الحوار المتمدن
- موبايل
الموقع
الرئيسي
عشتار الفصول:11472 النَّفْسُ الإِنسَانِيَّةُ فِي قِرَاءَاتٍ تَحْلِيلِيَّةٍ لِذَاكِرَةٍ عَاشِقٍ دِمَشْقِيٍّ
اسحق قومي
شاعرٌ وأديبٌ وباحثٌ سوري يعيش في ألمانيا.
(Ishak Alkomi)
2024 / 7 / 19
اليسار , التحرر , والقوى الانسانية في العالم
لِمَاذَا نَعْتَمِدُ عَلَى مَا قَدَّمَهُ الفَلَاسِفَةُ الأوَائِلُ بِالنِسْبَةٍ لِلنَّفْسِ وَلَا نَقْرَأُ مَا قَدَّمُوهُ قِرَاءَةً جَدِيدَةً مُبْنِيَةً عَلَى العُلُومِ التَّجْرِيدِيَّةِ وَالتَّطْبِيقِيَّةِ؟
هَلْ عَالَمُ القِيَمِ العُلِيَا وَالمِثَلِ الَّذِي قَالَ بِهِ أَفْلاطُونُ فِيهِ مُرَكَّبَاتٌ تُشْبِهُ مَا هُوَ فِي عَالَمِنَا المُحَسٌّوس؟
كَيْفَ نَقْتَنِعُ بِمَا قَالَهُ الفَلَاسِفَةُ عَنْ النَّفْسِ وَعَلَى أَيَّةِ مَنَاهِجَ تَرَكُوٓا لَنَا فَلْسَفَتَهُمْ لِنَقْبَلَهَا؟
هَلْ مِنَ الضَّرُورِيِّ كَشْفُ المُسْتُورِ عَلَى مَا خَفِيَ مِنْ أُمُورِ الفَلْسَفَةِ وَشُعَابِهَا؟
مَاذا يلزمُ مِنْ يُخَوضُ غِمَارَ هَذَا المُحِيطِ مِنْ مُعَدَّاتٍ وَتَقْنِيَّاتٍ وَثَقَافَاتٍ، وَهَلْ سَيَجِدُ مِنْ يُؤَيِّدُهُ فيما يقول؟
هَذِهِ بَعْضُ أَسْئِلَةٍ نَوْرِدُهَا هُنَا وَنَعْتَقِدُ بِمَنْطِقِيَّتِهَا خَاصَّةً بَعْدَ التَّقَدُّمِ العِلْمِيِّ وَالطِّبِّيِّ والنفسي الَّذِي حَصَلَ فِي العَالَمِ، وَمَعَ هَذَا فَنَحْنُ لَمْ نَبْرَحْ عِلَاقَتَنَا بِآرَاءِ الفَلَاسِفَةِ الأوَائِلِ وَنَسْتَحْضِرُ مِنْهُمْ مَا قَالَهُ أَفْلاطُونُ عَنْ النَّفْسِ.
عَلْمًا لَسْنَا بِمَعْرِضٍ أَنْ نَسْتَحْضِرَ كُلَّ الفَلَاسِفَةِ عَبْرَ العُصُورِ وَمَا قَالُوهُ بِالنِسْبَةٍ لِلنَّفْسِ.
إِنَّمَا السُّؤَالُ لِمَاذَا لَا نُقَدِّمُ دِرَاسَاتٍ رَصِينَةً تَعْتَمِدُ عَلَى مَنَاهِجٍ تَارِيخِيَّةٍ وَوَصْفِيَّةٍ وَتَحْلِيلِيَّةٍ وَمُقَارِنَةٍ وَاعْتِبَارِ كُلِّ مَا كُتِبَ عَنْ النَّفْسِ مَوْضِعَ شَكٍّ لِنَصِلَ بَعْدَ دِرَاسَتِهِ إِلَى مَا يُؤَهِّلُنَا وَنَحْنُ فِي عَتَبَةِ القَرْنِ الحَادِي وَالعِشْرِينَ أَنْ تَكُونَ لَنَا رُؤْيَتُنَا المُتَفَرِّدَةُ وَالمَوْضُوعِيَّةُ فِي تَحْلِيلِ النَّفْسِ وَعَالَمِهَا، وَهَلْ كَمَا قَالَ الفَيْلُسُوفُ أَفْلاطُونُ أَوْ غَيْرُهُ بِخُلْودِ الرُّوح وكما تقوله الدِّيَانَاتُ أَيضاً.
