الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


انتهاك حقوق الطفل في العراق... واختلال البنية المجتمعية -2

علي وتوت

2006 / 12 / 17
حقوق الاطفال والشبيبة


إن الحالات العامة للثقافة الاجتماعية في العراق، والملأى بانتهاكات حقوق الإنسان، وعلى الرغم من أهميتها، لا تقدم أمثلةً ذات نتائج سلبية إلا فيما ندر، إذ إن الطفل وفقاً لعملية التنشئة الاجتماعية Socialization Process في هذه الثقافة يصبح مُدجَّـناً بما يتواءم مع قيم المجتمع، وتنجح العائلة العراقية (والعربية والمسلمة عموماً) في ذلك أيما نجاح.
لكن عملية التنشئة الاجتماعية وفقاً لصورتها السائدة في مجتمعاتنا العربية والإسلامية ومنها المجتمع في العراق، تخلق بالإجمال أفراداً هم خير ممثل لمجتمعٍ بطريريكي مرتبك في مشاعره ومتخلف في سلوكياته، مؤمن بالعنف وانتهاك الحقوق الإنسانية لأفراده وجماعاته قياساً بالمجتمعات الإنسانية الأخرى. فالطفل المنتهك لحقوق في الكرامة والأمن واللعب والتعليم والمعرفة وغيرها من الحقوق يصبح قامعاً ومنتهكاً لحقوق إخوانه وأبنائه فيما بعد.
ولبيان ما نقصد سنأتي بمثال عن العنف الذي يمارس ضد الأطفال أنفسهم. فمفهوم الطفل الذي يعني في العربية الصغير في كل شيء، ينسى تماماً في التعامل مع السلوكيات التي يعتقدها الآباء مسيئة فيعاقبوا أطفالهم بإزائها. فالثقافة الاجتماعية السائدة في مجتمع العراق وغيره من المجتمعات العربية والمسلمة تتعامل مع الطفل تعاملاً يعبر عن ازدواجية الثقافة الاجتماعية برمتها.
فالعائلة العراقية (مثلما هي شبيهتها العربية) تنظر إلى الطفل نظرة مزدوجة فيما يخص تعاملها به. فهي تعامله مرةً على أساس أنه (صغير في السن) بحيث يصبح من حق الآباء والأمهات أن يقرروا لأبنائهم مصائر حياتهم بكاملها. فالآباء والأمهات يقررون لأطفالهم نوع طعامهم وشرابهم وألوان ملابسهم وموديلاتها، مثلما يقررون عنهم نوع التربية على السلوك الذي يرضي الآباء والأمهات قبل الأطفال أنفسهم، مثلما أن الآباء والأمهات يختارون نوع التعليم المفترض أن يتلقاه أطفالهم.
ويبدو أن نظرة الدونية للطفل بفعل عامل السن (صغر سنه أو عمره) تمثل عاملاً أساسياً في انتهاك حقوقه. وفي هذه النظرة تشيع ثقافة الوصاية التي لاشك أنها تمثل نتيجةً طبيعية للثقافة البطريريكية التي يسير عليها المجتمع، والتي خلقت وتخلق أجيالاً من الأفراد المتواكلين الذين لا يستطيعون اتخاذ قرارات حياتهم خارج وصاية الأب.
إن هذه الظاهرة الشائعة (في النظر بدونية واستصغار للطفل) تكون أبعادها سيئة إذا ما أدركنا أن الأب أو الوصي يصبح جزءاً من حياة هؤلاء الأطفال الذين سيكبرون ليكونوا أفراداً عاجزين في المجتمع... أفراداً عاجزين عن اتخاذ القرارات المهمة في حياتهم، إذ تعودوا الاعتماد على الأب في هذا الشأن، بحيث يصبح هذا السلوك الاجتماعي المريض نمط حياتهم ولا يمكنهم التخلي عنه. ولنتساءل هنا:
- أليس ما يحصل الآن من تمثل الكثير من العراقيين لصور أشخاص خلقت منهم الظروف الاستثنائية التي يمر بها العراق منذ سقوط الدكتاتورية بالاحتلال، أوجه قيادية ؟
ثم أليس هذا التمثل هو تعبير عن عدم القدرة على الخوض في تفاصيل الحرية التي أوجدتها الظروف الجديدة، أو حتى الخوف منها، بمقابل الاعتماد على وصاية الحاكم الذي يقرر عن الفرد قراراته السياسية والاقتصادية والاجتماعية. فاستبدلت صورة الأب قائد الأمة ومحررها وباني مجدها وغيرها من الألقاب التي كان الدكتاتور يمنحها لنفسه، وأصبحت شائعة الصور المفترضة للأئمة أو صور المراجع ورجال الدين أو السياسيين أو حتى صور اللاعبين، وكأننا لا نستطيع الحياة بدون وصاية أصحاب الصور، أو بدون صورهم.
بناءً على ما سبق، يبدو واضحاً أن العائلة العراقية (والعربية) تقمع الطفل وتصادر رأيه بحجة صغر سنه وعدم إدراكه لما يجب أن يقال أو يسلك في الشؤون التي تخصه أو تخص أسرته. هذا من جانب.
ومن جانب آخر فإنها (أي العائلة العراقية والعربية) تنظر إلى الطفل، في نفس الوقت على أنه إنسان كبير فتحاسبه بقسوة وعنف لتصرفاته الخاطئة، ففي محاسبة تصرفاته التي يعتقدها الأب والأم سيئة يعامل الطفل باعتباره إنساناً ناضجاً بجسم صغير (وتتضح الفكرة أكثر حينما يقوم الآخرون بالاعتراض على أب أو أم يحاولان ضرب طفلهما الصغير الذي قد لا يتجاوز الخامسة من العمر بالقول بأنه لا يعرف أو لا يدرك ما يفعل، فإنهما يجيبانك بالقول:
((أنه يعرف، ولكنه يتعمد التصرف بشكل مسيء))، ولم يسأل الأب أو الأم نفسيهما من أين نزلت المعرفة على طفل في الرابعة أو الخامسة أو السادسة من العمر مثلاً ؟؟








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أوروبا : ما الخط الفاصل بين تمجيد الإرهاب و حرية التعبير و ا


.. الأمم المتحدة: دمار غزة لم يسبق له مثيل منذ الحرب العالمية ا




.. طلاب جامعة ييل الأمريكية يتظاهرون أمام منزل رئيس الجامعة


.. مقتل عدنان البرش أحد أشهر أطباء غزة نتيجة التعذيب بسجون إسرا




.. كم عدد المعتقلين في احتجاجات الجامعات الأميركية؟