الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


من أسئلة الحمقي إلي حمق الكتابة

صالح سليمان عبدالعظيم

2006 / 12 / 21
قراءات في عالم الكتب و المطبوعات


من بين أبرز ملامح ضعف الكتابة العربية المعاصرة الآن توحد الكثير منها مع توجهات الخطاب الغربي، الأمريكي منه بالأساس. لا ينطلق هذا التوحد في الغالب عن قناعة حقيقية بمنطلقات هذا الخطاب قدر ما ينطلق عن ضعف فكري وتحليلي، حيث يصب بشكلٍ كبير في خانة الضعف والتحلل النفسيين. فالكتابة بالأساس فعل تحدي، وكل كتابة لا تروم هذا التحدي إما أن ترتمي في أحضان الآخر الأقوى، وإما أن تجتر أفكاراً سطحية وتافهة لا تمت للواقع المعيش بصلة. كما أن الكتابة التي تنطلق أحكامها متأثرة بوطأة الأحداث اليومية بدون أن تمتلك القدرة على الرؤية العميقة التي تتجاوز السطحي العابر إلى سبر الأغوار الحقيقية لتحولات المجتمعات الإنسانية، تفقد الكثير من أهميتها، كما تتسبب في الكثير من المخاطر المرتبطة بفهم هذا الواقع.

وفي هذا السياق، يأتي كتاب "أسئلة الحمقي في السياسة والإسلام السياسي" للأردني الأصل الأمريكي الجنسية شاكر النابلسي، تكريساً لهذه النوعية من الكتابة المتوحدة والمرددة لنفس المقولات الغربية عن العالم العربي والإسلامي. يطرح الكاتب مجموعة من الأسئلة يطلق عليها أسئلة الحمقي، وهي في الواقع أسئلة للعقلاء الذين عز وندر وجودهم في العالم العربي وفقاً لتوجهات الكاتب. ورغم وجاهة هذه الأسئلة وضرورات طرحها الراهنة، فإن طريقة الطرح نفسها، والنوايا المغرضة التي تكرس هيمنة الآخر الأمريكي من جانب، والإسرائيلي من جانب آخر، تبرز بشكلٍ واضح عبر ثنايا الكتاب.

يفتتح النابلسي مقدمة كتابه بتهويماته ومزاعمه الخاصة والمغرضة في الوقت نفسه، والتي يؤكد من خلالها على أن العام 2004 هو العام الممتلئ بالوعود العربية التي تحقق من خلالها حتي الآن أماني كل من الفلسطينيين والعراقيين في إقامة دولتهم الديمقراطية متتبعين في ذلك خطي أفغانستان!! ولا يقف النابلسي فقط عند هذا الحد، بل يتصور أن ما حدث في فلسطين والعراق هو فاتحة الخير للزلازل العربية القادمة التي سوف تغير المنطقة رأساً على عقب من أجل صالح الشعوب العربية!! علينا أن نلاحظ هنا أن هذا الخير لم يتم إلا بواسطة أمريكا واسرائيل، وما قامت به الأولي في العراق وأفغانستان، وما قامت به الثانية في فلسطين!!

وإذا كانت أمريكا واسرائيل هما صاحبتا الفضل الأكبر في مسيرة الإصلاح والتغيير العربيين، فإن من يقع عليه اللوم في هذه الحالة هم الشعوب والدول العربية. فهم من يقفوا حجر عثرة في وجه التغيير واستحقاقاته المختلفة. من هنا فإن الفرضية الضمنية والواضحة في الوقت نفسه التي ينطلق منها الكتاب تقوم على القول بأنه إذا ما تمت تبرئة ساحة أمريكا واسرائيل مما حاق بالعالم العربي في العقود الماضية، فإن التحليل لا بد وأن يتوجه صوب اتهام العرب أنفسهم، سواء أكانوا ساسة أو حكاماً أو شعوباً. وتأسيساً على هذه الفرضية يستبيح الكتاب عبر ما يزيد على المائتي صفحة العرب، حاضرهم وماضيهم ومستقبلهم، الشعوب والحكام والساسة، الثقافة والدين والمعتقدات، الرجال والنساء والأطفال.

وربما تمنحنا عينة من تساؤلات الكتاب الحمقاء تصوراً عن حجم الاستباحة والتشفي الموجهين للعرب والمسلمين: لماذا أصبح الإرهاب خبز العرب؟ هل يعيش العرب الآن في ظلام القرون الوسطي؟ لماذا أصبح العرب الآن عصيين على التطبيع؟ هل صحيح أن العرب لا يحسنون الاقتراع بقدر ما يحسنون الاتباع؟ لماذا العجب بعد أن فعلنا العجاب؟ ماذا يحدث في عالم السحر والشعوذة والجان عند العرب؟ هل العرب مسلمون؟ هل حقاً ان القرضاوي داعية وسطي معتدل؟... إلخ من مثل هذه التساؤلات التي تنطلق من رؤية ثبوتية تلصق بالعرب والمسلمين كل ما هو سلبي وشائن ومضاد للحضارة الانسانية.

