الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مواقف سياسية واجتماعية في أدب نجيب محفوظ

عطا درغام

2024 / 9 / 1
الادب والفن


الدكتور إبراهيم الشيخ
يُعد نجيب محفوظ واحدًا من أهم قادة الفكر والأدب في مصر والعالم العربي.نشر له خلال الفترة ما بين منتصف الثلاثينيات ومنتصف الثمانينيات من القرن الماضي حوالي أربعين مؤلفًا تتراوح بين القصة القصيرة والرواية الطويلة والرواية الحوارية المتوسطة الحدم، فضلصا عن عدد قليل من المسرحيات.
وتحظي كتبه بالرواج بين قراء العربية داخل وخارج العالم العربي،كما ترجمت بعض مؤلفاته إلي عدد من اللغات الأخري، خاصة إلي اللغة الإنجليزية خلال العشرين عامًا الماضية.
والدراسة التالية تنقسم إلي ثلاثة أجزاء متكاملة خصص الجزء الأول منها منها لتتبع ورصد الخافية الفكرية لمحفوظ والمؤثرات والروافد الأدبية التي لعبت دورًا في تشكيل قدرته الإبداعية فضلا عن استخلاص وتحليل مضامين إنتاجه الأدبي في مراحله المختلفة واستطلاع بدايات ثم نمو وتطور الشكل الفني لادبه وعلاقة الشكل بالمضمون.
والجزء الثاني من الكتاب عبارة عن دراسة تحليلية لثلاث قضايا أو موضوعات مختلفة تناولها محفوظ في أدبه. ورغم استقلال كل قضية بدراسة منفصلة ومستقلة في حد ذاتها فإنها كلها تدور حول بعض المواقف الاجتماعية والسياسية المترابطة للمؤلف كما تناولها ضمنًا في عدد من رواياته وقصصه بالتحليل أو التعليق أو النقد.
وتدور الدراسة الأولي حول المرأة ووضعها في المجتمع خاصة امرأة الطبقة المتوسطة وامرأة الطبقة الفقيرة كما يراها المؤلف في عدد من رواياته وقصصه التي نشرت خاصة في الأربعينيات والخمسينيات مثل القاهرة الجديدة وزقاق المدق وخان الخليلي وبداية ونهاية والسكرية.
والدراسة الثانية تدور حول شخصية البطل المنهزم كما يصورها لنا المؤلف في أكثر من عشرة من الروايات والقصص التي حظيت بالرواج بين القراء وشدت انتباه النقاد مثل بين القصرين والسكرية والسمان والخريف وميرامار وغيرها.
أما الدراسة الثالثة والأخيرة فتدور حول قضية الدين والعلم كما تناولها نجيب محفوظ في أولاد حارتنا والشحاذ وثرثرة علي النيل وحكاية بلا بداية ولا نهاية وعدد آخر من المؤلفات.
وتستهدف هذه الدراسة التعرف علي حقيقة الموقف من الصراع الدائر في مقول العدد الكبير من المثقفين في مصر- تجاه هذه القضية، ومدي صحة ادعاء أو كذب الادعاء بأن نجيب محفوظ يحاول في بعض رواياته خاصة أولاد حارتنا تأييد العلم علي حساب الدين.
يقول المفكر الأمريكي "هربرت ماركوزة" في رأي له حول الفن والسياسة"إن الفن في أعمق مستوياته احتجاج علي ماهو كائن. ومن هنا بالذات يصبح الفن قضية سياسية"
وفي تعقيب لنجيب محفوظ علي هذا الرأي يقول : " أنا أؤمن بهذا القول، ولعلي رددت من قبل ما أسمعه منك نقلًا عن ماركوزة لأن الفن نقد للمجتمع وللحياة، وأنا أعتقد أنه لو بلغت الحياة الكمال لما كان الفن من معني أو وجود"
في بعض أعمال نجيب محفوظ نجد إشارات صريحة إلي ارتباط الفن بالسياسة وقضايا المجتمع خاصة تحت ظروف القهر أو الاستبداد السياسي فف"السكرية" الرواية الثالثة ضمن ثلاثية نجيب محفوظ المعروفة يطالعنا المؤلف برأي صريح حول هذا الموضوع علي لسان شخصياته كما في الحوار التالي بين "سوسن" و"احمد شوطن" حول أفضل سبيل التعبير المقالة أم القصة:
