الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


غطرسة إسرائيل واستخفافها بأدوات القانون الدولي

نهاد ابو غوش
(Nihad Abughosh)

2024 / 7 / 18
دراسات وابحاث قانونية


نهاد أبو غوش
اعتادت دولة الاحتلال الإسرائيلي على التصرف باعتبارها فوق القانون الدولي، ويمكنها أن تفعل ما تشاء من دون ان تتعرض للمحاسبة والملاحقة، هذا الشعور بالحصانة والتميز والفرادة غائر عميقا في الفكر الصهيوني، ولعله يستند ظاهريا إلى الفكرة الأسطورية حول شعب الله المختار، لكنه ايضا يتغذى من معطيات العصور الحديث : الفرادة والماساة واحتكار دور الضحية وبالتالي لا قيمة إطلاقا لأية عملية إبادة حصلت في التاريخ قياسا بالإبادة اليهودية، وهذا الشعور بالتفرد يستهين بمآسي الآخرين وعذاباتهم، يمكن أن نجد ترجمة حرفية لهذه العقلية في سلوك بنيامين نتنياهو وتصريحاته، كما في سلوك وتصريحات باقي الطبقة السياسية، فعذابات الفلسطينيين لا قيمة لها، وخسائرهم هي أعراض ونتائج جانبية للحرب، فنتنياهو بصريح كلامه واعترافه قال أنه حين أعطى موافقته على عملية اغتيال القائد الحمساوي محمد الضيف أنه درس الموضوع من ثلاثة جوانب أولها عدم وحود رهائن اي أسرى إسرائيليين، والثاني هو النتائج الجانبية، بالمحصلة فإن مقتل مئة فلسطيني من الأطفال والنساء والأبرياء هو ثمن مقبول في نظر نتنياهو من أجل تنفيذها وسط شكوك في نجاحها من عدمه، المسألة الثالثة هي نوع الذخيرة وهو تساؤل يريد النيقن من القتل، فلا أحد ينجو من تأثير القنابل زنة 2000 رطل انجليزي في دائرة قطرها عشرات الأمتار. هذه العقلية اعتادت على ارتكاب المجازر مع الإفلات من العقاب في كل مرة حتى استقر في وعيها أن الإفلات من العقاب هو خاصية يتمتع بها الإسرائيليون مهما فعلوا، ما عزز هذه الشعور وحوله إلى قناعة راسخة هو الدعم الأميركي والغربي المطلق بالحماية السياسية والدعم السياسي والمالي والاقتصادي وتوثيق عرى التحالف نظير الدور الوظيفي الموكول لإسرائيل في حماية المصالح الغربية والأميركية خاصة إقليميا ودوليا.
ثمة مؤشرات أن فترات الإفلات من العقاب في طريقها إلى النهاية، مشاهد التوحش الإسرائيلي باتت تستفز العالم بأسره، ليس تعاطفا مع الفلسطينيين فقط وإنما قناعة أوساط آخذة بالاتساع بأن العالم بحاجة إلى قانون ما حتى لو كان منحازا للأقوياء، لكي يضبط إيقاعه وعلاقاته الدولية، وإلا تحول العالم إلى غابة متوحشة تحكمها شريعة الغاب. وما كانت تفعله إسرائيل في الخفاء ولا يعلم به إلا الضحايا، بات الآن مكشوفا ومرئيا وموثقا بالصوت والصورة في الزمن الحقيقي. والمشكلة أنه على الرغم من التبدلات الدولية وانضمام فلسطين إلى ميثاق روما والمحكمة الجنائية الدولية، وصدور عشرات القرارات التي تدين الأعمال التوسعية والاستيطانية والقمعية الإسرائيلية - إلا أن إسرائيل ما زالت سادرة في غيها وغطرستها ويواصل مسؤولوها من وزراء ونواب وقادة عسكريين وصناع راي عام يواصلون دعواتهم العلنية لإبادة الفلسطينيين وطردهم