الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


عن الطوفان وأشياء أخرى(2)

محمود الصباغ
كاتب ومترجم

(Mahmoud Al Sabbagh)

2024 / 8 / 26
القضية الفلسطينية


-استراتيجيات قاتلة
يقول الأخ سان أوغسطين في كتابه (مدينة الله)" لو تصادف أن انتمى رجل بائس الى اللصوصية [و امتهنها ]، وكان مثل هذا الانتماء يحمله أعباء تأسيس وتوطيد العمران والاعتناء بالأرض، ويجعله يستولي على دولٍ ويخضع شعوباً، فكل هذا مدعاة-لنا- للافتراض بالقول إنه يؤسس مملكة"...
يمكن تعميم هذا الافتراض بدفعه قليلاً لجهة اليسار فنقول: كونك ثورياً ومن دعاة التغيير، لايعني -بالضرورة- إنك أكثر تقدمية من دعاة استتباب الساكن. فعرب الجاهلية الوثنيون (الذين عبدوا اللات والعزى ومناة الثالثة الأخرى ولم يكونوا بحاجة إلى مقولة الله الواحد الأحد لتنشيط تجارتهم) عصموا من لاذ أو استجار بكعبة مكة ولم يدكّوا حجارتها قط، في حين رماها أتباع الدين الجديد بالمنجنيق أكثر من مرة، وصلبوا المحاصرين العُزَّل فيها لأيام بعد أن مثّلوا بجثثهم...
قيل لنا بأن هذا ضريبة أي فعل ثوري جديد.
ولكن ضريبة الثورة/الغوغاء لا تتوقف عند هذا الحد هنا، وهي ليست حكراً على طاغية أو ثائر بعينه؛ فما اقترفه الخميني و"ثواره" بحق الإنسان -على سبيل المثال لا الحصر- في عام واحد لم يقترفه الشاه والسافاك في عقود.
طيب ..ما العمل؟ ..
في الحقيقة -وهي حقيقة مرّة على كل حال- لا يمكننا عمل شيء في هذا الصدد، فالمنطوق البراغماتي الداخلي لأي ثورة لا ينجب سوى الوحوش -على حد قول سان جوست في وصفه للثورة الفرنسية .ولبيان هذا بمثال" ثوري" نستحضر ما قام به عالم الأنثروبولوجيا بول ريتشاردز- الذي درس الحرب الأهلية في سيراليون- بتقديم تحليل لمظاهر "العنف الاستراتيجي" الذي مارسه الثوار هناك فيقول تعدُّ سلسلة الحوادث التي وقعت في القرى بين "بو" و"مويامبا"، في أيلول-تشرين أول 1995، المتمثلة بقيام المتمردين بقطع أيدي القرويات مثالاً واضحاً على مثل هذا النمط من العنف.
فهل يقودنا هذا السلوك للتفكير بالهمجية البدائية؟ حيث يغزو دماغنا طوفان هائل من صور الأيدي المقطوعة ليصنع منها جرعات سحرية وطقوس شعوذة.
ينطوي واقع الحال "الثوري" على عدد من الحسابات الاستراتيجية البسيطة تقف وراء هذه السلسلة من الممارسات الوحشية؛ فحالة التمرد ضد النظام انتشرت في تلك المناطق نتيجة لعمليات اعتقال الشباب وإجبارهم على الالتحاق بالتمرد وتقديم الولاء للثوار، هذا على صعيد الواقع العملياتي. لكن الأمر ليس كذلك فقط، إذ سيكون التحليل غير كافٍ ما لم يأخذ في الاعتبار أمور أخرى على غاية الأهمية. فنقص الغذاء في فترة ما قبل الحصاد، سيدفع الأهالي وبعض الأسرى (بغض النظر عن المخاطر) لتحدي المتمردين و العودة إلى قراهم حيث موسم الحصاد المبكر على وشك أن يبدأ.
