الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ما المانع من الاعتراف بإسرائيل ؟!

حسن ميّ النوراني
الإمام المؤسِّس لِدعوة المَجْد (المَجْدِيَّة)

2006 / 12 / 23
القضية الفلسطينية


القضية التي طرحها مقال للكاتبة جميلة الشوا، تحت العنوان ذاته الذي أستخدمه، نشرته في "دنيا الوطن" الإليكترونية بتاريخ 21/12/06 ليست جديدة، وظلت منذ سنوات طويلة موضوعا لجدل عميق وعنيف بين تيارات فلسطينية وعربية وإسلامية وعالمية مختلفة في موقفها من مشروعية وجود دولة إسرائيل.. لكن الجديد في طرح الأستاذة جميلة، أنه يأتي في ظروف خلاف وطني فلسطيني حول تيارين يتركز خلافهما الرئيسي على الموضوع المطروح..
كذلك، ينتقل طرح الكاتبة بالقضية من مجال السياسة والعقيدة إلى مجال الثقافة.. والموقف الذي يتبناه طرح الكاتبة خطير لكونه يعتمد على تنظير ثقافي ديني، فالكاتبة لا ترى أن هناك مانعا دينا يمنع من الاعتراف بإسرائيل، فهي، وتكرارا لموقف علماء أزهريين كانوا قد دافعوا عن "سلام" الرئيس المصري السابق أنور السادات، "دفاعا دينيا"، تـُطوع مواقف دينية منسوبة للنبي محمد عليه الصلاة والسلام ولصحابة أجلاء منهم عمر بن الخطاب، للدفاع عن رؤيتها التي تحث على الاعتراف بإسرائيل، مع استدراكها، أن هذا الاعتراف، قابل للتراجع عنه، إذا تغيرت الظروف التي تحكم مرحلتنا الراهنة، والتي يؤكد الواقع أنها ليست لصالح "مطالبة الفلسطينيين والعرب والمسلمين بالحقوق التاريخية لهم في فلسطين"..
يثيرني أن تنطلق دعوة الرضوخ للواقع، من مثقفة.. أدرك أن فريق الواقعيين المؤيدين لأوسلو يضم مثقفين كثيرين تخلوا عن "الأمانة الروحية" التي يجب على المثقف الأصيل أن يلتزم بالأمانة تجاهها..
وأفهم أن "مثقفي أوسلو" تنكروا لأمانتهم الروحية، بسبب وهن أصاب مفاصلهم الفكرية تحت ضغوط إحباطات متراكمة، تكيفوا معها بخيانة الواجب مقابل "كراسي مدفوعة الثمن"!!
إن تنازل المثقف عن دوره الروحي في سياق حركة الإنسانية عار معيب..
والأستاذة جميلة مثل المثقفين الآخرين، لم تتنازل عن إيمانها بأن أرض فلسطين كلها حق لنا، ولكن الوهن أصابها كما أصاب كثيرين في مواجهة واقع "يهزمنا" ماديا.. لكنه لا ينبغي له أن يهزمنا روحيا..
ورفض الاستسلام لواقع يعمل لصالح دولة العدوانية الصهيونية، هو واجب المثقفين، المفترض فيهم، ولدوافع عقلانية أخلاقية، أنهم حملة الأمانة الوطنية والإنسانية.. لهذا السبب، أرفض أنا، ومن منطلق إيماني والتزامي، برؤيتي النورانية، الاعتراف بإسرائيل، باعتبار أن إسرائيل عدوان متواصل ضد الإنسان، يعود لأيديولوجيا منغلقة ضالة، ويحتمي بقوة دولية طامعة وعدوانية.. وإذا حازت العدوانية الصهيونية المنفتحة على العدوانية العالمية التي تقودها في الوقت الراهن الولايات المتحدة الأمريكية، على اعتراف من المثقفين، فإن معنى ذلك، الذي لا معنى سواه، أن الروح تنحدر إلى حضيض الإنسانية، بيد أن واجب الروح أن تغذي حركة الإنسان نحو حالة وجودية نورانية تتحرر من قانون الغاب القديم المتصل كما تترجمه العدوانية الصهيونية..
وحاولت الكاتبة الاستدلال بمواقف نبوية وأخرى للصحابة، بدت لها وكأنها تكيفات مع الواقع تصلح لتكون أساسا مقبولا لتكيف معاصر حيال القضية الفلسطينية يسمح بالاعتراف بإسرائيل.. لكن الأستاذة الكريمة، تغاضت عن حقيقة أن تكيفات استدلالاتها تدخل تحت عنوان "التكتيك" ولا ترقى لمستوى يسمح لها بالدخول تحت عنوان "الاستراتيجية" بلغة عصرنا..
تكيفات النبي والصحابة التي عددتها الكاتبة، كانت تصب في خدمة الهدف الاستراتيجي لنشر الإسلام.. ولم تكن ملزمة الزاما أخلاقيا أوقانونيا للأجيال التالية.. لذا كان من السهل على الخليفة الثاني عمر بن الخطاب أن يوقف العمل بما كان قد فعله النبي إزاء "المؤلفة قلوبهم" أو أن يعطل وقتيا العمل بحد السرقة في عام المجاعة، الذي لم يبطله الفقهاء في طول التاريخ الإسلامي، إلا إذا أوجبت الضرورة المعاشية العودة لتعطيله وقتيا من جديد، كما فعل عمر.. تكيفات النبي والصحابة مع تطورات زمنية لم تخرج عن إطار الدفاع عن الإسلام، بل صبت في هدف تعزيز قوة الإسلام..
