الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


خطاب كريه أمام ديناصورات برؤوس عصافير !

عبدالله عطوي الطوالبة
كاتب وباحث

2024 / 7 / 25
مواضيع وابحاث سياسية


بدأ مجرم الحرب، النتن بن نون، خطابه في الكونغرس الأميركي بالشحن العاطفي لمستقبليه. استحضر "الهولوكوست" أكثر من مرة، وفعل الشئ ذاته بخصوص أسطورة "الحق الإلهي" لليهود في "أرضهم"، وكأن الإله الذي يؤمن به النتن تاجر عقارات وأراضٍ. واستدعى أكذوبة "العداء للسامية" الموئسة، التي سئمت الاجترار وملَّت التوظيف والتكرار. كما استحضر أنبياء بني اسرائيل ابراهيم ويعقوب واسحق، من باب إقامتهم في فلسطين. وهذه بالمناسبة أساطير توراتية وليست حقائق علمية، بدليل أن للعلم الحديث رأي مختلف بشأنها عن تلفيقات النتن. في الكيان ذاته، أقر علماء آثار وأرخيولوجيا اسرائيليون بطلان ادعاءات الصهيونية في هذا الجانب. رَبط بين السابع من أكتوبر 2023 والحادي عشر من أيلول 2001 في أميركا، قاصدًا بذلك لفت الانتباه إلى أن كيانه اللقيط يخوض حربًا دفاعية ضد أعداءٍ أميركا أيضًا. ولم يدخر وسعًا في التركيز على "استهداف" الكيان من قِبَل "أعداءٍ شرسين. ذهب النتن في استغباء مستضيفيه إلى أبعد مدىً يسمح به خطاب، مهما خُصِّص له من وقت يظل محدودًا بسقف زمني. فقد عَرَضَ في كونجرس أميركا العظمى خمسة أشخاص بينهم امرأة اصطحبهم معه، حرص على التعريف بهم بما يضمن تحقيق الهدف الرئيس، أي التلاعب بالعواطف. هنا، أصاب من النُّجْح قَدَرًا بدليل المبالغة في الوقوف والتصفيق من مشرعي أميركا العظمى، فضلًا عن الإنبهار الساذخ والإنفعال الأبله البادي على الملامح بتأثير حركات النتن المسرحية البهلوانية. المرأة الشابة، قال إنها من الأسرى "المحررين"، وإنه التقى بوالدتها وهي على حافة الموت كونها مصابة بمرض خطير. وتوسلت إليه أن يحقق لها آخر أمنية في حياتها، وهي أن تعانق ابنتها الأسيرة قبل أن تموت. الأربعة الآخرون جنود في جيش النازية الصهيونية، تحدث النتن عن بطولاتهم (إقرأ جرائمهم) في غزة. اللافت أن النتن عَرَّف كُلًّا من هؤلاء بديانته: "يهودي" و"مسيحي" و "مسلم". الأخير أضاف إلى التعريف به وصفًا آخر "بدوي". اسمه "أشرف"، وهذا الاسم مشتق من الشرف، لكن حامله عار على اسمه بدليل تباهي مجرم الحرب النتن به، لأنه قتل "ارهابيين كثيرين" في غزة. الإرهابيون في قاموس النتن، هم الأطفال والنساء والأبرياء العزل في غزة، الذين شارك المجرم "أشرف" بقتلهم غير آبه بأنه يقتل أبناء شعبه لصالح مُحتل أرضه ومغتصب حقوقه!

