الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مقاربة.. النقد في مواجهة تصنيم الوقائع والوسائل والأدوات

سليم يونس الزريعي

2024 / 7 / 24
القضية الفلسطينية


تختلف معي ابنتي المقيمة في أحد العواصم الأوروبية، عندما أكتب إحدى مقارباتي السياسية التي أتناول فيها ما يجري في غزة بطرح الأسئلة الممنوعة، بعيدا عن الشعبوية والهتاف، على قاعدة أن هذا " مش وقته"، أو لماذا لا تنتقد السلطة في رام الله؟ وأنا أقول إنني أقوم بذلك عندما أجد موجبا وطنيا وسياسيا وفكريا وأخلاقيا للنقد، وربما ما هو أكثر من النقد، انطلاقا من أنني لست في جيب أحد لا بالمعنى السياسي أو الفكري أو المصلحة الشخصية سواء كانت مادية أو معنوية.
لكن ما يجري في غزة هو أمر غير مسبوق، وأنا من منطلق وطني متعد للأحزاب والفصائل، وارتباطا بقناعاتي السياسية والفكرية أعتبر أن هذا واجبي. وعملي.
إنني عندما أقارب سلوكا ما بالنقد، أو أرفض قبول توصيف البعض لكارثة غزة التي هي محرقة موصوفة باعتبارها خسائر مستحقة من أجل التحرير، فإن هذا المنطق يستفز السؤال عندي، كونه يحمل الكثير من خطل القياسات، ولذلك فهو يغري بالمشاكسة التي جوهرها طرح الأسئلة حول ما يجري في غزة منذ العام الماضي من احتلال وخراب، وهل كان يجب أن يكون كذلك ؟.على قاعدة أن تقييم أي عمل هو رهن بتعبيره عن الكل الوطني أولا وبنتائجه ثانيا، لكن المشكلة للأسف هي عندما تكشف المعطيات منذ البدء أن سيرورة النتائج في فداحتها تشير إلى أن الكارثة ستصل إلى مستوى غير مسبوق من التدمير والقتل والتهجير في التاريخ الفلسطيني، جعلت من غزة منطقة منكوبة بشرا وحجرا وشجرا، وهي تتفاقم مع كل يوم جديد تتواصل فيه المحرقة على أهل غزة.
مع عدو لنا معه تجربة منذ عام 1948، وهو ما كان يجب أن يعرفه كل من لديه قدرة على القراءة والقياس، عبر ربط سلوكه بعد الطوفان، بسلوكه الذي رافق مجازره التي استهدف فيها غزة منذ الرصاص المصبوب في 27 ديسمبر 2008 حتى آخر معاركه التي فجرها ضد القطاع، قبل 7 أكتوبر العام الماضي، بما سيحدث بعد طوفان الأقصى الذي كان زلزالا غير مسبوق بالنسبة للكيان، ولذلك أعتقد على نطاق واسع أنه كان من السهل التنبؤ بمستوى ردة فعله، ولم يكن في الوارد توقع أن يراعي القيم والمعايير الإنسانية في حربه، أو أي خطوط حمراء، وهو الذي لم يراعيها في أي يوم من أيام زرعه في فلسطين .لذلك كان يجب أن يكون رد فعله متوقعا من أجل اتخاذ ما يلزم لحماية أهل غزة من هذه المحرقة، وهذه كانت في ظني إحدى خطابا من خططوا لهجوم 7 أكتوبر، وربما يكون السؤال والحال هذه، لم كان الطوفان إذن؟ إذا كانت غزة وأهلها هم من سيدفعون كل هذا الثمن! .
وكنت أتساءل هل كان الطوفان عملا جماعيا لكل الفصائل؟ أم أنه عمل يخص حركة حماس؟ بحثا عن سؤال أين العقل الجماعي المجرب من قوى لها تجربتها الكفاحية الممتدة منذ عام 1967؟
لكن ما قرأته في بوابة الهدف الإخبارية التي أجرت حوارا مع عضو المكتب السياسي للجبهة الشعبية ومسؤول الدائرة السياسية عمر مراد نشر في21يوليو2024 وجاء فيه: أن الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين قد التحقت ..وأشدد نعم التحقت بطوفان الأقصى من لحظة علمها.. أي أنها لم تكن كما أفهم جزءا من ساعة الصفر... وإنما عندما وصلها خبر اقتحام غلاف غزة، بدأت المشاركة..!
هذا الحديث للأسف يؤكد أن طوفان الأقصى لم بكن مشروعا وطنيا جامعا كمنتج لغرفة العمليات المشتركة، ذلك أن الجبهة بثقلها السياسي والعسكري النسبي لم تكن جزءا من الخطة أو أهداف الطوفان كما فهمت من إجابة مسؤول الدائرة السياسية للجبهة ، وهذا يكشف أن طوفان الأقصى كان مشروعا حمساويا تماما، وأن ما حصل أن بعض القوى كانت مشاركتها على قاعدة نظرية الفزعة وليس الشراكة على صعيد الخطة وتحديد الأهداف والأدوات بعقل جماعي يعي كل السيناريوهات اللاحقة، لمواجهة أي تداعيات سلبية ستنجم عن ذلك، لأنه كان من الواجب تقدير رد فعل العدو بكل هذا التوحش، ارتباطا بالتجارب السابقة معه، ومن ثم تقدير رد فعله بعد صدمة 7 أكتوبر بكل تداعياتها الأمنية والنفسية والسياسية التي مست بشكل جوهري ما يسمى بمقولة الردع في العقل السياسي الصهيوني.. لتجنب الخراب بكل أشكاله الذي لحق غزة وأهلها والمستمر مع كل يوم إضافي في هذه المحرقة حتى اليوم.

