الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


!كرة القدم.. الهوية والعداء للأجانب فى ألمانيا

نبيل يعقوب

2006 / 12 / 21
الهجرة , العنصرية , حقوق اللاجئين ,و الجاليات المهاجرة


بدأ الإعلام الألمانى يودع عام 2006 باستعادة أحداث السنة وأهمها احتفال ملايين الألمان بمباريات كأس العالم لكرة القدم التى دارت على ارض بلدهم صيف هذا العام. ولم يكن المونديال مجرد حدث ر ياضى عالمى بل كان بالنسبة لألمانيا ايضا حدثا سياسيا وثقافيا بامتياز، اذ سبقه ورافقه جهد علامى مخطط ومكثف لنشر الوعى والاحساس بالانتماء القومى بين الالمان، ولحث الالمان على تقديم صورة جديدة مشرقة لبلد منفتح على شعوب العالم. وبدأت حملة اعلامية قللت فى ثناياها من شأن ظاهرة العداء للاجانب.
الحملة التى افتتحت باعلانات تليفزيونية تقول لكل مشاهد بإلحاح متكرر أنت المانيا، وبالاغانى التى تستعيد ذكريات الامجاد الكروية الالمانية السابقة اتت بثمارها من حيث مرور المباريات بسلام وبالاستقبال الودى للفرق الاجنبية. وكانت صورة الملاعب التى سادها منظر عشرات الآلاف من المواطنين يحملون الاعلام الالمانية، والاعلام التى غمرت صورة المدن طوال شهر المهرجان الكروى هى ابرز نتائج العملية الاعلامية.
ظاهرة رفع العلم الوطنى على البيوت تعد لافتة للنظر وغريبة فى المانيا نظرا للحساسية التاريخية تجاه كل ابراز للرموز القومية. والسبب هو التاريخ الالمانى المثقل بتجارب مريرة بسبب الفكر القومى المتطرف الذى صاغته الامبريالية الالمانية واستثمرته فى حشد ولاء شعبى لنهجهها العدوانى التوسعى فى حربين عالميتين جلبتا الموت لعشرات الملايين من البشر والدمار للعديد من بلدان اوروبا ولالمانيا ذاتها. ولكن الدولتين الالمانيتين اللتين قامتا بعد الحرب العالمية الثانية واندثار الحكم النازى، رغم ما كان بينهما من تباين صارخ فى النظام الاجتماعى والسياسات، اعلنتا رفضهما للايديولوجية النازية وحرصتا على اعلان رفضهما للايديولوجية القومية.
ومنذ بداية المونديال أخذت وسائل الاعلام والدوائر السياسية النافذة تّقيم وتحتفى بالروح الوطنية الجديدة المنبعثة فى المانيا، مؤكدة ان المانيا اثبتت انفتاحها على العالم مبددة المخاوف التى عبرت عنها اصوات يسارية وليبرالية التى توقعت ان اليمين القومى المتطرف سيكون هو الرابح من الحملة الدعائية الجارية.

تقرير علمى يؤكد ازدياد العداء للاجانب
فى الاسبوع الماضى نشرت جامعة بيبليفيلد فى غرب المانيا الجزء الجديد من تقريرها السنوى أحوال المانية والذى يرأس تحريره عالم الاجتماع الالمانى المرموق فيلهلم هايتماير. تقرير هايتماير، رئيس معهد ابحاث النزاعات والعنف، دأب منذ ست سنوات على تحليل المزاج السياسى للالمان، خاصة لظاهرة اليمين القومى المتطرف، وظاهرة العنف فى اوساط الشباب.
جاءت الحلقة السادسة من التقرير لنوقظ الاعلام والرأى العام على حقائق كانت منظمات المجتمع المدنى تلمسها وتنبه الرأى العام لخطورتها، وكانت السياسات الرسمية تنكرها. التقرير يرصد بالارقام أن العداء للاجانب قد تزايد بحيث إن نحو 50 % من الالمان يتخذون بشكل عام موقفا معاديا للاجانب. وان نحو خمس الالمان يميلون للتصورات الشعبوية اليمينية. ويعكس المزاج السائد اعتقاد نحو نصف الالمان ان عدد الاجانب فى المانيا يزيد على المقبول وان عليهم العودة الى بلادهم عندما تشح الوظائف فى سوق العمل.
(نسبة السكان الاجانب فى المانيا طبقا للاحصاءات الرسمية تمثل نحو 8 % ونسبة السكان من اصول اجنبية بمن فيهم الحاصلين على الجنسية الالمانية تصل الى 20 % وهى نسبة تقل عن مثيلتها فى سويسرا وفى عدد من بلدان الاتحاد الاوروبي).
ويرجع التقرير نمو العداء للاجانب وثقافاتهم لحملات الترويج للاعتزاز بالهوية القومية لانها تتضمن التقليل من قيمة الآخرين.
ويؤكد التقرير ان تصاعد العداء للاجانب ليس محصورا فى القوى المتطرفة بل هو ينمو فى صفوف الطبقة الوسطى التى تتبارى الاحزاب فى خطب ودها باعتبارها الطبقة التى يمكنها نشاطها الاقتصادى من التأثير فى حجم سوق العمل كما تعد حسب الخطاب السياسى السائد القوة الداعمة للاستقرار. ويسجل التقرير انتشار المشاعر المعادية فى صفوف الطبقة الوسطى تجاه الفئات الاجتماعية الضعيفة.
الظاهرة الخطيرة الأخرى التى رصدها التقرير هى انتشار الخوف من المسلمين والنظرة الدونية لثقافتهم. ويصرح هايتماير ان هذه الظاهرة تهدد المضمون الليبرالى الانسانى للمجتمع.

