الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


شعوب وجلة حائرة

ساطع هاشم

2024 / 8 / 26
مواضيع وابحاث سياسية


كل شعوبنا اليوم مستفزة وجلة وحائرة في كيفية وقف هذا الزحف وصد هذا العدوان القادم من أمريكا والغرب، الذي شأنه شأن كل غزو يتصف بالشر وبالوحشية، ويحدث بالتدريج وعلى مراحل امامنا منذ حروب الخليج العدوانية والعادلة قبل أربعين سنة والى الان، بنقل حي مباشر على شاشات التلفزة في عالمنا المظلم الوحشي الرأسمالي الامبريالي الذي لم يصدّر الى الشرق في الخمسين سنة الأخيرة سوى قتلته وعملائه وجواسيسه والأسلحة ونياشين المتحاربين.
أما بالنسبة لما فكرنا فيه بالفعل حتى الان وهو كيف يمكن انهاء إراقة الدماء والدمار المتفشي في الشرق الأوسط الى الأبد, وازاحة كل هؤلاء المجرمين قتلة ومستعمرين شعوبنا, فالشيء الوحيد المرئي الواضح من مستقبل الايام، يقع في طريقنا كنذير شؤم لا سبيل الى تجاهله, لان القوى التقدمية أصحاب النظرة الأممية بالمجتمع منهكة وضعيفة وتعمل اليوم ضمن تناسب قوى سلبي عالمي وداخلي وفي ظروف غير ثورية, ولا أحدا يدري متى تنتهي حالة عدم التناسب هذه والحروب، واللهب، والنار، والنهب.
هناك مجتمع جديد على وشك الولادة واخر على وشك الانهيار, وجميعنا في حالة ترقب وفزع, ليس في الشرق الاوسط فحسب وانما على نطاق عالمي ايضا, وفي هذا المخاض الشامل العنيف لم يبقى لنا سوى ان نسأل:
ما نوعية هذا الوليد الجديد المرتقب؟
وفي أي جانب يقف؟
ونحن لا ندري مصير الحكومات في المستقبل، فالرأي العام في أوروبا اذا قيست ميوله المقبلة بميوله في العشر سنوات الأخيرة، رأيته يتجه نحو اليمين والفاشية لا نحو حكومات الديمقراطية، وهكذا يجر معه بقية العالم أيضا، فالعالم الغربي يشهد حاليا موت الديمقراطية البطيء واحياء الفاشية السريع.
فاليوم لا توجد طريقة للتمييز بين الحق والباطل، والعادل من الظالم، التقدمي من الرجعي، لا توجد بعد الان سوى قسوة وعنصرية لا يقابلها سوى المزيد من القسوة، وبطش وعنف وبغض وكراهية ووحشية تثير الهلع والفزع وكأن هولاكو قد عاد، ولكن من الغرب هذه المرة وليس من الشرق.
نحن ندري اننا موجودون، ولهذا نتعقل في سلوكنا فلدينا امس وغد (كما يقول العارفين), ولكن ربما لهذا السبب ايضا فالغربيون يقومون بالجنون والحيوانية, وانهم سائرون بالعقل والتعقل إلى البهيمية وهذا ما تحس وتحدس به عقولنا في هذا النظام العالمي المجرم وكيف تتحول وتتغير الانواع بشكل دائم من سيء الى اسوء, وهذا ما تدفعنا اليه الراسمالية وايديولوجيتها الرجعية الفتاكة, الساعية الى تكريس وتعميم الايمان بالخرافة والاسطورة والاصول الدينية, فلا يبدو ان مستقبلنا هو زيادة التطور في العقل والبصيرة وانما الانحدار باصلنا الحيواني الى ما هو اسوء من الحيوانية, فبعد ان كانت نظرية التطور هي نظرية الرجاء نحو الرقي لانها فتحت لنا مغاليق الماضي المبهم وساعدت العلماء على رسم صورة لمصير الانسان منذ بداية الحياة على الارض وحتى الان
فانها اليوم تقول لنا بان
الساسة الغربيون والعلم والعلماء الغربيين الآن هم السلطة التي لا جدال فيها بالعالم، يمتلكون اكبر دعم مالي من الحكومات وأفضل الأدوات العلمية لشرح تصوراتهم واختراع آلاتهم الحربية الجهنمية، حتى يبدو أنه مسموح لهم أن يفعلوا ما يحلو لهم بصورة العالم وبنا، وخاصة في شرقنا المنكوب بعملائهم من حكام بلداننا, وكل اولئك وهؤلاء لديهم كل الأموال والبنادق والإعلام والاذاعات والذهب لشراء ولرشوة من يريدون من الناس والعلماء والمهندسين والفنيين ومن كافة انحاء العالم ليكونوا في خدمتهم دوماً.
إن الحضارة المعاصرة (إذا كنا سنطلق عليها كلمة حضارة) تتخلف عن الركب بسبب قيدين هائلين يقيدان التقدم ــ الملكية الخاصة لوسائل الإنتاج والدولة القومية.

والعالم كله اليوم (وليس شعوب الشرق وحدها) يفكر بعقلية الدولة القومية، واسوء بعقلية القرون الوسطى بل اسوء بعقلية ما قبل الميلاد, ويعيش بتكنلوجيا ما بعد العصر الصناعي، فلا يبدو ان افكار التفوق العرقي والأفكار الدينية والعنصرية او العقائدية او القومية الشوفينية التافهة المنتشرة بالعالم بشكل مخيف, تصاب بالتأكل او التقادم والانهيار, لكنها اثبتت قدرتها على مقاومة كل عقلية وروح اممية وكل تقلبات الزمن وکل انجازات العلوم الصرفة من علوم الاحياء والفيزياء والكيمياء والمعارف المستقاة منها وتطويعها لصالحها وتصمد، وتستعمل كل براعة العلماء والمهندسين في استعادة قواها وبأسها, وفي مقدمتهم براعة اولئك العلماء -التافهين المخدوعين بالماضوية والروح القومية والدينية الشاذة- الذين يذهبون الى الكنائس والمساجد ویقیمون الصلوات ويتبرعون للمناسك المختلفة ويزوّرون انجازات العلم لصالح اللاهوت.
في شرقنا المنكوب بهذه الكائنات الشيطانية الحديثة الدينية والعسكرية، الأجنبية والمحلية، واعدائهم المفترضين او الحقيقين، ربما تنبأنا جرائمهم ضد شعوبنا اليوم عن صورة الوليد الذي ننتظر ولادته. فدولنا وشعوبنا الان ليسوا الا تجارب أسلحة وتمارين رماية او بروڤا تحضيرية لحروب واستعمار غربي عنصري قادم اشد إذلالًا وفتكاً من كل ما عرفناه حتى الان، بسبب هذه القوى السياسية الرجعية والامبريالية ومن يستخدمون من العلماء الشياطين للقضاء علينا وعلى مستقبل البشرية عامة قريباً.
فكيف تقرر مصيرنا وصرنا الى ما نحن فيه اليوم من هزائم ومحن؟
هل نحن فعلا شعوباً تحب الحروب ولا تهمنا خسارتها او الفوز بها، ام تناضل في سبيل حرياتها وكرامتها المهدورة؟
وماذا سيحدث إذا سُمح للأنظمة الرأسمالية وليبراليتها الجديدة بمواصلة الحروب والقتال (العالمي) واستعمار وتفتيت شعوب الشرق ودوله حتى النهاية بلا حساب؟








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. كيف نجا القيادي في حزب الله وفيق صفا من محاولة اغتيال إسرائي


.. الاحتلال يقصف مدرسة تؤوي نازحين في وقت ذروة الحركة فيها




.. مراسل الجزيرة يرصد حالة الزميل فادي الوحيدي في مستشفى الخدمة


.. مصادر إسرائيلية: نتنياهو وبايدن حققا تقدما بالتوصل إلى تفاهم




.. مناشدات لإجلاء مصور قناة الجزيرة علي العطار خارج قطاع غزة لت