الحوار المتمدن
- موبايل
الموقع
الرئيسي
قيم جديدة للأدب العربي
عطا درغام
2024 / 8 / 23الادب والفن
بنت الشاطيء
هي محاولة لتحرير الدرس الأدبي من بعض قيم خاطئة ومقاييس منحرفة،احتكت فيه زمانًا وسطرت،ولا تزال تسيطر علي فهمنا لتراثنا الأدبي وتوجه ذوقنا له وإدراكنا لوظيفته في الحياة ومكانه منها.
وقضيتنا الأولي والكبري، هي الفن والحياة ، وتجربتنا التاريخية دلت علي ما بينهما من صلة وثيقة حتمية ؛ فحيثما كانت الحياة قوية زاهرة ناشطة ، كان الأدب طليعتها وقائدها وصورتها ،وحيثما تخلفت وركدت كانت محنتها بالأدب تعادل محنته بها.
وتقول بنت الشاطيء: علي أساس هذه الحقيقة ،ارتدت التاريخ الأدبي في حياتي الدراسية والعلمية، فبدا لي الأحكام التاريخية والمقاييس النقدية التي خلفها لنا القدامي من مؤرخي الأدب العربي ونقاده تعرضت:
لمؤثرات ذوقية ، قضت بها ظروف عصرهم نوغل لعليها مزاج مجتمعهم ومؤثرات اجتماعية من صراع العناصر والمذاهب والطبقات.
ومؤثرات سياسية، تنازعت فيها السلطان قبائل وأسر وأمم وشعوب ؛ وتفاوت بينها نظم الحكم وأوضاعه.
ومؤثرات عقلية طرأ عليها ما طرأ من ثقافات شتي وحملت إليها الأجناس والشعوب التي تعربت ـو اتصلت بالعرب، ميراثها الحضاري والفكري.
كل هذا فيما نؤمن، هو الذي وجه الفن العربي من قديمة إلي اليوم..، وكل هذا فكما نعتقد هو،هو الذي قرر تلك الأحكام والقيم التي لم تكن سوي أصداء ونتائج .لذلك الواقع المادي والمعنوي..
وقد حدد أولئك القدماء للشعراء منازلهم وأقدارهم ،واختاروا نماذج من الشعر رأوها أجود ما قيل في بابها..ومرت عصور وازدهار ،وما يزال الشعراء حيث وضعهم الأقدمون، وما تزال النماذج التي اختاروها هي موضع عنايتنا وتقديرنا واهتمامنا، وما تزال أحكامهم ومقاييسهم باقية فينا نعيدها ونكررها وندور في نطاقها.
وكأنما قُضي علينا أن نستعير عقليتهم وأذواقهم ؛ لنفهم تراثنا ونتذوقه ..ومنذ اثني عشر قرنا تململ "ابن قتيبة" 276ه من استعارة ذوق السابقين فقال:" ولم أسلك فيما ذكرته من شعر كل شاعر مختارًا له سبيل من قلد أو استحسن باستحسان غيره،ولا نظرت إلي المتقدم منهم بعين الجلالة لتقدمه وغلي المتأخر بعين الاحتقار لتأخره..ولم يقصر الله العلم والشعر والبلاغة علي زمن دون زمن ولا خص به قومًا دون قوم بل جعل ذلك مشتركًا مقسومًا بين عباده في كل دهر،وجعل كل قديم حديثًا في عصره"
وفي القرن السادس الهجري ضج "ابن بسام" في أقصي المغرب من التقليد والجمود،واستعارة ذوق بيئة أخري غير بيئته فقال:
"إلا أن أهل هذا الأفق أبو إلا مبايعة أهل الشرق، يرجعون إلي أخبارهم المعتادة رجوع الحديث إلي قتادة حتي لو نعق بتلك الآفاق غراب ،أو طن بأقصى الشام والعراق ذباب، لجثوا علي هذا صنمًا، وتلوا ذلك كتابًا محكمًا، وليت شعري من قصر العلم علي بعض الزمان،وخص أهل المشرق بالإحسان..والإحسان غير محصور ،وليس الفضل علي زمن بمقصور..وعزيز علي الفضل.
أن ينكر ما تقدم به الزمان أو تأخر ونحي الله قولهم: الفضل للمتقدم .فكم دفن من إحسان وأهمل من فلان..ولو اقتصر المتأخرون علي المتقدمين لضاع علم كثير.