- سوسن (مخاطبة أحمد شوكت): ... إنك تنفس عن أفكارك- حتي الآن’ عن طريق غيرك-أعني بالترجمة، ألم تفكر في اختيار الشكل الذي يناسبك- من أشكال الكتابة؟
فصمت مفكرًا كأنما أغلق عليه المعني المقصود ثم تساءل:
- ماذا تعنين؟
- المقالة ، الشعر، القصة، المسرحية..
- لا ادري.المقالة أول ما يتبادر إلي الخاطر
فقالت بلهجة ذات معني:رائه أو انتقاداته للأوضاع السائدة والتي تستوجب النقد في نظره.
والقاريء المدقق لروايات نجيب محفوظ خاصة ثلاثيته المعروفة "السمان والخريف" و" الحب تحت المطر" و "القاهرة الجديدة" و "بداية ونهاية" و" ميرامار" و" الكرنك" والشحاذ" و"ثرثرة فوق النيل". يستطيع أن يستشف آراء ومواقف نجيب محفوظ بشأن قضايا اجتماعية وسياسية متعددة علي سبيل الذكر لا الحصر: النفاق الاجتماعي والسياسي تحت الحكم الاستبدادي ، تفاقم التناقضات الاجتماعية والسياسية الناجمة عن دفع عجلة التطور نحو الاتجاه الخاطيء علي يد قيادات أو طبقات من يرتدون أقنعة ثورية وتقدمية في حين أن الثورية والتقدمية منهم براء ، والصراع بين بين الثورية والبرجوازية،والصدام بين مصالح الفرد ومصالح المجتمع ، وقضية أو مأساة البطل المنهزم وغير ذلك من القضايا.
ويتف كثير من النقاد علي أن نجيب محفوظ- إلي جانب قدرته الهندسية الرائعة في البناء الروائي وتجاربه الناجحة في ممارسة وإخراج الشكل الفني واختيار موضوعات وشخصيات قصصه- ناقد اجتماعي ومحنك وأصيل.
هناك أيضًا عد من النقاد يري أن نجيب محفوظ كاتب تعكس كتاباته ومؤلفاته مآسي ومشكلات الطبقة البرجوازية بالدرجة الأولي.كما أن أبطاله خاصة الثوريين منهم يمثلون النزعة الانهزامية ويتسمون عادة بالسلبية أو التخبط النفسي أو الانصياع إلي أفكار ومواقف تناقض بين النزعة الدينية المتطرفة والفلسفة المادية الصرفة باعتبارها منقذا ثوريًا يحلمون بتحققه هكذا دون جهد أو فكر أو ثورة.
ومن الناحية الفنية يقسم النقاد المراحل الأدبية التي يمر بها إنتاج نجيب محفوظ إلي أربع مراحل: هي المرحلة التاريخية،والمرحلة الواقعية النقدية،والمرحلة الواقعية التسجيلية، والمرحلة الواقعية الفلسفية وتسمي المرحلة الأخيرة أيضًا بالواقعية الجديدة.
المرحلة التاريخية
اقتصر إنتاج نجيب محفوظ خلالها علي ثلاثة أعمال أدبية وهي:"عبث الأقدار" 1939 و" رادوبيس" 1943 و"كفاح طيبة" 1944 ظ. وتتناول جميعا التاريخ الفرعوني المصري من زاوية أو أخري بحيث يمكن القول إن هذا التاريخ الفرعوني هو إطار غير مباشر لأحداث الرواية.
وما يمكن أن نستخلصه من أحداث رواية "عبث الأقدار" هو أن المؤلف أبرز لنا أن أبناء الشعب المصري بينهم من يتفوقون علي أبناء الملوك ويستطيعون تولي دفة الأمور في بلادهم وحكمهم انفسهم بأنفسهم، أما "رادوبيس" فتدور حول فساد الحكم الملكي وفساد الملوك واستبدادهم وانغماسهم في اللهو والترف والمجون دونما وازع من ضمير فضلا عن إهمال مصالح الشعب. في حين أن "كفاح طيبة" لا تعدو أن تكون دعوة إلي النضال وحثًا علي الكفاح من أجل تحرير مصر من سيطرة الحكام والدخلاء المستبدين.
ومجمل القول أن المؤلف حرص علي أن يكون لرواياته إطار تاريخي ومضمون اجتماعي.ثوري.