يبدو العرب في كتاب النابلسي كتلة واحدة جامدة صماء، ربما أقرب للتكوين البيولوجي الغير خاضع للتحولات الاجتماعية والتاريخية والتحولات الحضارية المختلفة. وطالما انطلق النابلسي من بيولوجية العرب وثبوتيتهم، فإنه يمكنه في هذه الحالة أن يسقط عليهم كل الأوصاف التي تراوده وتشفي غليله في الانتقام منهم، تحت مظلة تحديثهم وتطويرهم. ووفقاً له فالعرب أمة بلا عقل، فقدوا إيمانهم النقي بالله، وأصبحوا عبيد الطواطم الدينية الدموية وليسوا عبيد الله، كما أنه لم يوجد في سائر الحضارات، ولا في الأديان كافة، ولا في كل الثقافات، من احتقر المرأة كما احتقرها العرب، كما أن العرب غلب على طبعهم كراهية الآخر، وعداوة الآخر، واحتقار الآخر، وتكفير الآخر، كما أنهم لم يستغلوا فرصة وجود الحملة الفرنسية على مصر للاستفادة من تعاليم الحضارة الغربية، إضافة إلى أشكال الاستعمار الأخري البريطاني والأمريكي، ناهيك عن الإسرائيلي. هذه مجرد عينة من تحليلات النابلسي التي يوجهها للعقلاء في العالم العربي، وأحمد الله هنا أنني من الحمقي الذين لم تنطلي عليهم كتابات النابلسي وغيرهم من أقرانه أصحاب الخطاب المكرس لمزايا الاستعمار وحسناته.

ينطلق النابلسي من رؤية ملتبسة يغلب عليها واحدية التوجه، فماضي العرب بالنسبة له يشبه حاضرهم، الذي سوف يتماثل مع مستقبلهم، هذا إذا لم تواصل أمريكا تدخلاتها العسكرية وغير العسكرية في المنطقة العربية؛ فدعوة النابلسي الواضحة من خلال كتابه هي في النهاية دعوة للالتحام الحقيقي بالآخر المستبد الغازي. في هذا السياق، يخلو خطابه من كلمات مثل المقاومة والندية والذات والهوية والشخصية العربية، فهذه المسميات وفقاً له قد أصبحت عبثاً وعبئاً من رموز الماضي، التي ينبغي التخلي عنها إن أردنا التقدم والتطور. ولا يخفي النابلسي ترحيبه المطلق بالدور الأمريكي في العراق، كما أنه لا يخفي إشادته بشارون وما منحه لمحمود عباس؛ ففي تقدير النابلسي أن الدولة الفلسطينية على سبيل المثال قد أصبحت أقرب للتحقق من أي وقت مضي، في ظل الكرم الأمريكي والإسرائيلي، وبعد غياب الرجل العقبة في مسيرة الدولة الفلسطينية، أي ياسر عرفات، على حد زعم النابلسي!!

إضافة إلى ذلك، تحفل كتابات النابلسي بمغالطات تاريخية كثيرة تصب في النهاية في تبرئة الآخر الأمريكي الإسرائيلي، حيث تهيل التهم المتراكمة على أكتاف العرب، الذين رفضوا تقسيم فلسطين، مع أن العالم قد قبل بذلك واعترف باسرائيل. كما أنهم ورغم هزائمهم المتتالية على أيدي الإسرائيليين، لم يقبلوا الدخول في مفاوضات السلام المعروضة عليهم من قبل الإسرائيليين. لقد عاش العرب، وفقاً للنابلسي، في أوهام خطابات المقاومة العربية الناصرية والبعثية والقومية والإسلامية... إلخ من مثل هذه الغيبيات التي ارتمي في أحضانها العرب، الذين يؤمنون بالسحر والجان بإفراط لا مثيل له في العالم، رافضين الأيدي الإسرائيلية الممدوة بالسلام كما يقول النابلسي.

لا يمثل النابلسي حالة فريدة وشاذة في الخطاب العربي المعاصر، قدر ما يعبر عن فصيل جديد متمترس ومتحصن بالحصانة الأمريكية والإسرائيلية. هذا الفصيل يلغي التاريخ والنسبية ويتمتع بقدر كبير من الحمق الذي يؤهله لتزييف الحقائق، ولوي عنق التاريخ، وترديد بذاءات الآخر.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. لحظة إسقاط مسيرة إسرائيلية بعد استهدافها في أجواء جنوبي لبنا


.. كيف ستتعامل أمريكا مع إسرائيل حال رفضها مقترح وقف إطلاق النا




.. الشرطة تجر داعمات فلسطين من شعرهن وملابسهن باحتجاجات في ا?مر


.. مظاهرة في العاصمة الفرنسية باريس تطالب بوقف فوري لإطلاق النا




.. مظاهرات في أكثر من 20 مدينة بريطانية تطالب بوقف الحرب الإسرا