الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أسباب تراجع خامنئي عن انقلابه على الإصلاحيين

جابر احمد

2024 / 8 / 1
مواضيع وابحاث سياسية


عندما هلك إبراهيم رئيسي الرئيس السابق لإيران بتحطم طائرته فوق جبال أذربيجان الجنوبية، نشرت مقال طرحت من خلاله سؤالًا هامًا وهو التالي: بعد موت رئيسي، هل يعيد خامنئي النظر في انقلابه ضد الإصلاحيين الذي حرم جميع مرشحيهم، وعبر مجلس صيانة الدستور، من العبور من فلتر الانتخابات البرلمانية والرئاسية وبالتالي أصبحت كل مؤسسات الدولة التشريعية والتنفيذية والقضائية بيد الأصوليين مدعومين بعمامة الولي الفقيه وجبته. ولكن خامنئي والأصوليين، في ظل الأزمات الاقتصادية والاجتماعية المستفحلة التي تعاني منها البلاد، وجدوا أنفسهم غير قادرين بمفردهم على إدارة البلاد. كما أن انخفاض مستوى المشاركة في الانتخابات الرئاسية السابقة من قبل الشعب وتهديد بعض رموز الإصلاحيين بالانضمام إلى المعارضة أثار لدى خامنئي ومن حوله الكثير من المخاوف. لذلك، فتح تحطم الطائرة ومقتل أو اغتيال إبراهيم رئيسي المتهم بالإرهاب الباب أمام خامنئي لإعادة النظر في انقلابه ضد الإصلاحيين، فوافق، وعبر مجلس صيانة الدستور، على ترشيح شخصية مقربة منه، ومن القومية التركية الأذرية، قال عنها بأنها إصلاحية، ولكن من الجماعة المقربة منه، ليحقق غرضين: الأول استمالة الإصلاحيين، والثاني دغدغة مشاعر أبناء القوميات الإيرانية وخاصة الأتراك، الذين عزفوا عن المشاركة الفعالة في آخر انتخابات جرت سواء كانت الرئاسية منها أو البرلمانية.

لكن الانتخابات هذه المرة رغم تدخل المرشد شخصيًا لصالح المرشح الإصلاحي لم تنطل على الغالبية العظمى من المواطنين ورغم فوز مسعود پزشکيان بها إلا أن قلة الإقبال على المشاركة فيها كان مخيبًا لآمال خامنئي. كما أن بعض المراقبين اعتبروا انتخاب پزشکيان بمثابة البسمار الأخير في نعش نظام ولاية الفقيه والإصلاحيين معًا.

ويمكن رؤية مدى يأس قادة النظام، وعلى رأسهم خامنئي رغم تنازلهم و لجوئهم لتقديم مرشح إصلاحي "نزيه" حسب زعمهم، ولكن هذا الادعاء جعل شخصيات بارزة من التيار المحافظ مثل زاکاني وقاليباف وأخيرًا جليلي أوراقًا محروقة سلفًا. كما أن خامنئي والفريق الحكومي لإدارة الأزمات تصوروا أنهم من خلال تقديم مرشح "إصلاحي مستقل وتركي موال لهم، يمكنهم من جذب المواطنين للمشاركة في الانتخابات وذلك من خلال خطبهم الشعبوية مناشدين المواطنين المشاركة. لكن رغم ذلك، فإن جزءًا كبيرًا من الشعب وخاصة القوميات لم يتأثروا بالخطاب الحكومي لأنهم وصلوا إلى قناعة حقيقية بعدم وجود أي فوارق كبرى بين المرشحين الستة الذين اعتمدتهم قيادة ولاية الفقيه، كون النظام برمته فقد مصداقيته. على سبيل المثال، في بعض التجمعات الدينية وبمناسبة شهر محرم، التي شاركت فيها الجماعات المؤيدة لمسعود پزشکيان، رُددت هتافات "يا حسين، مير حسين"، مشيرين إلى الشخصية التي قضت أكثر من 13 عامًا هو وزوجته تحت الإقامة الجبرية، وقد رفض التصويت في الانتخابات الأخيرة.