فَإِذَا كَانَ أَفْلاطُونُ قَدْ أَكَّدَ عَلَى ارْتِبَاطِ حَقِيقِيِّ بَيْنَ الرُّوحِ وَالجِسْمِ وَبَيْنَ بأنّ مُصِيرِ الجِسْمِ لِلترَابِ وَالانْحِلَالِ، وَأَمَّا الرُّوحُ فَقَدْ اعتَبَرَهَا أَنَّهَا خَالِدَةٌ، مَا هِيَ الدَّلَائِلُ وَالبُرْهَانُ الَّتي اعْتَمَدَ عَلَيْهِ أَفْلاطُونُ لِيَقُولَ بِهَذَا الرَّأْيِ؟
وَعَلَى أَيَّةِ مَنَاهِجَ وَطُرُقٍ عِلْمِيَّةٍ اعْتَمَدَ فِي قَوْلِهِ أَنَّ الرُّوحَ تَتَأَمَّلُ المِثَلَ العُلِيَا الَّتِي تَنْتَمِي إِلَيْهَا قَبْلَ أَنْ تَحِلَّ بِالْبَدَنِ؟ أَلَيْسَتْ هَذِهِ الجُزْئِيَّةُ المَعْرِفِيَّةُ تَقْرُبُنا كَثِيرًا مِنْ مَفْهُومِ التَّقْمُصِ الَّذِي يُؤمن بِهِ كَثِيرٌ مِنْ البشرْ؟ إِلَى أَيِّ حَدٍّ هُوَ سَلِيمٌ أَوَّلًا وَكَيْفَ تَوَصَّلَ أَفْلاطُونُ لِهَذَا المَعْنَى وَالمَفْهُومِ وَالحَالَةِ؟
حَتَّى نرى أنفسنا بأننا أَمَامَ نَظَرِيَّةِ أَفْلاطُونَ فِي المَعْرِفَةِ. التي تسأل مَا هِيَ المَعْرِفَةُ وَكَيْفَ تَتِمُّ وَهَلْ فِعْلًا كَمَا يَقُولُ بأنها تتم عَنْ طَرِيقِ التَّذَكُّرِ؟
مَا هُوَ الشَّيْءُ الَّذِي تَتَذَكَّرُهُ ؟!!
وَهَلْ كَانَتْ كَمَا يَقُولُ فِي أَمَاكِنَ وَعَالَمٍ بَعِيدٍ وَكُلُّ مَا يَجْرِي مَعَنَا حَسَبَ أَفْلاطُونُ هُوَ مَجْمُوعَةٌ مِنْ انْطِبَاعَاتٍ وَصُورٍ كَانَتِ النَّفْسُ قَدْ حَمَلَتْهَا مَعَهَا مِنْ عَالَمِ المِثَلِ.
أيُّة مِثْلٍ هَـٰذَه يَا فِيلُسُوفُنَا أَفْلاطُونُ وَأَنْتَ تُرِيدُ أَنْ تُؤَكِّدَ لَنَا أَنَّ نَظَرِيَّتَكَ وَرَأْيَكَ الفَلَسِفِيَّ هُوَ سَلِيمٌ مِئَةً بِالْمِئَةِ؟
وَلَا يَقِفُ أفلاطون عِندَ أَنْ الرُّوحَ جَاءَتْ بِكُلِّ مَا تَمْلِكُهُ فِي الجَانِبِ المَعْرِفِيِّ مِنْ عَوَالِمَ بَعِيدَةٍ مَا يُتَنَافَى مَعَ النَّظَرِيَّةِ أَوِ القَوْلِ لِلْفَلَاسِفَةِ الحَسِّيِّينَ الَّذِينَ يُؤَكِّدُونَ عَلَى أَنَّ كُلَّ مَا فِي الدِّمَاغِ كَانَ قَدْ انتَقَلَ عَبْرَ الحَواسِ. وَأَنَّ الحَواسَ بِتَعَامُلِهَا اللَّحْظِيِّ مَعَ الواقِعِ تَزْدَادُ مَعْرِفَةً ، وَلَيْسَ مِنْ عَوَالِمَ لَا نَعْرِفُ مَدَى صِحَّةِ وُجُودِهَا.
