الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


نعرات الانفصال في العالم العربي الإسلامي: تقرير المصير داخل الدولة الموحدة القوية أم ‏تشتيت يؤدي إلى خلق كيانات مشوهة ضعيفة؟ ‏

عبداللطيف هسوف

2006 / 12 / 17
القومية , المسالة القومية , حقوق الاقليات و حق تقرير المصير


شكلت دراسة الجماعات البشرية أحد فروع المعرفة الهامة، وهي تهدف إلى التعرف والإطلاع على الاختلاف ‏والتنوع الناتج عن عوامل متداخلة. اختلافات ترتبط بما هو جغرافي وتاريخي وديني... بما هو ثقافي ‏وحضاري... لكن هذه الدراسات على أهميتها البالغة لم تكن دائما بريئة، فالبعض استثمرها من أجل سيطرة ‏مجموعة بشرية على مجموعة بشرية أخرى، أدت في درجاتها المتقدمة إلى الاحتلال المباشر والاستعمار للأرض ‏والتسلط على الشعوب من أجل استغلالها واستنزاف ثرواتها، وأدت في درجاتها المتخفية إلى إقرار التبعية ‏والاستلاب بجميع مظاهره. ‏
إن التاريخ مليئ بتقارير أوربية حول شعوب قصد تمهيد الطريق لاستعمارها واستغلالها. كما لجأت الولايات ‏المتحدة الأمريكية خلال الحرب الباردة، وتلجأ اليوم، إلى إنجاز دراسات حول المجتمعات المختلفة من منطلق ‏السعي إلى التعرف على بنية وهيكلية هذه المجتمعات... من أجل حصر قومياتها والتعرف على خصوصياتها ‏ومواطن قوتها وضعفها. وبخصوص الاستعمار الفرنسي لشمال أفريقيا مثلا، فقد مهد له منظرو الاستعمار ‏لاتيراس‎ LA TERRASSE ‎‏ ومونتي‎ MONTAGNE ‎‏ وأضرابهما من الباحثين المشهورين. إن نظريتهما ‏حول عداء نهائي وأزلي متوارث‎ ‎ما بين الأمازيغي والعربي، أو سكان الجبال وسكان السهول، أو "بلاد المخزن" ‏و"بلاد‎ ‎السيبة" أو المغرب النافع و المغرب غير النافع لا تنجلي إلا على محاولة للوصول إلى إذكاء للفرقة ‏وتأجيج نار الفتنة وسط الشعب المغربي. والأمر قد لا يختلف حين يلعب الغرب اليوم على وتر الإثنيات ‏والقوميات والديانات في العراق وتركيا وإيران ولبنان ومصر والجزائر...‏
إن ما يسعى إليه الغرب حاليا هو تقسيم العالم الإسلامي والعربي إلى دويلات على أساس ديني أو لغوي... ‏على أساس عرقي أو إثني... فلبنان، هذا البلد الصغير، يريدونه مشتتا بين الشيعة والسنة والمسيحيين... بين ‏العرب والدروز... والعراق يريدونه ممزقا بين الأكراد والعرب والتركمان، بين الشيعة والسنة... ودول شمال ‏أفريقيا يريدونها مقسمة بين الأمازيغ والعرب، ومصر يريدون أن يحدثوا فيها تناقضا بين المسلمين والأقباط، ‏والسودان يريدونها مجزأة بين أفارقة زنوج وعرب مسلمين...إلخ. ‏
