الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ألعاب السيرك المعادي لثورة يوليو

مصطفى مجدي الجمال

2024 / 7 / 24
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان


عرفت مصر منذ عهد الردة الساداتية تواريخ محددة لنصب سيرك التشهير بثورة يوليو.. خاصة في 23 يوليو (الحركة) و 5 يونيو (الهزيمة المسماة بالنكسة) و28 سبتمبر (وفاة عبد الناصر).. وحيث تحالف ضمنيا في سيرك التشهير الإخوان واللييبراليون وبعض أنصار القومية المصرية الشوفينية ومعهم بالطبع الغرب الاستعماري وإسرائيل ونظم الرجعية العربية والقوى الشعوبية الانفصالية في الشام وغيره..
وقد اعتمدت معظم الهجمات تقنيات التشهير الشخصي والاتهامات الجزافية والترويج بمنطق المخالفة لنظم الردة مثل السادات ومبارك وما استجد..
وقد حدث أن اصطدمنا مبكرًا ونحن طلبة في السبعينيات بمثل هذه الهجمات المتأثرة فعليا بكتابات الجاسوس مصطفى أمين وموسى صبري وابراهيم الورداني.والحيوان. وقلت لنفسي من الطبيعي أن تتفاقم هذه الافتراءات مع صعود التيار المتاجر بالدين والمحمي في كنف الأجهزة الأمنية وقتها.. لكن كان التطور السيئ هو انخراط يساريين في "تطوير" نقد التجربة الناصرية إلى حالة من العداء العنيف. ودعوني أذكر واقعة شخصية كاشفة حين اصطدمت في مؤتمر طلابي بأطروحات عن الدكتاتورية والعسكرة والمغامرات والطموح في السيادة الإقليمية.. ولكن كان مبعثها طلاب يساريون تتلمذوا على أيدي مفكرين عانوا كثيرا من الاعتقال والتضييق والاستبعاد. حدث أن كنا نصوغ بيانًا أقرب إلى البرنامج تم تكليفي بصياغته الأساسية.. وكان من ضمن النقاط البرنامجية حماية القطاع العام وتطويره ودمقرطته.. فتصدى لي زملاء بالتساؤل عن تشخيصي للطبيعة الطبقية للقطاع العام.. فقلت بمنتهى الوضوح: رأسمالية الدولة الوطنية. ورد عليَ أحدهم بسخرية: أتدافع عن الرأسمالية يارفيق.. فقلت تمعن جيدًا في صفة "الوطنية". وقلت لهم تأملوا في القوى المنادية بتصفية القطاع العام من ليبراليين ورأسماليين محليين ودوليين ومؤسسات مالية عالمية وشركات متعدية القوميات. ألم يلفت نظركم هذا التماهي؟ ماهي القيمة التي ستضاف لنضالنا إذا بيعت الشركات الوطنية لأولئك أو هؤلاء؟ أم هل ستكتفون بالصمت إزاء صراعات تعتبرونها تعبيرا عن تناقضات بين الشرائح الرأسمالية ولا تهمنا.
كان هذا النقاش بالذات كاشفًا لي حيث يبين كيف ينزلق الثوري إلى الاصطفاف موضوعيًا مع أعداء الوطن والتقدم.
وقد ناقشت كثيرًا في كتاباتي منطلقات من اختلفت معهم ولنأخذ كمثال اندهاشي من التحليلات الإيجابية لتجربة محمد علي باشا باعتباره باعث نهضة الأمة المصرية.. بما في ذلك التصنيع وبناء الجيش والتمدد خارج القطر إلى حد تهديد الدولة العثمانية نفسها.. وبالطبع كان محمد علي وذريته ممارسين لدكتاتورية صلفة. بينما ينكرون على نظام يوليو توجهات مماثلة لتجربة محمد علي.
كما تفاوتت تحليلات يسارية في تقييم ثورة عرابي "العسكرية" والتي انهزت على ايدي العدوان الإنجليزي وتواطؤ الدولة العثمانية وقوى سياسية ودينية مصرية. وكان "الطابع العسكري" لثورة عرابي هو ما ما جعل بعض اليساريين يترددون في تقييمها أو يقيمونها بمعايير عصور تالية.
