الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مقطع عرضي لرواية إلى أن يزهر الصّبّار

ريتا عودة

2024 / 8 / 18
الادب والفن


مقطع عرضي لرواية
"إلى أن يزهر الصبار" للكاتبة "ريتا عودة"،2017
بقلم الروائي السوري "محمد فتحي المقداد"

لولا الكتابة لما عرفنا شيئًا خارج قوقعة محيطنا المنظور والمُعاش يوميًا وعلى نطاق ضيق، والرواية هي أصدق ناقل لصورة الحقيقة أو بمقاربتها بشكل دقيق.
للمرّة الأولى أقرأ رواية من الدّاخل الفلسطينيّ المحتل. رواية "إلى أن يزهر الصبّار" وهو توقيت ميلاد"أمل وأحلام" من زواج مختلط بين" آدم" الشاب المسلم، والبنت "حياة" المسيحية الديانة.
من الذكاء اختيار هذين الاسمين "آدم وحياة" فهما يشكّلان رمزيين بدلالتهما على وحدة وأصل الحياة البشريّة.
أمَّا العنوان "إلى أن يزهر الصبار" فهو عبارة مجزوءة من كلام أرادت الكاتبة "ريتا عودة" منه فتح باب التأويل بإشراك قارئها معها إضافة ما يروق له قبل هذه العبارة لتصبح ذات دلالة أبعد بمحتواها. هذه العبارة بحدّ ذاتها هي توقيت وإشارة إلى الرّبيع حصرًا، أمّا كلمة "الصبّار" فلم تأتِ عبثًا بعد الفعل المضارع "يُزهر" المسبوق بإحدى أدوات النَّصب" أن". كم هي شجرة الصبار صبورة على معاناتها بإنبات شوكها أولًا ومن الشوكة تأتي الثمرة. وهي صبورة على ظروف العيش وشظفه على أطراف الصحراء وفي المناطق الأخرى، وسر بقائها يكمن في قدرتها على مقاومة قساوة المناخ وقلة الماء. هنا نتوقف بعدما فهمنا طبيعة الشجرة المقاومة، فهي رمز للشعب الفلسطينيّ المقاوم، وأشواك الصبار رأس الحربة في الدّفاع عن صمودها أمام الأيدي العابثة والمُتطفلة.
ابتدأت جملة العنوان بحرف الجر "إلى" الموحية بامتداد زمانيّ للرواية التي كتبت بأثر زمن رجعيّ على محمل الذاكرة، وهي جملة مذكرات سيرة حياتيّة أو أشبه بسيرة من الممكن أن تكون للكاتبة أو لبطلتها المُتخيّلة.
مدينة الناصرة مهد رواية "إلى أن يزهر الصبّار" التي جاءت بصورة مغايرة تمامًا، أوّلًا أفصحت سرديّة الرواية عن مجموعة من مفاهيم الديانة المسيحيّة المُتسامحة، وقد أرّقتها الأسئلة الوجوديّة، فحاولت نقاش قضيّة الإله والربّ من منظورها الكهنوتي، وفكرة الخطيئة والغفران والفداء والموت والحبّ، وفي الآية من العهد القديم للكتاب المقدّس: «الْمَجْدُ للهِ فِي الأَعَالِي، وَعَلَى الأَرْضِ السَّلاَمُ، وَبِالنَّاسِ الْمَسَرَّةُ»، وهي بذلك قامت بإيراد مجموعة من النصوص الإنجيلية، ذات المغزى الدلاليّ على المحبّة والسّلام والوئام، لتكون مدخلًا صالحًا، ومبررًا معقولًا لقضيّة العيش المُشتَرك، ومقتضياته من تعاملات ومنها قضيّة الزواج المُختَلَط الذي يحتاج جرأة للتطرّق له فهو من تابوهات الكتابة.
هنالك محور آخر يدور حول قضيّة التجذُّر والحفاظ على الهويّة الوطنيّة، وإشكاليّة العيش الإجباريّة بين العرب أصحاب الحقّ والأرض، وبين الغاصب اليهوديّ المُحتَلّ والمُتسلّط. كلّ هذه القضايا وغيرها طرقتها رواية "إلى أن يزهر الصبّار" على محمل لغة عالية المستوى بمنحاها الشعريّ. من الممكن وصف الرواية بأنّها رواية مُثقّفة، لتعدُّد الاتّكاءات والاقتباسات، وقد أوردت اقتباسات لمجموعة من أسماء المشهورين اِعْتبارًا من شعراء فلسطين "محمود درويش" إلى ماركيز ورولان بارت وسقراط وابن خلدون وغيرهم. الأمر الدالّ على غنى الرواية، ودليل آخر على عمق ثقافة "ريتا عودة" عندما استطاعت حشد هذه المقولات المختلفة، وذلك لخدمة فكرتها، واشتغلت عليها ضمن خُطّة سرديّتها المتوازنة.

السبت 17/8/2024








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. فنان بولندي يحتج وحيدا أمام السفارة الإسرائيلية في وارسو


.. أحمد بدير وإدوارد يؤديان واجب العزاء في زوج الفنانة بدرية طل




.. برغم إصابة قدامها الفنانة وفاء عامر تقدم واجب العزاء في زوج


.. الفنان السوري باسل خياط: فخور كوني سورياً.. وحتى الآن لا أصد




.. الفنان السوري باسل خياط لـ-العربية-: تعرضت لمحاولات كثيرة من