قضايا قديمة
يرتبط تأليب الرأى العام فى المانيا ضد الاجانب من جهة بجذور فكرية لايديولوجية لم تتخلص منها المانيا تماما بعد، ومن جهة اخرى بالاوضاع الاجتماعية القلقة لفئات اجتماعية واسعة. كما يلجأ المحافظون كلما دارت معركة انتخابية لترويج شعارات قومية تتضمن نشر الحساسيات تجاه الاجانب، املا فى ان يحصدوا أصوات قطاعات من الناخبين يميلون للتصويت لاحزاب اليمين المتطرف. وجاءت احداث مدريد ولندن الارهابية الدامية ومصرع المخرج الهولندى فان جوخ لتنشر الخوف من المسلمين والعرب وتزيد من عزلتهم فى المجتمعات الاوروبية ولتغطى على بؤس سياسات الاندماج الرسمية المتبعة، بل ولتدعم حجج القوى اليمينية المتطرفة التى تطالب بترحيل الاجانب بدلا من ادماجهم فى المجتمع بفتح فرص العمل امامهم وازاحة العقبات التى تعوق مشاركتهم فى الحياة الثقافية والسياسية.
رغم مناشدات واحتجاجات مستمرة من قوى المجتمع المدنى ومن احزاب الخضر واليسار اهملت حكومات المانيا المتلاحقة اعتماد استراتيجيات سياسية واجتماعية وثقافية فعالة لمكافحة العنصرية والعنف بالرغم من اتخاذ اجراءات جزئية وموقوتة خاصة عند وقوع احداث درامية مثل جرائم قتل ضد اجانب او تصاعد انشطة النازيين فى المدن الكبرى.
هذا الحال زاد من خطورة هذه الظواهر ليس على الاجانب فحسب بل على الديمقراطية وحكم القانون فى المجتمع.
بعد تصريحات متتالية من وزراء وشخصيات قيادية فى الحزب المسيحى الديمقراطى تحمل الاجانب المسئولية عن تعثر عملية اندماجهم فى المجتمع بادرت مستشارة المانيا بعقد مؤتمر للتباحث فى قضية مع ممثلى المهاجرين كما بدأت الحكومة الالمانية منذ شهور قليلة بالتوجه نحو الاتحادات الممثلة للمسلمين. وسيكون لتقرير هايتماير، خاصة بسبب تحذيره الجاد من الاخطار التى تهدد الديمقراطية وحكم القانون، شأنه فى المسار المقبل للحوار المجتمعى وبوضعه صورة الواقع امام السياسيين والمدافعين عن مصالح المهاجرين.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. نتنياهو بين إرضاء حلفائه في الحكومة وقبول -صفقة الهدنة-؟| ال


.. فورين أفارز: لهذه الأسباب، على إسرائيل إعلان وقف إطلاق النار




.. حزب الله يرفض المبادرة الفرنسية و-فصل المسارات- بين غزة ولبن


.. السعودية.. المدينة المنورة تشهد أمطارا غير مسبوقة




.. وزير الخارجية الفرنسي في القاهرة، مقاربة مشتركة حول غزة