الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


السلطات التركية.. دعم التنظيمات المتطرفة واحتضان الإرهاب

أحمد شيخو
كاتب وباحث سياسي

(Ahmed Shekho)

2024 / 8 / 14
مواضيع وابحاث سياسية


بعد وصول حزب العدالة والتنمية الإخواني إلى الحكم في تركيا بمساعدة ودعم من قوى الهيمنة العالمية، وبعد مسار تدريجي بدأ من الثمانيات، لتحقيق بعض الترتيبات الجديدة في المشهد الإقليمي، وفق مصالح الدول المركزية في النظام العالمي، واستمرار هيمنتهم ونهبهم، تسارعت وتيرة دعم السلطات التركية واحتضانها لجماعات الإسلام السياسي وأفرعها المختلفة، في الدول العريبة والعالم، بما فيها الموضوعة على قوائم الإرهاب لمجلس الأمن الدولي، واصبحت تركيا أحد أهم محطات التطرف والتكفير في المنطقة والعالم، وحتى أن التنظيم الدولي أصبح بين "مجموعة أسطنبول و"جبهة لندن".
ومع أحداث العقد الأخير، وبحث الشعوب عن الحلول للمشاكل السياسية والاقتصادية والاجتماعية العالقة، والقضايا المتراكم منذ عقود والناتجة عن غياب الديمقراطية واستمرار التدخلات الخارجية في شؤون الدول وشعوب المنطقة، ومع حالة الفوضى والضعف التي اصابت الهياكل الأمنية والعسكرية لبعض دول المنطقة، حاولت السلطات التركية احتضاء واحتواء العديد من الجماعات والتنظيمات المتطرفة والتكفيرية، إضافة لبعض جماعات المعارضة من دول المنطقة أيضا، لتكون مع حركات الإخوان وتحت سطوتها وفي هياكلها المشكلة والمدعومة من تركيا، لتكون في خدمة الأجندات التركية الطورانية القومية ومشروع حزب العدالة والتنمية "العثمانية الجديدة" كأوراق ضغط ووسائل عند اللازوم.
من دول المنطقة في الشرق الأوسط إلى البلقان والقوقاز والمنطقة الرخوة في الخاصرة الروسية في شرقها وجنوبها ومن شرق أفريقيا إلى غربها ودول الساحل والشمال الأفريقي إلى الدول الأوربية، تعددت نوعية التواصل وشبكات العمل بين الاستخبارات التركية وشركة السادات وجماعات التكفير والإرهاب من حركة الشباب إلى بوكو حرام إلى فروع التنظيم والجماعات في شمال أفريقيا إلى داعش خرسان، بما فيها المؤسسات التركية التي تدعي أنها تعمل لأجل العمل الإنساني، مثل TIK ,IHH وكذلك مؤسسة الشؤون الدينية التي تزيد ميزانيتها عن 6 وزارات، لأنها مكلفة بأعمال في السياق الذي نتحدث فيه في داخل وخارج تركيا، ناهيك عن أكاديميات وبرامج التدريب التي تؤمنها في داخل تركيا وفي قواعدها حول العالم لجماعات التطرف.
معروف أن تركيا لم تنضم للتحالف الدولي لمحاربة داعش عند تشكيله وثم عندما رأت أنها ستكون في مرمى الاتهام والاستهداف انضمنت لتكون غير بعيدة عن المشهد التفاعلي والمعادلات الإقليمية والدولية ولتحمي مصالحها وكذلك لتتستر على علاقاتها المشبوهة والواضحة مع جماعات وتنظيمات التطرف، وحتى اليوم كل إعلانات تركيا إجراءات ضد داعش هي إعلامية للتمويه والتضليل.

