الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


تحديث الذاكرة وتنقية العقل الباطن من الشوائب

محمد حمد

2024 / 8 / 10
مواضيع وابحاث سياسية


آمل ان لا يتوهّم القارئ الكريم ويعتبر انّ للعنوان "الرنّان" لمقالي هذا علاقة بالفلسفة التي أصبحت، في عصر الفيسبوك وامثاله من مواقع التواصل الاجتماعي، مرتعا خصبا وحديقة غنّاء لكل من هبّ ودبّ من حاملي الاقلام - السيوف الجاهزة دائما للذود عن اصحابها المتفلسفين.
ان كل ما اعنيه في "تحديث الذاكرة" هو ان العراقيين، اكثر من غيرهم بكل تاكيد، هم من اشدّ البشر التصاقا وهياما، اذا جاز التعبير، بالماضي البعيد، والابعد منه على وجه الخصوص. ومن يتابع احوال وشؤون اهل العراق سيجد دون عناء كثير ان المواطن العراقي في داخله يعيش الحاضر بثياب الماضي. وينظر إلى مستقبله بارتياب وحذر شديدين وكانه يخشى التقرّب منه. وفي اغلب الاحيان يبدو أن امر المستقبل شأنٌ لا يعنيه. ولا يخطر على باله.
في عراق اليوم تبذل جهود جبّارة واموال طائلة وأوقات ثمينة من أجل استحضار الماضي بشتى الطرق وحسب ضرورات المرحلة والمصلحة الراهنة. وعادة ما يكون الدين، الذي ليس له اي ذنب مباشر على الاطلاق، مسرحا مفتوحا لتدوير واستنساخ احدات مضت عليها عشرات القرون.
فبعد ان تمّ استئصال غريزة المواطنة من قلب ومشاعر العراقي واختفى وطنه من حياته اليومية، لم يبق امامه ملاذ آخر آمن" سوى العودة الى ماضيه "المجيد" ليجده مُجسّداً في القبيلة والطائفة والقومية والمنطقة الجغرافية. وكأنّ الجميع استغنوا عن الوطن. فراح الكل يبحث له عن"جذور" في مكان ما من الماضي التليد. ينتقي منها ما طاب له من امجاد وبطولات وشخوص حقيقية او وهمية يواجه بها حاضره الاعزل ! وبطبيعة الحال هناك دائما من لديه شهية خاصة نابعة عن ضيق افق وفقر روحي، لاستيعاب وهضم كل ما يُقال وينشر على الملأ.
نحن في العراق نعيش ثلاثة ارباع الزمن الممنوح لنا في هذه الحياة نجترّ الماضي. ونعيد اجتراره عدة مرات حتى يتحوّل الى حاضر حقيقي يفرض حضوره على الجميع، وفي كل مناسبة.
وبالتالي من النادر جدا ان يكون لنا مستقبل واضح المعالم طالما بقينا نؤمن بالغيب وحده وليس لدينا بدائل اخرى. نحن لا نكفّ عن النظر طويلا الى الوراء في كل خطوة يُفترض انها تقودنا الى الامام. نعيش يومنا بشكل حميمي ليس كحاضر مُعاش، بل كماضٍ مجتر ومكرّر على مدار الساعة.
ان لجميع شعوب الارض تاريخا تفتخر به ولا احد ينكر ذلك عليهم. ومن تاريخهم الماضي استطاعوا استخلاص افضل ما فيه من قيم ودروس وعناصر ايجابية اخرى دون الإساءة لاي طرف، وبنوا عليها حاضرهم المشرق ووضعوا اسسا ثابتة لمستقبلهم الواعد. وكفّوا عن الحديث الممل والرتيب عن ابطال وقادة واساطير ومعجزات حصلت في كذا زمان او في كذا مكان. والظاهر هو ان الفرق بيننا وبين بقية "بني آدم" هو اننا نتراجع "بطيبة خاطر" كلما تقدم بنا الزمن الى الامام. وكاننا نخشى الفناء والزوال اذا خرجنا من مغارة الماضي المعتمة. بينما يجري الآخرون مسرعين الى الامام، أفرادا وجماعات، وكانهم في سباق دولي لا يحصل الا مرّة واحدة في الحياة. ويمكن القول ان حاضر الأمم هو امتداد لماضيها مع الكثير من التنقيح والتعديلات الجوهرية والاضاقات الضرورية. اما نحن فحاضرنا هو بكل بساطة ماضٍ متواصل في الزمان والمكان. اضيفت اليه بمرور السنين تغييرات جوهرية مقتبسة من ازمنة بعيدة. لتضفي عليه سِمات وخصائص "حاضر" ملائم لجميع المراحل التاريخية. ولكنه في واقع الحال غارق في غياهب الماضي السحيق.
وزبدة كلامي اخي القاريء، هي اننا كعراقيين بحاجة ماسّة الى عملية تعديل وتحديث في ذاكرتنا الجمعية التي توقّفت، لاسباب تخصّنا نحن فقط، عن التحديث الاوتوماتيكي (كما يحصل في الموبايل) يرافقها نوع من الغربلة الدقيقة في مكونات عقلنا الباطن لكي نضع اقدامنا على الطريق الصحيح، كبقية امم وشعوب العالم المعاصر...








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. عادل شديد: التزوير في الوثائق هو الأخطر من التسريبات الأمنية


.. اشتعال طائرة حربية بعد سقوطها في أرض خالية بالهند




.. تحمل على متنها 30 طنا ..انطلاق الطائرة الإغاثية التاسعة عشر


.. العربية ترصد حملة تطعيم الجرعة الثانية ضد شلل الأطفال في قطا




.. مستوطنون يحرقون سيارات فلسطينيين في مدينة البيرة بالضفة الغر