الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أسلمَة الحرب على الارهاب

عبد الستار نورعلي
شاعر وكاتب وناقد ومترجم

(Abdulsattar Noorali)

2006 / 12 / 16
الارهاب, الحرب والسلام


أثناء حرب الشعب الفيتنامي مع الأمريكيين لتحرير أرضهم انتشر مصطلح سياسي جديد هو (فتنمة الحرب). بمعنى خلق حرب داخلية أهلية بين الفيتناميين أنفسهم . وكانت هذه خطة أمريكية لتحويل المعركة والمقاومة الشرسة البطولية التي كانت تجري في مواجهتها وتوجيه سلاح المقاتلين والمقاومين الفيتناميين الى صدور غيرهم من الفيتناميين ، لتتخول المعركة الى فيتنامية فيتنامية ، كي تتجنب القوات الأمريكية الضربات الشديدة والخسائر الفادحة والهزيمة المنكرة بعد أن تحولت انتصارات الفيتناميين الأبطال الى ملاحم يُضرب بها المثل ودرساُ نضالياً تحتذيها الشعوب المناضلة والمقاومة . فقد أخذت الشعوب في التغني بأمجاد الفيتناميين وقادتهم البارزين وعلى رأسهم هوشي منه والجنرال جياب. وكان حينها نغروبونتي السفير الأمريكي السابق في العراق بعد الاحتلال هو سفير أمريكا في فيتنام. ( والحليم تكفيه الاشارة).
لكن وعي الفيتناميين وحنكتهم وبراعة واخلاص ونظافة قادتهم وعدالة المقاومة والحرب وانخراط الشعب شماله وجنوبه تحت رايتها كان وراء فشل واندحار هذه النظرية (فتنمة الحرب).

ثم بدأنا بعد زمن نسمع عن (تعريب المعركة) اشارة الى معركة الشعب العربي الفلسطيني ومقاومته في وجه الاحتلال الاسرائيلي ، وذلك بخلق حروب وأزمات بين الاقطار العربية واشعال حروب أهلية ، وكذلك حروب بين العرب والدول الاسلامية غير العربية ، وبين الفصائل الفلسطينية المختلفة المقاومة لصرف النظر وتوجيه المعركة الى مسار آخر بعيد عن اسرائيل ومخططاتها ووجودها المهدد بالعرب المحيطين بها وبالمقاومة الفلسطينية. فكانت الحرب الأهلية اللبنانية 1975 ، وحرب الخليج الأولى بين العراق وايران ، ثم حرب الخليج الثانية لتحرير الكويت ، وما يجري على الساحة الفلسطينية هذه الأيام دليل واضح على ما نقول.
بالنسبة للشعب الفلسطيني وفصائله فإنه لحد الآن لايزال يقاوم ويقف في وجه هذه النظرية الشيطانية الخبيثة المخطط لها الانتشار على الأرض لتوجيه سلاح المقاومين الى صدور أبناء شعبهم .
لكن الى متى يا ترى ؟

ثم جاءت أخيراً كارثة احتلال العراق وما يجري على أرضه من مجازر رهيبة ومذابح بشعة يومية لم يشهد لها تاريخ الشعوب مثيلا.

بعد أحداث سبتمبر 2001 في نيويورك وواشنطن ، وتوجيه الاتهام الى الارهاب الاسلامي الأصولي ممثلاً بتنظيم القاعدة ، قامت قيامة الولايات المتحدة لتعلن الحرب العالمية على الارهاب. واتبعت وسائل أمنية وسياسية ومالية وعسكرية لمواجهة خطره الذي وصل الى داخل الولايات المتحدة والدول الأوربية الغربية الأخرى ، فقررت عسكرياً ضرب الارهاب في أرضه وساحته التي ترى أمريكا أنها قاعدة للتعبئة الدينية والنفسية والسياسية ومركز للتمويل والتجييش والعسكرة والتخطيط والتدريب ، وهي تشير في ذلك الى العالمين العربي و الاسلامي. فاحتلت أفغانستان لتقضي على نظام طالبان . ثم بدأت حملتها في التعبئة والتهيئة لاحتلال العراق ومن خلال التركيز على دكتاتورية نظام صدام حسين واضطهاده لشعبه ومحاولته امتلاك الاسلحة الكيمياوية وعلاقته بتنظيم القاعدة. كل ذلك تهيئة لتنفيذ مخططاتها القديمة في احتلال العراق والسيطرة على موارده النفطية الهائلة وموقعه الجغرافي الاستراتيجي المهم في منطقة الشرق الأوسط وآسيا والعالم. وأخيراً قامت باحتلاله وازاحة صدام حسين ونظامه بدعوى تحرير الشعب العراقي وبناء ديمقراطية متقدمة في العراق تكون مثلاً يحتذى لكل شعوب المنطقة وأنظمتها الشمولية والديكتاتورية.