إنني أقول إن النقد وطرح الأسئلة هو أمر مطلوب من أجل التصويب وتعزيز اليقين، على قاعدة أن هذا حق وواجب، من أجل وعي محمل بالأسئلة، مفارق لثقافة تعليب الوعي التي هي نقيض لثقافة القناعات التي يعززها البحث عن إجابات للأسئلة بعيدا عن الأبوية السياسية والفكرية وثقافة المقتطفات.
وأعتقد أن الذهن المحصن بفضيلة الأسئلة المحايد بالمعني العلمي والخالي من الأفكار المسبقة، هو الذهن الحي الحر وغير القابل للتضليل والترويض.
ولأنه كذلك فهو لا يستطيع قبول ذهنية تصنيم الأفكار والأعمال البشرية ذات الطبيعة العامة، طالما أنها ليست ذاتية محضة.
وهذا ينطبق على كل الوقائع التي هي نتاج فعل إنساني طالما ارتداداتها تمس الناس، ولأنها غير ربانية فمن الطبيعي أن تكون محل تقييم سواء عبر قراءة التسليم بها شكلا ومضمونا من القطيع، أو عبر القراءة التي لا تتوانى عن طرح الأسئلة من أجل الفهم وتحصين الوعي.
لكن ربما يحصل الخلط المفاهيمي عند البعض أو التشويه المعرفي عندما يسبغ على الأدوات أو الوسائل صفة التقديس، والتعامل معها كأنها هي الهدف وليست وسيلة الوصول للهدف.
وهنا يظهر ممن نصبوا أنفسهم حراسا لما يعتبرونه المقدس في مواجهة التدنيس وإضفاء صفة التابو عليها ضد من يجرؤ على ممارسة فضيلة النقد، أو تخطئة سلوك ما أو فعل ما، في سياق حرية الرأي والتعبير، بأن يحرم أصحاب الأسئلة. الموجعة من وطنيتهم، بل ويكونون محلا للتشويه والترهيب المادي والمعنوي.

ومن ثم فإنه لمن خطل التفيكر تصنيم الوسائل ومن يستخدمها، سواء بحسن نية أو نتيجة كون من يحدد أهمية وضرورة هذه الوسيلة أو تلك هو شرط اللحظة في الزمان والمكان، والمقصود هنا، هي تلك الوسائل التي لها علاقة بجهد الإنسان كمنتج بشري.

وهنا أعتقد أن المشاكسة من موقع الشريك، بالمعنى الفكري والسياسي والمصلحة التي لا تعني بالضرورة التوافق، هو أمر بالغ الأهمية،، طالما أن هذه الوقائع تمسه بشكل مباشر أو غير مباشر، انطلاقا من كونه مواطنا أولا ومثقفا مهموما بهم وطنه وأهله ثانيا.
وأخيرا أقول إنني أعتقد أن النقد الكاشف لازم وضروري من أجل التصويب وحتى المحاسبة إذا ما كانت هناك أخطاء وخطايا كارثية ليكون.. السؤال هل ينفع النقد والمحاسبة بعد فوات الأوان ويحل الخراب لا قدر الله. إذا ما أخذنا بمقولة "مش وقته". أو تقديس البعض للوقائع والأدوات أو المفاهيم.
إن .الخشية من النقد والمحاسبة إذا كان هناك ما يستوجب ذلك، هو ضعف وعدم ثقة ويقين في النتائج سيما إذا كان العمل ليس شخصيا، وإنما يمس كل الناس، لأنه من سوء القيادة والإدارة عندها كم أفواه الناس بدعوى التقديس أو أنه ليس وقته طالما أن الأمر يعنيهم.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أشهى الحلويات بدون فرن مع الشيف عمر!


.. كيف تستعين إسرائيل بالذكاء الاصطناعي لإعادة الرهائن من غزة؟




.. 7 أكتوبر 2023 : قصة -يوم الرعب- في إسرائيل • فرانس 24 / FRAN


.. غزة تحت القصف الإسرائيلي: عام على الأزمة الإنسانية الكارثية




.. المغرب: محطات تحلية مياه متنقلة تنقذ سكان بعض القرى من جفاف