الحوار المتمدن
- موبايل
الموقع
الرئيسي
عشرة أيام في الجنة ثم عودة إلى الأرض
خالد خليل
2024 / 7 / 25الادب والفن
اليوم الأول
روحي تتنفس على جسر من نورٍ يسير بمحاذاة بحر السماء، وفوق أنهارها السماوية، كأنها ترحل في بُعدٍ لا نهائي من النور. نور على نور، أجد نفسي أتحسس خفة ليست معهودة، وكأن كل أثقال الأرض قد تبخرت، تاركةً إياي أحلق بلا قيود. أرى نفسي أقفز فوق هضاب الماء، كل قفزة تأخذني إلى مكان أسمى وأعذب. أشعر بنفسي أستقر على صخرة من ضوء، أتأمل في انتظار ما سيأتي. نور على نور، كل لحظة هنا تبدو وكأنها تُنسج من خيوط الأحلام، وتداعبني بإمكانية اكتشاف أسرار الكون الكامنة.
اليوم الثاني
أرى كل خواطري بطرفة عين، تتجلى أمامي كالصور الواضحة. نور على نور، أرى ما أريد وأحصل على ما أشتهي. خيرات الجنة كلها بمتناول يدي؛ مسك وزعفران، ولؤلؤ مكنون، وأشجار معدنية تتلألأ تحت شمس لا تغيب. أنهار من لبن وخمر لذة للشاربين، وعسل مصفى كأنه نبع الحياة. أقطف فاكهة وأغمسها بلحم طير من دار النعيم، نور على نور، أشعر وكأن الماضي قد طوى صفحاته، وأغلق أبوابه للأبد. لا توقعات ولا تخوفات، فكل شيء هنا ينسجم في رحاب "كن فيكون".
اليوم الثالث
أفتح عيني على نور يعانقني بلطف كأنني طفل في حضن أمه، حيث النسيم يداعب وجهي برقة، والعصافير تزقزق بمرح حولي. نور على نور، هنا في الجنة، الزمان لا يعني شيئاً، كل لحظة تمتد في سكينة وسلام. أتجول بين البساتين الخضراء، أقطف الثمار بيدي، لا حاجة للانتظار. أشعر بحياة جديدة تنبض في عروقي، حياة خالية من الهموم والآلام، حيث لا شيء يعكر صفوها.
اليوم الرابع
أستيقظ على أصوات الأنهار المتدفقة، كأنها تعزف سيمفونية الأبدية. الألوان تتراقص أمام ناظري، تنسج لوحة من الخيال. نور على نور، وأنا أتنقل بخفة بين الجنات، ألتقي بأحبتي الذين سبقوني، ونغرق في أحاديث لا تنتهي وذكريات لا تمحى. الجميع هنا متحابون ومتآلفون، لا حقد ولا ضغينة، فقط سلام ووئام. أسأل نفسي: أكان هذا هو الحلم الذي طالما راودني؟
اليوم الخامس
اليوم أرى الجنة بأبعاد جديدة، حيث لا حدود للمكان ولا قيود للزمان. نور على نور، كل خطوة تأخذني إلى عالم مختلف، كأنني أبحر في بحار من المعرفة والحكمة. أجلس تحت ظلال الأشجار الوارفة، وأستمع إلى حكايات الخالدين، كل كلمة تفتح لي أبوابًا جديدة. أدرك أنني أصبحت جزءًا من هذا النسيج العظيم، نسيج الحياة الأبدية، وأشعر بالامتنان لكل لحظة أقضيها هنا.
اليوم السادس
أجد نفسي في حديقة زهور لم أرَ مثلها من قبل، حيث رائحة العطر تملأ المكان وتنعش الروح. نور على نور، الألوان تتناغم كلوحة رسمت بإبداع خالق. أقطف وردة وأشعر بنبض الحياة فيها، وكأنها تهمس لي بأسرار الكون. أتنفس بعمق وأدرك قيمة الجمال الذي يحيط بي من كل جانب. أجد السعادة في أبسط الأمور، في رائحة الزهور وفي نغمات الطبيعة، وأفهم أن الجنة هي التجلي الأسمى للجمال.
اليوم السابع
أجلس بجانب نهر من لبن، أتأمل في صفائه ونقاءه، وأغترف منه بيدي وأشرب. نور على نور، طعم الحياة يتجدد في جسدي، أشعر بطاقة لا تنضب، وكل ما حولي ينبض بالحياة. الجنة هي أرض الخلود، أرض لا تعرف المرض أو الفناء، حيث الروح تجد راحتها وسلامها. هنا، يتلاشى الشعور بالزمن، وتتسع الآفاق إلى ما لا نهاية، وتتجدد الروح بنور الأمل.
