الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


بينوشيه.. رجل زعم السيطرة على أوراق الشجر

إكرام يوسف

2006 / 12 / 16
حقوق الانسان


أصدرت قيادة الجيش في شيلي قبل أيام قرارا بطرد حفيد ديكتاتور تشيلي السابق أوجستو بينوشيه من الجيش، لمخالفته تقاليد وأعراف العسكرية وحديثه في السياسة. وحاول الحفيد التهوين من شأن القرار بأن صرح أنه هو نفسه كان يعتزم الاستقالة من الجيش خلال أيام. وذلك بعد أن ألقى حفيد بينوشيه خطبة بعد وفاة جده يدافع فيها عن عهد بينوشيه باعتباره أنقذ البلاد ن حكم الاشتراكيين في ذروة فترة الحرب الباردة. ولم يكن مفاجئا أن لا يحظى الديكتاتور البائد بجمازة رسمية بأمر رئيسة الجمهورية التي كانت إحدى الناجين من معسكرات التعذيب التي حفل بها عهده.. كما لم يكن مفاجئا أن يخرج إلى الشوارع ابتهاجا بموت الديكتاتور عشرات الآلاف من التشيليين سواء في تشيلي أو في بقية بلاد العالم التي هرب إليها تشيليون خلال حكمه وطلبوا اللجوء السياسي. وإن كان هؤلاء اختلطت لديهم مشاعر الفرح بمشاعر الإحباط بسبب عجز العدالة الدولية عن القصاص من طاغية راح ضحية انتهاكاته لحقوق الإنسان ثلاثة آلاف قتيل، كما تعرض 28 ألف شخص للتعذيب في فترة حكمه التي اغتصبها بعد قيامه عام 1973 بانقلاب أطاح بالرئيس التشيلي المنتخب سلفادور أيندي الذي وصل إلى حكم البلاد بعد انتخابات حرة ومباشرة عام 1973. غير أن وصول الزعيم الاشتراكي إلى حكم تشيلي في فترة كانت الاشتراكية تشهد مدا في أمريكا الجنوبية لم يرض الولايات المتحدة، التي لا تعجبها عادة نتائج الانتخابات الديمقراطية الحقيقية التي تجلب إلى الحكم حكاما وطنيين بالفعل لا يدينون بالولاء إلا لشعوبهم التي تتعارض مصالحها عادة مع أطماع واشنطن. وزاد من حقد الولايات المتحدة أن أيندي الذي أطلق عليه طبيب الفقراء واصل سياساته الوطنية التي هددت مصالح الإمبراطورية الأمريكية. ولم تستطع الإدارة الأمريكية في ذلك الوقت التشكيك في شرعية حكم الزعيم الاشتراكي الذي كان فوزه في الانتخابات النزيهة ـ بحق ـ أبعد من أن يطاله أي تشكيك. فلم يكن أمامها إلى اللجوء إلى السيناريو الأمريكي المعتاد؛ دفع أحد عملائها للانقلاب على الحكم الشرعي، ليقضي ما يقضيه من فترة حكم في خدمة مخططات واشنطن إلى أن يصبح "ورقة محروقة" فينتفي الغرض منه، ويسهل التخلص منه ؛ إما بتركه لشعبه يخلعه دون مساندة اعتادها مثل شاه إيران رضا بهلوي أورئيس إندونيسيا سوهارتو؛ أو فتح ملفات كانت تتستر عليه فيها مثلما حدث مع نورييجا رئيس بنما الذي انتهى به الأمر سجينا في قضية مخدرات أو..أو..والأمثلة كثيرة...