كَمَا أَنَّ أَفْلاطُونَ يرَبِطُ خُلْودَ الرُّوحِ بِالنَّشَاطِ النَّفْسِيِّ الدَّائِمِ وَيَقُولُ بِعَدَمِ تَوَقُّفِ النَّفْسِ عَنِ الحَرَكَةِ وَيُعَقِّدُ عَلَيْنَا المَسْأَلَةَ حِينَ يَقُولُ أَنَّ الحَرَكَةَ هِيَ ذَاتُ النَّفْسِ .بِمَعْنَى أَنَّ النَّفْسَ حَرَكَةٌ مُسْتَمِرَّةٌ الفِعْلِ الَّذِي يُؤَدِّي إِلَى نَتِيجَةٍ يَرَاهَا حَتْمِيَّةً ومفادها أَنَّ النَّفْسَ مُنَزَّهَةٌ عَنِ المَوْتِ بِاعتِبَارِهَا مَبْدَأَ الحَرَكَةِ وَمُنْطَلَقَهَا والَّذِي يُنْتَهِي بِهِ أَفْلاطُونُ قَوْله أَنَّ النَّفْسَ تُشْبِهُ المِثَلَ المُطْلَقَةَ الخَالِدَةَ.
وَقَبْلَ أَنْ نَنْتَقِلَ إِلَى مَا يَحْمِلُ النَّفْسَ أَوْ الرُّوحَ أَوْ الحَيَاةَ( الجسم) الَّتِي يُقِرُّ بِهَا بِأُسْلُوبٍ لَمْ يُمْنَحْنَا تَأْكِيدًا رَاسِخًا عَلَى خُلْودِهَا، فَنَرَاهُ أَكْثَرَ مَوْضُوعِيَّةً حِينَ يَتَحَدَّثُ عَنْ الجِسْمِ وَيَقُولُ مُبَاشَرَةً أَنَّهُ يَنْتَمِي إِلَى عَالَمِ الحَسِ وَعُنَاصِرِهِ تَحْمِلُ فِي ذَاتِهَا الفَنَاءَ.
إِنَّ أَفْلاطُونَ يَضَعُنَا أَمَامَ مُعَادَلَةٍ تَجْتَمِعُ فِيهَا الأضداد رَغْمًا عنّا فهناك خِلَاف ما بَيْنَ الرُّوحِ وَبَيْنَ الجِسْمِ وَيُعِيدُ سَبَبَ عَدَمِ استيعَابِنَا لِلْمَعْرِفَةِ هُوَ الجِسْمُ بِمُشَاكَسَاتِهِ أَحْيَانًا.
أَمَّا النَّفْسُ فَهِيَ الكَائِنُ العَاقِلُ لَا بَلْ هِيَ العَقْلُ الَّذِي يَتَأَمَّلُ جَوْهَرَ الأَشْيَاءِ وَمِنْ خِلَالِ عَمَلِيَّةِ التَّأَمُّلِ يُدْرِكُ أَسْرَارَهَا وَخَفَايَاهَا.
إِنَّ مَا يَرَاهُ أَفْلاطُونُ لَيْسَ كَمَا نَظُنُّ بِالنِسْبَةٍ لِحُرِّيَةِ الرُّوحِ أَوْ النَّفْسِ وَهِيَ فِي حَالَةِ التَّأَمُّلِ وَهُنَا نُدْرِكُ أَنَّ تِلْكَ الَّتِي تَنْتَمِي إِلَى عَوَالِمَ بَعِيدَةٍ وَمِثَلٍ عَلِيَا نَرَاهَا تَقَعُ فَرِيسَةً لِتَشْوِيشٍ يقوم به الجِسْمُ حِينَ يُقَدِّمُ لَنَا حُزْمَةً مِنْ قِرَاءَاتِهِ لِلْمُحَسَّوسَاتِ وَالرَّغَبَاتِ وَالشَّهَوَاتِ الجِسْمِيَّةِ.
وَبِرَأْيِي أَنَّ النَّفْسَ العَاقِلَةَ وَالقَادِمَةَ مِنْ عَالَمِ المِثَلِ العُلِيَا حِينَ تُخَالِطُ الجِسْمَ (المحسوس) وَالَّذِي يُنْشَأُ وَمَجْمُوعَةٍ مِنْ القُدُرَاتِ الغَرَائِزِيَّةِ وَغَيْرِهَا تَتَابِعُ نَشَاطَاتِهَا فِيهِ فَتُطَوِّرُ مِنْ إِمْكَانَاتِهِ وَقُدُرَاتِهِ وَطَاقَاتِهِ أَحْيَانًا كَمَا أَنَّ تِلْكَ العَواطف وَالغَرَائِزَ إِذَا لَمْ يُتِمَّ ضَبْطُهَا فِي سِيَاقَاتِ مَجْمُوعَةِ القِيَمِ الاجْتِمَاعِيَّةِ وَالضَّوَابِطِ الأُسَرِيَّةِ نَجِدُهَا تُؤَدِّي بِهِ إِلَى مُخَالَفَةِ الطَّبِيعَةِ السَّائِدَةِ وَالمَفَاهِيمِ المُتَعَارَفِ عَلَيْهَا، وَهَذَا يُقِودنَا إِلَى سُؤَالٍ فِي غَايَةِ الأَهَمِّيَّةِ.
أَيْنَ هِيَ النَّفْسُ أَوْ الرُّوحُ الْحَالَةُ فِي الجِسْمِ مِنْ كُلِّ هَذِهِ النَّشَاطَاتِ وَالغَلْيَانِ وَمَا يُرَافِقُ نَشَاطَاتِ الغُدَدِ الصُّمِّ وغيرها ووظائف الأعضاء ؟
هَلْ الرُّوحُ تَبْقَى مُنَزَّهَةً عَنْ أَفْعَالِ الجِسْمِ؟!! أَمْ أَنَّهَا تَعِيشُ الانفِصَالَ وَالقَطِيعَةَ عندما تحدث تلك الأفعال ؟، وَهَذَا مَا لَا نَقْرُ بِهِ لِأَنَّ الرُّوحَ لَا يُمْكِنُ إِلَّا أَنْ تَكُونَ هِيَ الفَاعِلَةَ فِي نَشَاطَاتِ الجِسْمِ كُلِّهَا مَا عَدَا تِلْكَ الحَرَكَاتِ اللَّاَإِرَادِيَّةِ وَالآلِيَّةِ الَّتِي تَتَمَكَّنُ بِهَا مَجْمُوعَةُ الخَلَايَا العَصَبِيَّةِ، وَلَا نُرِيدُ هُنَا أَنْ نَدْخُلَ عَالَمَ التَّشْرِيحِ لِنُثْبِتَ أَنَّنَا لَسْنَا مَعَ مَنْ يَقُولُ بِأَنَّ النَّفْسَ تَبْقَى مُنَزَّهَةً عَنْ أَفْعَالِ الجِسْمِ وَلِذَا تَعُودُ إِلَى عَالَمِ الخُلْودِ لِكُونِهَا خَالِدَةً؟
لَوْ كَانَتْ خَالِدَةً لِمَاذَا تَنْزِلُ وَتَحِلُّ فِي جِسْمٍ نِهَايَتُهُ الفَنَاءُ؟! مَا هِيَ الحِكْمَةُ مِنْ ذَٰلِكَ؟
