيلكس" وظهرت فيه الملكة المصرية الأشهر سوداء في إشارة إلى نسبة الحضارة المصرية القديمة إلى أفريقيا حتى تفاجئنا حركة "الأفروسنتريك" بزيارة للمتحف المصري بالتحرير وإصدار بيان زعموا فيه أنهم أصل الحضارة المصرية، وأكدوا أن محتويات المتحف كلها تُعبِّر عن حضارتهم الأفريقية وليس حضارة مصر القديمة..
وأثارت الصور غضباً واسعاً في مصر حيث تداولها على نطاق واسع رواد مواقع التواصل، وتساءل المصريون كيف دخل هؤلاء متحف التحرير؟ من تركهم يتحدثون من هناك عن مزاعم تسلب مصر حضارتها وتاريخها؟
لم يتوان عالم الآثار المصري زاهي حواس وقال في بيان تُرجِم للغة الإنجليزية أكد فيه أن الآراء التي أعلنها أًصحاب "المركزية الأفريقية" لا أساس لها من الحقيقة، بل هي مجرد ادعاءات ساذجة؛ ذلك أن مملكة كوش السوداء حكمت مصر عام 500 قبل الميلاد، والتي كانت نهاية الحضارة المصرية القديمة، مضيفاً أنه عندما حكمت مملكة كوش مصر لم تترك أثراً في الحضارة بل كانت الحضارة المصرية هي التي أثرت في شعبها.
ومما يؤكد تصريحات زاهي حواس أن المصريين القدماء لم يتركوا تفصيلة واحدة من حياتهم السياسية والاجتماعية بل وحتى الاقتصادية لم يسجلوها على جدران المعابد وفي البرديات العديدة والمحفوظ الكثير منها في كبريات متاحف العالم مثل متحف برلين ومتحف اللوفر ومتحف لندن وغيرها. وكل هذه الرسومات على جدران المعابد المصرية وهذه البرديات تصور الملوك المصريين واقفين وبين أيديهم أسرى من أفريقيا وليبيا وسوريا وفلسطين، وأن ملامح الملوك وقادة الجيوش المصريين تختلف كلية عن ملامح الأسرى.
ربما هذا يذكرني بموقف حدث معي قبل سنوات وكنت ضيفة على مؤتمر أدباء مصر في دورة أقامتها الهيئة العامة لقصور الثقافة في مدينة سوهاج، وشارك في هذا المؤتمر أحد الأدباء الذين ينتسبون إلى ثقافة حدودية، يُصرُّ بعض أهلها على الاعتزاز بالأصل البدوي في مقابل الهوية الثقافية المصرية. يومها أشار هذا الأديب إلى صورة في بردية يقف فيها الملك المصري وهو يقبض على رأس بدوي راكع أمامه وقال في تهكم: "جدك المصري ينكل بجدي البدوي". قلت له ساخرة: "إذا كنت بعد هذه الآلاف من السنوات ترى أنك لست جزءا من تراب هذا الوطن وهذه القومية المصرية فأنت ـ شخصيا ـ تستحق التنكيل بك وليس جدك البدوي فقط".
وبالعودة إلى الإشارات الثقافية التي يحملها الفن أو البيانات الأيديولوجية نرى أن اختيار ممثلة سوداء لتقوم بدور ملكة مصرية، بل أبرز الملكات المصريات إنما هو تزييف للوعي بالتاريخ المصري القديم وخاصة أن فيلم "كليوباترا" الذي أنتجته منصة نتفيلكس هو فيلم وثائقي، ومعروف أن الفيلم الوثائقي يعتمد أساسا على التوثيق التاريخي بالأدلة والوثائق وليس مجرد فيلم خيالي يتخيل فيه كاتب السيناريو ما يريد، وهذا يحمل إشارات ثقافية عديدة بدأت بعض الحركات للسود في أمريكا تروج لها رغبة في تزييف التاريخ، وكأن أمريكا وأوروبا ينتويان التخلص من الزنوج الأفارقة هناك بدفعهم للمجيء إلى مصر بحجة المطالبة بالحقوق التاريخية المزيفة والمدعاة، فهل تنوي أمريكا وأوروبا صناعة حركة أخرى تشبه الصهيونية العالمية التي مكنتهم من التخلص من اليهود بدفعهم إلى فلسطين؟
لم أكن مؤمنة بفكر المؤامرة، لكن الأيام علمتنا ألا شيء يأتي من الغرب يسر القلب! وأن الأفكار التي روج لها المجتمع الغربي ليست بريئة تماما وأن الغرض منها غالبا يكون الإضرار بمصلحة الشعوب في مناطق العالم الثالث التي يراها الغرب عبئا على الحضارة الإنسانية.
الأفروسنتريك أو المركزية الأفريقية؛ أصحاب البشرة السوداء؛ هي حركة عالمية تنطلق من أمريكا وتهدف إلى سرقة الحضارة المصرية، سرقة تاريخنا وأجدادنا، لصالح أصحاب البشرة السوداء، يقولون إن المصريين القدماء سود البشرة، وأنهم أحفاد المصريين القدماء، وأنهم من بنوا الحضارة المصرية، وأن المصريين أبناء الغزاة من اليونان والرومان والفرس والعرب.
تعالوا معي نترك فكر المؤامرة ونعيد ترتيب أوراق الأفروسنتريك ومن قبلهم أصحاب حركة" كيميت" وهي تقليعة أخرى انطلقت من الغرب وبدأت تستشري في بعض الدول الأفريقية، وتدعي أن الديانة المصرية القديمة هي ديانة أفريقية في إشارة إلى أن الأفارقة هم من بنوا مصر القديمة، وتطالب بإحياء تقاليد الديانة المصرية القديمة باعتبار أن كيميت هو اسم مصر قديما ويعني الأرض السوداء.
أقول تعالوا نعيد ترتيب الأوراق ونقرأ عبر تحليل الخطاب التاريخي القديم ربما نجد معهم بعض الحق في ادعاءاتهم، وربما نفند هذه الادعاءات تماما.
إذا كان الأفارقة هم من صنعوا الحضارة المصرية بما يتكشف عنها كل يوم من اكتشافات أثرية، حجرية وذهبية، لماذا لم نجد بعضا أو حتى جزءا صغيرا من هذه الآثار في إفريقيا؟ هل كل الأفارقة باتساع سكنوا مصر فقط، فتركوا آثارهم فيها؟ لنفترض أنهم بالفعل كلهم سكنوا مصر ثم طردوا منها إلى إفريقيا لماذا لم يقوموا عبر آلاف السنين بعد طردهم من مصر بصناعة حضارة يمكن أن تكون امتدادا للحضارة التي تركوها على أرض كيميت؟!
لماذا لم نجد في طول إفريقيا وعرضها معبدا أو هرما أو تمثالا أو حتى بردية تشبه ما تركوه على أرضنا؟! حتى التحنيط الذي كان طقسا مصريا قديما بامتياز ولم يتكرر في حضارة من الحضارات وأبقى على الكثير من جثامين المصريين القدماء حتى اليوم لماذا لم نجده في إفريقيا؟ هل سمع أحدكم عن جثمان إفريقي تمّ اكتشاف تحنيطه طوال السنوات الماضية؟!
إذا كانوا هم من صنعوا الحضارة المصرية القديمة لماذا لم نجد مفردة أو حتى بضع مفردات في اللغات الإفريقية المختلفة تنتمي في جذرها اللغوي إلى الهيروغليفية أو الديموطيقية والهيراطيقية. المتأمل للهجة العامية المصرية يجدها نهرا يسير تحت النهر، نهرا يضم الآلاف من المفردات التي تنتمي للغات المصرية القديمة بمستوياتها الثلاث، فأين تأثير اللغات المصرية القديمة في اللغات المحلية الإفريقية بطول القارة وعرضها؟!
نتأمل أيضا الثقافة المصرية القديمة بعاداتها وتقاليدها ووطقوسها وشعائرها نجد آثارها في تفاصيل الحياة المصرية المعاصرة، بداية من طريقة الزراعة وأدواتها، أشهر الأكلات التي وجدها الأثريون مدونة في البرديات وعلى جدران المعابد، الألعاب الرياضية المختلفة، وليس انتهاءً بالأمثال والأقوال المأثورة.