ولكن، كيف يمكن للمتمردين إجبار الفلاحين على الانضمام للقوات "الثورية" و/أو منع الأهالي من تحدي إرادة الثوار من خلال العودة إلى قراهم و مزارعهم؟
كان الجواب في منتهى البساطة:
إصدار فرمان قاطع يمنع بموجبه الفلاحين من جني محاصيلهم، ومن يخالف تقطع يده، وكانت النتيجة أن انتشرت أخبار بتر الأطراف كعقوبة رادعة في وسط البلاد (حيث تعتبر مخزن محصول الأرز في المنطقة المتضررة)، فتوقف موسم الحصاد ولم تجرؤ سوى قلة قليلة من النسوة بالمخاطرة والخروج إلى الحقول، الأمر الذي أدى في نهاية المطاف إلى توقف موسم الحصاد كما هو مخطط له من قبل الثوار. علماً أن ذات التكتيك استخدمه الثوار لاحقاً عندما قرروا عدم المشاركة في انتخابات شباط 1996 فقاموا بإخافة الناخبين المحتملين، من خلال التهديد بقطع أيدي من قد يشارك منهم في الانتخابات.
-الاحتلال واقع وليس مزية
تذكر الصحافية الإسرائيلية عميرة هاس ما كان يردده القيادي في حركة فتح مروان البرغوثي على مسامعها -بمزيج من اللهو والجد- عن بعض ما دار من حديث بين اسحق رابين وياسر عرفات :
[-رابين: "ولكن كيف سيصل لمستوطنون إلى بيوتهم خلال الفترة الانتقالية إذا لم يكن لديهم طرق منفصلة؟"
-‏ عرفات: "أهلا وسهلا، انهم مدعوون للسفر عبر مدننا".
-‏رابين: "ولكن إذا أًصابهم أحد، سنوقف المفاوضات وإعادة الانتشار".
-‏عرفات: "لا سمح الله! حسنا، ابدأ ببناء هذه الطرق"].
وكانت هاس قد أشارت إلى هذا الحوار في مقال لها عن محادثات أوسلو نشرته في هآرتس (8/3/2018) أثناء عرضها للطريقة التي أدار فيها الفلسطينيون تلك المحادثات، فوصفتهم بالسذاجة والغباء والإهمال وعدم الخبرة حتى أن المفاوض الفلسطيني لم يكن يمتلك الخرائط الطبوغرافية الدقيقة للمناطق التي من المفترض أنه يفاوض عليها؛ بعكس المفاوض الإسرائيلي الذي كان يديره فريق يمتلك مؤهلات احترافية ولا يخضع لأهواء حزبية أو شخصية.
ومن الواضح أن العجز الذي كانت تعاني منه قيادة م ت ف -ومازالت- دفعها إلى التمسك بقشة أوسلو والدفاع عن المكتسبات التي سوف يجنيها -باعتقادها – الفلسطينيون. وكان على هذه القيادة تبرير الأخطاء القاتلة التي اكتنفت المسار التفاوضي.
تتابع هاس فتقول: "إن إحدى تصريحات الهراء، التي كان يرددها ياسر عرفات بشكل دائم، ونواصل سماعها حتى يومنا هذا من قبل بعض رجاله -أنه لو لم يقم يغئال عمير باغتيال اسحق رابين، لتواصلت عملية أوسلو، ووصلت إلى نهاية جيدة، أي دولة فلسطينية إلى جانب إسرائيل".
طبعاً علينا أن لا ننسى أن هذا الرابين الذي يشير إليه عرفات هو مهندس شبكة الطرق الالتفافية في الضفة الغربية - وهو شرط مهم لجذب المستوطنين الجدد وتقطيع التواصل الجغرافي الفلسطيني؛ وهو ذاته الذي عاقب الفلسطينيين لتماديهم بردة فعلهم ضد المذبحة التي ارتكبها باروخ غولدشتين في الخليل، فطلب من الجيش، بوصفه رئيساً للحكومة ووزيراً للأمن، -آنذاك- فرض قيود الحركة المشددة على الفلسطينيين، مما تسبب، لاحقاً وبطريقة منهجية، بتفريغ مركز المدينة – الخليل- من الفلسطينيين. وهو، أي رابين، من رفض إخلاء المستوطنين منها. كما بادر إلى العمل بسياسة الترانسفير الهادئ في القدس (سحب مكانة السكان الفلسطينيين في المدينة) سراً -كما جرت العادة دون إعلان رسمي-.