كُلُّ هذا وَأَفْلاطُونُ فِي طَرْحِهِ عَنْ عَالَمِ المِثَلِ الَّذِي تَنْتَمِي إِلَيْهِ أَرْوَاحُنَا يَضَعُنَا أَمَامَ شَبَكَةٍ مِنْ الحُفَرِ الشَّكِيَّةِ حَتَّى يُطَالِعُنَا بِقَوْلِهِ: (أَنَّ النَّفْسَ هَبَطَتْ مِنْ عَالَمِ المِثَلِ وَالقِيَمِ السَّامِيَةِ إِلَى عَالَمِ الفَنَاءِ وَالتَّفَسُّخِ وَالفَسَادِ وَأَنَّ هُبُوطَهَا كَانَ عِقَابًا لَهَا). وَالسُّؤَالُ يَقُولُ:
مَاذَا كَانَتْ قَدْ فَعَلَتْ فِي تِلْكَ العَوَالِمِ؟!! وَهَلْ كَانَتْ مُتَّحِدَةً أَيْضًا مَعَ طَبِيعَةٍ قَابِلَةٍ لِلْفَسَادِ وَالتَّفَسُّخِ وَالفَنَاءِ؟
وَمَا هِيَ طَبِيعَةُ الكَائِنَاتِ الَّتِي تَتَمَكَّنُ الرُّوحُ مِنَ الحُلُولِ فِيهَا؟
وَهَلْ الرُّوحُ فِي جَوْهَرِهَا تَتَشَكَّلُ مِنْ مُتَنَاقِضَاتٍ؟
وَهَلْ تَقَعُ فِي أَخْطَاءِ لَيْسَتْ مِنْ طَبِيعَتِهَا؟!
وَمَا دَوْرُ المُحِيطِ أَوِ المُشْتَرَكِ إِذَا كَانَ هُنَاكَ مِنْ مُشْتَرَكٍ يُؤَكِّدُهُ المَنْطِقُ وَتَقْبَلُهُ عُقُولُنَا؟
وَلمَاذَا نَقُولُ عَنْ الرُّوحِ بِأَنَّهَا جَاءَتْ مِنْ عَوَالِمِ المِثَلِ؟
وَهَلْ فِي عَوَالِمِ المِثَلِ مِنْ نَتَائِجَ سَلْبِيَةٍ عَلَى مُكَوِّنَاتِهَا الخَالِدَةْ؟
وَهُنَا فِي جُزْئِيَّةٍ يَقُولُ بِهَا أَفْلاطُونُ: (أَنَّ هُبُوطَهَا كَانَ عِقَابًا لَهَا). وَالسُّؤَالُ يَقُولُ: كَيْفَ تَكُونُ مُنَزَّهَةً وَمِنْ عَالَمِ المِثَلِ وَقَدْ طُرِدَتْ مِنْ هُنَاكَ وَنَزَلَتْ وَحَلَّتْ فِي الجِسْمِ أَوْ البَدَنِ؟
وَهُنَا نَعْتَقِدُ بِأَنَّ هذا المَعْنَى هُوَ الَّذِي أَخَذَتْهُ الدِّيَانَاتُ السَّمَاوِيَّةُ بِقَوْلِهَا إِنَّ آدَمَ وَحَوَّاءَ خُلِقَا أَوَّلَ مَا خُلِقَا فِي الجَنَّةِ (جَنَّةُ عَدْنٍ)، وَلِكُونِ اللَّهِ قَدْ اشْتَرَطَ عَلَى آدَمَ أَلَّا يَأْكُلَ مِنَ الشَّجَرَةِ الَّتِي نَهَاهُ عَنْهَا إِلَّا أَنَّ آدَمَ يَكْسِرُ الوَصِيَّةَ وَيَعْلَمُ اللَّهُ بِمَا فَعَلَهُ آدَمُ فَيُطْرَدُهُمْ مِنَ الجَنَّةِ عِقَابًا لِلْمَعْصِيَةِ.
وَهَكَذَا النَّفْسُ أَوْ الرُّوحُ عِندَ أَفْلاطُونَ تَنْزِلُ لِتَتَّحِدَ بِالجِسْمِ وَنُزُولُهَا جَاءَ بِقُوَّةٍ وَخِلَافًا لِإِرَادَتِهَا وَحُرِّيَّتِهَا.
