الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ثلاثة سفهاء (2)

أمين بن سعيد

2024 / 9 / 1
كتابات ساخرة


سفيه أول: ليس لك من الأمر شيء

تجسّد خالق الكون والأكوان في عبراني، ولا تسأل لِمَ ليس في غيره، وفَعل كل شيء في عالم المادة إلا شيئا واحدا: الجنس... لماذا يا ترى؟ ما الفرق بين الأكل والشرب، والنظر للناس وسماعهم والمشي بينهم ولمسهم، وشم رائحة ذكية والتأفف من أخرى كريهة إلخ... كلها حواس، كلها مادة، والجنس لا يختلف في شيء عنها، فلماذا لم تمارس الجنس يا خالق الكون؟! يقول أتباع هذا الإله أنه قدوس ومقدس، وتُدّعى له كرامات ومعاجز غريبة الشأن، ويقال أنه بلا خطية، ومن ذلك ومن غيره الكثير من المزاعم، يقال أنه حق وبديهي ومنطقي أن يقال عنه أنه قدوس. لكن، من خرجوا من كهوف الإيمان، يقولون أن صفة القداسة اكتسبها فقط من عدم ممارسته للجنس، والمعنى بين وجلي أن الجنس نجاسة لا يمكن لخالق الكون أن يُلوّث بها، زد على ذلك عذرية مريم ووظيفتها في إنجاب الرب المقدس، تفهم العقد العظيمة التي لوثت بها العقيدة المسيحية عقول البشر منذ نشأتها... مقارنة للتذكر: هذا الرب المقدس الذي فعل كل شيء في عالم المادة إلا الجنس، هو نفسه الذي خلق المثليين مثليين وسيشويهم إلى الأبد في بحيرته فقط لأنهم مثليون! فكر في الأخيرة، وسأفترض أنك تتقزز من المثليين، هل يعقل حتى لو تقيأتَ كلما رأيتَ أحدهم أن تحرقهم إلى الأبد فقط لأنهم "شواذ"؟ أواصل وأفترض ما لا يمكن افتراضه: تستطيع سجنهم، طردهم من أعمالهم، التمييز ضدهم، بل حتى قتلهم، لكن هل ستستطيع تعذيبهم إلى الأبد فقط لأن عندهم دودة عمر؟ كيف يعقل أن يصدق بشر اليوم أن هذه السفاهة بل هذه السفالة العبرانية قداسة وتشريع خالق الكون؟
المثال البسيط من السفالة العبرانية تقابله اليوم في الغرب سفالة لوبي الحروف المقطعة وتجبره الغريب الرهيب على الشعوب وهو لا يمثل حتى من يدّعي تمثيلهم... السفه يصل ذروته عندما يتكلم أحد "الشواذ" في بلد يرى مثليته جريمة يعاقب عليها القانون، وانحرافا جنسيا، ومرضا عقليا ونفسيا... يتكلم بنفس منطق أولئك الشواذ المنحرفين حقيقة في الغرب. حوار صغير:
- هل تقَبل أن أُقبِّل رفيقي أمامك؟
- غبي! انزل إلى الأرض وانظر واقعكَ!
- قلتُ لكَ أن عندكَ نسبة هوموفوبيا، ويلزمكَ العمل لتحرير عقلكَ من رواسب الثقافة المتخلفة التي عشتَ فيها!
- لستُ عدوكَ يا مسكين، لماذا خلق أعداء مجانيين؟ مشكلتكَ معهم لا معي، سيأكلونكَ لو ظفروا بكَ، ووقتها لن يدافع عنكَ غيري...
