الحوار المتمدن
- موبايل
الموقع
الرئيسي
التعديلات القضائية وأزمة الكيان الصهيوني البنيوية ..(2)
سليم يونس الزريعي
2024 / 8 / 19مواضيع وابحاث سياسية
الفصل الأول
المبحث الأول: التعديلات القضائية
المطلب الأول :خلفية تاريخية
ربما يعتقد البعض أن انفجار فقاعة التعديلات القضائية واقعة حديثة في الكيان الصهيوني، لكن الوقائع التاريخية تخبرنا أن هذا الصراع قديم وقد ولد مع زرع الكيان في فلسطين عام 1948، وربما أحد أبرز تجلياته هو أن الكيان بلا دستور، وهو صراع يدور على النفوذ بين السلطتين التشريعية (الكنيستّ) والتنفيذية (الحكومة) من جانب، والمحكمة العليا التي تعتبر نفسها هيئة رقابية قانونية من جهة أخرى (1).
وكانت بداية الصراع قد واكبت إعلان الكيان الصهيوني؛ في 14/5/1948 وفقًا لقرار التقسيم رقم 181 الصادر من قِبَل الأمم المتحدة في عام 29/11/ 1947، الذي نص على أن تقوم "لجنة الدستور التأسيسية" المقرَّر انتخابها للدولة اليهودية بوضع دستور لهذه الدولة(2)، لكن بسبب الحرب التي رافقت عملية زرع الكيان في فلسطين جرى انتخاب هذه الهيئة فقط في بداية عام1949، وقد اعتبرت نفسها البرلمان الإسرائيلي (الكنيست) في شباط/فبراير 1949. ولم يقر أي دستور منذ ذلك الحين، كون نوَّاب الكنيست لم يتمكَّنوا أو لم يرغبوا في الاتفاق على طبيعة هذا الدستور، ذلك أن الحزب الحاكم في تلك الأيَّام -"حزب عمال أرض إسرائيل" (ماباي) الاشتراكي بزعامة دافيد بن غوريون- لم يكن يريد تقييد صلاحياته بمعايير قانونية أساسية.
ومع ذلك حظي موقف بن غوريون بتأييد شركاء ائتلافه المتدينين الأرثوذكس المتطرِّفين، الذين يعتبرون أن القانون الديني اليهودي هو الأساس الدستوري الوحيد القابل للتطبيق. وقد عارضه في ذلك السياسيون العلمانيون من اليسار وكذلك من اليمين(3).
وقد أدى عدم إقرار دستور إلى عواقب بعيدة المدى في كيان الاحتلال، الذي عوض هذا الفراغ بتبني أجزاءً كبيرة من قانون الانتداب الاستعماري-البريطاني الذي كان يستند جزئيًا إلى القانون العثماني(4). وكان عدد قضاة المحكمة في البداية خمسة قضاة زاد عددهم تدريجيًا على مر السنين ليصل أخيرًا في عام 2009 إلى خمسة عشر قاضيًا. وكان إشراف المحكمة العليا على المعايير القانونية يهدف إلى منع انتهاك القانون من قِبَل الدولة.
ولكن في الواقع أخضع قضاة المحكمة العليا أنفسهم إلى حد كبير حتى الستينيات لأولوية الأمن القومي، ودعموا الحكومة حتى عندما لم تكن تتصرف بطريقة ديمقراطية. ومن أمثلة ذلك ما يعرف باسم "الاعتقال الإداري" من دون وجود قضية جنائية - وهو موروث من قانون الانتداب البريطاني، وما يزال يؤثِّر على الفلسطينيين بشكل خاص حتى يومنا هذا.