وبهذا، واجه النظام رفضًا جماهيريًا واضحًا من قبل غالبية مكونات المجتمع الإيراني الذي قاطع هذه الانتخابات ولم يشترك فيها، من جهة ومن جهة أخرى أن الرئيس الفائز الذي حظي بمباركة وتأييد الولي الفقيه لن يكون قادرًا على حل المشاكل الأساسية للشعب. وبالتالي، لم تحقق هذه الحملة الانتخابية أي نجاح في التغطية على الأزمات الناتجة عن الفجوة العميقة بين الشعب ونظام ولاية الفقيه الدكتاتوري. وهنا لابد من الإشارة إلى أن التدخل المباشر من قبل خامنئي، لصالح پزشکيان كمنافس سرعان ما اكتشف أيضًا على أنه "تنافسًا" مزيفًا ومؤقتًا بين المرشحين، كان الهدف الرئيسي منه تجميل صورة النظام القبيحة لا غير حيث بعد فترة قليلة، انكشفت كل هذه الحيل وأصبحت النزاعات الداخلية بين أجنحة الفئة الحاكمة واضحة حيث أظهرت تصريحات كل الأجنحة الحكومية سواء محافظين أو إصلاحيين أن وضع العمل والحياة البائس لمعظم المواطنين ليس من أولويات الرئيس الجديد وإنما كيفية الحفاظ على النظام نفسه. وفي اللحظات التي يشعر فيها كل الطرفين بأن الشعب يمكن أن يهدد نظامهم، فإنهم سيتحدون معًا ضده تحت راية دكتاتورية نظام ولاية الفقيه. ووفقًا لحسابات خامنئي وأعوانه، فإنهم يعتقدون أن "الوحدة" المؤقتة بين المحافظين والإصلاحيين هي من أجل الحفاظ على النظام فقط ويمكن تحويلها إلى "وحدة وطنية" بين الشعب والحكومة. من هنا، فبعد أن تسلم پزشکيان منصبه، أمر خامنئي بأن "تتحول السلوكيات التنافسية خلال حملة الانتخابات إلى علاقات ود وصداقة". لكن هذا الجهد من قبل خامنئي هو عبثي، لأن هذه الجماعات السياسية التي تمسك بزمام الأمور، سواء كانت من التيار المحافظ أو الإصلاحي، أصبحت بلا مصداقية في نظر الشعب بسبب التناقضات بين ما يقولونه وما يفعلونه.

وهذا التناقض بين القول والفعل - وما يطلقونه من شعارات هي وعود فارغة لا علاقة لها بما يعانيه المجتمع الإيراني وإنما هي فقط من أجل الحفاظ على النظام فقط. إن الشعوب في إيران، وخاصة الفئات المهمشة منها، لا يمكن لأي من مسؤولي النظام، مثل پزشکيان أو غيره من التيارات السياسية التابعة لولاية الفقيه، أن يتجاوزوها، لأن الشعوب في إيران باتت مصممة على إسقاط النظام. وبات واضحًا من خلال تصريحات مسعود پزشکيان وخاصة في الأسابيع القليلة الماضية. حيث حاول حماة النظام وعبر حملاتهم الإعلامية ومع مشاركة شخصيات مثل جواد ظريف، إخفاء هذا التناقض بين الشعب والنظام ولكن سرعان ما بانت الحقيقة وذلك عندما التقى الرئيس الجديد مع محمد محمدي گلپايگاني وسيدعلي أصغر حجازي، رئيس ونائب رئيس مكتب الولي الفقيه، حيث أعلن پزشکيان أن السياسات العامة للنظام هي التي أقرها قائد الثورة الإسلامية وهي أهم برنامج عمل لحكومته المقبلة. ولكن من ناحية أخرى، قال في اليوم التالي، أمام أعضاء حملته الانتخابية في طهران انه "لا يمكن تحقيق الأهداف بدون دعم الشعب". وبات من الواضح أن هذه التصريحات تتناقض مع بعضها البعض، فالفئات الكادحة والفئات المهمشة في البلاد تشعر بآثار السياسات العامة للنظام، التي رسم توجهاتها الولي سواء السياسات الداخلية منها أو الخارجية التي تم تنفيذها على مدى أربعة عقود، لم ينتج عنها سوى تفاقم الأزمات وازدياد التضخم والفقر أن أي نوع من الاحتجاج سواء كان مدنيًا أو نقابيًا، سوف يقمع مستقبلاً بقوة وبأمر من قبل الولي ومسعود پزشکيان نفسه، كونه من المسؤولين القدامى في النظام المقرب من الولي الفقيه، فكل همه حفظ النظام. ولهذا السبب تظهر تصريحاته وأفعاله مثل من سبقوه من الرؤساء السابقين، ومن المستحيل أن يكون له دور فعال في إجراء بعض التغييرات حتى لو كانت شكلية. فلقد أظهرت التجارب مرارًا وتكرارًا أن تغيير الرؤساء لن يؤدي إلى تغيير جوهري في طبيعة وأداء دكتاتورية نظام ولاية الفقيه. فقد أفادت أخبار الأسبوع الماضي عن موجة اعتقالات لنشطاء نقابيين ومدنيين وأيضًا نشطاء في مجال حقوق المرأة، وكذلك إصدار حكم بالإعدام على السيدة شريفة محمدي قد لاقى الصمت من قبل مسعود پزشکيان اوهو أمر مثير للاشمئزاز ويكشف عن زيف وعوده الشعبوية الفارغة في تطبيق العدالة والحرية.