- لو كنتُ امرأة، هل كنتَ تقبل أن أُقبِّل رفيقتي؟
- غبي!
- لماذا تنكر؟ لا يوجد رجل ليس عنده هذه الفنتازيا؟
- يوجد... أنتَ! أم ترى نفسكَ شجرة أو طاولة؟
- قصدتُ المغايرين!
- تكلمتَ عن الرجال، ولم تحدد ميولاتهم، فهل أنت لستَ برجل؟
- تتصيد زلة لتهرب من مواجهة حقيقتكَ!
- أني؟
- هوموفوبك!
- أقبل بحكمكَ، لكن اسمع مني هذه القصة
- ...
- أختي الكبيرة عندها صديقة تعرفها منذ صغرها... صديقتها المفضلة، الأُولى، الأَولى أحد! لكني لا أحب تلك الصديقة، ولا أرغب في رؤيتها في منزل أختي عندما أزورها... الحل بسيط، لم أفرض على أختي شيئا، ولم تفرض هي عليّ شيئا أيضا... عندما أرغب في زيارتها أو عندما تدعوني، نتكلم قبل أيام ونحدد موعدا مناسبا، ومناسب يعني أن صديقتها لا تكون موجودة...
- لا علاقة لما قلتَه بطلبي!
- طيب... هل صادف ورأيتني أَقبّل إحداهن في حضوركَ؟
- لا تعمم شذوذكَ على غيركَ!
- شذوذي؟
- نعم! أنتَ شاذ ولا تريد مشاركة أحد خصوصياتك... حتى سوشيال ميديا ما عندك!
- سميتَها "خصوصيات"، فلماذا أنشرها لغيري إذا كانت كذلك؟
- لذلك أنتَ شاذ، و... لستُ مثلكَ!
- من المفروض أنكَ لا تستعمل هذا المصطلح إطلاقا، لكنكَ غبيّ ولا تتعلم ولا تريد حتى أن تسمع وتُفكّر!
- إذن لا تَقبلْ!
- أختي تحب صديقتها، وتحب أخاها... ذكية، عرفتْ كيف تحافظ عليهما...
- لماذا ساعدتني ولازلتَ تفعل؟
- لا علاقة للأمر بكَ...
- نرجسيتكَ وغروركَ لا يُطاقان!
- الحقيقة مرة، ويلزمها عقول لتُعرف وتُواجه ثم تُقبل وتُعاش... القلوب يَدرس تشريحها الأطباء، ويُتكلّم عنها في الأديان والأفلام والمسلسلات...
- لا تعليق!
- عرفتَ منهن ثلاث... هل رأيتَ مني أو سمعتَ من إحداهن أني تجاوزتُ؟ لم أحترم؟ صرختُ؟ خنتُ؟
- ...
- لم يكن للأمر علاقة بهن أيضا...
- سبحانكَ! مُنزّهٌ أنتَ عن كل عيبٍ وشين!
- لا تزال غبيا... وتُجبرني على إيلامكَ لتفهم...
- ماذا ستقول أكثر مما قلتَ!
- عندي الكثير عزيزي... مثلا عائلتكَ... أمك، أبوك، أخوك الكبير، أختك الصغيرة؟
- ...
- أخوك الكبير مثلا؟
- لا أريد الكلام عنهم...
- الذي سأقوله أخفيته عنك الأشهر الماضية... سيؤلمكَ كثيرا نعم، لكنه سيفيدكَ لتفهم وربما لتستيقظ.
- لا أريد أن أسمع!
- طلبَ مني أن أطردكَ، وألا أساعدكَ بشيء... قال لي بالحرف: "إذا جاءكَ يطلب شربة ماء لا تُعطه إياها واطرده!"
- متى؟
- آخر الصيف الماضي، قبل العودة الجامعية.
- ولماذا لم تفعل؟
- لأن ليس له من الأمر شيء، ولأني "هوموفوبك"...