وكان قضاة المحكمة العليا عند النظر في القضايا التي تواجههم، يستندون في قراراتهم في غياب الدستور إلى إعلان الاستقلال الإسرائيلي الذي يطالب بالمساواة، وكذلك إلى أحكام المحاكم في الديمقراطيات الغربية أو حتى إلى الكتاب المقدَّس، وهو ما أدَّى في بعض الأحيان إلى نزاعات مع الهيئة التشريعية(5). سيما وأن المحكمة العليا تتمتع بسلطة إلغاء أي قانون تراه متعارضًا مع القوانين الأساسية، (تمثل هذه القوانين المرجعية العليا بسبب عدم وجود دستور لإسرائيل)، أو تعتبره «غير معقول» من وجهة نظر قضاة المحكمة، وبذلك تمارس الرقابة على السلطتين التنفيذية والتشريعية(6).
لقد حدث أحد هذه النزاعات مثلًا في عام 1969 عندما أعلنت المحكمة العليا بطلان قانون تمويل الأحزاب بينما أصرَّ حزب العمال الحاكم على سيادة البرلمان واتهم قضاتها بالتناقض وذلك بحجة أنَّهم دعموا الحكومة في قضايا أكثر إشكالية مثل هدم منازل ما يسمى"الإرهابيين الفلسطينيين" أو ترحيلهم. وكان اليهود الأرثوذكس المتطرِّفين على خلاف دائم مع قضاة المحكمة العليا -ومعظمهم علمانيين- وخاصةً عندما كان هؤلاء القُضاة يتدخَّلون في أحكام المحاكم الدينية.
لكن التغيير الأكثر أهمية حتى الآن في الثقافة القانونية الإسرائيلية حدث في بداية التسعينيات. فعندما حدث جمود سياسي أثناء الائتلاف الكبير بين حزبي العمل والليكود في أواخر الثمانينيات، تشكَّلت في إسرائيل حركة احتجاجية طالبت بإصلاحات هيكلية. وكان العديد من أساتذة القانون يسعون في ذلك الوقت من خلال مبادرتهم "دستور لإسرائيل" إلى إقرار مدوَّنة شاملة للحقوق الأساسية.
ومع أنهم فشلوا في مسعاهم نتيجة معارضة اليهود الأرثوذكس المتطرِّفين، لكن أحدهم وهو أستاذ القانون ونائب البرلمان عن حزب "شينوي" الليبرالي أمنون روبنشتاين نجح في إدخال قانونين أساسيين جديدين لهما طابع دستوري في عام 1992: يضمنا حرية اختيار المهنة وَ"كرامة الإنسان وحريته". وهذا أوجد إطارًا مرجعيًا دستوريًا لحقوق الإنسان بإمكان المحكمة العليا الرجوع إليه - وهذا ما فعلته بحزم. ولذلك فقد سارع رجال القانون الإسرائيليون المحافظون إلى الاعتراض على هذا الإجراء واتهموا قضاة المحكمة العليا بممارسة "نشاط قضائي" صارت فوائده وعيوبه الآن موضع جدال تتم مناقشته في المجلَّات القانونية الإسرائيلية(8).
ولكن مع ذلك فإنَّ هذه المجموعة من القوانين التي جرى تبنيها كانت متوافقة بشكل جزئي فقط مع التصوُّر الذاتي لدولة إسرائيل كدولة ديمقراطية. وقد ظهر مصدر آخر للصراع مثَّله ادعاء الدولة بأنَّها ديمقراطية وفي الوقت نفسه يهودية حصرًا. وكان يجب على المحكمة العليا أن تجد حلًا لهذه التناقضات(9).
المطلب الثاني: ما هي التعديلات القضائية ؟
مع أن موضوع الإصلاح القضائي كان مطروحا منذ وقت طويل ، وهو محل خلاف فكري وسياسي بين القوى المختلفة، لكن الفرصة جاءت مع وصول أحزاب الصهيونية الدينية المتطرفة التي وجدت في رئيس حزب الليكود بنيامين نتنياهو قنطرة لتعديل نظام المحكمة العليا فيما يسمى الإصلاح القضائي، لأنه في حاجة للإتلاف معها من أجل توفير الأغلبية النيابية التي تمكنه من تشكيل الحكومة .
وفي 4 يناير 2023 ، أي بعد ستة أيام من تنصيب الحكومة الإسرائيلية السابعة والثلاثين، قدم نائب رئيس الوزراء ووزير العدل ياريف ليفين، بدعم من رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، خطة إجراء تغييرات جوهرية في النظام القانوني في "إسرائيل"، بما في ذلك الموافقة على فقرة التغلب وتنظيم إلغاء القوانين. إذ يعتزم نتنياهو، الذي يُحاكم منذ أعوام بتهم "فساد وخيانة الأمانة"، عبر هذه الإصلاحات التي يقودها وزير القضاء يارييف ليفين، إلى تقويض الجهاز القضائي والمحكمة العليا بغرض إلغاء محاكمته(10).
ويهدف تعديل نظام المحكمة العليا إلى:
• تجريد المحكمة العليا من صلاحية رد القوانين التي يصدرها الكنيست.
• تعطيل القرارات التي تتخذها الحكومة.
• إلغاء استقلالية المستشار القضائي للحكومة.
• تعزيز قبضة الحكومة على اللجنة المكلفة باختيار القضاة(11).
وهدا يعني:
• أنه يجوز للكنيست، بأغلبية 61 من أعضائها، إعادة سن قانون سبق سنه ثم جرى إبطاله من قبل المحكمة العليا. سيكون القانون ساري المفعول لمدة 4 سنوات، أو حتى عام واحد بعد بداية الدورة التالية للكنيست، أيهما أقرب.
• سيكون الكنيست قادر على إعادة سن القوانين التي تم سنها سابقا، حتى لو تم إبطاله بالإجماع من قبل المحكمة العليا.
• لن تكون المحكمة قادرة على مناقشة القوانين الأساسية .
• لن يكون سحب الأهلية للقوانين ممكنًا إلا في المحكمة العليا، بتكوين كامل من 15 قاضياً، وبأغلبية 80٪.
• تحديد مدة المناقشة حول عدم الأهلية للقانون.
• تقليص إلى حد كبير إمكانية اعتبار رئيس الحكومة عاجزا عن تأدية وظيفته(12).
وكان عضو الكنيست ياريف ليفين من الليكود قد طالب في عام 2011 بتغيير تشكيل لجنة اختيار القضاة. وفي عام 2013 ، حاول مع عضو الكنيست أييليت شاكيد تقديم عدد من التشريعات القانونية، بما في ذلك الحد من سلطة المحكمة العليا لإبطال القوانين، وإمكانية إعادة سن قانون أبطلته المحكمة العليا، ومنح سلطة التشريع لـ"الكنيست" لاختيار رئيس المحكمة العليا وتغيير تشكيل لجنة اختيار القضاة.
وقد أثار مشروع الإصلاح حالة واسعة من الجدل في إسرائيل، أشعلها توجه الحكومة برئاسة بنيامين نتنياهو إلى تنفيذ ما تسميها "إصلاحات" في الجهاز القضائي، فيما تصفها المعارضة بأنها محاولة لـ"الانقلاب على الديمقراطية(13)".
ففي بداية يناير/كانون الثاني، خرجت مظاهرة مناهضة لخطة الإصلاح في تل أبيب، شارك فيها الآلاف. وبعد شهر من المظاهرة الأولى خرجت مظاهرات في عدة مدن شارك فيها أكثر من 150 ألف متظاهر. انضم إلى هذه التظاهرات عدد من كبار المسؤولين في صناعة التكنولوجيا العالية الإسرائيلية، وبعد ذلك أعلن بعض مسؤولي التكنولوجيا الفائقة عزمهم على سحب أموال الشركة من البنوك في إسرائيل والدخول في إضراب احتجاجًا على الإصلاح، واستمرت التظاهرات الأسبوعية ضد الإصلاح بعد ذلك، وامتدت إلى مدن أخرى، وفي بداية فبراير، تظاهر عشرات الآلاف في تل أبيب وحيفا والقدس وإيلات وهرتزليا وبئر السبع وريشون لتسيون وغيرها في مظاهرات عنيفة لم يشهدها كيان الاحتلال من قبل، شملت إغلاق شوارع رئيسية بالدولة.