الواقع أن الكثيرين من العراقيين وقواهم التي كانت تعارض نطام صدام حسين هللوا وكبروا لتخلصهم من صدام حسين ونظامه القمعي الدموي. لكننا منذ اللحظة الأولى للسقوط نبهنا الى أن الفرح شيء والتنبه الى مخططات أمريكا الاستراتيجية وأهدافها في الاحتلال والدخول الى المنطقة شيء آخر. وكان لسان حالنا يقول (على كيفكم ياجماعة !) فأمريكا ليست منظمة انسانية خيرية جاءت لصالح العراقيين لتنثر على رؤوسهم الخير العميم ، وانما هي قوة رأسمالية لها مصالح استراتيجية كبرى تتحرك على ضوئها ، وما احتلال العراق الا جزء من هذه المخططات الاستراتيجية، وأمريكا لا يمكن الثقة بها ولا التصديق بوعودها . وإذا اقتضت مصالحها في سحق الآلاف من البشر وتدمير البلدان والبنيان والشجر فلا مانع لديها ولا من وازع أو رادع انساني أو أخلاقي. فتاريخها السياسي المعاصر في العالم خير دليل على ما نرى وما نقول.

ومنذ أطلق الرئيس جورج بوش تصريحه بأنها حرب صليبية ، قلنا الله يستر. وحين أردف مصرحاً أن العراق هو الجبهة الرئيسة في الحرب على الإرهاب وكررها كثيراً ، أصابنا الرعب ، ووضعنا ايدينا على قلوبنا قائلين: اللهم سترك ، إن القادم رهيب ومرعب ، فاحفظ العراق وشعبه !
ولم تذهب توجساتنا ولا توقعاتنا أدراج الرياح . بل أثبتت الأيام والوقائع صحتها، والأحداث الجارية يومياً على أرض العراق دليل لكل ذي بصر وبصيرة .

لقد جعلت أمريكا العراق ميداناً للحرب على الارهاب، وبشكل لم يشهد له العالم والبشرية مثيلا. فالناس البسطاء الفقراء والمساكين من نساء وأطفال وشيوخ وشباب من الذين لا ناقة لهم ولا جمل فيما يجري بين أمريكا والارهاب أصبحوا هم ضحايا يومية لجنون حربها هذا وبالمئات بين قتلى وجرحى ومشوهين ويتامى ومشردين ومهجرين عن بيوتهم ومناطقهم ومن مختلف الطوائف دون استثناء. وقد عملت بخبث في تطبيق نظريتها في فتنمة الحرب على الواقع العراقي لتحول سلاح أعدائها من الارهابيين صوب صدور وظهور أخوانهم من المسلمين الأبرياء ، فتتحول الحرب العالمية على الارهاب وبتخطيط مدروس ومتقن الى اتجاه جديد يمكننا تسميته (أسلمة الحرب على الارهاب) . بمعنى ان الحرب على الارهاب تحولت الى حرب بين المسلمين أنفسهم من خلال تحويل المعركة الى حرب طائفية دموية بينهم ، وذلك في خلق عدو للارهابيين يأتي بالدرجة الأولى قبل الأمريكيين والصهاينة، وما هناك خير من بعث الروح في دعاوى وفقه التكفير للمذاهب الاسلامية الأخرى المخالفة لتكون هي العدو الرئيس الذي يجب أن يقاتلوه ، وتكون أمريكا واسرائيل في سلام وأمن وابتهاج وراحة بال. فيتحول الهدف الرئيس لأعداء أمريكا واسرائيل ممن يسمون بالارهابيين هو تحويل سلاحهم من صدورها لتتجه الى صدور اخوانهم من المسلمين الآخرين الذين يختلفون معهم في المذهب والطائفة ، وهم الأبرياء والفقراء والمساكين والباحثون عن لقمة العيش لأطفالهم ولعائلاتهم.