سفيه ثاني: Squid

بعض الرفاق من الجانبين وصلونا ببعض؛ هي وحيدة وأنا وحيد، هي عنيدة وأنا عنيد، هي لا تُحتمل وأنا لا أُحتمل... هي المسؤولة عن الأوكسيجين الذي يتنفسه سكان الأرض، وأنا المسؤول عن دوران الأرض، ولولاها ولولاي لانقرضتْ الحياة من الكون. والتقينا...
- أعتذر عن تأخري، طرأ ما أخّرني
- لا عليكِ، لكن
- لا تُكملْ! تعرف أن الحروب لن تُفيد معنا، سلام؟
- سلام...
- لم تجدها إلى الآن إذن...
- لم أبحثْ، لو بحثتُ لوجدتُ...
- قلنا سلام أليس كذلك؟
- نعم أعتذر... الحقيقة لم أبحثْ، كنتُ دائما أنتظر، لم أرَ يوما من تستحق أن أسعى نحوها...
- منزلي أقرب من منزلك إلى هنا، أنتَ بمثابة ضيفي... سأطالب بالسلام مرة أخرى... أخيرة!
- سنكون منافقيْن...
- ربما، لكن لنجرّب، ماذا جنينا من مبادئنا؟
- أحسن أن نكون وحدنا من صحبة سيئة...
- استكملتَ كل مستحقات الضيافة!
- أحسن... أكره النفاق!
- ثلاثة أسئلة لكل منا، الآخر يجيب، من ينهزم الآخر يقرر كيف سيكون الغد والمنهزم يذعن، ما رأيكَ؟
- أقبل... أنا أبدأ، أنا الضيف...
- استوفيتَ الضيافة، أنا من تبدأ، موافق؟
- ...
- موافق؟
- تفضلي...
- أنتَ لا تعنيني في شيء، لا أنتَ ولا كل رجال الأرض، أنا فقط أبحثُ عن رجل للعائلة وللمجتمع لا أكثر ولا أقل!
- اللعنة!
- واحد لي، صفر لكَ، خدعتكَ وصدقتَ أني مثلية... دوركَ الآن...
- جميل، دخول قوي ومثير... هل المرأة التي تبحث عن عائلة تستحق أن تُعامل كعاهرة؟
- نعم، العائلة تعني خصيتي الرجل، تريد خصيتيه، من حقه أن يعطيها ما أرادتْ... 2-0؟
- نعم... اسألي...
- قيل لي أنك تُحبّ الكالمار... ما رأيكَ لو نغادر هذا المكان إلى منزلي... سيكون ألذ مما ستأكله هنا...
- ...
- لم تُجب!
- كلاسيك، كلام مسلسلات... كل من عرفتهن قبلي لن يصلن إلى كعبي + هجوم شرس: أنا مهووس جنسي والمهووس يُسخر منه بإيهامه أن ندعوه إلى ليلة حمراء...
- دعوة حقيقية أم استهزاء؟
- تسخرين بالطبع!
- 3-0
- ماذا؟!
- 3-0! مازال ثلاث أسئلة، إذا خسرتَ هذا أفوز... اسأل...
- مما قلتِ ومن أسئلتكِ، واضح أنكِ سألتِ عني وعرفتِ الكثير، لم أفعل مثلكِ وبقيتُ مثل من يعرفُ عنكِ القليل من بعيد: تفسير؟
- لا تزال تنتظر، إذا بحثتَ أو غيّرتَ تفقد الرغبة وتُصبح عندكَ مجرد أخرى كمن سبقنها، تريد أن تُفاجأ، أن تعثر على خام يروقكَ دون أن تُغيّره... انتهينا؟
- هزيمة مُخجلة...
- من يقرر للغد؟
- أنتِ!
- أنتَ تختار: 1- دعوة الكالمار لا تزال قائمة، في الصباح تغادر إلى الأبد. 2- تغادر الآن، وغدا إذا سألوكَ قل فيّ ما شئتَ...
- ...
- لا أريد أن أنام هنا...
- ...
- بدأتُ أضجر...
- ...
- سأذهب إلى الحمام...
اللحظات التي بقيتها وحدي قبل أن تعود، كنتُ فيها كذلك الملاكم الذي سقط بالضربة القاضية، ولا يزال لم يسترجع وعيه وتوازنه لكنه يريد الوقوف لمواصلة المباراة... الحكم يصرخ انتهى النزال والملاكم لا يفكر إلا في القيام والمواصلة...
- جوابكَ؟
- أغادر الآن، لكن عديني ألا تتصلي بي أبدا...
- ...
- سأضع رقمكِ مع الممنوعين، لن تستطيعي حتى لو اتصلتِ...
- ...
- آخر كلمة: مكانكِ لن يأخذه أحد، سأحرص على ذلك حتى إن عثرتُ يوما على من أريدْ...

سفيه ثالث: كوكب الأرض

- رصدنا مجرة فيها كوكب عليه مخلوقات غريبة يا الله، فعدنا إلى الأرشيف فلم نجد أثرا على أنك خلقتها...
- مخلوقات غريبة؟
- نعم، تتكلم وتفكر... عندها بعض التقنيات أيضا...
- تقنيات؟
- وسائل نقل بدائية... قطارات سيارات طائرات، وسائل اتصال، بعض الأسلحة، وأشياء أخرى...
- أين توجد هذه المجرة يا جبريل؟
- بعيدة جدا يا الله، وقع رصدها بأحدث وسائلنا بصعوبة بالغة...
- أتقلق راحتي بقصة كهذه؟
- أردتُ تسليتكَ يا الله... تلك المخلوقات تفكر مثلما قلتُ، وفيها من يدعي أنكَ أرسلته رسولا، واخترتَ المخلوقات الساكنة معه مخلوقاتكَ المفضلة!
- أنا؟!
- نعم يا الله!
- جبريل!!
- لبيكَ يا الله!
- دمّر تلك المجرة!! وإياك أن تأتيني بحكاية كهذه في المستقبل وإلا!!!
- غفرانكَ لا راد لأمركَ... لكن ما رأيكَ لو أدمر فقط الكوكب الذي عليه تلك المخلوقات الغريبة؟
- جبريل!!
- أمركَ يا الله... سأدمّر كل المجرة!








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي