الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


-الاتجاه المعاكس- للمنطق: الدكتاتورية هي الحل!

جورج كتن

2006 / 12 / 16
الصحافة والاعلام


"الاتجاه المعاكس" للمنطق: الدكتاتورية هي الحل!
في الذكرى العاشرة لتأسيسها أضافت "الجزيرة" قناة جديدة إنكليزية لسلسلة قنواتها. الفضائية في سنواتها الأولى كانت فعلاً "جزيرة" لجأ إليها مشاهدون عرب هرباً من قنوات بلدانهم الرسمية ذات البرامج السياسية الخشبية المروجة للحكام المستبدين وإنجازاتهم المدعاة وكلماتهم الخالدة.. الجزيرة أعطتهم الأمل بأن تطور تكنولوجيا البث الفضائي يمكن أن ينقذهم من الإعلام الحكومي المولد للسأم والركود..
إن التوقف أمام مسيرتها خلال العقد المنصرم لمعرفة مدى نجاح برامجها أهم من التوسع العددي للقنوات. لسنا في موقع تقييم شامل للفضائية, إلا أنه من المناسب تسليط الضوء على أحد برامجها- الاتجاه المعاكس- الذي رغم جذبه لاهتمام المتابعين في سنواته الأولى, بات الآن مكرراً وبالياً وجالباً للصداع, حتى لا نقول أنه أحياناً مثيراً للاشمئزاز, وذلك يعود لمعده أولاً ثم لمعظم الذين اختارهم للمشاركة في برنامجه بعيداً عن الحيادية والنزاهة.
من المفترض أن البرنامج يقدم حواراً سياسياً يمكن كل مشارك من طرح أفكاره مهما كانت مخالفة للطرف الآخر أو لرأي المذيع, الذي يحافظ على مسافة واحدة من المتحاورين فلا ينحاز ولا يتدخل لطرح رأيه الخاص. إلا أن البرنامج تحول إلى حلبة صراع ديكة, بعد رفض ناشطين عديدين المشاركة فيه لعدم الانجرار للمهزلة المدبرة سلفاً. فمدير الحلبة يفضل ديكاً صياحاً مفتول العضلات ذو آراء متوافقة معه, وآخر متسامح يرد على الاستفزاز بابتسامة حتى لو أنشب الديك المصارع لمعد البرنامج مخالبه فيه, يتوافق مدير الحلبة مع ديكه المختار للسخرية من آرائه ومن أصحابها و"مسح الأرض" بها وبهم, باستعمال المقاطعة والمنع من الرد والسباب..
لن يجد معد البرنامج تطويراً له مستقبلاً سوى تزويد المشاركين بعصي لاستعمالها عند الحاجة, أو إدخال مفاجئ لعناصر أمنية تعتقل صاحب الرأي المخالف لمتعهد البرنامج, الذي بدل تقديم حوار حضاري, يعرض حلبة صراع سلاحها الشتائم والصراخ والمبالغات الكلامية وتشويه الحقائق, وصورة مبتذلة لحرية التعبير تنفر من "ديمقراطية" على هذه الشاكلة, وتصل لنتيجة أن حرية الرأي هي آخر هموم الفضائية. فالبرنامج يذكر بأحمد سعيد مؤسس "المدرسة البوقية" التي خرجت الصحاف والبكري وقنديل وغيرهم.. التي من ميزاتها: "الوطنية" الموتورة النزقة التخوينية, المروجة لدكتاتور ما على أنه مخلص الأمة ومحقق نهضتها..
لقد وجهت اتهامات عديدة للجزيرة منذ تأسيسها, أهمها أنها مدعومة من أنظمة ضد أنظمة أخرى.. لكن عدائها لأنظمة لا يعود لديمقراطية الفضائية, بل لسيطرة اتجاه إسلاموي بغطاء حضاري ظاهري على إدارتها, بسياسة قريبة من التنظيم الدولي لجماعة الإخوان, مزيج من تيار إسلاموي عربي وتيار قومي متأسلم ملحق بالأول, فحدود ديمقراطية القناة لا تتجاوز حدود فهم المتأسلمين المعتدلين للديمقراطية كوسيلة انتخابية للوصول للحكم كمقدمة لإقامة سلطة دينية شمولية, وليس كمنهج وهدف بحد ذاته لحياة أفضل.
من هذا المنطلق يتضح سبب اتهام الفضائية بدعم الإرهاب فهي تعرض أشرطة القاعدة وتروج لها بطريقة ذكية, ولها على الأقل اثنان من العاملين فيها مدانين بمساندة المنظمات الإرهابية أو بالمشاركة في نشاطاتها, فرغم شجب الإسلام السياسي للإرهاب فهو يبرره إذا استهدف الغرب "الكافر" ويرفضه عندما يتوجه لأهداف محلية.
لا يمكن لعاقل أن يصدق أن الجزيرة تهتم بالرأي والرأي الآخر عندما يشاهد برنامج "الاتجاه المعاكس", أو يتابع كتابات معد البرنامج وخاصة مقاله في الشرق القطرية (3/12) المعنون: "ما أحوج لبنان والعراق لديكتاتور", الذي يقول فيه أن كتاب "طبائع الاستبداد" عزيز على قلبه, ومع ذلك حوله إلى "منافع الاستبداد" عندما ادعى أن الكواكبي لو كان حياً "لنصح لبنان والعراق اللتين تعيشان في ظل ديمقراطيتين مزعومتين بالبحث عن طاغية ليتخلص من آفة الطائفية" !!
