الحوار المتمدن
- موبايل
الموقع
الرئيسي
وين نروح..؟!// قصّة قصيرة
ريتا عودة
2024 / 7 / 18الادب والفن
بعدَ عودتِها منَ الحضانة، أحضرتْ شمس دفترَ الرَّسم والألوان ونثرتْها فوقَ السُّجادة، فقلتُ لها:
-صغيرتي، لا ترسمي هنا. اليوم قمتُ بتنظيفِ السُّجادة. إذهبي إلى غرفتِكِ وارسمي هناك.
لم ترغبْ شمس أن تفارقني فهي لم ترَني منذُ ساعاتِ الصَّباحِ حينَ أوصلتُها للحضانة وعدتُ للمنزل بسبب عطلة في الشّركة التي أعمل فيها. أعرفُ أنّها تريدُ أن تقضيَ الوقتَ معي لكنّني مشغولةٌ عنها باعدادِ مائدةِ الغِذَاء، فبعدَ دقائقٍ يصل والدها وأخوها.
قامتْ بإعادة دفتر الرّسمِ والألوانِ لغرفتها. ثمّ، رجعتْ إلى غرفةالمعيشَة وبدأتْ تقفزُ بفرحٍ فوقَ الأَريكة.
امتعضتُ وبادرتُها:
- شمس! انزلي عنِ الأريكة! اليوم قمتُ بتنظيفها.
نزلتْ شمس عن الأريكة واتّجهتْ ثانيةً إلى غرفتِها وأحضرتِ الدّراجَةَ. ثمّ، بدأتْ تقودُها بشغفٍ في كلِّ اتّجاهٍ في المنزل.
انطفأَ قنديلُ صَبْري فصرختُ بها:
-لا تقودي الدّراجة في المنزل. اليوم قمتُ بمسحِ الأَرْضِ.
فجأةً، اغتاظتْ شمس فوقفتْ كالسّنديانة وقالتْ بعتابٍ حادّ:
- السُّجادة ممنوعة..الأريكة ممنوعة...الدَّراجة ممنوعة..!
وين أروح؟! أَتسلَّق الحِيطان، يعني؟!
*
في المساءِ، فتحتُ التّلفاز لأُشاهدَ نشرةَ الأخبار، فإذا بمُسِنَّةٍ من غ.زَّ.ة تتقيأُ وجعَ المَرحلة:
-"وين نروح!!
أَينما نذهبُ، الطّلقةُ في انتظارنا، كأَنّنا طيورٌ في قفص!"
*
دوّتْ صرختُها في رأسي:
-وين نروح!
تناسلَ الصّوتُ وارتفعَ الصَّدى:
-وين نروح...!!!!
فجأةً، تذّكرتُ شمس وهي تدافعُ عن حقّها في أن تحيا بحريّة في هذا المنزل؛ منزلها:
((وين أروح؟! أَتسلَّق الحيطان، يعني؟!))
وبحرقةٍ بكيتُ.
ريتا عودة
17.7.2024
__________________________________________________
القصة تتبنى منظور شمس الصغيرة ليعكس قلقها وتساؤلاتها في عالم يبدو محصورًا ومقيدًا،تجد نفسها متواجهة مع قيود وحدود لا تفهمها تمامًا، ولكنها تحاول بكل قوة تحدي هذه الحدود والقيود، رد فعلها الاستفزازي على القواعد والتحديات التي تواجهها يعكس رغبتها القوية في تحرير نفسها والاستمتاع بحرية حقيقية .
تقدم قصة "وين نروح" للأديبة ريتا نقدًا حادًا للحياة الاجتماعية والقيم المجتمعية التي تضيق الخناق على الأفراد وتحد من حريتهم، تبدأ القصة بتصرفات الأبوين تجاه طفلتهما شمس وكيف يحاولون فرض الانضباط والقواعد عليها دون أن يهتموا بمشاعرها وحقوقها كطفلة، تجد شمس نفسها محاصرة بالقواعد والمنع وتبدأ بالتساؤل: وين نروح؟ !
تتظاهر الطفلة بالفرح والحب ولكن الحقيقة أنها تعاني من قيود قاسية وتحاول بكل الطرق التي تتيحها لها الظروف البقاء على قيد الحياة والتعبير عن مشاعرها ورغباتها، تعكس الحركات العصبية والاستفزازية التي تقوم بها عدم رضاها عن الظروف التي يضعها فيها والديها.
تتصاعد الأحداث حينما تشاهد أم شمس على التّلفاز امرأة مسنة من غزة تعاني من الحرب والمعاناة وتسأل بحزن وفاجعة: "وين نروح؟!" وكأنها تعبّر عن حالة اليأس والاستسلام التي يعيشها الكثيرون في العالم العربي .
تنتقد القصة بشكل حاد اكتفاء الأفراد بالحياة اليوميّة وعدم البحث عن حلول للمشاكل التي تواجههم، كما تنتقد القيم المجتمعيّة التي تضع حواجز وقيود على الأشخاص دون تقدير لحقوقهم الأساسيّة.
بشكل عام، تعتبر قصة "وين نروح" حالة أدبيّة تعكس الواقع الإجتماعي بشكل صادق ومؤلم، وتدفع القارئ للتّفكير في معنى الحريّة والقيود وكيفيّة تحقيق التَّوازن بينهما.
|
التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي
.. فكرة جميلة علشان الجماهير تروح الملاعب وتشجيع فرق كرة القدم
.. الفنان السوري فارس الحلو: أرفض حكم العسكر
.. مواقف أبرز الفنانين السوريين بعد سقوط حكم الأسد
.. لحظة وصول الفنانة بدرية طلبة إلى عزاء زوجها بدار مناسبات الم
.. كيف عبر الفنانون السوريون عن مواقفهم بعد رحيل الأسد؟