الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


التحديات التي تواجه الحركة المصرية لمناهضة العولمة والصراع الدائر ضد الحرب والفاشية

خالد الفيشاوى

2003 / 7 / 3
العولمة وتطورات العالم المعاصر


 

تمخضت مبادرة بضعة من شباب اليسار ، إستجاب لها العديد من الاتجاهات اليسارية عن عقد مؤتمر تأسيس وإعلان تشكيل "المجموعة المصرية لمناهضة العولمة" . ليدخل المثقفون المصريون طرفا فاعلاً في الحركة العالمية المناهضة للعولمة التي تقودها الشركات المتعدية الجنسيات المعتمدة على القوة العسكرية الأمريكية لنهب ثروات الكوكب وإستعباد البشرية .
كانت هناك محاولات عديدة سابقة لتأسيس حركة مصرية لمناهضة العولمة ، لكنها تعثرت ، ليس فقط بسبب ما يعانيه اليسار في مصر من حصار على مدي نصف القرن الماضي ، ولكن أيضا ، والأهم ، ضعف الروابط والعلاقات مع الحركة العالمية لليسار ، في ظل سيادة التوجهات القومية التي تنظر بعين الشك ، وتتهم أحيانا بالخيانة ، مثل هذه العلاقات . يعززها في الوقت نفسه ، نظرة سائدة متعالية لدي الإشتراكية الأوروبية ، إلى مثقفي العالم الثالث باعتبارهم مناضلين المستعمرات ، لا ينتظر منهم سوى الولاء والتبعية .
على أية حال ، كانت اللحظة التاريخية المناسبة باندلاع الانتفاضة الفلسطينية ، التي أعادت لليسار المصري والعربي ، قدر من الفاعلية في الساحة السياسية ، وأحيت تجمعات كانت إنفرطت . في نفس الوقت ، لعبت الحركة العالمية المناهضة للعولمة دوراً لفت الأنظار في "مؤتمر دربان" بجنوب أفريقيا ، ضد النظام العنصري الإسرائيلي ، دفع أمريكا وإسرائيل لمقاطعته ، كان ذلك قبل أيام من أحداث 11 سبتمبر . وكانت المفاجأة الكبرى ، مبادرة هذه الحركة بكسر الحصار الإسرائيلي على "رام الله" و "ياسر عرفات" ، ودخول عناصر منها إلى مقره في اليوم التالي للاجتياح ، فضلا عن تنظيمها لمظاهرات بعشرات الألوف في معظم العواصم والمدن الكبرى في العالم . مما دفع المثقفين المصريين لتعجيل المساعي للانخراط في هذه الظاهرة العالمية الجديدة والجادة .
من ناحية أخرى ، كانت المنتديات والحركات الدولية الكبرى المناهضة للعولمة الرأسمالية ، تطرح بالحاح تساؤلات حول غياب العرب وأفريقيا وجنوب غرب أسيا عن الحركة ، وضعف منظمات المجتمع المدني في هذه المناطق ، طرح السؤال بجدية ، بعد أن لجأت منظمة التجارة العالمية إلى المنطقة ، لتعقد مؤتمرها في "الدوحة" ، بعيداً عن مظاهرات المعارضين . هنا ، شعرت الحركات العالمية بخطورة أن تصبح هذه المناطق فناء خلفي ، وملاذاً أمناً لمؤسسات العولمة الرأسمالية ، وتحولت التساؤلات إلى مهام ، وشرعت في مساعيها لمد الجسور والروابط مع المناطق الثلاثة . فدعمت مؤتمراً عقد في "بيروت" في نوفمبر الماضي على هامش "مؤتمر الدوحة" ، ومدت الجسور مع المثقفين في تونس والمغرب والجزائر الذين تشكلت فيهم حركات لمناهضة العولمة ، وكانت أكبر خطوة ، تشكيل المنتدى الاجتماعي الأفريقي ، الذي دخلته البلدان الأفريقية جنوب الصحراء ، وبذلك تشكلت بدايات حركة في المناطق الثلاثة ، عليها أن تواجه تحدي غياب الديمقراطية كي تمارس دوراً في إطار الحركة العالمية .
التحدي الثاني الذي يواجه "المجموعة المصرية لمناهضة العولمة" ، مد الجسور مع كل القوي اليسارية والديمقراطية ، وقوى المجتمع المدني والمنظمات غير الحكومية التي لعبت دوراً كبيراً في السنوات الماضية سواء في الداخل أو في المؤتمرات والمنتديات الدولية.
ننتقل لجانب هام ، يتعلق بمستقبل العلاقات بين المجموعة المصرية وبين الحركة العالمية لمناهضة العولمة .. حيث أن طبيعة الصراع اليوم على الصعيد العالمي ، تتجاوز المنطق والإطار القومي الذي كان يحكم الصراعات في السابق ، فعالم اليوم ، عالم واحد ، يحكمه الصراع بين دعاة العولمة الرأسمالية ، وهو المشروع الذي تفرضه الشركات المتعدية الجنسيات مدعومة بالقوة العسكرية ونفوذ الدولة الأمريكية من أجل السيطرة على ثروات الكوكب وإخضاع سكانه . وفي هذا الإطار تصبح المواجهة على أساس قومي أمر شبه مستحيل ، محكوم عليها بالفشل أو التعثر على أقل تقدير.
