الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


هوڤهانيس تومانيان شاعر كل الأرمن

عطا درغام

2024 / 7 / 31
الادب والفن


البداية والنشأة
ولد هوڤهانيس تومانيان في التاسع عشر من فبراير 1869، في قرية ديسيچ في لوري الواقعة شمال أرمينية الحالية، وخلال الفترة من 1877 حتي 1879 ، درس في مدرسة ديسيچ أبرشية، ومن 1879 إلى 1883 ، درس في المدرسة الثانوية في جلال أوغلو (الآن ستيباناڤان )، واستقر وعاش في تبليسي منذ عام 1883 ، ومن 1883 إلى 1887 ، درس في مدرسة نيرسيسيان في تبليسي ، لكنه ترك تعليمه في عام 1887 بسبب الصعوبات المادية ، وعمل في محكمة الكنيسة الأرمنية في تيفليس ، ثم في دارالأرمنية للنشر(حتى عام 1893 )،ومنذ عام 1893 بدأ يكتب في المجلات الأدبية في "أچبيور" ، "مورش" ، "هاسكر" ، "هوريزون".
الأنشطة السياسية والعامة
في بداية القرن العشرين ، أصبح تومانيان معروفًا كشخصية عامة، و بين عامي 1905-1906 شغل منصب الوسيط خلال المعارك الأرمنية التاتارية التي أثارتها الحكومة القيصرية ، وتم اعتقاله مرتين خلال الحرب الأرمنية الچورچية في عام 1918 ، وأدان بشدة أولئك الذين أثاروا كراهية الشعبين ،ولطالما كان يشعر بالقلق والتطرق إلى مصير الشعب الأرمني ، وهو حالة الأرمن الذين تم ترحيلهم من أرمينيا الغربية نتيجة للإبادة الجماعية الكبرى1915؛إذ عمل علي مساعدة اللاجئين الأرمن ، وخاصة الأطفال اليتامى في إيتشيمادزين، كما انضم في عام 1914 ، إلى لجنة مساعدة ضحايا الحرب، الذين ساعدوا فيما بعد الناجين من اللاجئين الأرمينيين المرحلين في إيشميادزين.
وفي عام 1899 ، ساهم في إنشاء مجموعة ڤيرناتون الأدبية في تبليسي ، وكان أعضاؤها :(أڤيتيك إيساهاكيان ، وديرنيك دميرشيان ، وليڤون شانت ، وچازاروس أچايان ، وبيرش بروشيان ، ونيكول أچباليان وغيرهم.) ، استمر عمل المجموعة حتى عام 1908
في عام 1912 انتُخب تومانيان رئيسًا لجمعية الكتاب الأرمنية التي أُنشئت حديثًا ، وفي عام 1918 رئيس اتحاد النقابات الوطنية الأرمنية (IAU).وفي عام 1918 أنشأ الاتحاد الفلكي الدولي لجنة التحقيق بقيادة تومانيان لحساب الخسائر التي تكبدها الأرمن خلال الحرب العالمية الأولى( 1914-1918)، كما شارك في مؤتمرباريس للسلام ( 1919 - 1920 )، ومن 1912 إلى 1921 كان رئيس اتحاد الكتاب الأرمن ، كما ترأس لجنة الإغاثة الأرمنية ( 1921 - 1922 ).
وفي خريف عام 1921 غادر تومانيان إلى إسطنبول لمساعدة للاجئين الأرمن بعد أن مكث هناك لعدة أشهر ، عاد مريضًا بعد جراحة عام 1922 ، ولكن في سبتمبر من العام نفسه تمكن منه المرض حتي نُقل إلى مستشفى في موسكو ، فوافته المنية في الثالث والعشرين من مارس 1923 ، عن عمر يناهز 54 عاما .
جذوره الأدبية
يقدم هوفهانيس تومانيان في مذكراته في الجزء المخصص لفترة الطفولة، شخصية والده تيرماتيوس، باعتباره لا فقط راعي كنيسة أرمنية يرتل الأناشيد الطقوسية المعتادة،وإنما أيضَا بوصفه شاعراً ينشد قصائد ملحمية، مصحوبا بالتشونكور، الآلة الموسيقية الشعبية ذات الأوتارالمشدودة ، وإن أردنا معرفة مصدر انبهار تومانيان عندما كان طفلاً بالشعر القصصي وتأثيره في مخيَّلته، علينا البحث في هذه البيئة التي نشأ فيها.
أما شخصية الأم، سونا، فهي توحي للطفل تومانيان بالمناظر الطبيعية في قرية ديسيچ، مسقط رأسه، الشبيهة، رغم طابعها البري، بمناظر جبال الألب. «وُلدت أمي وترعرعت في الجبال. لقد كانت بنتاً من الجبال»، هذا ما كتبه لاحقاً هذا الشاعر الذي نظم أبياتا جميلة يصف فيها الجبال الوعرة في أرمينيا.
وبالإضافة إلى هذه الصورة المثالية، تُنسب القصص العائلية أصل الأسلاف إلى أسرة أمراء ماميكونيان العظيمة، الذين تولوا قيادة الجيوش الأرمنية طيلة عدة قرون. وسواء تعلق الأمر برواية عائلية أو قصة أسطورية، فإن تومانيان كان متيقنًا من أنها الحقيقية، ولو أن بحثه في أصول سلالته لم تُفض إلى النتيجة المنشودة.
قضى الشاعر طفولته في عالم رائع يزخر بالقصص والأساطير التي حفظها عن والده ،وقد كان والده مشحونًا بطاقة مزدوجة من القداسة والعلمانية ـوهذا ما يفسِّر كيف استوعب تومانيان في ما بعد سرد القصص كطريقة للتفكير ونقل تقاليد الأسلاف والعادات الشعبية.
كان هوفهانيس عصاميًا مستنيرًا ومولعاً بالمطالعة؛ فانغمس في الثقافة سواء كانت أرمنية أو أجنبية، وقرأ لشعراء روسيين (لرمونتوڤ، بوشكين)، وألمان (جوتة)، وإنجليز (بايرون، ميلتون، شكسبير)، وأمريكيين (لونچفلو) وغيرهم كثيرون، كما ترجم وكيّف للغة الأرمنية البعض من أعمالهم، وقد تأثر بالفلكلور الغربي والشرقي على حد السواء.
اشتهر تومانيان كشاعر بعد أن ظهر ديوانه “قصائد ” (1890-1892) . وأثناء ذلك ، كان يكتب أيضاً في عدد من الصحف الأدبية ، و أضحى في تصوير حياة الناس والرغبات الوطنية والاجتماعية من أولويات الأدب الأرمني في نهاية القرن ، وقد جسَّد ذلك تومانيان بشكل جيد،فكان يرى أن الأدب الشعبي الحقيقي يجب أن يتضمن الروح الوطنية والألم والسعادة والعادات والإحساس، كما صور في قصائده الصادرة عام 1890 الصراع النفسي – الاجتماعي الخاص بالريف الأرمني.
وبعد تلك الفترة الشعرية الوجيزة من 1890 إلى 1896، أضفى على قصائده السردية نغمة جديدة غير مألوفة يصعب تصنيفها في أيّ نوع من الأنواع الأدبية الموجودة ؛ فأتت كافة مسرحياته الأدبية الجديدة على شكل سرد شعري مقفّى، منظوم في حلقات ـ وذلك هو القاسم المشترك بينها ـ حيث يتناول المؤلف الخرافات والأساطير والقصص المشهورة الأرمنية أو القوقازية، في صياغة أخرى ترمي بكل وضوح إلى طبعها ببعد رمزي.
وعندما ألف تومانيان «الكلب والقطة» 1892، و«التجار الذين لم يسعفهم الحظ»، 1899 و«دير الحمامة»، أو أيّة قصة أخرى؛ فإن قدرته الإبداعية لا تكمن في المواد التي يستخدمها بقدر ما تكمن في الطريقة التي ينتهجها في قيادة الأحداث نحو فكرة أساسية لا يكشفها إلّا في نهاية السرد. وفعلا، تعرض كل قصة حيوانات أو أشخاصًا في خضم أحداث تتطور حسب نسق دقيق، لتصل بهم إلى الذروة: العبرة الأساسية المقصودة، في صيغة مختصرة.
وقد جعل هذا المنهج الأدبي المتميّز منه قصّاصاً لا نظير له، متمكّنا بصفة فائقة من القافية والكلمة على السواء، وهذا المنهج هو ثمرة عمل دؤوب نجد آثاره في المسودات العديدة والصيغ المتتالية لنفس النصوص. وكثيراً ما يُعيد الشاعر كتابة نصوصه حتى تلك التي سبق نشرها، ليحوّرها بشكل عميق، ومن الواضح أنه كان يسعى إلى صياغة التعبير الأكثر بساطة، وخلافًا للعديد من نظرائه الذين كانوا يفضّلون الإطناب، فقد جعل تومانيان من الاختصار والتلميح والعبارة المناسبة والدلالة الواضحة منهجاً شعرياً حقيقياً.
مرحلة الإبداع الأدبي
وفي بداية القرن العشرين، أصبح تومانيان متمكّنا بصفة فائقة من أسلوب السرد الشعري المنظوم، لاسيما من خلال قصيدتي «أنوش» و«حصار حصن تموك». وتتألف «أنوش»، وهي ملحمة رعوية تدور أحداثها في الأجواء الرائعة لمنطقة لوري، من ستة أناشيد تسبقها مقدمة موسيقية
أما قصيدة «حصار حصن تموك» فهي تتناول واقعة تاريخية: انخِداع زوجة الأمير تاتول بوعود ملك بلاد فارس نادر شاه، وخيانتها لزوجها وتسليمها الحصن إلى العدو. أما المنتصِر، فبعد أن دمّر كل شيء، انقلب على الخائنة وأمر بقطع رأسها. وتكتسي هذه القصيدة بُعدًا سياسيًا أكثر وضوحاً بالمقارنة بقصيدة «أنوش».
وفي نفس تلك الفترة في عام 1902، شرع تومانيان في كتابة «داود الساسوني» ـ وهي ملحمة لم ينشر منها سوى مقطعًا واحدًا ـ وقد اقتبسها من مؤلَّف مشهور في التقاليد الأدبية الأرمنية، لتبليغ مبادئ اهتم بها كل الاهتمام، ألا وهي: الاحترام المتبادل بين الشعوب، ونبذ كافة أشكال العنف، ورفض جميع أساليب الاضطهاد.