إن نظام ولاية الفقيه يعيش اليوم حالة غير مستقرة وغير قابلة للتغيير، بسبب طبيعته المعادية للشعب وخوفه الدائم منه. كون الشعب بات يطالب بالحرية والعدالة الاجتماعية، لذلك فإن النظام لم ولن يتخلى عن سياسة القمع لمنع أي تحرك شعبي. فقد أكد خامنئي خلال الأسابيع القليلة الماضية على ضرورة استمرار السياسات الفاشلة لحكومة إبراهيم رئيسي، في حين يعرف مسعود پزشکيان جيدًا أن النظام السياسي في البلاد هو نظام يعتمد على رؤوس الأموال الكبيرة المتجذرة في الفساد المالي والتجاري. كما يعرف أن استمرار برامج الليبرالية الاقتصادية، التي تهدف إلى تحفيز النمو الاقتصادي من خلال تراكم رؤوس الأموال الكبيرة الخاصة والعامة، واستغلال الثروة الشخصية، هو جزء من جدول أعمال جميع الرؤساء السابقين المدعومين من قبل نظام ولاية الفقيه. وبالتالي فإن تنفيذ وعوده التي قطعها أثناء حملته الانتخابية أمر مستحيل، لأنه يتطلب إعادة النظر في ملفات الفساد وفضح أصحابها وهذا خط أحمر لن يقترب منه، مما يضع الكادحين في مواجهة النظام. وبالتالي سوف تتكرر انتفاضة "المرأة، الحرية، الحياة" أو تطيبح بنظام ولاية الفقيه الذي حكم البلاد بالعنف والقهر والإذلال خلال أكثر من أربعة عقود. والتي ألحقت بحياة الغالبية العظمى من الشعوب، وخاصة الكادحين منهم أضرارًا فادحة وجعلتهم في فقر مستمر. ولا يمكن تحقيق تطلعات هذه الشعوب إلا من خلال نظام ديمقراطي غير مركزي.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. قرارات اتخذها ترامب عقب تنصيبه.. ما أهمها؟ • فرانس 24


.. قطاع غزة.. نحو مليوني شخص بحاجة لمأوى طارئ بعد تحول الأبنية




.. تقدم روسي ميداني نحو دنيبرو شرق أوكرانيا؟ • فرانس 24


.. رد ترامب بشأن ما إن كان سيدفع للتطبيع بين السعودية وإسرائيل




.. مراسل الجزيرة يرصد استمرار عملية انتشال الشهداء في رفح جنوب