الحوار المتمدن
- موبايل
الموقع
الرئيسي
حرب الأنفاق في غزة
الهيموت عبدالسلام
2024 / 7 / 11الإستعمار وتجارب التحرّر الوطني
الأنفاق مدينة تحت الأرض، هي الوجه الآخر لغزة أوهي غزة السفلى، جيش الاحتلال الصهيوني يسميها مصيدة الموت، طوابق فوق طوابق، تحولت من ممرات بدائية بين غزة ومصر لتهريب البضائع إلى أخطر جبهة حرب على الكيان، يقول "يحيى السنوار" إن شبكة الأنفاق تمتد ل 500 كيلومتر وتشكل سلاحا استراتيجيا.
استخدم البشر عبر التاريخ الأنفاق لكسر الحصار عن المدن والتحصن من هجمات العدو ، من عهد الإمبراطورية الرومانية مرورا بالعصور الوسطى إلى الحرب الفيتنامية أتبتث الأنفاق نجاعتها وقلبت نتائج المعارك وعقدت مهمة انتصار العدو وشنت حربا نفسية عليه، تعد تجربة الجبهة الوطنية لتحرير جنوب فيتنام "الفيت كونغ" (1954-1975) نموذجا عالميا للأدوار الحاسمة التي لعبتها حرب الأنفاق وسط بيئة من الغابات الرطبة غير المألوفة للقوات الأمريكية إذ كانت الأنفاق متاهات ضيقة مدججة بالألغام ولم يفلح الدخان والغاز المسيل للدموع الوصول إلى عمقها، وأوكلت مهمة دخولها وتنظيفها إلى فرقة منتقاة سميت الفئران وضمت الفرقة جنودا أمريكيين وأستراليين ونيوزيلنديين مدربين تدريبا عاليا ، وكان سلاحهم داخل السراديب المظلمة والضيقة السكاكين اليدوية والمصابيح اليدوية ومعدات بدائية لحفر التربة، يرى الكثير من الخبراء أن أنفاق الفيتنام على خطورتها الحربية مجرد لعبة أطفال مقارنة بأنفاق غزة .
حكاية أنفاق غزة
ظهرت أنفاق غزة في ثمانينات القرن الماضي نتيجة ترسيم الحدود بين مصر وكيان الاحتلال على طرفي الشريط الحدودي الذي يفصل رفح المصرية عن رفح الفلسطينية حيث شرعت الأسر الفلسطينية في حفر أنفاق تحت المنازل تخترق الحدود لتحافظ على أواصر القرابة بين المصريين والغزيين ، كانت حينها أنفاقا ضيقة وبدائية ، تهرب كذلك عبرها البضائع والأسلحة الخفيفة من مصر إلى القطاع ، خلال انتفاضة الأقصى( 2000- 2002) دشنتها فصائل المقاومة الفلسطينية وأطلقت سلاحا هجوميا نفذت من خلاله عمليات نوعية استهدفت مواقع الاحتلال مما عجل بانسحاب الاحتلال من القطاع سنة2005 ،وفي السنة التي تلت الانسحاب أعلنت قوة مشتركة من فصائل المقاومة عن عملية من داخل الأنفاق استهدفت موقع "كرم أبي سالم العسكري" داخل الأراضي المحتلة 1948 وانتهت العملية بقتل جنديين إسرائيليين وأسر ثالث وهو "جلعاد شاليط" ، منذ ذلك الوقت لم يتوقف العمل داخل الأنفاق واستمر تهريب البضائع والحاجيات الأساسية في ظل اشتداد وطأة الحصار مع صعود حماس للحكم 2007 ،وتواصل تكثيف الحفر يدويا وبالمجارف وأشغال التوسيع تحت الأرض والنتيجة شبكة عنكبوتية محكمة البناء على درجة عالية من التجهيز والتعقيد يمتد طولها 500 كلم وتصل إلى 1300 نفق ويصل عمق بعضها إلى 70 متر وفق بعض التقديرات ، مزودة بشبكة اتصالات مشفرة وأنظمة تهوية وتضم غرف قيادة ومخازن أسلحة وأغذية وأدوية وكل ما يلزم للحرب والصمود. صٌممت غز ة السفلى لإدارة المعارك وتخزين العتاد وتنظيم معارك هجومية للتوغل داخل الأراضي المحتلة وأسر الجنود وصد الاحتياجات البرية وأدوار دفاعية كالاحتجاب عن أنظمة التجسس وعن طيران الاستطلاع. شن جيش الاحتلال حملات تدمير وتفجير الأنفاق مستعينا بأحدث أجهزة الرصد والتتبع، وأرسل الجنود ولكنه لم يفلح في الوصول إليها، وحتى الجدار الفولاذي الذي بناه كيان الاحتلال بتكلفة تفوق مليار دولار لتحصين نفسه من تسلل فصائل المقاومة من تحت الأرض فشل في المهمة ، الجدار الذي اعتبر سدا منيعا ويخترق الأرض ومزود بأحدث تقنيات الاستشعار تحطم في 7 أكتوبر 2023 في معركة طوفان الأقصى بعدما تم اختراقه في 29 نقطة استوعب معا الاحتلال في خلاصة كبيرة أن القضاء على المقاومة لن يتم دون القضاء على الأنفاق بالكامل .