من وطنهم مع أن المؤشرات تدل على ان مذكرات اعتقال من قبل المحكمة الجنائية الدولية في طريقها لبنيامين نتنياهو ووزير دفاع يوآف جالانت، ولا يستبعد المتابعون – بمن فيهم رئيس الوزراء الأسبق ايهود اولمرت- أن تشمل أوامر الاعتقال صفا عريضا من السياسيين والمسؤولين العسكريين الإسرائيليين وليس بالضرورة ان يجري الإعلان عن ذلك على الملأ، حتى أن بنيامين نتنياهو بات مترددا في إمكانية هبوط طائرته في أي مطار أوروبي وهو في طريقه للولايات المتحدة أواخر تموز يوليو.
رغم كل ما سبق ما زالت إسرائيل تستخف بالمحاكم الدولية، ويدرس مشرعوها مسودات قوانين لمعاقبة هذه المحاكم وتجريم التهاون معها. يقول كاتب إسرائيلي بارز يدعى كرمنتسر أن قرار الحكومة الإسرائيلية تعيين القاضي رون شابيرا مندوبا لإسرائيل في محكمة العدل الدولية، بديلا للقاضي أهارون باراك المستقيل، بأنه بصقة في وجه المحكمة الدولية، وذلك بسبب موقفه المعلن والمعروف المعادي للمحكمة، وبالتالي فإن إمكانية تأثير شابيرا على قضاة المحكمة الآخرين تبدو مستحيلة. يقتبس كرمنتسر ما سبق للقاضي شابيرا أن كتبه عن المحكمة فقال على صفحته في فيسبوك " تقريبا كل سكان إسرائيل اليهود يرون أن محكمة العدل الدولية لا تستحق ذرة ثقة، ووصف المحكمة بأنها "جسم يضخم كل عيوب الخطاب القانوني". نصح القاضي شابيرا سلفه باراك بطريقة تطعن في نزاهته كقاض حيث قدم له نصيحة زائدة، وطالبه بأن "يراعي مصالحنا جميعا" .
أضاف أن تعيين القاضي شابيرا، ككل شيء آخر في هذه الدولة يسير بشكل معكوس، وغير منطقي، حيث رفضت الحكومة خطة بايدن للتطبيع مع السعودية، وعرضته كعدو لليهود، ويورد عددا من النماذج لسلوك هذه الحكومة غير المنطقي مثل المساعدة في توفير الأموال لحماس في غزة، والتنكيل بالمدعية العامة السابقة للمحكمة الجنائية الدولية فاتو بنسودا. وهي في الوقت ذاته تعزز علاقاتها مع الدول التي انتقلت من المعسكر الديمقراطي الليبرالي إلى المعسكر الشعبوي الديكتاتوري وقوى اليمين المتطرف في أوروبا مثل فيكتور اوربان في المجر. ويشير إلى أن أبرز معالم النهج اليميني الاستبدادي لهذه الحكومة ، والطريقة الأهم لتخريب الديمقراطية، هي في مجال التعيينات والإقالات، حيث يكون المعيار الهم هو الولاء للحكومة وليس الكفاءة والمهنية، وكلما كان الشخص أقل كفاءة يكون أكثر ولاء وإخلاصا، وهذا ما يقود إلى حكم نزواتي وفاسد، ومستبد، يتجسد في التهديدات المخجلة من قبل الحكومة لإقالة المستشارة القضائية التي كان خطيئتها الرئيسية هي مهنيتها وموضوعيتها.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. هل تستغل إسرائيل طالبي اللجوء الأفارقة في حربها على غزة؟


.. غرق خيام النازحين على شاطئ بحر غزة مع ارتفاع منسوب المياه




.. النافذة الإنسانية.. المكتب الإعلامي في غزة يطلق نداء عاجلا ل


.. عائلات المحتجزين الإسرائيليين: نقل الحرب إلى الشمال دون صفقة




.. ترمب يعلق على محاولة اغتياله الثانية.. واعتقال متهم والعثور