الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


بشتاشان بين الضحية والجلاد !.

محمد السعدي

2024 / 7 / 21
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق


أهداني الصديق والرفيق الدكتور عبد الحسين شعبان . كتابه المعنون ” بشتاشان .. خلف الطواحين .. وثمة ذاكرة ” . شهادة وليست رواية . الكتاب بواقع ٢٤٧ صفحة من القطع المتوسط . جهد الدكتور شعبان واضح من خلال الجرأة والمصارحة والاناقة والروعة والجذب في تبويب عناوين الكتاب ومحاوره ، حيث يضم الكتاب بين دفتيه ستة فصول ، وكل فصل من تلك الفصول يضم عدة محاور جلها تصب في رئة الحدث وتداعياته ، وينهي خاتمة الكتاب بملاحق مع صور من وقع المكان .

أهمية الكتاب وفصوله في تقديري ورغم مرور أربعة عقود على وقع أحداثه ، ترجع الى أهلية الدكتور شعبان في سردية مأساة وتداعيات يومياته بإعتباره ناقد وباحث وأمين في تناول وقائعه ، وهو من الناجين من المجزرة . بشتاشان قرية صغيرة تغفو على سفح جبل قنديل ، ظلت مهمولة ، بعد أن هجرها ساكنيها عام ١٩٧٥ ، أثر إتفاقية الجزائر بين الحكومتين الإيرانية والعراقية ، مما شرطت وواحدة من أسرار أتفاقيتها وقف الدعم الإيراني الى الثورة الكردية المسلحة بقيادة مله مصطفى البرزاني وعبوره الى الاراضي الإيرانية كلاجيء سياسي . ولم تكن قرية بشتاشان بمعزل عن تلك التطورات الخطيرة فاهملتها الجغرافية . في عام ١٩٨٢ ، دخلت التاريخ من أوسع أبوابه ، عندما توافدا لها مئات من الشيوعيين العراقيين ، لتكن ساحة مسرح لحياة سياسية جديدة ولتصبح ترند في يومنا الحاضر ، وأسم مألوف ومطروق يتناوله العراقيون ويسألون عن حقيقة الجريمة في يوم ١ آيار ١٩٨٣، التي أقترفها حزب الاتحاد الوطني الكردستاني بحق الشيوعيين العراقيين .

في آيار عام ١٩٨٧ ، مررت بها ولأول مرة طيلة فترة وجودي في الجبل ، التي أمتدت لخمسة سنوات ، كنت مع مفرزة ، أنطلقت من وادي ” دولا كوكا ” . وبرفقة المرحوم علي الجبوري بمهمة مشتركة الى العاصمة بغداد عبر منافذ قرى كرميان . وفي العام ٢٠٠٩ ، وبجهود شخصية ومن عندياتي في التواصل مع قناة البغدادية وبالتنسيق مع الدكتور حميد عبدالله ، فتحنا ملف بشتاشان ولأول مرة عبر شاشة البغدادية ، مما أزعجت الكثير من الرفاق وتردد البعض من الرفاق في الظهور على شاشة البغدادية والأدلاء بدلوهم وقول كلمة حق بحق الشهداء وإدانة الجريمة . في يومها كانت التبريرات ساذجة وغير مقنعة ، إنه ليس وقتها ، مثلما ليس وقت مراجعة سياسة الزعيم قاسم تجاه الشيوعيين ، وبغض النظر عن ذلك تلقى دعماً غير محدود من الشيوعيين الى يوم ٨ شباط عام ١٩٦٣ ، إنقلاب البعثيين والقوميين على منجزات ثورة تموز ، وهي أيضاً بحاجة الى مراجعة وتحديد موقف والمسؤوليات !.

