الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الصراع الطبقي بسوس بين الماضي و الحاضر الجزء الحادي عشر

امال الحسين
كاتب وباحث.

(Lahoucine Amal)

2006 / 12 / 22
ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية


نظرا لما للحركة التي يقودها الفلاحون الفقراء بأوزيوة من أهمية في الصراع الطبقي ، بين الطبقات البورجوازية و الكومبرادور و الملاكين العقاريين و المافيا المخزنية ، و بين الطبقات الشعبية من طبقة عاملة زراعية و فلاحين فقراء و صغار و كادحين ، إرتأيت تقديمة دراسة مستفيضة حول منطقة سوس التي تعتبر فيه تارودانت مركزا حضاريا هاما ، تأسس عبر التاريخ الطويل للإنسان بالمنطقة ، و هي اليوم تعيش تهميشا ممنهجا نتيجة السياسات التبعية للرأسمال المركزي ، إستمرارا لما تم تخطيطه خلال مرحلة الإستعمار المباشر لطمس تاريخ المدينة و تحويلها إلى مرتع للعاملات الزراعيات ، اللواتي يتم استغلالهن بالضيعات الفلاحية و معاملة التلفيف التي أقامها المعمرون الجدد على أراضي الفلاحين الفقراء بسوس.


السياسة التعليمية الطبقية بتارودانت :

