الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


المعرض الفوتوغرافي العالمي الأرض من السماء

علي البزاز

2006 / 12 / 21
الادب والفن


(تأصيل السيطرة):
أُقيم في مدينة أمستردام معرض للصور الفوتوغرافية للمصور الفرنسي (يان ارتس برتراند ) بعنوان (الأرض من السماء ).
لقد زار المصور مائة بلد شملت أيضا العالم العربي ( لبنان، مصر، اليمن، قطر، المغرب والجزائر ) والتقط صوراً لمواقع شتى جميعها تُصور الأرض من السماء، وعمل معه مساعدان قاما بتهيئة الخرائط واختيار مواقع التصوير. عُرضت الصور بشكل متواز وثُبت على جانب كل صوره لوحة تعريفية تتضمن معلومات عن المكان والغاية من الصورة، فعلى سبيل المثال تحذيرات: من انقراض الطيور وتغير التوازن البيئي أو المساس بالكثافة السكانية، مما جعل منظمات البيئة وحقوق الإنسان أن تساهم بتمويله حيث وجدت هذه المؤسسات ضالتها في المعرض للتعبير عن أفكارها ومشاريعها ومن جانبها قامت بلدية أمستردام باستضافة المعرض وهكذا تم الجمع بين أهداف الفن الراقي ومنظمات المجتمع المدني.
إن علاقة السماء بالأرض علاقة سرمدية يكتنفها الغموض والقدسية والسيطرة، فالسماء كانت ولا تزال مركزاً للجنة والعرش في المفهوم الديني. إن أول نتيجة استبدادية لعلاقة السماء بالأرض هي نزول آدم وحوّاء من الجنة كتعبير عن العقوبة والطرد ثم تغيرت العلاقة من مفهوم التسلط إلى علاقة اصطفاء فيها الكثير من التودد والاحترام تجلت بنزول الوحي على النبي محمد، أما أول تجلٍ لعلاقة الأرض بالسماء فهو صعود السيد المسيح إلى السماء وبعد ذلك معراج النبي محمد ويعتبر هذا أول تجاسر للأرض على هيمنة السماء.


لا حياة للأرض دون السماء فالغلاف الغازي الحيوي للأرض يقع ضمن السماء
إن السماء مسيطرة على الأرض بحسب ارتفاعها وهذا الارتفاع يعزز اختلال العلاقة بينهما والتحكم بمصير الأرض. إذاً علاقة الأرض بالسماء هي علاقة نفعية وعليه ستكون علاقة تبعية تنفذ أوامر السماء دون رفض وليست علاقة سيادة (الند للند) وقد استفاد الفن ولا سيما التصوير الفوتوغرافي من فيزياء وجغرافية هذه العلاقة وأبدع في تصويرها.
إن الصورة هي نتاج الضوء والظل (فيزياء) والجغرافيا (التضاريس ) فالمشاهد لصور المعرض يقف مذهولاً أمام اكتمال وانسجام هذين العاملين في كادر الصورة، فالطبيعة هنا هي المسؤولة عن الإضاءة وبتقدير عفوي ولكنه دقيق، والسؤال المطروح هو : من الذي أعطى هذا الانسجام شكله النهائي ؟ أقصد هنا توزيع الضوء على الصورة والجواب باعتقادي هو ارتفاع السماء عن الأرض، فكل صور المعرض تم التقاطها من السماء بواسطة طائرة مروحية أي أن العلو (جغرافيا) المتسلط على الأرض قد ساهم بشكل كبير إلى إرشاد العين البشرية (المصور) لتلتقط من الضوء والظل ما تشاء بهذه الحساسية والتكامل، فماذا لو التقُطت تلك الصور من الأرض؟
يقول المصوّر (يان برتراند ) : لا اعتبر نفسي مصوراً جوياً فحسب فأنا أصور
على الأرض من بعد 10 إلى 20 متراً
لا أحد يستطيع أن يحكم على صوره
الأرضية لأنها للأسف غير موجودة في المعرض ولكن بالتحليل الفني لطبيعة العمل الفوتوغرافي ولفيزياء الصورة نستطيع أن نثبت الأتي:
توزيع الضوء:
عندما تُلتقط الصورة الفوتوغرافية من الأرض على جغرافية مسطحة والمصور يقف بعدسته على نفس مستوى الكادر فان توزيع الضوء والظل آحادي الجانب لان العين تنظر ضمن مستوى الكادر،أي ليس هناك اختلاف فيزيائي ولا مكاني ثم إن كادر الصورة يقع في مستوى المصور والضوء وغير مختلف. إن الفن هو نتاج التصادم .
أعود إلى فكرة العلو التي أظنها قد ساهمت بشكل كبير في فتنة وجمالية المعرض مما سهل للكاميرا هيمنتها في انجاز صورة فنية بالغة الدهشة والروعة :
إن فكرة الجلوس على الكرسي (الكرسي يجعل المكان خاضعاً له) دون الجلوس على الأرض تسبب إحساساً بالهيمنة والثقة وتشتمل على معنى السيطرة الناتجة عن العلو، فالمرء يجلس مرتفعاً عن الأرض وينظر بزاوية مختلفة لها فيمتلك إحساساً نفسياً بالسيطرة على الموجودات من حوله ( تماماً نفس سيطرة المصور في هذا المعرض ) ولذلك جلس الخلفاء والملوك في الماضي على كراسي وثيرة وفوق منصة تفصلهم عن العامة مدرجات. فجلوس الملوك على الكراسي يسمح لهم بتوزيع قوتهم وجبروتهم على الحاشية وحين يتكلم الخليفة أو الملك يرفع الجميع رؤوسهم نحوه بنظرة فيها الكثير من التضرّع والرهبة، فلو كان الملك جالساً وسط العامة مفترشاً الأرض ومستوى نظره على خط نظرهم لفقد عندئذ جبروته وهيمنته !!
الارتفاع يُخضع المكان وهذا بالضبط ما يتبادر إلى ذهن المرء حين يشاهد المعرض ، وهناك دليل آخر على مكانة الارتفاع في السيطرة على المكان إلاّ وهو زيارة المعرض ليلاً !، ففي الزيارة الليلية يرى المرء الصورة وهي نتاج لتعايش أخوي بين الظل والضوء دون نفوذ الشمس المسيطرة (بسبب الارتفاع) والسبب هو: في الليل عندما تغيب الشمس وتغيب معها سلطتها على الأرض يتلاشى نهائياً علوها، عندئذ يقف المتفرج أمام تلك الصور متجرداً من تدخل الشمس ونفوذها على اللون.
إذاً أن الهيمنة الناتجة عن الارتفاع قد أتاحت للمصور السيطرة على كادر الصورة واستفاد من جراء ذلك من التباين الساحر بين الظل والضوء المتحقق من عفوية الطبيعة. وفي هذا الصدد يقول المصور: إن 80 بالمائة من الصور هي نتاج المصادفة والعفوية.
لقد تنوعت الموضوعات في معرض الصور الفوتوغرافي (الأرض من السماء)، واجتهد الفنان بإيصال رسائل مختلفة للمتفرج تنوعت من الحفاظ على البيئة (كما في صور لبنان والدنمارك ) إلى سحر الألوان الشعبية للسجاد (المغرب ) والكثافة السكانية (ساحل العاج) ، صحية وجمالية التخطيط العمراني (سويسرا )، دعوة إلى العيش في الر يف والذود عن الطبيعة بحماية البحيرات والمحيطات والطيور المهاجرة وقمم الثلوج.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تأملات - كيف نشأت اللغة؟ وما الفرق بين السب والشتم؟


.. انطلاق مهرجان -سماع- الدولي للإنشاد والموسيقي الروحية




.. الفنانة أنغام تشعل مسرح مركز البحرين العالمي بأمسية غنائية ا


.. أون سيت - ‏احنا عايزين نتكلم عن شيريهان ..الملحن إيهاب عبد ا




.. سرقة على طريقة أفلام الآكشن.. شرطة أتلانتا تبحث عن لصين سرقا