وركز بعض اليساريين اهتمامهم على الطابع الشعبي لثورة 1919 كنقيض للطابع العسكري لثورة يوليو.. ولم يعطوا اهتمامًا مناسبًا لصراعات القادة من كبار ملاك الأراضي الزراعية، ولا لاضطهاد حكومة سعد زغلول لليسار بالاعتقالات وحل الحزب الاشتراكي والتنظيمات النقابية العمالية. ومن المعروف أن حزب الوفد لم يحكم سوى سبع سنوات على وزارات متقطعة. بل إن حزب الوفد قد تولى الحكم مرتين بتهديد انجليزي سافر للملك بالعزل من العرش.
أما الحكم بكون يوليو ثورة أم انقلابًا فمن الثابت تاريخيًا أن أول من أطلق على "حركة الجيش المبارك" وصف الثورة هو الليبرالي الأعظم طه حسين. ولكن المعيار الماركسي الحاسم في طبيعة يوليو فيتمثل في تغيير علاقات الإنتاج، وبالأخص علاقات الملكية سواء بالإصلاح الزراعي أم التمصير والتأميم. كما أحدثت يوليو تغييرا طبقيًا بالقضاء النسبي على طبقة كبار ملاك الأراضي والرأسمالية الكبيرة والملكيات الأجنبية. وبالمقابل تبلورت ثلاث قوى طبقية لم تكن موجودة من قبل بزخم كبير، وهم فلاحو الإصلاح الزراعي وعمال القطاع العام والمهنيون خريجو التعليم الجامعي.
أما عن هزائم يوليو في سيناء واليمن فلا يمكن إنكارها أو عدم إدانة المتسببين فيها، بشرط مراعاة تآمر القوى المهيمنة عالميا، كما أن كل الثورات العالمية الكبرى تعرضت لهزائم بما فيها الثورة البلشفية والاتحاد السوفيتي فيما بعد.
ومن المؤكد أن غياب الحريات السياسية والارتكان إلى المنهج الشولي والفردي في الحكم كان لهما مثالب وعواقب خطيرة.. فحينما وقعت الردة الساداتية وما بعدها تم الاعتماد على ذات آليات الشمولية الناصرية.
ولذلك يخطيء يساريون كثيرون حينما يعتبرون أن نظام يوليو مستمر دون انقطاع حتى الآن.. وهو ما يعني عدم إدراك النقطة الانقلابية التاريخية عام 1971. كما لا يلاحظ بعض اليساريين أن افتراضهم استمرار نظام يوليو هو بمثابة خدمة مجانية للنظم المتلاحقة منذ السبعينيات.
ولعل النقد الأصح ليوليو في هذا الجانب يتمثل في غياب المشاركة الشعبية وملاحقة القوى الاشتراكية المستقلة.. وهو ما تسبب في تنامي الطبقة "الجديدة" من بيروقراطيين وتكنوقراطيين التي تضخمت مصالحها وتطورت بنيويًا إلى شريحة من شرائح الرأسمالية الكبيرة سرعان ما تحالفت مع الشرائح المماثلة في الرأسماليات "الخاصة".
ومن المؤسف أن اليساريين أصحاب الرؤى المذكورة لم يحددوا لنا احتمالات السلطة البديلة للقوى المرجح نجاحها في احتلال السلطة بعد عودة العسكر للثكنات.
أما علامة التعجب الكبرى فتتمثل عندي، وبشكل شخصي، في التساؤل عن مدى تغلغل الأيديولوجية الديمقراطية السياسية في العالم إبان الخمسينيات والستينيات. فمن الواضح أن تنويعات الحكم اللاديمقراطي كانت طاغية في آسيا وأفريقيا وأمريكا اللاتينية وشرق ووسط أوربا وجنوبها، فيما عدا استثناءات قليلة في الهند والقليل الديمقراطيات القائمة على التوازن العرقي والقومي.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. في لبنان.. نزوح جماعي هربا من الموت الذي تخلفه الغارات الإسر


.. بطل أم ديكتاتور؟ سيكو توري.. رجل غينيا القوي • فرانس 24 / FR




.. -سنة على الحرب التي غيرت وجه العالم- • فرانس 24 / FRANCE 24


.. بينما يستعد المراسل للبث.. كاميرا CNN توثق قصفاً إسرائيليًا




.. بعد عام على -طوفان الأقصى-.. ماذا حققت حماس؟