بصق على نعشه

وهو ما حدث بالفعل؛ إذ ما إن تولى أيندي الحكم رئيسا في الرابع من سبتمبر1970، رقي اوجوستو بينوشيه الى رتبة جنرال. ولدى استقالة الجنرال كارلوس براتس من قيادة الجيش في أغسطس 1973، أوصى بالجنرال بينوشيه خليفة له، قائلا أنه "قدم ما لا يحصى من الأدلة عن ولائه". إلا أن بينوشيه قام بعد ثلاثة أسابيع، في 11 سبتمبر 1973، بانقلاب أطاح فيه بالرئيس المنتخب الذي رفض الاستسلام وظل في قصره مرتديا الوشاح الرئاسي رغم أن القوات الجوية ظلت تقصف القصر وقوات المدفعية والمشاة تحاصره مطالبة إياه إما بالاستسلام أو الهروب، لكنه فضل أن يسقط شهيدا في القصر الرئاسي كما يقول أنصاره بينما زعم قادة الانقلاب أنه انتحر. وبعدها بأيام قتل بينوشيه الجنرال كارلوس براتس وزوجته، وفق ما ذكر ابنهما الذي قالت وكالات الأنباء أنه بصق على نعش بينوشيه أثناء تشييع جنازته قائلا أنه ينتقم لوالديه. وقضى بينوشيه 27 عاما في الحكم كان فيها كما يقول محللون مخلب القط الأمريكي في المنطقة..وكان ولاؤه الأساسي لواشنطن وليس لشعبه .. فبمجرد قيامه بالانقلاب حل الكونجرس التشيلي، و علق الدستور، وأعلن تشكيل المجلس العسكري الحاكم، و حرم الأحزاب السياسية اليسارية التي شكلت تحالف أيندي الحاكم، ومنع أي نشاط سياسي، و مارس الإرهاب السياسي. و أعلن صراحة بأنه يطمح لـ: "جعل تشيلي أمة من رجال الأعمال، لا البروليتاريين"، و لتنفيذ سياسته اعتمد في على خريجي الجامعات الأمريكية المتأثرين بالفكر الرأسمالي. وبدأ عصر إلغاء التنظيم و الخصخصة الاقتصادية، و ألغى الحد الأدنى من الأجور، وأبطل حقوق اتحاد العمال، وخصخص نظام الراتب التقاعدي، الصناعات الرسمية، و البنوك، خفض الضرائب على الثروات و الأرباح. ورغم أن المستفيدين من عهده يعتبرونه كما قال حفيده "أنقذ البلاد من بشائر حكم شيوعي". إلا أن غالبية شعبه ممن أضيروا بسياساته اعتبروه واحدا من أسوأ أنظمة العالم الديكتاتورية. واتهموه بانتهاج سياسية إرهاب الدولة المنظم التي قتلت و عذبت آلاف المعارضين، وأدت إلى نفي وهروب مئات الآلاف،و تفضيل مصالح الفئة الثرية الحاكمة، بتبني سياسيات اقتصادية آذت ذوي الدخل المتدني، و خدمت النخبة الثرية. حتى أصبح العدو الأول لكل مفكري وأحرار وكتاب أمريكا اللاتينية مثل جابرييل جارسيا ماركيز الكوبي الحائز على جازة نوبل الذي كتب كتاباً عن نظامه أسماه "مهمة سرية في تشيلي"، و استلهم سيرته في روايته الشهيرة "خريف البطريرك". و كذلك الروائية التشيلية إيزابيل أيندي(ابنة أخي الزعيم التشيلي) في روايتها "بيت الأرواح" التي استعرضت فيها فظائع نظامه، وغيرهما.