وأعلن رئيس اتحاد النقابات الإسرائيلية والأحزاب السياسية المعارضة الشروع في إضراب عام وتعطيل كافة الأعمال بداية من 27 مارس 2023 وترتب عليه إعلان نقابة الأطباء الإسرائيلية إضرابا عاما، كما أعلنت نقابات العمال اشتراكها الإضراب العام كما أغلق معبر الكرامة الحدودي بين الأردن والضفة الغربية وتسبب الإغلاق في شل الحركة التجارية بين فلسطين والأردن، وكذلك أمام حركة المسافرين من وإلى الضفة.
وفي 26 مارس 2023 أقيل وزير الدفاع الإسرائيلي يواف غالانت بعد دعوته إلى تجميد مشروع تعديل النظام القضائي بعد أن قام رئيس الوزراء باستدعائه وأبلغه أنه فقد الثقة به بعد أن عمل ضد الحكومة وأعلن رفضه للقانون.
وترتب على قرار إقالة وزير الدفاع احتجاج آلاف الإسرائيليين في تل أبيب والقدس وحيفا وغيرها من المدن واشتعلت التظاهرات حتى وصل المتظاهرون لمنزل نتنياهو واخترقوا الحواجز الأمنية في محيط المنزل مما أدي إلى اشتباكات عنيفة مع الأمن. خرجت دعوات لإضراب شامل في القطاعات الاقتصادية الإسرائيلية إضافة لتوجه بعض القوى الحزبية لإعلان إضراب عن الطعام أمام مكتب نتنياهو.
ولتنفيس حالة الغضب، أعلن نتنياهو قرار تأجيل إقرار قانون الإصلاحات القضائية بعد إقناع نتنياهو لوزير الأمن القومي إيتمار بن جفير، بالموافقة على تأجيل طرح "التشريعات القضائية" حتى دورة الكنيست المقبلة.
لكن قادة الاحتجاجات في كيان الاحتلال رفضوا خطاب نتنياهو ورفضوا مبدأ التأجيل وأصروا على استمرار الاحتجاجات إيمانا منهم بأن نتياهو يحاول إضعافهم الآن وتمرير القانون لاحقا.
كما ترتب على ذلك الخطاب خروج العديد من مؤيدي القرار للتظاهر في تل أبيب مما أدى لحدوث اشتباكات بين مؤيدي القرار والمعارضين.
كما دعت نقابة العاملين في وزارة الخارجية الإسرائيلية موظفي السفارات الإسرائيلية في جميع أنحاء العالم للانضمام إلى الإضراب، وعلى الفور أغلقت السفارة الإسرائيلية في أمريكا أبوابها وانضمت للإضراب العام للضغط الدولي على "إسرائيل". كما دعت الأمم المتحدة لتعليق مشروع تعديل النظام القضائي خشية تأثيرهما على حقوق الإنسان واستقلالية القضاء(14).
غير أن الأحزاب الدينية الحريدية، ممثلة في حركتي "شاس" و"يهدوت هتوراة" تشبث بالإصلاحات القضائية لأنها تساعد على تحييد العوائق التي تحول دون تطبيق منطلقاتها الدينية والفكرية بشأن طابع العلاقة بين الدين والدولة، وتعزيز مكاسب جماهيرها المادية(15).
|
التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي
.. ما الذي تخطط له حملة ترامب؟ تغييرات متواصلة في برنامج ليلة ا
.. عشية الانتخابات الأمريكية.. داعمون لفلسطين في بوسطن يدعون لو
.. هل يمكن فهم النمط الذي يستخدمه حزب الله في استهداف إسرائيل؟
.. ترمب: لم تكن إسرائيل لتتعرض لهجوم السابع من أكتوبر لو كنت رئ
.. عمليات البحث تتواصل في إسبانيا بعد فيضانات كارثية وأمطار في