منذ اليوم الأول لوقع جريمة بشتاشان في ١ آيار ١٩٨٣ ، وأنا أتابع كل تفاصيل يومياتها عبر المواقع والصحف والتلفزة والمقالات وشهادات الناجين منها ، والكتب التي صدرت حولها ، وكان أولها كتاب ” بشتاشان بين الآلام والصمت ” للنصير الشيوعي قادر رشيد ” أبو شوان ”. والذي قدمت حوله مطالعة كاملة ، نشرت في حينها بعدة مواقع وصحف ، حول عدة نقاط خلافية حول الاسماء والموقع والنتائج ، وعززت هذه النقاط في لقاء لاحق مع المرحوم قادر رشيد في العاصمة ” أستوكهولم ” في بيت النصير الشيوعي البصراوي سالم الشذر ” دكتور وسام ”. وفي حوار موضوعي حول معركة ” خورنوزان ” . والأشكالية في نتائجها ، مما دعا المرحوم قادر رشيد على ضوء المعطيات ، التي قدمتها له ، بإعتباري أحد الشهود من قلب الحدث ، تبنى تلك المعطيات من وقائع وأحداث في طبعة كتابه الثانية معززة بالأسم والصورة . كتاب الدكتور عبد الحسين شعبان حول جريمة بشتاشان ، يختلف عن مما سبقوه في تناول الحدث بحكم موقعه كناقد وسياسي ، حيث تناول الحدث من زاويا آخرى ، بعيداً عن المجاملات والمصالح . وجهة نظره كناجي وشاهد عيان بيوميات الحدث منذ البداية ، أي منذ الايام الأولى ، عندما بدأت الفكرة بنقل مواقع إدارة الحزب من مواقع ” نوزنك / نوكان ”. الى موقع قرية ” بشتاشان ” خلف الطواحين ”. كموقع قيادي عسكري وسياسي إعلامي والظروف التي أحيطت بهذا القرار المستعجل والغير مدروس والآراء المضادة ضد هذ القرار . وقدرة الاحتياطات والتحوطات والحذر تجاه أي تطورات عسكرية وأمكانية الانسحاب وتجنب الخسائر البشرية والمادية ، كل هذه النقاط والسجالات والمواقف يرويها الدكتور شعبان في كتابه ، فهو يستحق أن يقرأ بعيداً عن الضغائن والتشمت والحقد ، لنجعل منها وثيقة مهمة في بناء المواقف وأستخلاص الدروس من التجربة .

في أكثر من موقع ، يؤكد الدكتور شعبان حول تداعيات الجريمة كما يسميها بدون مواربة في قتل الشيوعيين ، ويدعوا الطرف المعتدي بالاعتذار من عوائل الشهداء والكشف عن قبورهم وتسليمهم الى ذويهم ، وإدانة مقاتلي الاتحاد الوطني وقيادتهم في قتل الأسرى العرب بإعتباره جريمة إنسانية وأخلاقية وقانونية يعاقب عليها القانون ولا تسقط بالتقادم ، ويروي الدكتور شعبان في كتابه ويدين النوايا السيئة السابقة في قتل الشيوعيين ، ويؤكد في حديثه خطاب المرحوم مام جلال الناري والمنشور على اليوتوب في حث مقاتليه في إبادة الشيوعيين بخطاب ناري شوفيني ، كان عربون للمفاوضات مع سلطة بغداد . ويورد شعبان في صفحات كتابه إعترافات مله بختيار الواضحة والمؤلمة في النوايا السيئة والحقد الشوفيني في قتل الشيوعيين العرب !. توقفني حوار منشور في صفحات الكتاب بين الدكتور شعبان والمرحوم نو شيروان مصطفى بإعتباره مخطط ومسؤول وقائد الهجوم ، لايخفي شعبان في حواره بإعتبارها جريمة حرب ولايمكن السكوت عنها والمطالبة بالاعتذار للتخفيف من وطأة الغضب بين أوساط الشيوعيين . في موقف مثل هذا بمنتهى المسؤولية والجرأة والصراحة ، يبرر نو شيروان للهروب من المسؤولية بإعتبار الشيوعيين حملوا السلاح ضدنا عام ١٩٧٥ ، وسمونا بالجيب العميل ، ولم يقدموا الاعتذار المطلوب بعد أن أنفرطت الجبهة مع البعثيين !. وينتقد الشيوعيين في كثرة الكلام والالحاح حول معركة بشتاشان كما يحلوا له أن يسميها ، ويخاطب الدكتور شعبان قائلاً له : لماذا لا تتحدثوا عن مجازر ٨ شباط ١٩٦٣ ؟. بل ذهبتوا وعقدتوا جبهة وطنية مع الجناة البعثيين عام ١٩٧٣ ، وطويتوا الصفحة وتجاهلتوا دماء شهدائكم !.