وَلَكِنَّنِي مُحْرَجٌ أَنْ أَسْأَلَ لِلْمَرَّةِ المِلْيُونَ: هَلْ كَانَتِ الرُّوحُ فِي عَالَمِ المِثَلِ ذَاتِ طَبِيعَةٍ أُحَادِيَّةٍ أَمْ ثُنَائِيَّةٍ، وَمَا طَبِيعَةُ ذَٰلِكَ الكَائِنِ الَّذِي كَانَتْ تُشَارِكُهُ؟
وَمَا هِيَ طَبِيعَةُ المُشَارَكَةِ؟ وَهَلْ فِي مِنْطَقَةِ المِثَلِ العُلِيَا مِنْ حَاكِمٍ يَفْرِضُ رَأْيَهُ فِي طَرْدِ عُنَاصِرِ ذَٰلِكَ العَالَمِ إِذَا مَا أَخْطَأُوا وَمِنْ تِلْكَ الكَائِنَاتِ العَاقِلَةِ الرُّوحِ؟
كَيْفَ نَسْتَدِلُّ عَلَى أَنَّ مَا يَقُولُهُ أَفْلاطُونُ فِي هَذِهِ الجُزْئِيَّةِ هُوَ سَلِيمٌ وَمَنْطِقِيٌّ، فَقَدْ جَعَلَنَا نَتَرَنَّحُ فِي مَعْرِفَةِ عَالَمِ المِثَلِ وَطَبِيعَتِهِ وَهَلْ هُوَ خَالٍ مِنَ التَّقْدِيرَاتِ الأَرْضِيَّةِ الَّتِي يَعِيشُ فِيهَا الجِسْمُ؟
وَكَيْفَ تُدْرِكُ المَوْجُودَاتُ المِثَلِيَّةُ الخَالِدَةُ طَبِيعَةَ حَرَكَتِهَا وَهَلْ لَدَيْهَا حَاسَّةٌ كَحَوَاسِنَا؟ وَمَا هي غَايَةُ وُجُودِهَا؟ وَهَلْ وَظِيفَتِهَا هُوَ (الحُلُولُ وَالتَّقْمُصُ) أَمْ مَاذَا؟ وَمَا مَعْنَى الخُلْودِ هُنَاكَ؟ هَلْ هُوَ جَوْهَرٌ لَا يُعْتَرِيْهِ التَّغَيُّرُ؟! وَلَكِنَّ مَا أَكَّدَهُ لَنَا أَفْلاطُونُ أَنَّ الرُّوحَ يُعْتَرِيهَا التَّغَيُّرُ وَأَبْسَطُ البَرَاهِينِ أَنَّهَا تُخَالِطُ الجِسْمَ وَحَرَكَتِهِ وَنَشَاطِهِ. فَإِذَا كَانَتْ غَيْرَ جَامِدَةٍ بَلْ الحَرَكَةُ جَوْهَرُهَا وَالسُّكُونُ لَا تَعْرِفُهُ، فَكَيْفَ نُبَرْهِنُ عَلَى خُلْودِهَا؟
وَكَيْفَ لَنَا أَنْ نَطْمَئِنَّ أَنَّ النَّفْسَ خَالِدَةٌ حَقًّا وَأَيْنَ سَتَكُونُ؟ وَهَلْ هُنَاكَ مَا يُفْسِدُ عَلَيْهَا نَزَاهَتَهَا؟!
كُلُّها أسئلةٌ مشروعةٌ ومنطقيةٌ لأنَّ مفهومَ الخلودِ ليس كما يُقدِّمُهُ أفلاطونُ وغيرهُ على أنَّهُ عالَمٌ لا يوجدُ فيه تضادٌ ولا متناقضاتٌ ولا ما يشبهُ عالمَنا الأرضي.
