الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


لوحات في ذكرى - عبوسي -

كريم المظفر

2024 / 8 / 19
مواضيع وابحاث سياسية


لطالما تجنبت الكتابة عن الأوضاع المحلية ، الا ان هناك محطات تجبرنا على الوقوف عندها ، لأننا أيضا جزءا منها ، وهنا أود أن أشكر الزميل العزيز الاعلامي سلام مسافر ، ومقاله الأخير بعنوان " اه ديكي " ، وهو يرثي به فنان العراق المرحوم حمودي الحارثي ، اعتبرته لوحة طبيعية مهمة ، تدعونا للوقوف عندها وتأملها ، فالكثير من أبرز المبدعين والمثقفين الحقيقيين في الداخل والخارج.. نسوة ورجالا، ومن روائيين وفنانين وتشكيليين وشعراء وأدباء ومختصين أكاديميين ومهندسين وعلماء ومهنيين مدنيين وعسكريين ورجال قانون وصحافيين ، يعانون من شظف العيش والحياة ، وأصبحوا يتوزعهم الشتات في هذا العالم المتوحش، وهم غرباء وقد تفرّقت بهم السبل، وهم يتحملون ذلك، كونهم قد أرغموا على مبارحة وطنهم..
اللوحة الأولى :
وهي عن خبر تناولتها وسائل الاعلام الفرنسية والعالمية عن موت الفنان الفرنسي الكبير ألان ديلون ، الذي توفي في عمر ال(88) عاما ، وسنكتب الخبر كما ورد في الاعلام " اكد أبناء الفنان المتوفي الثلاثة لوكالة فرانس برس ، صباح اليوم الاحد ، وفاة والدهم ، مشيرين إلى أنه توفي في الساعات الأولى من الليل . وقال الأبناء في بيان مشترك " ان ألان فابيان وأنوشكا وأنتوني ، وكذلك لوبو ( كلب ديلون ) ، يعلنون بعميق الحزن رحيل والدهم ، الذي توفي بسلام داخل منزله في دوشي ، محاطا بأولاده الثلاثة وعائلته" ، وهنا لابد لنا من التركيز على عبارة توفي بسلام في منزله ! .
اللوحة الثانية :
خبر بسيط لا يتناسب والحدث الكبير ، الا وهو خبر وفاة الفنان العراقي الكبير حمودي الحارثي ، صاحب الشخصية الجدلية في مسلسل " تحت موس الحلاق " ، والتي دخل من خلاله الى قلوب العراقيين جميعا ، في مواقفه الطريفة ، وترجمته للرسالة التي كان قرأها الفنان الكبير سليم البصري( رحمه الله ) في المسلسل ذاته والكلمات المأثورة فيها ، والتي لم يتمكن من فك طلاسمها الا الفنان " عبوس " ، ومنها " آه ديكي ، نحباني للو " والتي علقت في أذهان العراقيين ، حتى يومنا هذا ، حتى ارتبط اسم " الحارثي " بهذه الجملة .
نعم أنا اليوم أكرر ما كتبه الزميل المسافر ، " آه ديكي " ، لكن ليست بالمعنى التي وردت في المسلسل ، وانما بالمعنى الحقيقي لكلمة " الاه " ، ونحن نرى فنانونا وأدباءنا وصحافيينا ومبدعينا ورياضيونا وعلماؤنا ، وهم يختفون تحت ستار الموت الواحد تلو الاخر في بلاد الغربة ، وهنا نعود الى لوحتنا الأولى ، واسترق منها عبارة " توفي ديلون بسلام داخل منزله في بلدته ، ومحاطا بأولاده الثلاثة وعائلته" ، في حين شخصياتنا تحيا وتموت بصمت ، فمن هم في الداخل يموتون بعد صراع كبير من الإهمال والتجاهل ، وصعوبة حياته المعيشية والعلاجية ، وتشرده هنا وهناك ، لأنه أصلا لا يمتلك مكانا يموت فيه ، رغم ان ما قدمه للعراق ، يفوق ما قدمه الاخرين ، ويستحق من الجميع التقدير والاحترام ، وهنا لامجال لذكرهم لأن الأمثلة كثيرة ، ونخاف ان ننسى احد منهم وبالتالي نجحف حقهم .
وأما الذين أجبرتهم الظروف على مغادرة البلاد ، لأسباب شتى عديدة ، والحارثي ( رحمه الله ) واحدا منهم ، وهناك المئات من أمثاله ، لايعيشون كما يتصور البعض ببحبوحة الحياة ورفاهيتها في بلاد الغربة ، فمصاعب الحياة هناك ، أكثر مما يتصورها البعض ، ومستحقات العيش هناك والعلاج مكلفة وصعبة ، وقد تنتهي بالبعض منهم في الوفاة في دور المسنين او الرعاية الاجتماعية ، بعد ان يأسوا من أي فرصة للعودة الى بلادهم ، والتي يجب أن تحتضنهم وترعاهم لجهودهم التي قدموها ، والموت بين أولادهم واهاليهم ، وفي كنف الوطن الذي نذروا ارواحهم في خدمته .

اللوحة الثالثة :
خبر قد يشاركني البعض في اعتباره صدمة كبيرة لجميع المغتربين مهما اختلفت وظائفهم ومهنهم ، والخبر يؤكد أن " السوداني قد وجه بتكفل نقل جثمانه من هولندا، ليُوارى الثرى في بلده العراق" ، وهنا نقف وبأسف عنده ، هل بالإمكان وصف موافقة رئيس الوزراء على توفير اجرة نقل من يتوفى من المبدعين وشخصيات العراق المرموقة ، بأنه أنجاز ، وجميل للحكومة يطوق اعناق اهاليهم ؟ ، وفضل يجب عدم انكاره ؟ ، ام ان المبدع العراقي، فنان أو مثقف او عالم .. لا يكرم إلا ميتا» ، فهذه قناعة ترسخت في العراق ، والأسباب كثيرة ومتداخلة، وهذا الحال ليس بجديد ، فأجيال من الفنانين طحنتهم آفة العوز والحاجة، وبعضهم مات في دار العجزة وآخرون كانت الشوارع ملاجئهم ، اما المحظوظون منهم والذين غادروا العراق ، لم يفلتوا من دوامة الإهمال والفقر..
وهنا لابد ان نستذكر انه في عام 2012 ، عندما أعلنت الحكومة ، ( الامين العام لمجلس الوزراء علي العلاق في مؤتمر عقده في بغداد ) عن الشروع بإعداد قوانين وتشريعات لاحتضان الكفاءات العراقية في جميع المجالات، داعية العلماء والمبدعين العراقيين المغتربين للعودة الى الوطن ، وأكدت أن "العراق غني ليس بموارده الطبيعية والنفط، بل غني بهذه الخبرات والامكانيات الكبيرة التي استطاع من خلالها ان يعبر عن وجوده عبر التاريخ كعنصر فاعل في المجتمع الانساني والحضاري ، وان هناك لجنة قطعت شوطا في اعداد مسودة لمشروع للبحث العلمي والمجمع العلمي وبيت الحكمة وغيرها من المشاريع " ومنذ ذلك الحين لم نرى " لا أبو علي ولا مسحاته".
ورسالتنا اليوم ، انها ، عندما كان العراقيون يعملون وينتجون ويبدعون ليل نهار قبل خمسين سنة ، لم تعرف تشكيلاتهم الفنية وفرقهم المسرحية، ولا أحزابهم السياسية، ولا منتدياتهم الفكرية، ولا مقاهيهم الأدبية أية انقسامات دينية أو تشظيات طائفية، اذ لم يكونوا ضد مجتمعهم، ولم يعترفوا أصلا لا بالطوائف ولا بأية مكونات أخرى.. كانوا أحرارا كتابا وشعراء وعلماء ومثقفين وأساتذة ومختصين وفنانين وصحافيين ومهنيين ، وكانوا أحرارا في أفكارهم وتصرفاتهم وحتى في جنونهم وفنونهم، سواء كانوا موالين لسلطة معينة أو معارضين لها، ولكنهم لم يكونوا أغبياء ومتطفلين ومنغلقين ومهرجين وطائفيين. ، و إن العراقيين جميعا يعشقون وطنهم، ولا يمكن لأي طرف من الأطراف أو أي طيف من الأطياف أن يزاود عليهم .
ان من يتولى مسؤولية العراق ، عليه واجب النظر ، والعمل على غرس مقوماّت جديدة من اجل مستقبل عراقي مشرق ، فهل سيحدث ذلك في قابل الأيام؟ هذا ما يرنو إليه كل العقلاء من أهل العراق ، المرتبطين بهمومه ومتاعبه ومشاكله.. لمعالجاته وإصلاحاته وتغيير خارطة طريقه نحو التمدن الأفضل ، والعراقيون ما زالوا يحملون قيمهم الوطنية الصادقة، وان تجدهم اليوم يتلظون ببؤسهم وتشردهم وفقرهم وموتهم البطئ ، فأنهم لازالوا ثابتين في حبهم للعراق ، وليس لغيره .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. للمرة الأولى منذ 33 عاما.. فرنسا تحتضن قمة الفرانكفونية


.. عاجل | خامنئي يتحدث عن الرد الإيراني على إسرائيل ويوجه رسالة




.. فائق الشيخ علي: حزب الله إنتهى وصواريخ إيران لم تجرح إسرائيل


.. أبرز ما جاء في رسائل خطبة المرشد الإيراني




.. ارتفاع غير مسبوق وباء الكوليرا في السودان.. ما القصة؟