إن البقاء تحت الأرض لفترات طويلة ليس بالأمر الهين كما أفاد مئات المقاتلين الأوكرانيين الذي لجأوا للأنفاق أسفل مصنع "آزوفستال" للصلب خلال الهجوم الروسي على "ماريوبول" سنة 2022 وسرعان ما نفذ الطعام ومياه الشرب لدى تلك القوات، وكانوا يفتقرون إلى أبسط الخدمات الصحية والطبية ناهيك عن الاتصال بشبكة الإنترنيت والقدرة للحفاظ على التواصل مع العالم الخارجي ولم يتمكن الأشخاص الذين يقاتلون في أنفاق "آزوفستال" من البقاء على قيد الحياة لأكثر من شهرين . في غزة استطاعت المقاومة أن تحافظ على الوجود العسكري تحت الأرض في شهرها العاشر وحطمت أرقاما قياسية في بناء متاهات طويلة من الممرات التي تمتد تحت غزة والتي تشمل مطابخ مجهزة بالكامل ، وغرف قيادة مفروشة ،ومراكز بيانات متطورة ،وحمامات مبلطة ، وزنزانات احتجاز للرهائن مسيجة، وأماكن للنوم وقاعات اجتماعات ومصانع للأسلحة وسلسلة لتوزيعها ،ويبدو أن حركة حماس لم تكن مقيدة بالإكراهات الجيولوجية والصعوبات الهندسية أو التخطيطية ،ويبدو أن كان لديها متسعا من الوقت تصل التقديرات لأكثر من عقدين من الزمن للحفر والبناء والصقل والتحسين سواء داخل الحدود المصرية وداخل قطاع غزة وداخل الأراضي المحتلة 1948، وما يؤكد ذلك أن النفق الذي تم اكتشافه بالقرب من المعبر الحدودي "معبر إيريز" بين غزة و"إسرائيل" يبلغ عرضه حوالي عشرة أقدام وقد تم حفره بمعدات مدنية متطورة.
هناك دائما ضوء في نهاية النفق
يمتلك جيش الاحتلال التكنولوجيا الأكثر تقدما في العالم لمكافحة الأنفاق، وتم نشر تقنيات الكشف والتحييد المتقدمة لمواجهة تهديد أنفاق حزب الله داخل "إسرائيل" في عام 2018،كما قام بتدريب وحدات خاصة على حرب الأنفاق، وبنى مرافق تدريب تحت الأرض، وطور أجهزة استشعار تحت الأرض لحماية حدود الكيان، وأنجزالمهمة الصعبة المتمثلة في رسم خرائط الأنفاق بواسطة استخدام طائرات بدون طيار، أرسل جيش الاحتلال القوات أولاً ثم الروبوتات والطائرات بدون طيار مزودة بكاميرات فيديو إلى الأنفاق، والكلاب المدربة لاكتشاف وجود متفجرات أو أشخاص، ثم انتقل إلى قاذفات اللهب والأسلحة الحرارية والقنابل الخارقة للتحصينات وغيرها من الصواريخ الجوية الموجهة بدقة، وفي كثير من الأحيان فشلت هذه التدابير في القضاء على المقاومة التي تغلبت على جميع العقبات المرتبطة بالاتصالات والملاحة والتهوية ورهاب الأماكن المغلقة وتخزين الأسلحة و الحفاظ على الرهائن، وفشل معه التقدم التكنولوجي والاستخباري وكل أنواع الأسلحة التي استخدمت ضد أنفاق "أسامة بن لادن" في جبال أفغانستان الذي مكنه من التهرب من القوات الأمريكية والتخطيط لهجمات دون أن يتم اكتشافها، وضد تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي في مالي، حيث استُخدمت الأنفاق في شن هجمات من مخابئ تحت الأرض منيعة نسبيا، وضد تنظيم الدولة الإسلامية ( داعش)، الذي استخدم الأنفاق لشن هجمات على القوات المتعددة الجنسيات بقيادة الولايات المتحدة في العراق وسوريا. إن أنفاق فصائل المقاومة متقدمة للغاية لدرجة أنها تشبه إلى حد كبير الطريقة التي تستخدم بها الدول الهياكل تحت الأرض لحماية مراكز القيادة والسيطرة والمنشآت النووية الموجودة في إيران وكوريا الشمالية ودول أخرى من حيث حجمها وأعماقها و طرق بنائها والتي تتميز بأسقفها المقوسة الإسمنتية. شبكة الأنفاق بغزة هي نقطة الضعف الاستراتيجية للكيان ونقطة قوة لفصائل المقاومة، ستحقق المقاومة بهذا السلاح الاستراتيجي النصر على الكيان، ويبدو أن الأنفاق ستلهم الآخرين في الحروب القادمة وسيغري هذا الطراز من الحرب الكثير من المناطق.
اعتمدت في هذا المقال على دراستين لنفس الكاتبة "دافني ريتشموند باراك" الدراسة الأولى "هل تنتصر إسرائيل في الحرب على أنفاق غزة؟" المنشورة بمجلة فورين بوليسي بتاريخ 6يناير 2024 ،
الدراسة الثانية تحت عنوان "حماس أعادت الحرب السرية: أنفاق غزة سوف تلهم الآخرين" منشورة بمجلة الشؤون الخارجية بتاريخ 6 يونيو 2024
|
التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي
.. ما الكلفة الإنسانية التي تكبدتها غزة ولبنان بعد عام من الحرب
.. الانتخابات الرئاسية التونسية : مشاركة ضعيفة لنتيجة قياسية؟
.. إسرائيل: ما الذي تغير بعد السابع من أكتوبر؟ • فرانس 24
.. تونس: ما ردود الفعل الأولية على نتائج الانتخابات الرئاسية ؟
.. عام من الألم للأمهات في غزة وإسرائيل.. ونداء لإنهاء الحرب -ل