الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مقامة الجفاف العاطفي .

صباح حزمي الزهيري

2024 / 8 / 21
الادب والفن


علق كتاب ((مشاعر مدفونة في صحراء نجد)) الجرس , حيث يرى أن المجتمع العربي غارق في الحرمان العاطفي , وموت المشاعر وجفافها , حتى تحولت إلى ما يشبه الرمال , في حين أن العاطفة نفحة من روح الله تعالى , واحتواء لكل شيء جميل في هذا الكون , أودعها الله في خلقه حتى يكون في أحسن هيئة من التناسق والتكامل بين أجزاء تكوينه , يقول أدهم شرقاوي : (( واللقمة يضعها الرجل في فم أمرأته صدقة )) , نركز على لفظة اللقمة , ونهمل يضعها في فم أمرأته , السر اذا ليس في اللقمة , بل في طريقة تقديمها .

جاء الأقرع بن حابس إلى رسول الله فرآه يقبِّل الحسن بن علي , فقال الأقرع : أتقبِّلون صبيانَكم؟ فقال رسول الله : ((نعم)) , فقال الأقرع : إن لي عشرةً من الولد ما قبَّلتُ واحدًا منهم قط , فقال له رسول الله: ((من لا يَرحم , لا يُرْحم )) , للأسف تجد بعض بيوتنا صحراءَ قاحلة , يختفي بين أفرادها عباراتُ الحب الهامسة , والبسمة الشافية , وقد روى الترمذي : ((مَن أُعطي حظَّه من الرفق , فقد أُعطي حظه من الخير, ومن حُرِم حظَّه من الرفق, فقد حُرم حظه من الخير)) .

العواطف تحرِّك الجبالَ قبل النفوس , وتوجِّهُ الكثيرَ من سلوكياتنا , بل تُدير منازلَنا ومؤسساتِنا , شئنا أم أَبَيْنا , ولذلك ينبغي أن نهتمَّ بالعاطفة ونحرِّكَها نحو الأفضل ,أجتماع رجل وزوجته على مائدة ليس اجتماع خروف ونعجة امام معلف , يعب كل واحد منهما ما يملأ بطنه ثم ينفض الجمع , نحتاج حركات لطيفة تحولنا من كائنات مقتاتة الى كائنات محبة , وتحول الطعام من غذاء للمعدة الى غذاء للقلب والروح .

جوع المعدة أمره يسير , يسده رغيف , ويسكته صحن أرز مهما تأخر , أما جوع المشاعر و الأحاسيس فقاتل ان لم يقدم في وقته , وأكثر أنواع البخل أيذاءا ليس ذاك الذي يتعلق بالمال وأنما ذاك الذي يتعلق بالأهتمام .

الفقر الحقيقي ليس في الجيب , وأنما في القلب , ونحن في الغالب نتقبل فكرة فقر من حولنا ونتعايش مع قلة امكاناتهم , لأننا نعرف ان هذا رزق ليس لهم في قلته يد , ولكن الذي لا نتعايش معه هو فقر الأحاسيس , وقلة ذات القلب , هذه الأشياء الصغيرة التي لا تكلف درهما ولا دينارا , أشياء بالمجان هي التي تجعل الحياة رغم قسوتها جنة , (( هدية بسيطة دون مناسبة , عناق في غير موعده , كلمة احبك في زحمة سير , وردة من بائع متجول , ثناء امام الآخرين , تشجيع ولد , ومديح بنت , تفعل في القلوب اكثر مما نعتقد )) .

عندما نغدق الحب على من حولنا نحصنهم جيدا من الوقوع في افخاخ اللطف العابر الذي يقدمه الآخرون , صحيح ان اللطف ليس مرضا يجب ان نحصن من حولنا ضده ولكن الخواء العاطفي مقتلة , اننا نعيش جفافا عاطفيا يجعل منا جميعا فرائس سهلة امام اولئك الذين يجيدون الأصطياد في الماء العكر , وحتى ان حسنت نوايا الآخرين يبقى الجفاف العاطفي سيد التأويلات يفسر كل كلمة عابرة على انها رسالة حب ((صارت البنت تسمع صباح الخير كأنها : أنا أحبك , وتسمع كيف حالك على انها : لقد اشتقت اليك )) .

ان اقسى مانواجهه اليوم ليس البطالة في الأعمال , وأنما البطالة في ألأحاسيس , وليس ارتفاع اسعار الأكل في المطاعم ولكن انخفاض سعر الحب على موائدنا , وليس ندرة الأسرة في المستشفيات بل برودة أسرة غرفة نومنا , وليس قلة الورد بل ندرة الذين يقدمونه , وليس عدم وجود أرصفة حدائق بل قلة الأزواج الذين يمشون هناك كحبيبين ,الناس يجفون من قلة الأهتمام كما يجف الزرع من قلة الماء , فأسقوا زرعكم ولا تحوجوه لماء الآخرين .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مجدى أحمد على عن -عصافير النيل-: قللت شجن الفيلم وإبراهيم أص


.. طرد بطل الفنون القتالية حبيب نور محمدوف من طائرة أمريكية




.. محمد الشرنوبي يتحدث عن رأيه فى فيلم بضع ساعات


.. مهرجان الأقصر يحتفي بالسينما الموريتانية في ندوة بحضور رئيس




.. عمر متولي يثير جدل في الوسط الفني بسبب حديث عن موهبة الراحل