الواقعية النقدية:
قدم المؤلف خلالها أربع روايات يكاد مضمونها أن يكون واحدًا هي"القاهرة الجديدة"1945، "خان الخليلي" 1946 ، "زقاق المدق" 1947 ، "بداية ونهاية"1949. وقد تناول فيها محنة الطبقة المتوسطة في مصر خاصة في القاهرة،والتقلصات الفكرية والاجتماعية والسياسية التي واجهتها،والازمات التي مرت بها.
وقد كانت هذه الروايات تجاربًا في التكنيك الفني للمؤلف فضلًا عن إثراء المضمون الاجتماعي لأعماله الأدبية بشكل يعتبر تمهيدًا ناجحا لعمله الأدبي والفني المتقن الذي قدمه في "الثلاثية" فيما بعد.
ولعل الاستثناء الوحيد من القاعدة خلال هذه المرحلة هو رواية "السراب"1948 التي لا تدخل ضمن الواقعية النقدية فقط ،وإنكما تنضوي كذلك تحت ما يسميه النقاد عادة بالرواية التحليلية النفسية
3- الواقعية التسجيلية:
تضم هذه المرحلة ثلاث روايات متكاملة هي ثلاثية"بين القصرين" و"قصر الشوق"و" السكرية" التي أتم المؤلف كتابتها في أبريل 1952 ونشرها بين عامي 1965 و1957 وهي تسجيل لحياة أسرة مصرية متوسطة من واقع بيئتها وظروفها الاجتماعية والسياسية ما بين 1917 و1944.
وفي هذه الثلاثية تقمص المؤلف شخصية "كمال عبد الجواد" وأخذ يتقص علينا آراءه وخواطره وآماله وأحلامه.فهو علي سبيل المثال "يحلم أن يؤلف كتابًا وسيكون مجلدًا ضخمًا في حجم القرآن الكريم وشكله، وستحدق بصفحاته هوامش الشرح والتفسير كذلك،ولكن عم يكتب؟ ألم يحو القرآن كل شيء؟ لا ينبغي أن ييأس، ليجدن موضوعه يومًا ما، حسبه الآن أنه عرف حجم الكتاب وشكله وهوامشه..أليس كتاب يهز الأرض خيرًا من وظيفة وإن هزت الأرض؟ كل المتعلمين يعرفون سقراط،ولكن من هنهم يعرف القضاة الذين حاكموه؟
وقد تحقق فعلًا ما كان يصبو إليه المؤلف في هذا الشأن إذ حظيت"الثلاثية" باهتمام جمهور القراء والنقاد وتناولتها أجهزة الاتصال من صحافة وإذاعة وتلفزيون وكتب بالعرض والنقد والتعقيب.كما ترجمت إلي عدد من اللغات الأجنبية وحولت إلي أفلام ناجحة علي الشاة وكان لها فضل كبير في شهرة المؤلف وتدعيم مكانته الأدبية والفنية داخل وخارج مصر.
4- الواقعية الفلسفية:
ابتداءًا من رواية "أولاد حارتنا" التي نشرت لأول مرة مسلسلة في صحيفة الأهرام اليومية عام 1959 ثم مُنعت من النشر في مصر علي هيئة كتاب حتي وقت قريب، ثم نشرت بعد ذلك. وأخذت روايات نجيب محفوظ تتناول موضوعات وقضايا فلسفية عامة علي ضوء صلتها بالواقع الاجتماعي والسياسي والفكري ،وغن اختلفت الموضوعات والظواهر التي تعالجها.نشرت علي سبيل المثال روايات "اللص والكلاب" 1961، و"السمان والخريف" 1962 ،و"الطريق" 1964 ،"الشحاذ"1965 ،و" ثرثرة فوق النيل" 1966، و"ميرامار" 1967، ثم تتابع بعد ذلك نشر أعمال أدبية كثيرة للمؤلف في نفس الخط مع استثناءات قليلة مثل رواية "الكرنك" 1974 أو رواية "يوم قتل الزعيم" 1985/ حيث يخرج الكاتب قليلا عن الخط الفلسفي العام ليتعرض بالنقد شبه المباشر لبعض الأوضاع والظروف في المجتمع.
ومنذ بداية مرحلة الواقعية الفلسفية أو الواقعية الجديدة في أعمال المؤلف وحتي الآن، يلاحظ أن أدبه اكتسب تدريجيًا مسحة إنسانية حرجت به عن نطاق محلية الأوضاع في مصر إلي عامية وعمومية محن الإنسان في مجتمعاته المختلفة بفضل معالجته لقضايا وظواهر إنسانية عامة تتشابه كثيرًا في جوهرها مع قضايا وظواهر سائدة في كثير من المجتمعات والبيئات الأخري خارج مصر في دو في دول العالم الثالث عامة والدول الإسلامية والعربية بصفة خاصة. من بين القضايا والظواهر الإنسانية العامة التي يتناولها محفوظ في أدبه- قضية الصراع بين الدين والعلم(أولاد حارتنا،الشحاذ،ثرثرة فوق النيل، اللص والكلاب، حكاية بلا بداية ولا نهاية،الحرافيش وغيرها من بين الظواهر التي يتناولها ظاهرة مرور الزمن وأثره المدمر علي الحياة والأحياء (الباقي من الزمن ساعة) ، (أفراح القبة وغيرها








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تفاعلكم | أعمال فنية قادمة.. مسلسل جديد عن حياة محمد عبده وف


.. تفاعلكم | طالب مصري يثير جدلا واسعا لغنائه النشيد الوطني بال




.. الفنان نجيم بويزول -دائمًا حرّ- على طريق الموسيقى والسفر


.. الفنانة التونسية الفة بن رمضان احب الطرب الأصيل واحاول التجد




.. محمود حميدة من مهرجان وهران تكريم الفنانين حاليا تكريمات شك