بالطبع، إن مسألة تقرير المصير لشعوب كثيرة في العالم ترزح تحت الديكتاتورية أمر لا يمكن إلا أن نتفق ‏معه، لكن يجب أن تتم المطالبة بالحكم الذاتي أو بالحكم الفيدرالي أو بتحقيق مطالب الخصوصيات الثقافية ‏والاجتماعية والاقتصادية... يجب أن تتم هذه المطالبة داخل الدولة القوية الوحيدة الموحدة. إن الممسكين بتلابيب ‏الغرب من أجل الانفصال عن أوطانهم لا يعون خطورة الاحتماء بالأجنبي ضد أبناء جلدتهم وأبناء وطنهم. إن ‏الذين يستقوون بالدول العظمى ضد دولهم خونة لن يحققوا نصرا بعيد الأمد. الاحتماء والإستقواء يجب أن تسنده ‏شرعية المطالب، والنضال من أجلها داخل الوطن حتى وإن اقتضى الأمر قلب الأنظمة المتسلطة الديكتاتورية. إن ‏الوطن ملك للجميع (جميع الإثنيات والأعراق والتوجهات... الأكثرية والأقليات...)، أما الأنظمة فهي عابرة ‏تتلاشى مع الوقت متى كانت ظالمة فاسدة ومفسدة. ‏
وفي وقت تتجمع فيه الدول الغربية لتحقيق الوحدة بعيدا عن أي تمايز إثني أو لغوي، نجد القلاقل في الدول ‏العربية والدول الإسلامية تسعى لإحداث شقوق متصدعة. في العراق يطالب الأكراد بدولة مستقلة ويطالب بعض ‏الشيعة بحكم فيدرالي... في السودان يطالب أفارقة دارفور بالاستقلال... في الجزائر يطالب القبايل الأمازيغ ‏بالحكم الذاتي... وفي المغرب يطالب البوليزاريو، وهم من بني معقل العرب قدموا من اليمن إلى الصحراء ‏المغربية خلال بداية القرن 13 والقرن 14، يطالبون بتشكيل دولة مستقلة...إلخ. طبعا لهذه المطالب أسباب ‏موضوعية ترتبط بالبحث عن الخصوصيات الثقافية ورفض التهميش والظلم وديكتاتورية الدول الحاكمة المهيمنة، ‏لكن يجب أيضا أن نتلمس دور الأجانب في إذكاء هذه النعرات الانفصالية ونبحث عن دواعي ومبررات حشر أنفه ‏في شؤون الدول الداخلية. ‏
لماذا يسند الغرب هذه المطالب؟ ليست بالطبع هذه المساندة بريئة في جميع تجلياتها، فالهدف هو تشتيت الكيان ‏العربي الإسلامي، وخلق دويلات يسهل التحكم فيها وتوجيهها. لذا يجب أن تعي الشعوب داخل الرقعة العربية ‏الإسلامية أن مطالبها بالاعتراف بحقوقها، المشروعة في الغالب، لا يمكن أن تخدمها على المدى الطويل إلا إذا ‏صاحب ذلك الحفاظ على وحدة الدولة وقوتها. وبالتالي، فإن الهدف الأساسي يجب أن يكون هو تغيير الأنظمة ‏الديكتاتورية الظالمة الفاسدة عوض تمزيق الدول وإضعافها أكثر مما هي ضعيفة اليوم. الهدف يجب أن يكون هو ‏التعايش بين القوميات والديانات داخل الدولة الموحدة لا بخلق كيانات مشوهة مشتتة. ولكي يتم ذلك يجب ترسيخ ‏أسس الديمقراطية والاعتراف بحقوق الإنسان وخلق فرص للحوار بين الإثنيات والديانات، بالإضافة إلى إشراك ‏الجميع، دون استثناء، في الحكم واتخاذ القرار ورفض الحكم المطلق الذي يعد سمة معظم الدول العربية ‏الإسلامية. ‏








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بوتين يعرض شروطه لوقف الحرب في أوكرانيا • فرانس 24


.. انطلاق مناسك الحج في مكة المكرمة وسط درجات حرارة قياسية




.. سلسلة هجمات لحزب الله على إسرائيل وواشنطن وباريس تسعيان لوقف


.. ما بين هدنة دائمة ورفع حصار.. ما هي تعديلات حماس على مقترح ب




.. جبهة لبنان وإسرائيل المشتعلة.. هل تحولت إلى حرب غير معلنة؟|