والسؤالُ الآخرُ كيف يُقدِّمُ لنا أفلاطونُ والفلسفةُ برمَّتِها ذاك الاتحادَ ما بين الخالدِ والفاني؟
ولماذا وما هو سببُ نزولِ الروحِ أو النفسِ لتحلَّ في الجسدِ وتعيشَ معه دهرًا وتتحملَ الآلامَ بمختلف ألوانِها وأشكالِها؟ وما هي الضريبة التي ستدفعها وهل الروح هي التي تقع عليها أخطاء الجسم؟
وما هي الغايةُ من اتحادِ العقلِ مع العاطفةِ والشهوةِ والرغباتِ؟
وقبلَ أن ندخلَ في جدالٍ مع فرويدٍ لكونهِ ينتمي إلى عالمٍ متحضِّرٍ ومتقدِّمٍ قياسًا لعهودِ ما قبلَ الميلادِ ونسألهُ كيف يرى النفسَ؟
ولكي لا نظلمَ أفلاطونَ لابدّ أنْ نقول لقد قسّمَ النفسَ إلى ثلاثةِ أقسامٍ: 1: الرأسُ وله الحكمةُ . والقسمُ الثاني قالَ إنَّها الشهوةُ ومركزُها البطنُ والبطنُ كما نعلمُ تتشكلُ من وظائفِ الهضمِ والتغذيةِ وغيرها. والقسمُ الثالثُ والمركزُ هو القلبُ وميزتُهُ الشجاعةُ والشجاعةُ تقعُ ما بينَ الحكمةِ والشهوةِ. وقالَ أفلاطونُ بأنَّ الناسَ لديهم هذه الأقسامُ ولكنها تتفاوتُ بينهم وتأثيراتُها تستمدُّها من الطبيعةِ العائليةِ والبيئيةِ. ولكوننا نتعاملُ مع عالمِ أفلاطونَ فقد كانَ المجتمعُ في زمانهِ مقسَّمًا إلى ثلاثِ طبقاتٍ: طبقةُ الحكامِ والفلاسفةِ وطبقةُ العبيدِ وأصحابِ المهنِ والحرفِ وهناكَ طبقةُ العسكرِ.
ومن خلالِ هذه المقدمةِ التي نعتقدُ أنها غنية بمضامينِها، نسمحُ لأنفسنا بأن نطرحَ عدةَ أسئلةٍ في خِتامِ هذه المعالجةِ المتواضعةِ لموضوعِ النفسِ وانتمائها لعالمِ المثلِ العليا وما قدَّمهُ لنا الفيلسوفُ أفلاطونُ بهذا الشأنِ. لكن لا يمكنُ أن يمرَّ الموضوعُ هكذا ونسلمَ بما قالهُ أو غيرهُ من القدامى بشأنِ النفسِ. وكلُّ ما يحقُّ لنا وبمنطقيةِ الحكمةِ والشجاعةِ هو أننا نرى بأنَّ الآراءَ الفلسفيةَ القديمةَ والحديثةَ تقومُ على عالمٍ متحركٍ لا يوجدُ فيه ما يجعلهُ راسخًا رسوخَ الحقيقةِ كما هي في الجبلِ مثلًا. ثمَّ أسئلةٌ محيرةٌ لكنها مشروعةٌ وهو أنَّ ما رأيناه وما أدركناه هو اجتماعُ عالمٍ متناقضٍ والمصيبةُ ليس عالمين تجمعُهما قواسمُ مشتركةٌ عديدةٌ. عالمُ المثلِ والقيمِ العليا يُشاركُ عالمَ الفسادِ والفناءِ مرحلةً زمنيةً قد تطولُ إلى مئةِ عامٍ. والسؤالُ كيف نقتنعُ بما قدَّمهُ أفلاطونُ في موضوعِ اجتماعِ الأضدادِ في كينونةٍ إنسانيةٍ؟ هذه الأسئلةُ وغيرها تؤكدُ على أهميةِ الدخولِ إلى عالمِ هذا التضادِ وقراءةِ مضامينِهِ وعناوينِهِ فلربما أدى بنا إلى أمرٍ نحن نؤكدُ على أننا على مقربةٍ منه.
وللحديثِ صلةٌ.
|
التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي
.. الضاحية الجنوبية لبيروت تفتح أبوابها أمام الإعلام الدولي.. ل
.. غارة إسرائيلية على مقر هيئة صحية بمبنى سكني في بيروت يوقع 7
.. الولايات المتحدة.. فيضانات تغمر مناطق سكنية • فرانس 24 / FRA
.. الرد الإسرائيلي على إيران: هل يفتح نتنياهو أبواب حرب إقليمية
.. حزب الله يستهدف تجمعات لجنود الجيش الإسرائيلي داخل إسرائيل و