كل بيانات الإرهاب الدولية السنوية الصادرة في العقد الأخير ومن مختلف الدول والمراكز العالمية العلمية والأكاديمية والاستخباراتية وكذلك السياسية والدبلوماسية وكذلك كل العقوبات والاستهدافات الدولية والإقليمية والتي تستهدف تنظيمات التطرف والإرهاب وأشخاصه لا بد أن يكون في ذكر لكيانات ومؤسسات وشركات وشخصيات إما متواجدة في تركيا أو أن لها علاقات مع السلطات التركية وحزب العدالة والتنمية. ناهيك عن أن مناطق الاحتلال التركي وخاصة في شمال سوريا هي بؤر للإرهاب ومناطق آمنة لقيادات داعش وكذلك القاعدة وغيرها، ولكن لأسباب معينة يتم تجاوز علاقة تركيا واحتضانها واستخدامها لهذه الجماعات، أو ربما يتم رصد وتوثيق العلاقة إلى أن يكون هناك ظروف مناسبة لمواجهة السلطات التركية وحزب العدالة والتنمية بهذه التفاعلات الخبيثة والجراثم بحق شعوب ودول المنطقة والعالم وأمنهم واستقرارهم.

رغم القضاء على داعش دولةً في العراق وسوريا، بفضل تضحيات الشعب الكردي والشعوب والمكونات الاخرى معه، وبالتعاون مع التحالف الدولي في عاصمتها في مدينة الرقة السورية وفي أخر معاقلها في بلدة الباغوز في شرق سوريا، إلا أن داعش وخلاياها وعناصرها المسجونيين مازالوا يشكلون خطر حقيقي وتهديد كبير على الأمن والسلم في المنطقة والعالم، وذلك لأسباب عديدة، منها أن هناك دول وعلى رأسهم تركيا مازالت تدعم هذه الجماعات، وتقدم لها المال والسلاح والتدريب والدعم الاستخباراتي، وكل عملياتها ضد الادارة الذاتية لإقليم شمال وشرق سوريا وتخريبها وتدميرها للبنية التحتية هي مساعدة لداعش وانتقام وإضعاف الجبهة المضادة والمكافحة لداعش نيابة عن شعوب ودول المنطقة والعالم قوات سوريا الديمقراطية والإدارة الذاتية.
تمارس الدولة والسلطات التركية سياسة إبادة جماعية ممنهجة بحق الشعب والثقافة الكردية منذ مئة سنة وحتى اليوم في كل أماكن تواجد الكرد في تركيا وسوريا والعراق، ومع هذه التنظيمات الإرهابية وجدت تركيا عنصراً مفيداً ومرتزقاً في حربها ضد الشعب الكردي، استخدمتها في احتلالها لمنطقة عفرين ورأس العين وتل أبيض، وفي الأشهر الأخيرة، زجت تركيا بهم في حربها ضد الشعب الكردي ومقاتلي قوات الدفاع الشعبي(الكريلا) في جنوب كردستان، وعليه يمكن القول أن داعش وأخواتها اصبحوا جزء من الجيش التركي العملياتي في مناطق عملياتها العسكرية ضد الكرد.
هذه التنظيمات المتطرفة ومن يدور في فلكهم، معروف أن ليس لهم انتماء وطني أو مجتمعي أو ديني، إلا لأفكاره التكفيرية المريضة، ولذلك نراهم يبيعون ويشترون كل شيء بما فيهم الكرامة والشرف، وفق فتاوى الشر والكفر الصادرة عن شيوخهم وقادتهم الضاليين.
تتكاثر الأحزاب الإخوانية وتتجدد ظاهرها وأشكالها وفق البئية والأهدف المرادة، وأخرها تنظيم الإخواني الإماراتي، الذي لوحظ تجدد تشكيله بدعم تركيا وإيران وقطر، وخاصة بعد حالة الاحتقان الشعبي التي تزامنت مع أحداث 7 أكتوبر في غزة، والظروف التي تحاول تركيا وإيران الاستفادة منها قدر الإمكان. إضافة إلى تزايد نشاط داعش خرسان الذي ينمو بين تركيا وأفغانستان ومنتشراً في جمهوريات الاتحاد الروسي، الصين والبلدان العربية وزدياد هذا النشاط له علاقة بتركيا وسلطاتها التي لديها شبكة علاقات كبيرة حول العالم.