ولقد أسس تومانيان مبدأ استعمال الحكاية الشعبية في الأدب الأرمني لأنها أساس الأدب برأيه، وعلى هذا النمط كتب (أختامار) 1892 و(العملاق) 1908 و(قطرة عسل) 1909. وقد ألَّف أكثر من عشرين حكاية شعبية أرمنية أهمها (السيد والخادم) عام 1908 و(ناظار الشجاع) عام 1912. وقد درس مشاكل الكون ، والخلود ، والمعيشة والتناظر في أرباب عمله ، حيث وصل إلى نهاية القيم الإنسانية العالمية من خلال تعميم التجارب الشخصية.
الكونُ الإلهي
مسافرٌ هُو رُوحِي.
من الأرضِ إلى مجدِ الأرضِ
روحي مدينٌ لك.
غادرَ واختفى
بَينَما النجومُ بعيدةٌ
لبقية الرَّجلِ
أنا بالفعلِ غريبةٌ عَلى رُوحي.
وتعتبر حكاياته من أفضل صفحات النثر في الأدب الأرمني والتي استقى وحيها من الطبيعة والحياة الريفية. وأبرزها (كيكور) 1907 وهي قصة ولد ريفي في مدينة برجوازية .
وأثناء جريمة الإبادة الجماعية التي اقترفت بحق الأرمن في عام 1915، نظّم تومانيان عمليات إغاثة للاجئين الأرمن الذي فرّوا من المدن والقرى المدمرة. وتقع هذه التجربة الأليمة في صميم أجمل قصيدتين من تأليفه: «صلاة الجنازة» و«إلى وطني»، وهي قصائد خالية من المغالاة في العواطف ومن مشاعر البغضاء، رغم أن مثل هذه العواطف والمشاعر كانت سائدة إلى حد كبير آنذاك في هذا النوع من الأدب.
أحدث تومانيان ثورة في الأدب الأرمني على المدى الطويل في أعماله، ولقد عكس بعمق نفسية وأفكار وتطلعات الشعب الأرمني، كما تطرق إلى مواضيع وطنية ، اجتماعية ، سياسية ، فلسفية ، حب في شعره. يتم التعبير عن الاحتجاج على صورة الحياة الحقيقية والظلم الاجتماعي في أغنية "أغنية چوتان" و" هوتيوت" وغيرها من القصائد. قصيدة "البركة القديمة" هي التقاء أحزان الشعب الأرميني وتطلعاته وأحلامه. وإن الحديث عن التاريخ الذي عاشه الشعب الأرمني منذ قرون ، والمعاناة ، والعذاب ، في قصيدة "الجبال الأرمنية" ، يبين بصدق الروح الخلاقة والمبدعة للوطن.
وعِيُونُنا تَبدو شوقاً ،
بعيدًا عَن النجومِ
فِي سماءِ السماء ،
عِندَمَا يتَعَلقُ الأمرَ صباحٌ مشرقٌ ،
فِي الجبالِ الأرمنيةِ ،
الجبالِ الخضراء.
أعلن في بداية عمله كشاعر:" إلي الطبيعة وإلي الشعب أيها الكتاب الأرمن". هو ابن القرية وقريب جدًا من نفسية الشعب وقلبه. فالطبيعة الوطنية والصور الريفية وخاصة سحر مسقط رأسه بقمم جباله العالية ووديانه السحيقة قد أثرت فيه، وهو الشاعر الشعبي الذي يستلهم التراث الشعبي من قصص وحكم في إبداعاته؛ فكان يحب الناس وكان محبوبًا من الناس، وسبب شعبيته الجارفة لقلب " شاعر كل الأرمن"، يتميزشعره بلغة بسيطة جذابة وأيضًا باللون المحلي الذي يجعل شعره ذا حلاوة خاصة وحي .
ولقد مرّ مائة عام على وفاة هوفهانيس تومانيان، غير أن قصائده لم تفقد أيّ ذرة من قيمتها الابداعية ،ولا من شحنتها العاطفية ولا من قدرتها على إثارة التفكير.
في بداية القرن العشرين، ابتكر هذا الكاتب أسلوبه الشخصي، مستلهمًا من التقاليد الشفهية الأرمنية، لينظم قصائد قصصية مُقفّاة. ومن بين الآثار الفنية التي استلهمت من شعره، نذكر على وجه الخصوص، أوبرا «أنوش» لأرمين ديكرانيان، وأوبرا «ألماست» لألكسندر سبنداريا
نماذج من شعره
مباركةٌ قديمةٌ
تحتَ شجرةِ الجُوزِ الخَضرَاء العِملاَقةِ
يجلسُ أجدادُنا وَآباؤنا
سادةُ القريةِ
يَجلسُون القُرفصَاءَ
بقَامَاتِهِم العَاليِة
يشَّكلون حَلقةً
مِن المَرحِ والفَرحِ
كُنَّا ثلاثةَ أطفالٍ رِيفيين
نًموجُ بِالحَيويةِ والنَّشاطِ
ثلاثةٌ مِن زُملاءِ الدِّراسةِ
نقفُ أمَامَهم
حَاسِري الرُءووسِ
خَاشِعيِن نَضعُ أيدِينَا عَلي قُلُوبِنَا
نُؤَّدِي بِصَوتٍ حَادٍ قَوي
أُنشُودةً سعيدةً
وننتظرُ رأيَهم
وحِينَمَا انتَهت أُغنيِتُنا المَرحَة
فَتل رئيسُ الحَفلِ المُتَجَهمُ شَاربَهُ
وَرَفَعَ كَأسَهُ
وَمَعَهُ كُلُ الكِبَارِ فِي المَجلِسِ
كُلُهُم باَرَكُونَا قَائِليِن
"عِيشُوا أيُّها الأطفالُ
ولَكِن لَا تَعِيشوا مِثلُنا".