قبل البدء لا بد من الإشارة إلى أن التعليم بسوس قد مر بعدة مراحل عبر التاريخ الطويل لبناء الحضارة بتارودانت ، حيت اعتبر موازيا لحركة الإنسان الأمازيغي بالمنطقة الذي ساهم بشكل كبير في بناء الحضارة بالمغرب ، و كان أولها التعليم بالمدارس العتيقة التي تم تأسيسها من طرف العلماء الأمازيغية منذ القرن 10 م قبل تأسيس الزوايا التي لعبت دورا أساسيا في تمويلها فيما بعد ، و قام علماء سوس و خاصة بتارودانت بالمساهمة الفعالة في جميع مناحي الحركة الثقافية في أوج إزدهار الدول الكبرى التي بناها الأمازيغ ، و لهذه المدارس دور هام في نشر الثقافة و اللغة العربية المطبوعة بالثقافة الأمازيغية.
و تم تطوير علم اللغة و الفقه و التشريع و القوانين والمنطق دون أن ننسى تأثير الثقافة الأمازيغية على الحركة الفكرية و الثقافية بسوس ، من خلال طبع أعمال أصحابها بالثقافة الأمازيغية مع الإحتفاظ بالحرف العربي و إدماج الثقافة الإسلامية في كتاباتهم ، و كان للحركة الإقتصادية و الإجتماعية العريقة للأمازيغ بسوس / البنية التحتية دور هام في فرز حركة فكرية و ثقافية متميزة / البنية الفوقية ، و الجدلية بين هذين البعدين الأساسيين في حياة الإنسان في تفاعل متواتر طبعت هوية الإنسان بسوس بالطابع الأمازيغي كبعد أساسي لا يمكن تجاهله ، و ذلك بفرز نمط إنتاج اجتماعي في أبعاده الأساسية الأربعة : الأرض و الماء و أركان و الثقافة و اللغة الأمازيغية.
و كان لدخول للإستعمار المباشر أثر كبير في تغيير معالم التعليم و الثقافة بسوس و بتارودانت خاصة و ذلك عبر نهج سياسة تعليمية تستهدف ثلاثة أبعاد أساسية :
أولا التعليم العتيق في اتجاه تطويره خدمة للأهداف الإستعمارية في محاولة لإدماجه في المنظومة الثقافية و الفكرية التي يرغب المستعمر في تركيزها خدمة للرأسمال المركزي ، و ذلك من خلال تهميش الثقافة و اللغة الأمازيغية و التي طبعت الثقافة واللغة العربية السائدة في المدارس العتيقة ، و فصلهما لتعميق الهوة بينهما لتسهيل استغلالهما في مشروعه الإستعماري .
ثانيا التعليم الفرنسي من خلال إنشاء مدارس التعليم العصري من أجل نشر الثقافة و اللغة الفرنسية بتارودانت و في باقي المراكز التي أنشأها ، باعتبارها لغة الإدارة و التسيير في المجالات الحيوية الإنتاجية و المالية و الجيش.
ثالثا المحافظة على الثقافة و اللغة اليهودية بالتجمعات السكنية اليهودية عبر ولوج أبنائهم للمدارس اليهودية بالمدن الكبرى المغربية ، و لا غرابة أن تتأسس مدرسة لليهود بتارودانت.
و كان للمدارس العصرية الفرنسية دور هام في نشر الثقافة الفرنسية في أوساط أبناء الطبقة الإقطاعية و البرجوازية الكومبرادورية ، الذين يملكون إمكانيات تأهلهم للمناصب العليا في البلاد خدمة للمشروع الإستعماري بعد الإستقلال الشكلي ، كما أن أبناء الطبقات الشعبية مستهدفة بالتعليم العصري الفرنسي من أجل توفير معلمين للغة الفرنسية لنشر الثقافة الفرنسية و توفير طبقة عاملة تملك مستوى ثقافي معين و تقنية معينة خدمة للمشروع الرأسمالي .
أما في مرحلة الإستقلال الشكلي فإن النظام الحاكم بالمغرب قد قام بنهج نفس السياسة الطبقية التي تهدف إلى تعميق الفوارق الطبقية و الإجتماعية ، من خلال السياسات التعليمية الممنهجة منذ خمسين سنة مضت و صلت فيه الوضعية التعليمية بتارودانت إلى أسوء ما يمكن تصوره في البال ، و يتجلى ذلك في مستوى الأمية الذي يبلغ في بعض المناطق النائية أكثر من % 90 خاصة في صفوف النساء ، إذا اعتبرنا أن الأمية هي عدم القدرة على الكتابة و القراءة ، و ذلك ناتج عن سياسيات التهميش المتبعة في بسوس و التي تم تحليلها في مواضيع سابقة من هذا الملف ، فبالإضافة إلى البعد الأمازيغي المهمش في السياسات التعليمية المتبعة منذ نصف قرن فإن هذه المناطق تعتبر حقلا للتجارب و تدريب الأطر التعليمية التي تعيش تناقضات مركبة في تلك المناطق النائية :
أولا حيث أغلب نساء و رجال التعليم لا يتكلم اللغة الأمازيغية و هي اللغة السائدة في إقليم تارودانت.
ثانيا لأنهم في طور التدريب و غالبا ما ينتظرون الإنتقال في السنة المقبلة قبل أن يركزوا معرفتهم المهنية و علاقاتهم الإجتماعية .
ثالثا لأنهم لا يتلقون أجورهم أو أي دعم مادي من طرف الدولة لكون وضعيتهم المالية لا يتم تسويتها من طرف الوزارة المعنية إلا بعد سنة من العمل .
رابعا لأنهم يعيشون حالة اغتراب داخل مجتمعات يصعب التفاعل معها بسرعة لكونهم يجهلون الثقافة و اللغة الأمازيغية .
خامسا لأن هذه المناطق تفتقد لوسائل الراحة و الترفيه و التثقيف و حتى السكن اللائق في غالب الأحيان .
سادسا لأن أشباه المؤسسات التعليمية المتناثرة في الجبال لا تتوفر أصلا على مقومات القاعات الدراسية في أغلبها ، و التي تعتبر كائنات غريبة عن المجتمعات الأمازيغية لكونها تتجاهل ثقافتها و لغتها .