كما أن التهديدات المستمرة على أمن أوروبا، وانتشار الفكر المتطرف بين الشباب المسلم ووصول عدد من قيادات داعش والقاعدة لأوربا لها علاقة بسياسة تركيا التي تحاول امتلاك أوراق ضغط لاستخدامها في الملفات الإقليمية والدولية، وفتحها المجال وبالتنسيق بينها وبين هذه الجماعات المتطرفة لتكون ضمانة لها مقابل الانتقادات الأوربية المحتملة، ولضمان تواطؤ الدول الأوروبية في حربها ضد الكرد.
يظن البعض أن الاقتراب من تركيا أو إعطائها الشرعية لها في ممارساتها ضد الكرد والعرب والمكونات الأخرى والصمت على عدوانها ستجعلها أقل عدوانية وتجعلها مفيدة سياسياً واقتصادياً، ولكننا نعتقد أن هذا الموقف أو الانضمام لسياسة الإبادة الجماعية التي تمارسها تركيا ضد الكرد ليس في صالح دول المنطقة وخاصة سوريا والعراق، لأن تركيا وبتجاوزها سيادة هذه الدول واحتلالها ستكون عامل تهديد وعدم الاستقرار إلى أن تخضع دمشق وبغداد للإرادة التركية قهراً، بعد أن تكون بنت أدوات واشترت نفوذ ليكونوا لها عوناً في شرعنة رؤيتها وتصرفاتها ومشاريعها، كما هي الحال مؤخراً في العراق وإقليم كردستان، حيث أنه وبرغم الدور الإيجابي للكرد وحزب العمال الكردستاني في حماية الكرد والمجتمع الإيزيدي والعراقيين من داعش، إلا أن حكومة العراق وتحت الضغط التركي والبارزاني سلكت طريق خطاً، ربما تحاول تركيا الإيحاء أنها ستفذ بعض الإلتزامات في التعهدات والاتفاقات ولكننا نعلم أن تركيا وبعد أن تزيد من تثبيت نفوذها في شمال العراق ستكون قد وضعت ونفذت المرحلة الأولى لتوسيع حدود تركيا الحالية والوصول لحدود الميثاق الملي وثم التوسع جنوباً.
وفي سوريا لولا محاربة الكرد وقوات سوريا الديمقراطية لداعش لما استطاع النظام السوري من البقاء برغم تدخل روسيا وإيران، ومدينة حلب تم السيطرة عليها بعد أن حررت قوات سوريا الديمقراطية مدينتي منبج وتل رفعت المحاذيتين لمدينة حلب من الدواعش وفصائل أنقرة، وعليه فعندما يكون هناك أي تسوية مع تركيا من الجانب السوري والعراقي، يجب وبالضرورة أن يكون موضوع إخراج المحتل التركي من أولويات الموقف الوطني، وكذلك إنهاء تدخل تركيا في الشؤون الداخلية تحت أية ذريعة، أما إعطاء الشرعية والموافقة على سياسة الاحتلال والضم ومحاولة إرضاء المحتل التركي، فلن يستفيد منها أحد سوى المحتل، بل ستقوي موقف الاحتلال وستكون تركيا في موقف أقوى في المحافل السياسية الدولة، وهي المتجاوزة والمحتلة والمهددة لوحدة سوريا والعراق، في الوقت التي تؤمن في مناطق الاحتلال مراكز تدريب وتأمين للتنظيمات المتطرفة والإرهابية والإخوانية.