وإنطلاقا من الطبيعة الكوكبية للمواجهة ، قامت الحركة المناهضة للعولمة أو الداعية لعولمة مغايرة على أساس أن ثروات الكوكب ملك لكل البشر ، وللجميع فيها حقوق متساوية . وفي هذا الإطار ، لا يمكن تصور أن شعبا بمفرده يستطيع أن يواجه العولمة الرأسمالية منفرداً ، فكل ما يمكن تحقيقه لو فعل ذلك ، هو أن ينعزل عن الحركة العالمية ، ويتقوقع خلف الدولية القومية لدعمها في مواجهة ضغوط العولمة الرأسمالية ، وأمامنا بعض المجتمعات التي تختار هذا المسار ، ويزداد تهميشها يوما بعد يوم ، أو تلهث فجأة في نيل رضا المؤسسات الدولية للعولمة الرأسمالية.
في هذا الإطار ، يبرز إتجاهان أساسيان في الحركة العالمية المناهضة للعولمة ، وبدا واضحا أيضا في داخل المجموعة المصرية ، بشأن مواجهة القوة المهيمنة على العولمة الرأسمالية : أحدهما يعمل على تعزيز هيمنة الدول القومية كحواجز دفاعية ضد سيطرة رأس المال الأجنبي والكوكبي ، بينما يكافح الموقف الثاني من أجل بديل كوكبي (غير قومي) لخلق شكل من العولمة ينعم فيه العالم كله بالمساواة.
يري أصحاب الموقف الأول أن الليبرالية الجديدة مقولة أساسية ، وأن العدو هو النشاط الرأسمالي الكوكبي الذي لا تحده قيود ويضعف من سيطرة الدولة . أما الموقف الثاني فيعلن بوضوح أكثر عداءه للرأسمالية أيا كان شكلها ، سواء كانت تضبطها الدولة أو تعبر عنها المؤسسات الدولية والعسكرية الأمريكية .
ويدعي أصحاب الموقف الأول بحق أن الموقف ضد العولمة ، حتى ولو كان مرتبطا بتضامن كوكبي ، فإنه يخدم السلطات القومية ، بقدر ما ينجح في ضبط وتقييد قوي العولمة الرأسمالية . وبالتالي يبقي التحرر القومي من هيمنة العولمة الرأسمالية هدفاً أساسيا لهذا الموقف ، كما كان هدفاً للنضال ضد الاستعمار القديم والإمبريالية في زمن سابق . في المقابل يعارض أصحاب الموقف الثاني أية حلول قومية ويبحث عن سبيل أخر من أجل العولمة الديمقراطية ، والمساواة ، والعدالة.
وفي "بورتو اليجرى" كانت قيادات حزب العمال البرازيلي وقيادات المنظمة الفرنسية "أتاك" الأكثر دفاعا وتعبيراً عن الموقف الأول ، بينما دافعت غالبية المشاركين عن الموقف الثاني .
على ضوء ذلك ، تجابه المجموعة المصرية نفس الإشكالية ، وإذا كانت الحركة العالمية نجحت في مجملها في احتضان الموقفين معاً والتعبير عنهما بشكل متساو ، نجحت المجموعة المصرية أيضا في ذلك ، وانعكس ذلك في الآليات التي أقرتها وفي الممارسة الفعلية ، والتي تسمح للجميع بالتواجد جنبا إلى جنب ، وبالتعاون والعمل المشترك ، وتجلى ذلك في نبذ القواعد القديمة في العمل الديمقراطي ، مثل إنصياع الأقلية للأغلبية ، والتي كانت تعني واقعيا إستبعاد الأقلية.
على أية حال ، سيبقي الموقفان مطروحان داخل الحركة العالمية ، وتطورهما رهنا بقدرة الحركة على تحقيق إنتصارات في مواجهة العولمة الرأسمالية ، ولا شك أن تفاعلهما سيساعد في بناء حلم جديد للبشرية بالحرية والمساواة والعدالة .