ثمن الديمقراطية
ويدحض المفكر الأمريكي الشهير نعوم تشومسكي إدعاءات المدافعين عن بينوشيه فيقول إن معدل البطالة ارتفع خلال حكمه من 4.3% في 1973 إلى 22% في عام 1983، بينما هبطت الأجور الحقيقية بنسبة 40% . بل أن وكالة الأنباء الفرنسية قالت في تغطيتها لوفاته مؤخرا: وكانت عمليات الإعدام الجماعية للمعارضين بعد الانقلاب، المؤشر الأول للثمن الذي سيدفعه المجتمع التشيلي "للديمقراطية المحمية" من "الخطر الشيوعي" الذي كان يؤرق بينوشيه. وأضيف إلى عمليات الإعدام، سجن كثير من قادة اليسار ونفي مئات آلاف الأشخاص والقمع العنيف للتظاهرات التي طالبت ابتداء من 1983 بعودة الديمقراطية.
هذا الرجل الذي لاحقته في سنواته الأخيرة منظمات حقوق الإنسان بدعاوى قضائية تطالب بالقصاص لضحاياه،وثبوت تورطه في تهريب عشرات الآلاف من الدولارات من المال العام إلى خارج البلاد وقيامه بالتزوير الضريبي غير أن العدالة الدولية البطيئة فيما يتعلق بأصدقاء واشنطن أمهلته إلى أن حان أجله الطبيعي .. هو نفسه الرجل الذي يجد بعض أنصاره الجرأة للدفاع عن عهده باعتباره كان ـ وياللسخرية ـ مدافعا عن الديمقراطية.. ذلك الرجل الذي لم يخجل يوما من أن يتباهى بالسيطرة حتى على أوراق الشجر خلال بقائه الطويل في الحكم، ففي احد الأيام، قال الجنرال بينوشيه الذي قاد واحدا من أشد الأنظمة العسكرية تعسفا في أمريكا اللاتينية ـ وهذا الوصف ليس من عندي ولكن طبقا لوكالة الأنباء الفرنسية التي لا يمكن بأي حال اتهامها بالعداء للنظم الغربية وديمقراطياتها المزعومةـ قال"لا تتحرك ورقة شجرة في هذا البلد أذا لم أحركها بنفسي، فليكن هذا واضحا"!!.
فعن أي ديمقراطية إذا يتحدث دراويش الليبرالية الجديدة والمدافعون عن كل ما يمت للولايات المتحدة وأصدقائها بصلة.. وأي حاكم ديمقراطي ذلك الذي "حمى" البلاد من رئيسها المنتخب شرعيا ـ والذي واصل سياسته النابعة من رؤيته لمصالح شعبه وفقرائه ـ ليدخلها في دوامة إعدامات جماعية ونفي وخطف وتعذيب.. ربما يستطيع المرء تفهم ـ مع التحفظ والاعتراض ـ موقف بعض المدافعين عن حكام ديكتاتوريين ناصبوا الديمقراطية العداء ، لكنهم اشتهروا بنظافة اليد وحظيت الغالبية من أبناء شعوبهم بمستوى عيش كريم تحت حكمهم.. فالفقراء ـ وهم غالبية الشعوب ـ يهمهم أولا أن يضمنوا لقمة عيش وفرصة عمل، كأولوية يمكن أن يتجاوزوا معها حتى عن حقهم في التعبير.. لكن حاكما ديكتاتوريا يناصب الديمقراطية العداء ويقهر المعارضين ويعدمهم ويعذبهم، ثم يحرص على أن يحقق مصالح الأثرياء على حساب الأغلبية من الشعب فترتفع معدلات البطالة وتنخفض معدلات الأجور بما يقارب النصف..أضق إلى ذلك ما عرف عن عدم طهارة يده وتهريبه الأموال خارج البلاد..أعجب كيف يجد مثل هذا الحاكم حفيدا يدافع عنه، ناهيك عن عدة آلاف خرجوا لتشييع جنازته وفي عيونهم الدمع؟!!.. إن أبلغ ما سمعته تعليقا على وفاة هذا الديكتاتور هو ما قالته إحدى التشيليات في تغطية لقناة فضائية "كنا نأمل أن تطاله العدالة الدولية ونشهد القصاص منه.. لكن عذرنا أن نال عقابه في الضمير الشعبي منذ عقود". وليس أعدل بعد ذلك من حكم التاريخ وذاكرة الشعوب!!








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بعد أعمال العنف ضد اللاجئين السوريين في تركيا.. من ينزع فتيل


.. تركيا وسوريا.. شبح العنصرية يخيم وقطار التطبيع يسير




.. اعتقال مراهق بعد حادثة طعن في جامعة سيدني الأسترالية


.. جرب وحالات من التهابات الكبد تنتشر بين الأطفال النازحين في غ




.. سوريون يتظاهرون ضد تركيا في ريف إدلب