يخلط الكاتب لبنان بالعراق قصداً متجاهلاً استعادة لبنان كجزيرة للديمقراطية في العالم العربي, فيغمض عينيه عمداً عن مئات الآلاف التي نزلت للشارع تأييداً لطرفي الموالاة والمعارضة دون حوادث إلا فيما ندر. كما يصف التعدد الحزبي اللبناني بالإسهال ويعتبره عبثاً وشرذمة, وينتقد تعدد وسائل الإعلام ويفضل عليها إعلام: "يسيطر عليه الدكتاتور وحزبه ليكتم أنفاس العابثين والمعارضين"!! ويترحم على طغاة الحزب الواحد المسبح بحمد المستبد الأوحد, ويشبه ذلك بأن: "للكون العظيم رب واحد"!!
ويرى أن لكل حزب في لبنان ميليشيا مع أن ذلك لا ينطبق إلا على حزب الله حالياً, ويرفض تمثيل الأحزاب اللبنانية في المهجر رغم أن أعداد المغتربين أكبر من المقيمين في الوطن, دون أن يمنع ذلك اهتمامهم ببلدهم من خلال الأحزاب التي تمثلهم. ويرى أن الحل "بجنرال عضوض" من أمثال عون ولحود يقوم بقبضته الحديدية "باستئصال" ديمقراطية الطوائف اللبنانية عن بكرة أبيها!! بدل تحويلها إلى ديمقراطية علمانية, وهي عملية تتطور منذ عام بتكاتف معظم الطوائف لبناء لبنان لكل مواطنيه, لولا القطاع اللبناني المعطل, الوفي للقوى الإقليمية, المتمسك بدولته ضمن الدولة, والساعي للسيطرة على الدولتين معاً, والمصر على لبنان كساحة دائمة للصراع بين القوى الإقليمية والدولية.
يستشهد الكاتب بمثال يتناقض مع دعوته للاستبداد فيقول أن "الهند تخلصت من تناقضاتها الطائفية والعرقية الخطيرة بنظام علماني ديمقراطي صهر الجميع في إطار واحد", ليستخلص من النموذج الهندي بخفة مذهلة حلاً عجيباً من نوع "الأكشن المعاكس": اجتثاث الطائفية اللبنانية يتم فقط عن طريق ديكتاتور.
أما بالنسبة للعراق فيتباكى على الوضع التراجيدي الذي وصل إليه مع تجاهل المسبب الأول في دفعه للانزلاق للحرب الأهلية الطائفية: الحركة السلفية الإرهابية, التي قدمتها الجزيرة على أنها "مقاومة للاحتلال", والتي كفرت الشيعة كروافض وحللت دمهم وفجرت أجسادهم ومساجدهم وبيوتهم..
في العراق يحن الكاتب للدكتاتور السابق صدام الذي كانت له أياد بيضاء على "الجزيرة", فيمدح مقابره ومجازره, و"يلعن الساعة التي فقد فيها العراق نظامه الشمولي الصارم على علاته الكارثية"!!؟؟ فالديكتاتورية هي الرمد المقبول, والديمقراطية هي العمى المرفوض!!. الاستئصال والسحق والقتل كحل للطائفية ليس اختراعاً للكاتب, بل اقتباساً من عهود البربرية والهمجية القديمة, تراث قديم يسترجع كدواء شاف لكل الأمراض!!.
ولا بأس أيضاً من احتواء المقال لتسالي مثل أن قتلى العراق "مليون" حتى الآن, وهي مبالغة تستدعي الترحم على "أبو لمعة" المصري الذي لم يصل رغم ألمعيته للضرب بعشرات لإضحاك جمهوره, والمهرجون يدخلون التاريخ أيضاً على خطى جحا وكركوز عواظ والمهداوي..
هل هذا المنطق البائس من مؤهلات معد برنامج يفترض فيه تشجيع حرية الرأي والرأي المعاكس؟ سؤال نوجهه لإدارة الجزيرة, ولا نظن أنها غافلة عما يعرض. ونأسف لهدر التقنية العالية التي تستخدمها الفضائية لترويج الحلول المتخلفة. ونتساءل عما ستبثه القناة الإنكليزية في برامجها, هل ستنصح الغربيين بالعودة لأشباه هتلر وموسوليني وستالين وتشاوسيسكو كحل لمواجهة العمليات الإرهابية؟ أم ستتخصص بمهاجرين عرب لجأوا للغرب طلباً للعلم والرزق وهرباً من الاضطهاد لتنصحهم بنشر الإسلام في "دار الكفر" مثلاً؟
قدمنا نموذجاً من أفكار أحد أهم معدي برامج "الجزيرة", لنستنتج أن التجديد والتطوير لا يتم بتكثير القنوات بل بتحديث البرامج وبالتخلص من الفاشلة والمسيئة بينها. وقد تعرض آخرون لجوانب أخرى من فعالياتها, ليس بحثاً عن "فضائح" الفضائية, ولكن في إطار النقد والسعي للأفضل, لما للجزيرة من دور في توجيه الرأي العام العربي وصناعة المستقبل.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. سوريات كرديات يحرسن حقول القمح بالكلاشينكوف | الأخبار


.. قطاع غزة: المفوض العام للأونروا يقول إن إسرائيل قصفت مدرسة -




.. نهاية حزينة لكلب اشتهر بالعزف على البيانو.. هكذا كانت مقطوعت


.. الاستثمار في الهيدروجين.. هل ينجح رهان الدول العربية؟




.. ناجية من مجزرة النصيرات تصرخ بمستشفى شهداء الأقصى