الخلاصة ، إننا إزاء عالم جديد ، تختلف طبيعة صراعاته بشكل جذري ، عما كان سائداً في العالم الرأسمالي – القومي السابق ، فقد تراجع دور الدولة القومية والمجتمع القومي ، وسيستمر في تراجعه ، ولن يعود ، وإن كان من الممكن أن يشهد صحوة الموت . فنحن الآن إزاء عالم واحد ، دمجه تطور قوي الإنتاج (المتجلي في ما يسمي بثورة الاتصالات) في العقدين الماضيين ، وتجاوز الأطر القومية التي كان عليها العالم السابق ، إنطلقت قوي الإنتاج لتدمج الكوكب ، بينما لازالت الأبنية القومية (المؤسسات الدولية والقومية والدول والأيديولوجية القديمة) قائمة تتعثر ، ويعي الجميع أنها لن تدوم ، ويجرى الصراع الراهن على نطاق الكوكب من أجل السيطرة على قوي الإنتاج الجديدة ، في هذا الإطار تطرح الشركات المتعدية الجنسيات المعتمدة والمندمجة مع المؤسسة العسكرية الأمريكية ، مشروعا يجري فرضه على الكوكب ، عرف باسم العولمة ، يستهدف تحكم بضعة مئات من أثرياء العالم في ثروات الكوكب ، ويديره سياسيا "بوش" وحفنة عرفت مؤخراً بأنها "حكومة خفية" داخل الإدارة الأمريكية . في المقابل ، هناك الحركة العالمية الساعية من أجل بناء عولمة بديلة ، وتشكل القطب الأخر في الصراع الدائر على نطاق الكوكب.
في هذا الإطار ، تواجه الحركة المصرية المناهضة العولمة ، شأنها في ذلك شأن الحركة العالمية ، إما أن تتطور على أسس قومية ، فتسعي لمواجهة أثار – مجرد أثار – العولمة الرأسمالية ، وتحسين الشروط التي تفرضها المؤسسات الدولية للعولمة الرأسمالية ، وتغرق وتستنزف في قضايا ذات طابع محلى وإقليمي ، تعمق من إنعزالها وإنفصالها عن الحركة العالمية ، أو أن تنطلق من مفهوم أننا نحيا في عالم واحد ، مشكلاته واحدة ، وأن بناء عولمة بديلة على أسس المساواة والعدالة ، التي تتجاوز إشتراكية عصر الدول القومية ، ستتم بمساهمة البشر على نطاق الكوكب ، ولن تجدي معها التحركات ذات الطابع القومي.
تدخل المجموعة المصرية ساحة الصراع العالمي الدائر ، في لحظة دقيقة تواجه فيها الحركة العالمية تحديات خطيرة في أعقاب 11 سبتمبر وإغتنام أمريكا صدمة الأحداث ، لتنفيذ برنامج مسبق ، وشن حرب كوكبية ، يقولون أنها "بلا نهاية" ، ويدعون أنها "حرب ضد الإرهاب" .. حرب تتسع كل يوم ، ويتزايد نصيبنا مما تخلفه من دمار .. حرب عنصرية بربرية ترفع رايات العصور الوسطي ، وتبذر الصراعات على أوهام دينية ، وتسعي لتقسيم شعوب الأرض إلى "طيبين" و "أشرار" ، ولا تستهدف سوى إخضاع البشر واحتكار ثروات الأرض.
وتتزايد النزعة العسكرية في زمن الحرب ، وتعصف تدريجيا وبسرعة بالحقوق الديمقراطية في أمريكا وأوروبا . ويتقدم اليمين الأمريكي والأوروبي بخطوات سريعة ليتولى الحكم.
تدخل المجموعة المصرية طرفا في الحركة العالمية لبناء عولمة مغايرة ، في لحظة مجابهة حاسمة ، تصادر فيها الحريات الديمقراطية ، وتفرض الرقابة على التجمعات والمنظمات الأهلية ، وعلى وسائل الإتصال عبر الأنترنت ، ويتهم المناهضون للحرب بأنهم إرهابيين ، وتلقى هذه الحملة بثقلها علينا ، لفرض المزيد من القيود ، ومنع الهوامش المحدودة المتاحة ، ولعل القانون الأخير للجمعيات الأهلية مجرد بداية على هذا المنحى.
في هذا الإطار ، تولد المجموعة المصرية في مفترق طرق ، إما أن تنشغل بالمعركة الكبرى الدائرة بين العولمة الرأسمالية الفاشية ، وبين حركات العولمة البديلة .. وتنمو كجزء فاعل في النهوض العالمي ضد الحرب والفاشية .. وتستعين بقوي الحركة العالمية لتعزيز مواقعها المحلية ، حيث لا يمكن في عالم اليوم تحقيق تقدم على المستوى المحلى بمعزل عن السياق العالمي.. إما هذا ، أو أن تنشغل بقضايا ذات طابع محلي ، وإصلاحي ، فتنعزل عن المسار العالمي ، وتنحسر ، وتحاصر.
في هذا الإطار ، يجب أن توحد جهودها مع الحركة العالمية من أجل جبهة عالمية ضد الحرب والفاشية.
  

 








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. طبيب يدعو لإنقاذ فلسطين بحفل التخرج في كندا


.. اللواء الركن محمد الصمادي: في الطائرة الرئاسية يتم اختيار ال




.. صور مباشرة من المسيرة التركية فوق موقع سقوط مروحية #الرئيس_ا


.. لمحة عن حياة الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي




.. بالخريطة.. تعرف على طبيعة المنطقة الجغرافية التي سقطت فيها ط