يتحدث الدكتور شعبان في صفحات كتابة كشاهد وناجي عن اللحظلت الأولى للجهوم الغادر وطريقة وأسلوب مواجهته والانسحابات الغير منظمة وعدد الشهداء وحرق الاذاعة ” إذاعة صوت الشعب العراقي ”. ومعاناة الانسحاب في ظروف غير طبيعية وسط أكوام من الثلوج وطرق مجهولة ، ويشيد بمواقف وبطولات الانصار الشيوعيين في مواجهتهم للهجوم الغادر . ووقوع قادة الحزب كريم أحمد ، أحمد باني خيلاني ، قادر رشيد في الأسر وموقفهم المذل في صمتهم المرعب بقتل رفاقهم الشيوعيين العرب ، وبيانهم المشؤوم عبر إذاعة الاتحاد الوطني الكردستاني رغماً عن الجراح والدماء التي سالت على قمم ووديان جبل قنديل ، وفي تصريح لاحق لكريم أحمد حول إعتذاره عن موقفه قال : أنا أعتذرت بأمر من المكتب السياسي ، لكن قناعتي الداخلية غير ذلك . أما أحمد باني خيلاني لقد كرم بتنصيبه المسؤول الأول لقاطع سليمانية وكركوك بدلاً من القيادي بهاء الدين نوري ، بعد أن أزيح عن مسؤولياته أثر أتفاقية ” ديوانه ”. التي وقعها مع ملا بختيار القيادي في الاتحاد الوطني الكردستاني سفكاً للدماء في عشية جريمة بشتاشان ، في يومها كنت من الغاضبين على تصرف بهاء الدين نوري ، لكن في قراءة متأخرة أعطيته الحق بعيداً عن اللوم والغضب مراعاة الظروف آنذاك وتوازن القوى . ينهي الدكتور شعبان صفحات كتابة . ذاكراً ” لقد طويت تلك الأيام ، ولم يعد استذكار ما حصل في بشتاشان يثير الحساسية السياسية القديمة ذاتها . لكن الجيل الحالي ، والاجيال المقبلة تظل تستفسر وتبحث عن الحقيقة ، حتى وإن كان الفريقان ، المرتكب والمخطيء أو من يدعي تمثيل الضحايا ليس لديه مصلحة استعادتها أو استذكارها ، لاعتبارات سياسية ، لكن ذلك مطلب الضحايا وعوائلهم ، كي لا يخيم الصمت الذي هو أقرب إلى التواطؤ ، والهدف هو بناء علاقات صحيحة ، أساسها النقد والنقد الذاتي والاعتراف بالأخطاء ، من دون ثأر أو أنتقام أو كيدية ”. !

في ختامي لصفحات الكتاب وبقدر المتعة والمعرفة والمعلومة ، انتابتني الغصة ومرارة التجربة وضياع الحلم بوطن آمن ومعافى . خلال رحلتين متتالتين إلى بلدي العراق في العام ٢٠٢٤ ، وما لمسته في شوق اللقاء برفاق وأصدقاء تركتهم لاربعة عقود مضت ، لاحظت شغفهم في الاطلاع على أحداث ويوميات جريمة بشتاشان ، وما تمخض من مواقف ووقائع وملابسات وتصريحات ، ربما قراءة كتاب الدكتور شعبان سيمنحهم وقتاً للاطلاع والتأمل !.



مالمو/٢٠٢٤








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. كل ما يجب أن تعرفه عن السياحة في إشبيلية.. عاصمة الأندلس | ي


.. الذكرى السنوية الأولى لهجوم 7 أكتوبر.. قوات الأمن بحالة تأهب




.. تجمعات ومراسم في إسرائيل لإحياء الذكرى السنوية الأولى لهجوم


.. الصحفي رامي أبو جاموس: 365 يوما من القصف والدمار والخوف والع




.. حزب الله يستهدف مدينتي حيفا وطبريا في إسرائيل