سابعا الضغط على نساء و رجال التعليم إما بالإكتظاظ بالمؤسسات العليمية بالمدينة التي يبلغ عدد التلاميذ بالقسم فيها من 40 إلى 50 تلميذا ، أو بتعدد المستويات بالبوادي التي تبلغ من 3 إلى 6 مستويات في التعليم الإبتدائي و بلغتين العربية و الفرنسية ، فأي تعليم بهذا المستوى ؟ و ما مكانة الأمازية هنا ؟
ثامنا لإنها وضعت على أساس أن تكون آليات للضبط الإجتماعي كباقي مؤسسات النظام الحاكم و تعتبرها المجتمعات الأمازيغية غريبة عنها.
هكذا هو حال التعليم بتارودانت باستثناء المدينة و بعض المراكز مع اعتبار محدودية الفعل التعليمي ، الذي سطر له الأفق المحدود عبر السياسة التعليمية الطبقية التابعة لإملاءات المؤسسات المالية الدولية ، و تبقى المؤسسات التعليمية آليات للضبط الإجتماعي و إدارة السياسة التعليمية الطبقية في أحسن الأحوال ، ناهيك عن الزبونية و المحسوبية التي تقودها بعض النقابات و الأحزاب مع بعض المسؤولين على التعليم بتارودانت ، بدل التعاطي الإيجابي للمشاكل الحقيقية التي يتخبط فيها رجال نساء العليم و المتعلمين .
أما عن التعليم الأولي بتارودانت فلا يمكن اعتباره لأن مواصفات المؤسسات التعليمية في هذا المستوى غير متوفرة إلا جزئيا في ثلاث أو أربع مؤسسات خصوصية ، و دون ذلك لا يمكن تصنيفه إلا من باب الإفتراء و الكذب ، حيث نعلم جميعا أن التعليم الأولي بالمغرب غير منظم و هو المنتشر بكثافة بالأحياء الشعبية بالمدينة ، و مؤسساته عبارة عن أقفاص يتم فيها اعتقال الأطفال في ظروف لا تربوية خاصة إذا اعتبرنا مدى حساسية تربية الطفل في هذه السن من 4 إلى 6 سنوات ، بالإضافة إلى " المربيات " اللواتي لا يملكن أي مستوى بيداغوجي في مستوى تربية الطفل في هذه السن ، بالإضافة إلى استغلال هذه المربيات من طرف أرباب هذه " المؤسسات " .
إن ما تمت الإشارة إليه سابقا يعطينا صورة عن وضعية التعليم بتارودانت التي لا يمكن لها في أحسن الأحوال إلا أن تكون مجالا لمحاربة الأمية في حدود معرفة الكتابة و القراءة ، نظرا لعدة عوامل من بينها أولا لأن التعليم بالمناطق الأمازيغية التي تشكل الغالبية العظمى بتارودانت كائن غريب بفعل الأسس السياسية و النظرية التي تؤطره ، حيث لا يحترم الخصوصيات المحلية التي تفرض إدماج اللغة و الثقافة الأمازيغية كلغة الأم ، باعتبارها اللغة الأولى التي يجب الإهتمام بها في التعليم الأولي و في السنوات الأولى من التعليم الإبتدائي ، و يبقى ما يسمى زورا بإدماج الأمازيغية في التعليم سياسة للواجهة لا تغدو أن تكون أضحوكة يمارسها النظام الحاكم على الأمازيغ .
ثانيا لأن السياسة التعليمية بصفة عامة تستهدف الضبط الإجتماعي بالدرجة الأولى و تمرير الخطاب الأيديولوجي الرسمي ، و لا يمكن أن تتعدى حدود متطلبات تزويد الرأسمال بالطبقة العاملة التي تملك مستوى معينا من التقنية و الثقافة .
ثالثا لأن المناطق الأمازيغية تتعرض للتهميش المكثف حيث تفتقد للبنيات التحية مما يجعلها مناطق معزولة يعتمد فيها السكان على إمكانياتهم الذاتية ، باعتبارهم فلاحون فقراء يعتمدون على الموارد الفلاحية البسيطة ، مما ينتج عن هذه السياسة الطبقية توسيع دائرة الأمية خاصة في صفوف النساء ، اللواتي يتعرضن للإستغلال المكثف بالبيت و المزارع حيث يقمن بجميع الأعمال دون مقابل يذكر ، و يبقى الأطفال الذين يتلقون مستوى من التعليم الإبتدائي و الإعدادي في أحسن الظروف ينتظرون فرصة للهجرة إلى المدن المغربية بحثا عن عمل .
و لا غرابة أن نجد بمناطق سوس انتشار المدارس العتيقة التي ما زالت تستعمل أساليب تعليم القرون الوسطى ، ليس تشبثا بما يسمى بالخصوصيات المحلية كما يحلو للنظام الحاكم أن يقدم بها هذه المدارس ، و لكن الحاجة في الحصول عن مستوى من الثقافة بعد فشل المدرسة من وظيفتها ، يدفع الآباء إلى محاولة إدماج أبنائهم المغادرين للمدرسة لتهيئهم للهجرة إلى المدينة بعد ذلك ، و تبقى الفتات بالبيت و المزرعة عرضة للإستغلال.
أما عن محاربة الأمية التي يتم التطبيل و التزمير لها فلا يمكن إخراجها من إطار الضبط الإجتماعي ، و ذلك عن طريق إحتواء ما يسمى بالجمعيات التنموية ذات الأهداف المتعددة خاصة في المواسم الإنتخابية و ترويج إديولوجية النظام الحاكم في صفوف النساء ، و فسح المجال أمام نهب الأموال المرصودة لذلك من طرف المؤسسات المالية الدولية و ما يسمى بإعانات المنظمات الدولية ، و لا يخرج هذا العمل من نطاق السياسة الليبرالية التبعية للرأسمال المركزي التي تستهدف الإستغلال المباشر للثروات الطبيعية بتارودانت .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مقابلة خاصة مع رئيس تنسيقية القوى المدنية الديمقراطية السودا


.. ارتباك في فرنسا مع انطلاق الجولة الثانية للانتخابات.. واليسا




.. شرطة نيويورك تقمع بالضرب متظاهرين داعمين لغزة


.. الشرطة الإسرائيلية تستخدم مضخات الماء لتفريق متظاهرين طالبوا




.. بريطانيا.. الحكومة الجديدة تعقد أول اجتماع لها عقب الانتصار