ولطالما ردد هذا الرابين أن دور المقاول الفلسطيني، [وكان يقصد "عرفات أو من سيخلفه"] لن يتعدى، في أحسن الأحوال، وظيفة مختار بدون ختم: "السلطة الفلسطينية ستحكم دون محكمة عليا ودون "بتسيلم". دون أن يتغافل ولو للحظة عن أمنيته بأن يستيقظ ذات حلم ويرى البحر قد ابتلع غزة بمن فيها .
- هل نحن على أعتاب نكبة جديدة؟
مبدئياً؛ يقدم التظاهر بعدم إمكانية وقوع نكبة أخرى ذريعة يتجنب بموجبها المسؤولون الأمريكيون طرح سؤال مثير للقلق، لكنه حيوي؛ فماذا باستطاعة الولايات المتحدة فعله لتجنب مثل هذا الاحتمال؟
قبل الإجابة لنتأمل الأجواء الإسرائيلية:
"إن رغبتُ بهدم منازل الإرهابيين، فمن يقف في طريقي.. من يمنعني من إلغاء حقوق عائلات الإرهابيين"؟... هكذا كانت تصرخ تالي غوتليب عضو الكنيست عن حزب الليكود، في تجمع مؤيد للحكومة (27 آذار 2023)؛ وعند كل سؤال منها كان يردد الحشد بصوت عالٍ "المحكمة العليا". وعندما اعتلى المنصة إيتمار بن غفير كرر ما يشبه صرختها بقوله: "عندما جئنا لنقدم قانون عقوبة الإعدام بحق الإرهابيين، من وقف ضدنا.. عندما قدمنا مشروع قانون منح الحصانة لجنودنا، من وقف ضده؟" لتأتيه أيضاً ردوداً مماثلة من الجمهور: "المحكمة العليا".
تمثل هذه الاقتباسات غيضاً من فيض ما يستشهد به المسؤولون الإسرائيليون في الحكومة الحالية، من قيود تضعها المحكمة العليا الإسرائيلية لشل قدرتهم على معاقبة الفلسطينيين. وفي المقابل، يصف الكثير من الفلسطينيين، دعوات غوتليب وبن غفير كجزء من استراتيجية أكبر تتمثل في سياسات الترانسفير والطرد الجماعي. وثمة شعور عارم لدى معظمهم كما لو أنهم على أعتاب نكبة أخرى تذكيراً بما حصل لأسلافهم في العام 1948.
يذكر الباحث د. خليل الشقاقي من المركز الفلسطيني للبحوث السياسية والمسحية في استطلاع أجراه في كانون الأول 2022 طلب فيه من الفلسطينيين (في الضفة الغربية وقطاع غزة)، وضع تصوراتهم عن "طموحات إسرائيل على المدى الطويل"، فكانت إجابة 65٪ منهم تؤكد على سياسات "توسيع حدود إسرائيل لتشمل جميع المنطقة الواقعة بين نهر الأردن والبحر وطرد سكانها العرب. (64% يتوقعون طرد عائلات فلسطينية من حي الشيخ جراح و 69% يتوقعون ضم المستوطنات أو منطقة الأغوار و 68% يتوقعون ترحيل السكان البدو المقيمين بين القدس وأريحا... إلخ)*.
وبعد نحو 160 يوماً من العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة وسقوط أكثر من 100 ألف فلسطيني بين شهيد وجريح ومفقود؛ ما زال العديد من المسؤولين الأمريكيين في مراكز صنع القرار، وكذلك أصحاب الخطاب السياسي الأمريكي السائد، لا يقرون بحقيقة المخاوف الفلسطينية من وقوع نكبة جديدة؛ بل نراهم يتعاملون، في أحيانٍ كثيرة، كما لو أن الفلسطينيين يسيرون في طريق تحقيق الاستقلال في حال تخلوا عن الأفعال "غير المفيدة" -مثل المطالبة بالضغط الدولي على إسرائيل- فمثل هذه الأشياء "تبعدهم خطوات كثيرة عن حل الدولتين".
ولكن عندما يزعم الفلسطينيون أن هدف إسرائيل على المدى الطويل ليس إقامة دولة فلسطينية بل طردهم، فهم لا يهلوسون بما لا يعرفون، لأن آليات الطرد متجذرة بعمق في تاريخ الصهيونية، وفي المشاعر السائدة في إسرائيل اليوم، لا سيما ممارسات ورغبات وتصريحات السياسيين، فقد أشار العديد من أعضاء الحكومة الحالية (المنتمين لحزب الليكود بالدرجة الأولى. مثل يوآف غالانت وزير الدفاع الإسرائيلي الحالي، وتساحي هنغبي مستشار الأمن القومي، وآفي ديختر وزير الزراعة) إلى أفكار محددة تؤدي إلى إخراج الفلسطينيين من البلاد.
من الضرورة فهم مدى انتشار فكرة التطهير الإثني للفلسطينيين في تاريخ الصهيونية كي نفهم مدى انتشارها في المجتمع الإسرائيلي المعاصر. لم تكن نكبة العام 1948 مصادفة فُرضت على الحركة الصهيونية بفعل الرفض الفلسطيني. بل مثلت، في الحقيقة، إجابة على معضلة راودت الساسة الصهاينة منذ ولادة الحركة؛ أي كيف يمكن تأسيس دولة "يهودية" في منطقة ذات أغلبية عربية.
يقول هرتزل في مذكراته: "سنحاول نقل السكان [الأصليين] الفقراء عبر الحدود دون ضجة بتوفير فرص عمل لهم في بلدان العبور"**. وأشار المؤرخ الإسرائيلي بيني موريس في كتابه: مولد مشكلة اللاجئين الفلسطينيين"، إلى "تشكل إجماع؛ أو شبه إجماع بين القادة الصهاينة حول فكرة الترانسفير كحل طبيعي وفعّال وحتى أخلاقي للمعضلة الديمغرافية"؛ وذلك عندما اتضح لهم مقاومة العرب للسيادة اليهودية، وتقييد البريطانيين للهجرة اليهودية في عشرينيات وثلاثينيات القرن الماضي. وفي العام 1938، أعلن دافيد بن غوريون "أنا أؤيد الترحيل الإجباري". وفي العام التالي، أكد جابوتنسكي، على ضرورة أن يفسح العرب "المجال لليهود في أرض إسرائيل، وإذا كان ممكناً تهجير شعوب البلطيق فمن الممكن أيضاً ترحيل العرب الفلسطينيين ".
إن افتراض استحالة حدوث نكبة أخرى يسمح للمسؤولين الأمريكيين بتجنب سؤال أنفسهم عما سيفعلونه لمحاولة منعها. وهو أمر مناسب، لأن الإجابة على هذا السؤال، بناءً على الأدلة الحالية، هي: ليس لديهم ما يفعلونه.. ليس كثيراً على الإطلاق.
-كيف تتحول حركة تحرير وطني إلى مقاول للاحتلال
ليس مهماً كثيراً أن تبدل الرئاسة الفلسطينية حكومتها.. ليس مهماً أصلاً ذكر هذا الخبر -الآن وهنا- بل ينبغي عدم الاكتراث لما قاله ويقوله؛ وسوف يقوله عزيزي الرئيس محمود عباس عن "المغزى الوطني العميق" في كتاب تكليف الحكومة الجديدة؛ ولا للبطولات الإنشائية لتلاميذ الطلكة الأولى.. فالهمّ الأساسي الآن -باعتقادي- كشف الوحشية الإسرائيلية وعمليات التطهير الإثني ومخططات التهجير وآليات الإبادة والعقاب الجماعي ضد الغزيين وعموم الشعب الفلسطيني أينما كان.. في ظل تواطؤ رسمي أممي وعربي..
الأصل في القول إننا أولى بحق الدفاع عن النفس.، فمواجهة الاحتلال ليس إرهاباً لأنه لن يرحل دون مقاومة. والمقاومة بصفتها جزء من العمل الثوري، هي فعل تغيير يعتمد، قبل كل شيء على الإرادة.. ..
يتحرر الإنسان من العنف بمقاومته وليس مساومته... وقوة إرادة المقاوم تدفعه نحو التخلص من وهم "العدو" وتكسر حدود الضعف وتجعله يحسم خياراته، بين أن يعيش حراً أو يقتل دفاعاً عن حريته. وكلما اشتد الحصار عليه؛ ازدادت رغبته في الحرية أكثر؛ دون النظر إلى لعبة موازين القوى، فهو يرى في قوة إرادته محصلة نهائية للتغيير، وإيذاناً بأن لا مجال للعودة إلى الوراء. أما انتظار تبديل تلك الموازين فهذا ليس من شأنه.. الاستهانة بالكرامة والإذلال والقمع والاضطهاد هو ما يدفع الناس للثورة وليس تبديل موازين القوى، فالعنف لا يولد إلا العنف.
لنتذكر.. مع تصاعد فعاليات الانتفاضة الأولى (قبل نحو 37 عاماَ)، لم يستطع الإسرائيليون السيطرة عليها أو التقليل من أنشطتها، (حتى بتطبيقهم نصائح "اليهودي الأسطوري" هنري كيسنجر أن "اطردوا الكاميرات والصحافة، على غرار ما كانوا يفعلون في جنوب أفريقيا... اقمعوا أعمال الشغب بوحشية، وسرعة وشمولية".. وذلك بقصد كسر شوكة الانتفاضة). فكان لا بد من القيام بمناورات من نوع آخر.
وما جعل إسرائيل تسارع في الوصول إلى تسوية؛ قرار الملك حسين فك الارتباط بين الضفة والأردن في نهاية تموز 1988***، كإشارة إلى فشل رهانات إسرائيل السابقة على ما ترغب التعبد في محرابه، أي "الخيار الأردني". كما ساعدها في ذلك خطاب الرئيس عرفات في البرلمان الأوروبي (أيلول 1988) وجملته الشهيرة "سلام الشجعان"؛ ثم "إعلان الاستقلال" في الجزائر "تشرين الثاني 1988"****. فما كان منها سوى تلقف إشارات عرفات المتعاقبة بإعلانها المرافقة [ولو ظاهرياً] على تسوية سياسية للصراع في شقه الفلسطيني تقوم على مبدأ حل الدولتين؛ مما سيؤدي إلى احتواء الانتفاضة، جزئياً أو كلياً، ومن ثم إخمادها بخلق "نظام حكم" فلسطيني يشبه في طبيعته أنظمة الحكم العربية [وهذا ما حصل فعلاً كإحدى مخرجات اتفاق أوسلو؛ ففي الرابع والعشرين من الشهر ذاته تلقى نشطاء الفصائل (باستثناء القوى الإسلامية) ما قيل إنها أوامر مباشرة من عرفات بوقف العمليات العسكرية كافة ضد الجيش الإسرائيلي. وهكذا انتهت انتفاضة وصفها إدوارد سعيد بأنها "من أعظم حالات التمرد ضد الاستعمار في العصر الحديث".
وكانت المكافأة اختراع سلطة "وطنية" فلسطينية ***** " لتكون نموذج تحكم وسيطرة للتجريب وإعادة ترتيب الهندسة الاجتماعية للفلسطينيين الواقعين تحت حكم الاحتلال العسكري المباشر في الضفة الغربية وقطاع غزة.
ويبدو أن جوهر هذه التجارب يدور حول الطريقة الأمثل لكيفية إعادة تشكيل وقولبة "دولة وطنية" ملفقة ومنزوعة السيادة بحجم شركة حديثة يمكن السيطرة عليها، ويديرها شريحة "سياسية" ذات مهام تنفيذية فحسب؛ يضاف إليهم منظمات الإن جي أوز التي سيعاد تسييسها، وسوف تعمل منظومة أمنية عبر جهاز أو أجهزة جيدة التدريب على ضمان بقاء هذه "الشركة. (في واقع الأمر جميع "اتفاقيات السلام" بين إسرائيل والدول العربية هي في أساسها اتفاقيات أمنية؛ أذكر في سياقات ثورة 25 يناير في مصر؛ وقبيل تنازل الرئيس مبارك عن الحكم بقليل، استضافت محطة الجزيرة القطرية ضابط إسرائيلي سابق لتسأله هل "تخشى إسرائيل من سقوط النظام في القاهرة"؟ فأجاب على الفور بكل بساطة وصراحة: اتفاقية كامب ديفيد وقعت بالأساس بين الحكومة الإسرائيلية و"الجيش المصري"******
....
*للمزيد انظر، https://pcpsr.org/ar/node/927
**يفترض بيني موريس أن هرتزل كان يشير إلى العرب عموماً، بينما يشير مؤرخون آخرون مثل أنيتا شابيرا إلى أن هذا المقطع لم يحدد من المقصود بالسكان الأصليين لأن هرتزل آنذاك "لم يقرر بعد ما إذا كانت الأرض التي سيتم الاستيطان المستقبلي اليهودي فيها هي فلسطين أم الأرجنتين". ويوضح ديريك بنسلار، مؤلف كتاب "هرتزل والعرب الفلسطينيين: الأسطورة والأسطورة المضادة Herzl and the Palestinian Arabs: Myth and Counter-Myth " غموض "الفقرة المعنية، إذ ليس من الواضح ما إذا كان [هرتزل] يشير إلى الأرجنتين أو فلسطين أو أي مكان آخر، لأنه في حزيران 1895، [تاريخ كتابة هذه الفقرة] لم يكن قد اتخذ أي قرارات بهذا الشأن. لكن الأمر المؤكد أنه يقصد إبعاد السكان الأصليين أيا كانوا".
***يقال إن هذا تم بطلب من الرئيس عرفات شخصياً ليتمكن من إعلان "دولته" لاحقاً في المجلس الوطني في الجزائر. (بمعنى التخلص من الوصاية الأردنية لإدارة الضفة الغربية). والشيء بالشيء يذكر، يتناقل الإسرائيليون فيما بينهم على سبيل التندر الحوار التالي بين يوسي بيلين وفيصل الحسيني:
-يوسي بيلين: ما الحل الأردني الفلسطيني الذي تعتقد أنه ممكن؟
-فيصل الحسيني (يضحك): هل تعتقدون حقاً أننا جميعناً أغبياء؟ تتحدثون عن كونفدرالية أردنية فلسطينية، دعني أقل لك: نحن نريد كونفدرالية إسرائيليّة- فلسطينية.. لم تعتقدوا أننا مهتمون بكونفدرالية مع مملكة شرق النهر العاجزة وغير الديمقراطية؟.. سنفضل تأسيس كونفدرالية تكون أكثر طبيعية، غرب النهر، مع دولة ديمقراطية مستقرّة وغنية، ولنتعلم الكثير منها».
**** هو ذاته الأسلوب السطحي التجريبي الذي استخدمه عرفات في الأمم المتحدة في العام 1974 حين خاطب الجمعية العامة: "لقد جئتكم يا سيادة الرئيس بغصن الزيتون في يدي وبندقية الثائر في يدي... فلا تسقطوا الغصن الأخضر من يدي..."
*****خليل نخلة: فلسطين: وطن للبيع، مؤسسة روزا لوكسمبورغ. ص35.
****** تنص اتفاقية "أوسلو" على أن (تنبذ "م ت ف" العنف وتحذف بنود الكفاح المسلح من ميثاقها، وتعترف بـ "دولة إسرائيل"، وتكون هذه الأخيرة هي المسؤولة عن أمن منطقة "الحكم الذاتي"). وليس مفاجئاً إصرار إسرائيل على أن أوسلو ليس أكثر من اتفاق أمني، وعندما يضيفون أن ملحقات أوسلو لا تختص بوعد دولة قادمة للفلسطينيين، وأن الحدود بين مناطق السلطة و "إسرائيل" ليست حدوداً بين كيانات سياسية أو أراضٍ ذات "سيادة"، يصبح من الواضح لكل عاقل إدراك أن القوة الوحيدة ذات السيادة التي لا بد من الاعتراف بها هي إسرائيل.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. -الله لا يكسبك يا نتنياهو-.. صرخة طفل فقد والده في قصف إسرائ


.. جنود الجيش السوداني يستعرضون غنائم من قوات الدعم السريع في ج




.. الهدوء الحذر يسود منطقة الضاحية الجنوبية لبيروت بعد غارات في


.. حالة من الذعر بين ركاب طائرة أثناء اعتراض صاروخ في تل أبيب




.. أزمة ثقة بين إيران وحزب الله.. اختراق أم خيانة؟