ثُمَّ انقَضَت تِلك السِنُون وَهُم انقضوا كَذلك
وامتلأت أُغنِيَاتي المَرحةُ بِالأَحزانِ
وهَا أنًا أتذَكرُ باكيًا ذَلِكَ اليومَ
أتسَاءلُ لِماذَا كَانُوا حِين يُباركُونَنَا
يَقُولُون"عِيشوا أيُّها الأطفَالُ
ولَكِن لا تعيشوا مِثلنا"
رَحِمكُم اللهُ يَا أجدادَنا التُّعساءَ
إنَّ الألمَ الذِّي أضنَاكم يحدِّقُ بِنا أيضًا
وهَا نَحنُ فِي أَوقات الفَرحِ أَو الحُزنِ
نَقولُ أيضًا مثلُكم
حِينَ نُبَارك أبنِاءَنا
"عيشوا أيُّها الأَطفالُ
ولَكِن لا تَعِيشوا مِثلنا".








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. عائلات وأصدقاء ضحايا هجوم مهرجان نوفا الموسيقي يجتمعون لإحيا


.. جندي عظيم ما يعرفش المستحيل.. الفنان لطفى لبيب حكالنا مفاجآت




.. عوام في بحر الكلام - الشاعر محمد عبد القادر يوضح إزاي كان هن


.. عوام في بحر الكلام | مع جمال بخيت- الشاعر محمد عبد القادر -




.. عوام في بحر الكلام - الشاعر جمال بخيت: العدو الصهيوني لا يعر