بعد أن ضمن مجرم الحرب الكذاب الأشر أن التلاعب بعواطف مستضيفيه قد تحقق، راح ينثر أكاذيبه بأسلوب مفضوح ووقاحة منقطعة النظير، وكأنه يستغبي المسرفين في الاحتفاءِ به إلى حد الوقوف والتصفيق بعد كل فِقرة فاه بها. فهل يعقل أن مشرعي أميركا العظمى، ينطلي عليهم تقديم النتن بن نون نفسه بأنه يمثل التحضر مقابل التوحش؟! فكيف يستقيم التحضر مع قتل وجرح حوالي 150 ألف عربي فلسطيني في غزة، خلال تسعة أشهر، جُلّهم من الأطفال والنساء؟! هذا الرقم، يعادل بالنسبة والتناسب حوالي 20 مليون أميركي. وهل يستوي التحضر مع تدمير 90% من منازل الغزيين، وقصف المدارس والمستشفيات ودور العبادة ومراكز الإيواء التابعة للأمم المتحدة وهدمها على رؤوس من بداخلها؟! أم أن هذه الفظاعات والارتكابات، التي صنفها الضمير الإنساني والمحاكم الدولية المعنية كجرائم حرب وإبادة جماعية لا تلتقطها حاستا السمع والبصر لدى مشرعي الدولة العظمى، "راعية السلام" ورافعة شعارات "حقوق الإنسان"؟!!!
وما قول مشرعي أميركا العظمى ببتر أطراف 1200 طفل فلسطيني في غزة، بسبب جرائم جيش النازية الصهيونية، عدا عن تجويع مليونين وثلاثمائة ألف انسان وحرمانهم من الدواء وأبسط مقومات الحياة ومقارفة المجازر بحق العشرات منهم يوميا؟!
على الرغم من جرائم الحرب هذه، لم يخجل النتن من أن يُلقي في روع مشرعي أميركا كذبة لا يمكن أن تنطلي على طفل في عصر الفضاء المفتوح، مفادها أن "جيش اسرائيل أخلاقي، بل الأكثر أخلاقية بين الجيوش" !!!
لم تمنع حفاوة الاستقبال النتن من إهانة أميركا ذاتها، الداعم الرئيس للكيان اللقيط وضامن حمايته من المحاسبة. هاجم الأميركيين الذين انتفضوا حول مبنى الكونغرس، واصمينه بما يستحق فعلًا: "مجرم حرب". لم يهاجمهم فحسب، بل قدم نفسه "مُعلِّمًا" في التاريخ والجغرافيا يبيح لنفسه اصدار حكم بضحالة معارفهم بهاتين المادتين. ووجه سهام نقده إلى الأميركيين منتقدي جرائم جيش النازية الصهيونية في غزة، مقدمًا نفسه "أستاذًا" يُلقن الأميركيين كيف يفكرون ويتصرفون!
لم يحتمل هذه الغطرسة حتى بعض أعضاء الكونغرس المنحازين للكيان الشاذ اللقيط، مثل كريس ميرفي.
على صعيد العدوان وجرائم الإبادة في غزة، فكل ما تقيّأ به النتن يفيد بالاستمرار في مقارفة المجازر ودفع المنطقة إلى مواجهات مفتوحة. هاجم محور المقاومة، وكان حريصًا على ربطه بإيران. وما دراه أنه خدم ايران في العالمين العربي والاسلامي خاصة، من حيث أراد تلطيخ سمعتها. فقد أخذ على ايران اضطهادها للمرأة وللمثليين، وقدمها في الكونغرس الأميركي داعمًا رئيسًا للمقاومة ضد كيانه الغاصب المحتل. لم يمل من تكرار هلوساته متناقضًا في بعضها حتى مع جيشه، كالغرغرة بأسطوانة "القضاء على حماس". طلب إلى أعضاء الكونجرس تزويد كيانه الشاذ اللقيط بما يلزم من أحدث ما في ترسانة أميركا من أدوات القتل والتدمير، ليحقق النصر على "خماس". أما شرط وقف الحرب برأي النتن بن نون مشوه العقل ومضطرب النفس، فيراه في استسلام "خماس" وتعيين إدارة مدنية غير معادية للكيان تدير القطاع بعد الحرب. لم يأتِ على ذِكر صفقة تبادل المخطوفين العرب في سجون الكيان والأسرى الصهاينة، ولم يجامل الكونجرس حتى بالإشارة ولو من بعيد إلى ما يُعرف بحل الدولتين. ليس لهذا كله سوى معنى واحد: مواصلة العدوان ومقارفة جرائم الحرب والمجازر في غزة بكل ما قد يترتب على ذلك من احتمالات توسيع رقعة الصراع اقليميًّا ودوليًّا ربما.
لا يُتوقع من مجرم حرب منفصم عن الواقع، يتعالى على حقيقة اخفاق كيانه في تحقيق الأهداف المعلنة لعدوانه أمام الصمود الأسطوري لغزة ومقاومتها، أن يصدر عنه غير ما تقيَّأ به. لكن كونجرس أميركا وقع في سقطة عار تاريخية، باستقباله مُجرمَ حرب مذهونًا وإتاحة الفرصة له لإلقاء خطاب كريه ينضح بالأكاذيب والاستعراض المسرحي البهلواني الدال على استغبائه لمستضيفيه.
لو كانت أميركا تتوفر على حدود دنيا من الموضوعية الأخلاقية كدولة عظمى، لأتاحت الفرصة في المكان ذاته، لأصحاب الأرض المحتلة المزروع فيها الكيان الشاذ اللقيط لتسمع منهم مباشرة ولا تسمع عنهم من عدوهم. صحيح أن 90 مشرعا أميركيا قاطعوا خطاب النتن، لكن احتفاء أكثرية أعضاء الكونجرس بمجرم حرب يكذب كما يتنفس سقطة تاريخية تُرجمت في جلسة عارٍ تسيء لهم ،أولًا. وبالقدر
ذاته، فقد قدموا بلدهم كديناصور برأس عصفور أمام العالم كله، ثانيًا!!!








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي