الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


حل التهجير الدموي

مصطفى مجدي الجمال

2024 / 8 / 30
مواضيع وابحاث سياسية


تخلصت أوربا من صداع المسألة اليهودية بطريقة شيطانية لبريطانيا، فبدلا من أفران الغاز يكون الحل بتصدير معظم اليهود أنفسهم إلى خارج القارة، ودعم دولتهم بالسلاح والمال والتكنولوجيا والبشر والحماية الدبلوماسية، لتصبح فيلقًا أماميًا لحماية المصالح الإمبريالية من نفط وممرات دولية..الخ.
وكانت الضريبة الحتمية لهذا المشروع الشيطاني هي تأييد المنطلقات العدوانية والعنصرية والتوسعية للشعب "المختار"، وتم تدعيم هذا التآمر بمقولات عن الدولة الديمقراطية الوحيدة في الشرق الأوسط، وأيضًا التراث العبري والانجيلي المشترك لما تسمى الحضارة الغربية في مواجهة "البربرية" السوفيتية ثم الإسلامية فيما بعد. ومن ثم صارت إسرائيل هي القلعة الأمامية في مواجهة حركات التحرر العربية، خصوصًا في مواجهة تمدد النفوذ السوفيتي بالمنطقة في الخمسينيات والستينيات.
وحدث بعد حرب 67 أن بدأ الكيان الصهيوني يعمّق مصالحه التوسعية العنصرية الخاصة به كـ "شعب مختار" ضد الأغيار البرابرة. ولم يتوقف هذا النزوع العدواني حتى بعد إقدام السادات على عقد اتفاق كامب ديفيد، حيث اعتقد أن بإمكانه انتزاع مكانة الحظوة الأمريكية من إسرائيل أو على الأقل الحصول على مكانة مقاربة. وكانت هذه حماقة مساوية للخيانة لأنه استسلم للعدو الأساسي (أمريكا) الذي شارك في إحباط حرب أكتوبر على أمل لجم العدو المباشر (إسرائيل). وتوالت أدواره المشبوهة في أفغانستان وأفريقيا وضد الثورة الإيرانية على الحكم الشاهنشاهي.
ازدادت مطامع الصهيونية بعد تحييد مصر، وتوالي سقوط النظم الرجعية العربية في وهدة التطبيع المسموم، على النقيض من تطور حركات المقاومة للمشروع الصهيوني، وإن تعرضت الأخيرة لنكسات هائلة في الأردن وسوريا ولبنان.. وتفاقم الأمر بعد انهيار الاتحاد السوفيتي، ثم أكثر بعد سقوط وتفسخ دول الممانعة.
ورغم الانتصارات الإسرائيلية، وخصوصًا تفوقها العسكري والاقتصادي والدعم الدولي الغربي اللامحدود على كافة الأصعدة.. واجهت إسرائيل، ومطامعها التوسعية، مشكلات عميقة جراء تطور حركات المقاومة، وبالذات تلك ذات الطابع الإسلامي، فهي في نظر إسرائيل نقيض مريع لدولة أساسها الأيديولوجي هو الدين اليهودي. خاصة بعد تصاعد نفوذ الدولة الإيرانية الشيعية ذات الطموح النووي المشهود، والتي رأت مصلحتها في دعم الحركات الإسلامية في الشرق الأوسط، حتى لو كانت سنية.
شهدت المنطقة بعد ذلك مواجهات غير متكافئة بين الدولة العبرية وحركات المقاومة الإسلامية، ورغم الانتصارات التي حققتها الأولى في الكثير منها إلا أن هذا ظل يشكل صداعًا دائمًا لها، حتى بعد تردي سلطة الحكم الذاتي في رام الله، وإقدام نظم عربية على التطبيع المجاني مع الكيان إرضاءً ورضوخًا للغرب.
غير أن معضلة إسرائيل الوجودية ظلت تتفاقم موضوعيًا. فبعد احتلال الأرض وتخويف الجوار، لم تستطع إسرائيل اقتلاع الوجود الفلسطيني الذي يشكل بالنسبة لها قنبلة سكانية متفجرة، رغم استفادة إسرائيل من موجة المهاجرين الروس المليونية بفضل البيروسترويكا. ظل السؤال الوجودي كما هو: ماذا ستفعل إسرائيل بهذه الكتلة السكانية الفلسطينية المتنامية؟ فإذا أعطتهم مواطنة كاملة تكون بذلك قد قضت على فكرة الأرض التي وعد بها "الرب" خالصة لليهود، وإذا حرمتهم من حقوق المواطنة الكاملة تكون أمام العالم دولة تمييز عنصري وقحة.
الخلاصة أنه ليس أمام إسرائيل العنصرية التوسعية سوى الإبادة، ولكن من الصعب إبادة ملايين مهما تواطأت حكومات الغرب بذرائع مختلفة مثل مقاومة الإرهاب "الإسلامي". وتظل المعضلة قائمة حتى مع الإبادة الجزئية.. ومن ثم ليس أمام الصهيونية من حل سوى حرمان الشعب الفلسطيني من كل سبل البقاء على الأرض.. بالاستيطان والقتل والأنشطة الاستخبارية والتجويع والتعطيش ومحو المستشفيات والمدارس والمنازل والطرق...الخ.
هذه المعضلة مسماة الآن بمعضلة "ماذا عن اليوم الثاني" بعد "النصر" في حرب غزة.. فإذا أخضعتها لاحتلال عسكري صريح فإن هذا يفرض عليها التزامات لا تريدها.. وإذا سلمتها للسلطة الفلسطينية في رام الله فإنها تكون قد وحدت عمليًا بين الضفة الغربية وغزة.. وإن سلمتها لقيادات قبلية فإن الأخيرة لن تقدم بيسر على مغامرة دموية كهذه.. وإن سلمتها لقوات عربية ودولية فإنه ليس هناك أحد منها على استعداد لدفع فاتورة الإجرام الإسرائيلي..
إذن ليس أمام إسرائيل من حل سوى حل من عنصرين: أولهما اقتراح تبادل السكان بين عرب 48 ومستوطنات الضفة الغربية (أكثر من 700 ألف)، وثانيهما، وبشكل متوازٍ أو متوالٍ، ممارسة إرهاب مريع لتهجير الفلسطينيين إلى الضفة الشرقية وسيناء، مع الضغط على بعض الدول العربية والغربية لاستيعاب العرب المقموعين والمطرودين.
وإن استقرت إسرائيل ورعاتها على حل التهجير فإن نذر الحرب الإقليمية ستزداد افتراضًا.. وإن فشلت (وهذا هو الأرجح) فإن شلال الدم لن يتوقف على الجانبين.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. لحظة هروب طلاب في مستوطنة -كريات يام- بحيفا بعد دوي صفارات إ


.. نتنياهو: الشعب اللبناني على مفترق طرق وهو خياركم ويمكنكم ان




.. هغاري: لا نزال نبحث نتائج الغارة الجوية التي استهدفت القيادي


.. ما هي السيناريوهات الأكثر ترجيحا لرد إسرائيل على إيران؟




.. وزير الخارجية الإيراني: نرصد جميع التحركات وسنرد بشكل متناسب