بعد انتخابات البلدية الأخيرة في شمال كردستان وتركيا، أصبح حزب العدالة والتنمية أمام مخاوف جدية لفقدانه السلطة في أية انتخابات قادمة، وهنا تزايدت التناقضات بين ائتلاف القوى المشكل للسلطة وخاصة بين التيار القوموي المتطرف وحزب العدالة والتنمية، وخاصة بعد إشارات أردوغان بالتخلص منهم كما تخلص من رفاقه مسبقاً، وهنا ظهرت جماعات التطرف والإرهاب كورقة داخلية للتنافس والصراع وإرسال الرسال، وعليه فإن تركيا لن تكون بمأمن من شر وإرهاب هذه الجماعات وتفرعاتها المختلفة والتي توطنت في تركيا وأصبحت ورقة ذات تأثير في الشأن الداخلي والخارجي التركي، مع جملة التناقضات حتى بين اقطاب العدالة أنفسهم بعد شعور العديد منهم أن مركب السلطة ربما يكون دخله الماء بعد الانتخابات وبدأ يريد النجاة بأقل الخسائر.
لايمكن أن يكون من يمارس سياسات الإبادة الجماعية بحق شعوب المنطقة عامل استقرار وأمان واقتصاد لدول المنطقة أو مساند للقضايا المحقة، وهو يستخدم كل الإمكانات والظروف بما فيها وجود تركيا في الناتو وعلاقاتها مع إسرائيل في حربها ضد الشعب الكردي وشعوب المنطقة، ونعتقد كما يعتقده الكثير من الأخوة العرب أنه لا يمكن لتركيا أن تكون في الناتو ولها علاقة قوية مع إسرائيل وتكون في نفس الوقت مع شعوب ودول المنطقة وهي التي تحتضن وتدعم الإرهاب في المنطقة والعالم.
لايمكن الانتصار على جماعات التطرف والإرهاب، من دون مواجهة مطولة شاملة وفكرية واقتصادية وسياسية وأمنية وثقافية ودينية وقانوينة ، وكذلك لا يمكن أن نتحدث عن انتهاء جماعات التطرف والإرهاب وفي محيطنا وإقليمنا دول مثل تركيا لها سياسات دعم ومساندة هذه الجماعات، ولا يمكن القضاء على هذه الجماعات وأردوغان وحزبه في الحكم في تركيا، والأهم أن يكون هناك رؤية دولية وإقليمية للتعامل مع الدواعش الموجودين ضمن سجون الإدارة الذاتية، ووقف الهجمات والغزو التركي وإنهاء احتلالها لأنها عوامل تنشيط وإحياء للتنظيم الإرهابي، ولا بد من محاكمة تركيا وحزب العدالة والتنمية على جرائمهم وتعاونهم مع الإرهاب، وربما لن تكون ببعيدة تلك المحاكماة التي ستبين للعالم وكل شعوب ودول المنطقة أن مصيبة المنطقة وكارثتها الأساسية هي السلطات التركية التي دعشنت كل التنظيمات المتطرفة وأوصلتها لتكون وبالاً وكارثة على حالة الأمن والاستقرار في كل العالم، ولا بد من الوقوف مع من يتحمل الدور والجهد الأكبر في مكافحة هذه التنظيمات وخاصة شعوبنا التي ضحت بخيرة أبنائها للخلاص من هذه التنظيمات وجرائمهم وإبادتهم للحياة الحرة، وإن كانت هذه الجماعات تمثل التقيد والجهل والتطرف والأحادية، فلا بد أن نبحث عن الحرية والديمقراطية والتعايش والمعرفة وعبرهم نستطيع بناء الحياة الحرة الديمقراطية والمستقرة والتخلص من التطرف والإرهاب، أما من يوهم نفسه بأن السلطة التركية تخلت عن إسلامويتها وعلاقاتها بالتطرف، فليذهب إلى مناطق الاحتلال التركي في سوريا والعراق، أو ليذهب إلى الداخل التركي وليرى حجم الإسلاموية التي ضاعفها حزب العدالة والتنمية بعيداً عن ديننا الإسلامي وقيمه الأخلاقية والإنسانية والتشاركية.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. هل ينفذ وقف إطلاق النار في غزة قبل تنصيب ترامب؟


.. ماذا لو فشل الانتقال السياسي في سوريا؟ | #غرفة_الأخبار




.. فعاليات وأنشطة ترفيهية لأطفال غزة للتخفيف من آثار الحرب


.. صور تظهر قصف طائرات الاحتلال عربة تقل عددا من المصابين شمال




.. كيف ستؤثر جلسات محاكمة نتنياهو بقضايا فساد على مسار الحرب في