لقد وثق المصريون القدماء جميع جوانب حياتهم الاجتماعية والسياسية على جدران المعابد والمقابر لماذا لم يقم الأفارقة بتوثيق ورسم ونقش حياتهم؟!
حتى الأسماء المصرية القديمة ترتحل عبر الزمن بين المصريين، فنجد المصري ما يزال يسمي ابنه رمسيس أو مينا أو ميريت وغيرها من الأسماء.
هل يحتفل الأفارقة بالأعياد المصرية القديمة مثلما نفعل مثل طقس شمّ النسيم الذي كان المصري القديم يحتفل فيه بقدوم الربيع؟!.هل لديهم نفس التقويم المصري والشهور المصرية القديمة مثل شهور الفيضان وغيرها، وهل لديهم تقويم مصري قديم وسنة مصرية قديمة؟!
وأخيرا يجب ألا تستهين الدولة المصرية بمثل هذه الدعوات، بل يجب أن ترد عليها في المحافل الدولية حتى لا يجد المصريون الأفارقة وقد قدموا إلينا بهجرات كثيفة، ثم يطالبون بحقوق تاريخية مزيفة ويساعدهم الغرب على ذلك رغبة في التخلص منهم من ناحية لأن العنصرية البيضاء في الغرب الأوربي والأمريكي لا تتحمل الحقوق المدنية والمساواة مع الجنس الأسود، كما أن العنصرية البيضاء نفسها تريد أن تتخلص من إرث العبودية الذي يثقل تاريخها بترحيل العبيد عنها.
لا نريد أن نجد دويلة جديدة أختا لإسرائيل على أرض مصر. لا نريد أن يخترع الغرب لنا دويلة يسلحونها وتصبح أحد أذرعهم في المنطقة تدافع عن مصالحهم، وعلينا أن نتذكر مقولة الرئيس الأمريكي جو بايدن قبل شهور متحدثا عن إسرائيل: "لو لم توجد إسرائيل في الشرق الأوسط لاخترعناها".








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بايدن يدعو إسرائيل لعدم استهداف منشآت النفط الإيرانية.. هل ي


.. عاجل | غارات إسرائيلية متتالية على مواقع في ضاحية بيروت الجن




.. شاهد| غارات إسرائيلية متتالية تستهدف ضاحية بيروت الجنوبية


.. شاهد| سلسلة من الغارات العنيفة على الضاحية الجنوبية لبيروت




.. حزب الله: استهداف تجمّع -الكريوت- المحاذي لساحل خليج مدينة ح