وابن قتيبة وابن بسام، قد كان قريبي عهد بالقوم نسبيًا،أ فلسنا أولي منهما بمثل هذا التحرر الفكري والذوقي؟
وهل تري يليق بنا أن يجمد ذوقنا عند الموروث من قيم نقدية، لرجال فصلتنا عنهم قرون ذات عدد جد فيها علي ثقافتنا وأذواقنا ما جد؟
وقدامي النقاد عاشوا في عصور ليست أزهي عصور العربية ،وفي مجتمعات متصدعة مريضة غالبًا وقد نجونا نحن من أكثر الأوضاع المريضة، لكن لا تزال رواسب منها تحتكم في فهمنا لتاريخنا وذوقنا لأدبنا.
بل لا تزال دراستنا لأدب العربية ،الذي هو مناط وحدتنا وعنصر جوهري من عناصر أصالتنا تدور غالبًا في النطاق الذي ورثناه عن عصور غابرة.
والعربية قد كانت لنا من قديم أكثر مما كانت لغة أخري للناطقين بها؛وذلك بحكم اتصال العربية لغة المعجزة الدينية بالعقيدة التي نعرف سلطانها علي وجدان ومكانها في الصراع التاريخي المرير، بين العربية وأعدائها: من شعوبية وتتر وصليبية واستعمار.
ومستقبلنا بلا شك معركة فكرية، بعد أن انقضي عهد الاستعمار العسكري، ولا مفر لنا من خوض هذه المعركة ،لأن وجودنا الكريم لا يحميه إلا صون مقوماته المعنوية.
وهنا يأخذ الأدب دوره في نضالنا الجديد،حارسًا لمعنوياتنا،كما لاذ أسلافنا باستنقاذ تراث العربية الأدبي والفكري في صراعهم مع الشعوبية ، وكما حموا به العربية دينًا ودولة في مهب الإعصار التتري ، نلوذ به اليوم لحماية وجودنا في مهب تيارات الغزو الفكري.
ولن ينهض الأدب بهذا الدور الجليل في المعركة، مالم نتحرر من الرواسب التي شوَّهت تراثنا الأدبي ،وما لم ننج في ذوقنا له من سيطرة الأذواق التي ورثناها من مخلفات عهود الضعف والانحطاط ، بل لن تقوم للأدب العربي فينا قائمة مالم نلغ الأسوار التي عزلت أبناءنا- وأجيالًا قبلهم من اجمل مالنا من من تراث فني ولم نمح الظلال التي حجبت عنهم بهاءه ،حين فرضت عليهم نماذج بعينها من الشعر راجت في ظل الطغيان ،وأشخاص بذواتهم من الشعراء والكُتَّاب يدينون بشهرتهم وذيوع صيتهم لتعلقهم بركاب الحكام أيام كانوا في عزلة عن الشعوب ،وإلي تمرغهم فوق بلاط الأمراء والسلاطين،أيام كان هذا البلاط يكتم أنفاس الرعايا المحكومين ويدر مالهم من حقوق وحرمات.
يفرض عليهم ذلك كله، ثم يزيد الطين بله ، فنجعلهم يتذوقون النصوص المختارة بذوق تقليدي موروث ،ويزنون الشعراء والكتاب بموازين انحدرت إلينا من نقاد عاشوا تحت ضغط الحكم الفردي وتنفسوا في جوه.
وهذه المحاولة تكشف عن أمثلة من انحراف الفهم لتراثنا الأدبي ،وضلال المقاييس في ذوقه ونقده وتقويمه..وتلتمس له قيمًا جديدة محررة من الشوائب الدخيلة والرواسب المتخلقة..ولست أدَّعي أنني بهذه المحاولة وفيت الموضوع من إحاطة وشمول ولا أزعم لها القدرة علي تحرير أدبنا من أثقال هاتيك الرواسب..
فالأمر أخطر وأوسع وأعمق من أن ينهض به جهد مفرد..إنما الذي أرجوه أن أُلفت إلي خطر الموضوع ـوان أخطو في الطريق الشاق الطويل خطوة تتجه نحو الغاية البعيدة التي أعرف – قبل سواي-أنها لن تُدرك ،إلا بكفاح متصل وجهود متآذرة لتراثنا بوعي جديد وفكر حر يلائم كرامتنا العقلية ،ومستوانا الفني ونظرتنا الجادة لمكان الأدب في الحياة.
|
التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي
.. تفاعلكم | أعمال فنية قادمة.. مسلسل جديد عن حياة محمد عبده وف
.. تفاعلكم | طالب مصري يثير جدلا واسعا لغنائه النشيد الوطني بال
.. الفنان نجيم بويزول -دائمًا حرّ- على طريق الموسيقى والسفر
.. الفنانة التونسية الفة بن رمضان احب الطرب الأصيل واحاول التجد
.. محمود حميدة من مهرجان وهران تكريم الفنانين حاليا تكريمات شك