اليوم الثامن
أرتفع إلى قمم الجبال البيضاء، أشعر بأنني أقترب من النجوم. نور على نور، السماء تفتح ذراعيها لي كأنها تحتضنني بحنان الأم. أرى الأرض من علٍ، أرى كل تفاصيلها الجميلة، أدرك كم نحن صغار وكم أن الكون واسع وعظيم. أفكر في الخالق وفي عظمته، وفي هذا الامتداد اللامتناهي من الجمال والكمال. هنا، أجد المعنى الحقيقي للسلام الداخلي.
اليوم التاسع
أجلس بجانب شجرة الخلد، أشعر بأنني جزء من هذا الوجود الأبدي. نور على نور، أحاور الطبيعة وأتأمل في أسرارها، أرى الحكمة في كل شيء حولي. الجنة تعلمك كيف تكون متواضعًا، وكيف تقدر كل لحظة وكل نعمة. أدرك أن الحياة ليست مجرد وجود، بل هي رحلة للبحث عن الذات، والبحث عن الحقيقة والسرور، وأفهم أن كل لحظة هنا هي هدية من السماء.
اليوم العاشر
أصل إلى ذروة السلام الداخلي، أشعر بالاكتمال والرضا التام. نور على نور، لا شيء يعيقني ولا شيء يثقلني، الجنة أعطتني كل ما أحتاجه. الحب، السعادة، السلام، كلها هنا في وفرة لا تنتهي. أعرف أنني في المكان الذي أنتمي إليه، هنا حيث الأحلام تتحقق، وهنا حيث الأمل لا يموت. أدرك أن الجنة ليست مجرد مكان، بل هي حالة من الوجود المثالي، حيث الروح تجد السلام الأبدي. وأدرك ما أدرك: ﴿ ۞ اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ۚ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ ۖ الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ ۖ الزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ يُوقَدُ مِن شَجَرَةٍ مُّبَارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ لَّا شَرْقِيَّةٍ وَلَا غَرْبِيَّةٍ يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ ۚ نُّورٌ عَلَىٰ نُورٍ ۗ يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَن يَشَاءُ ۚ وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ ۗ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ﴾
العودة إلى الأرض
استيقظتُ من حلمي السماوي على صوتٍ ناعم، كأنه نداءٌ من أعماق الوعي. نور على نور، وجدت نفسي مجددًا في حضن الأرض، التي بدت في البداية وكأنها تحتضنني بحزنٍ لافت، بعدما لامستُ تلك الأبعاد السماوية البديعة. عادت إلى ذاكرتي مشاغل الحياة وتفاصيلها، وذكرياتي تتراقص في خيالي، كما لو كانت أصداءً بعيدة لما اختبرته في الجنة.
في البداية، شعرتُ بالحنين إلى تلك اللحظات التي قضيتها في عالم النور، حيث الزمان يتلاشى والمعاني تتجلى. لكن سرعان ما أدركت أن الأرض بحد ذاتها تحمل في طياتها جمالًا خاصًا، يكمن في بساطتها وواقعيتها. نور على نور، وجدتُ نفسي أبحث عن الجمال في تفاصيل الحياة اليومية؛ في ابتسامة عابرة، أو في صوت المطر الذي يغسل الأرواح، أو في زهرة تتفتح مع إشراقة الشمس.
أدركت أن الجنة ليست مجرد مكان نصل إليه بعد الحياة، بل هي أيضًا حالة من الصفاء الداخلي يمكننا تجربتها هنا على الأرض، إذا ما أفسحنا المجال للروح أن تسمو فوق الماديات والهموم العابرة. نور على نور، كل ما نحتاجه هو النظر بعمق في قلوبنا والعالم من حولنا، لنجد تلك الجنة التي تستقر في نفوسنا، تنتظر أن نكتشفها ونعيشها في كل لحظة.
عندما أعود إلى الأرض بعد هذه التجربة الروحية، أجد نفسي أكثر اتزانًا وامتنانًا لكل لحظة أعيشها. نور على نور، أصبحت أقدّر نعمة الحياة وكيف يمكن للإنسان أن يخلق جنته الخاصة في قلبه وعقله. أعيشُ الآن مع اليقين بأن السلام الداخلي هو الجنة الحقيقية، التي يمكننا الوصول إليها في كل وقت، إذا ما اخترنا أن نرى العالم من خلال عيون الروح.
|
التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي
.. فيلم تسجيلي بعنوان -بوابة الحضارة-
.. إبداع المخرجة نانسي كمال وتكريم من وزير الثقافة لمدرسة ويصا
.. المهندس حسام صالح : المتحدة تنقل فعاليات مهرجان الموسيقى الع
.. الفنان لطفي بوشناق :شرف لى المشاركة في مهرجان الموسيقى العر
.. خالد داغر يوجه الشكر للشركة المتحدة في حفل افتتاح مهرجان الم