لقد نجحت أمريكا في أسلمة حربها ضد الارهاب باثارة النعرة الطائفية الاسلامية واحياء فكر التكفير واباحة القتل والذبح على الهوية وتعميقها وايصالها الى حد الاحتراب والذبح والتهجير والتطهير السكاني على الأرض العربية والاسلامية وبدأتها بالعراق ، لتكون تصفية حساباتها مع الارهاب هي تصفية المسلمين بعضهم لبعض. وبذا تضرب ثلاثة عصافير بحجر، أولاً ابعاد خطر وشر الارهاب عن أراضيها وشعبها ، وبالتوصيل أراضي وشعوب حلفائها الغربيين. وثانياً الانتقام لما حدث في نيويورك وواشنطن . وثالثاً تنفيذ مخططاتها ومخططات اسرائيل بسهولة وأمان وهدوء من خلف الكواليس. وبذا ترد الصاع صاعاتٍ . فمن يسمونهم بالارهابيين الذين يهددونها ومصالحها يقتلون أخوانهم المسلمين الآخرين ويُقتلون بأيديهم .
هذه المعركة الاسلامية والعربية الداخلية تجري بوعي أو بدون وعي لافرق وبدافع تكفيري أوانطلاقاً من خلاف عقائدي أوعداء سياسي مصلحي ذاتي يرتدي رداء الدين والطائفية البغيضة زيفاً. وهذا مما يضر بكل قضايا العرب والمسلمين العادلة ويضربها عرض الحائط.

ومع الأسف الشديد فإن بعض رجال الدين المسلمين بدراية أو بدونها يندفعون وراء هذا المخطط الشيطاني بعصابية وانفعال وبتأثير طائفي ظلامي متخلف ومن مواقف مذهبية مسبقة. والأدهى أن فتاواهم ودعاواهم وتحليلاتهم تشير الى المؤامرة الصهيونية الأمريكية الصليبية هذه. ومع ذلك فإنهم يزيدون النار حطباً وبنزيناً ، ويريدون تعميمها على الخارطة العربية والاسلامية كلها ناسين العدو الرئيس الذي هم يشيرون اليه مشخصين ، مما يؤدي الى كارثة ماحقة تأكل الأخضر واليابس.

وما يجري في لبنان هذه الأيام مثل آخر على أسلمة وتعريب المعركة وذلك فيما نلاحظه من محاولات لجر اللبنانيين وقواهم السياسية والمذهبية الى تطاحن طائفي مذهبي بعد انتصار المقاومة اللبنانية على الجيش الاسرائيلي المدجج بالسلاح ، وذلك لتفريغ هذا الانتصار من محتواه السياسي والوطني والقومي ، وابعاداً للخطر عن اسرائيل ومخططات أمريكا في المنطقة.
إن علينا قولة الحق حتى لو اختلفنا سياسياً حول هذا التوجه أو ذاك .

لقد نجحت امريكا في أسلمة الحرب على الارهاب في العراق ، وهي تجهد وتعمل مع بعض الجهلة والمتخلفين من رجال الدين ومن الساسة المنتفعين والقادة المتمسكين بكرسي السلطة حد التوريث على تعميمها على مجمل الخارطة العربية والاسلامية بجهالة عند البعض ، وبعمد عند البعض الآخر مع سبق الاصرار والترصد.

فاتقوا الله في خلق الله يا أولي الأمر، وياأئمة المسلمين ، ويا ايها المنتفعون من السياسين والكتاب ، ويا أصحاب المصالح الأنانية والذاتية!
فهل من سميع ؟!
قال الشاعر العربي:
لقد أسمعتَ لو ناديتَ حياَ ولكنْ لا حياة لمنْ تنادي








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ستيف بانون.. من أروقة البيت الأبيض إلى السجن • فرانس 24


.. فرنسا: حزب الرئيس ماكرون... ماذا سيقرر؟ • فرانس 24 / FRANCE




.. أوربان يزور أوكرانيا ويقترح وقفا لإطلاق النار للتعجيل بإنهاء


.. فرنسا: التعايش السياسي.. مواجهة في هرم السلطة • فرانس 24 / F




.. كبار جنرالات إسرائيل يريدون وقف الحرب في غزة حتى لو بقيت حما