الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


التوربيني .. أو قطار بلا سائق

أمل أسكاف

2006 / 12 / 19
حقوق الانسان


دائما ما كانت تلك الصورة الأستعارية -التي صور بها أحد كتاب الأعمدة في الصحف المصرية حادثة قطار الصعيد قبل سنوات-... كثيراً ما يستدعيها ذهني بشكل مباشر كلما شاهدت أو سمعت بما يحدث بمجتمعنا من أحداث

كان يري أن هناك تشابهاً بين عدم إنتباه سائق القطار للحريق الذي يحدث بعربات الدرجة الثالثة المكتظة (عربات الفقراء) وبين ما يحدث بالمجتمع الأم من عدم إنتباة الدولة لما يحدث بقاطرة المجتمع الأخيرة عربة الفقراء المطحونين المحرومين حتى من سكني المقابر والعشش ..

صورة أستدعيتها من جديد خلال متابعتي لحادث الموسم في الحياة المصرية (أو القبض على سفاح أطفال الشوارع التوربيني وعصابته) وهي حادثة تعددت التأويلات والتفاسير لها بتعدد الكتاب والمحللين والمتابعين وتوجهاتهم ... وأن كانت كلها تتفق وبشكل عام على أن الفقر وأنهيار الأسر المصرية (الأكثر فقراً) نتيجة ضغط الظروف الأجتماعية والتفسخ الأسري الناتج عن أنهيار قيمة الأسرة والمجتمع لدي تلك الفئات الأكثر فقراً هو الدافع الأساسي لهذه الحادثة .. أي وبمعني أخر أن هناك ما يحدث خلف الواقع الأقتصادي المبشر الذي تدور روائحة الأن في الأفق فنظام الأقتاص الحر بصيغته التي يتبناه البنك الدولي والولايات المتحدة لن تنتج في النهاية طبقة وسطي حاملة للقيم وأنما ستزيد المساحات والفروق الطبقية بين الأغنياء والفقراء إلي الحد الذي معه يلجاء الأغنياء إلي الحياة في الجتمعات المغلقة المحمية بعناصر أمنية خاصة نتيجة إتساع الهوة وحدوث أنشقاق حقيقي في لحمة مجتمع ومدينة عرفت طيلة الوقت بأنها مدينة قائمة ديموجرافياً وأقتصادياً على نقاط ميسورة الحال تحيط بها دوائر من الفقراء ...

أن ما يحدث بالمجتمع المصري هو نذير بتحولات أكثر عمقاً وأشد .. تغيرات تعيد المفهوم القديم للعلاقة بين القلعة والمدينة الذي كان سائد في العصور الوسطي..

أما بالنسبة لحادثة التوربيني فأن المفزع(من وجهة نظري على الأقل) فيها ليس حجم الخسارة البشرية وهي عظيمة وجارحة وأنما ذلك التعامل الذي قوبلت به من خلال تقديمها على أنها نموذج جديد للسفاحين الأكثر شهرة في التاريخ المصري دون الأنتباة للطابع العنيف الغير مبرر من قبل الجناة , فكل القتلة والسفاحين المشهوريين في التاريخ الحديث في مصر وعلى رأسهم (ريا وسكينة) كانت جرائمهم ذات وازع ما متعلق بالربح والسرقة أو حتي الأنتقام كما في بعض السفاحين كحالة السفاح الشهيرة التي جسدها نجيب محفوظ في رواية اللص والكلاب ....

اليوم جماعة من القتلة تقوم بعملها بشكل منتظم ومستمر دون أن تزيد قيمة جرائمهم عن الرغبة الجنسية أو التسلية .....ألخ

أنها دلاله قاسية لتحول العنف إلي ثقافة تنذر بإنهيار دعائم إتصال المجتمع وترابطه .. ثقافة يمكن أن ننظر لها داخل ما أصبح يطلق عليه حالياًً بإنهيار الأداء العام لمؤسسات الدولة كما يمكن أن ننظر إليه أيضاً داخل ما يمكن أن نطلق عليه أنهيار سبل إدارة الحياة بشكل سلمي بين الطبقات الأجتماعية وبين الفئات والموسسات الأجتماعية .. وفي النهاية يمكن أن ننظر إليه ضمن موجة اليأس العارمة التي تجتاح المنطقة والتي أنجبت الأنتحاريين في العراق والعنف داخل قطاع غزة ولبنان .. يأس عام يسود هذه المنطقة من العالم ويقودها بشكل تراجيدي نحو هاوبة لا يعلم أحد بما يمكن أن تأخذنا إليه ..

القطار يتحرك بسرعة والسائق غائب عن الوعي (أنا هنا لا أتحدث عن أشخاص أو أنظمة فلقد تخطاهم الأمر ...أتحدث عن مجتمع) مجتمع غائب عن الوعي يسير على قضبان القيم الحاكمة لوجوده ويسعي بكل طاقته للخروج عن قضبانه بعدما يأس من جدوي الطريق والأستمرار يسعي لذلك بشكل يشبه الأنتحار








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. كيربي: الأنباء بشأن اتهام إسرائيل بإساءة معاملة المعتقلين مث


.. الآلاف يتظاهرون تضامنا مع غزة في مدينة مدريد الإسبانية




.. ما مكاسب فلسطين من قرار الأمم المتحدة بتأييد عضويتها؟


.. التصويت لصالح الفلسطينيين في الأمم المتحدة في الصحافة العالم




.. بالذكاء الاصطناعي.. -روبوت- يدرب عناصر الشرطة الأميركية للتع