الاعتراف "المرحلي" بإسرائيل، كما تقترح الكاتبة ليس من طبيعة تكيفات النبي والصحابة المرحلية.. في الحقيقة، لا مجال لاعتراف مرحلي بإسرائيل، لأن الطرف الإسرائيلي، لا يريد هذا الاعتراف، هو يريد اعترافا ملزما للأجيال القادمة.. أداة الاعتراف الملزم للأجيال القادمة، هو بإعادة صياغة الوعي الفلسطيني والعربي والإسلامي صياغة تكرس مفهوم الاعتراف، وتكرس ترجمته الواقعية على الأرض.. ولأن المثقف هو المسئول عن صياغة وعي الجماهير، فإن دعوة من مثقفة، للاعتراف، حتى ولو كان مرحليا، مسألة تثير القلق.. لماذا؟ لأنها تنتهك الأمانة الروحية.. لأنها تمهد وجدان الجماهير للقبول بفكرة الاعتراف، مرحليا كان أو أبديا.. قبول مثقف بالاعتراف المرحلي بعدوان، يمنح الجماهير فرصة للاعتقاد بأن الكلام في "محرم القبول بالعدوان" جائز، ويؤسس فيما بعد، لقبول فعلي استسلامي بالتنازل المحرم..
الأمر الأخطر، أن الكلام في القبول المرحلي للمحرمات، يخفي وراءه حقيقة أن الاعتراف المطلوب إسرائيليا يتطلب فرض وقائع على الأرض.. أخطر هذه الوقائع، هو التنازل عن حق اللاجئين في العودة لبلادهم التي أكرهتهم آلة الموت الصهيونية على الهجرة منها خلال حرب قيام دولة إسرائيل.. على الفلسطينيين أن يعودا فقط إلى مناطق تسوية أوسلو.. هذا ما تسمح به إسرائيل.. والهدف من وراء تسوية أوسلو، هو توطين اللاجئين في المناطق التي ستتركها إسرائيل للفلسطينيين في إطار اتفاق أوسلو، الذي لا يعترف بحق اللاجئين في العودة.. حتى المبادرة العربية للتسوية، ربطت حل قضية اللاجئين بالاتفاق بين الجانبين الإسرائيلي والفلسطيني عليها.. وفي ظل الواقع الذي اضطر فلسطينيي تسوية أوسلو، للتنازل عن 78% من أراضي فلسطين، سيضطر فلسطينيي الواقع بمنهج أوسلو، للقبول باتفاق على قضية اللاجئين يمنح إسرائيل أمنها الديمغرافي.. وكان الرئيس الفلسطيني السابق ياسر عرفات، قد أعلن بوضوح أن المطالبة بعودة اللاجئين لن تمس أمن إسرائيل الديمغرافي.. وأخطر سلاح يهدد وجود إسرائيل هو تغير الميزان الديمغرافي فيها لصالح الفلسطينيين..
هل يمكن لاقتراح الاعتراف المرحلي بإسرائيل، أن يبقى على الأفق مفتوحا أمام الفلسطينيين لاستعادة حقوقهم التاريخية التي قالت الأستاذة جميلة الشوا، أن المطالبه بها "الآن عبث"؟!
في رؤيتي النورانية: السكوت عن المطالبة بالحقوق التاريخية الشرعية خيانة لا تليق بمثقف، أيا كانت جنسيته أو هويته!!
ولوحظ أن الكاتبة حاولت الاستناد لقواعد فقهية منها قاعدة "جلب المنفعة ودرء الضرر"، ورأت أن الاعتراف "المرحلي" بإسرائيل يجلب منفعة، ويدفع ضررا.. في الحقيقة، إن الاعتراف المرحلي بإسرائيل، غير ممكن واقعيا، لأن إسرائيل ترفضه، وقبوله بشروط إسرائيلية، ومنها بالدرجة الأولى التنازل عن حق العودة، يجلب ضررا وعارا.. يعودان لانتصار مشروع عدواني سرطاني، يستهدف سلب حقوق الضعفاء في الأرض..
ثم إن استخدام الكاتبة، لقواعد تنظم الحياة الاجتماعية للمسلمين، للدفاع عن تسوية سياسية تتعلق بأرض يجمع المسلمون أنها ارض وقف، لا يجوز التنازل عنها، هو استخدام غير موفق، ومضلل للعامة.. وإذا جاز استخدامه، فإنه جائز بالطريقة الذي تستخدمه بها حركة حماس، استخداما أمينا دينيا وفقهيا علميا وسياسيا، لدى طرحها لفكرة "قيام دولة فلسطينية في الضفة الغربية بما فيها القدس الشرقية وقطاع غزة كاملة السيادة، دون اعتراف بإسرائيل، ولكن مقابل هدنة طويلة".
وتكشف الكاتبة عن مكنوها الذي حاولت إلباسه بأدلة دينية ونقاش عقلاني، بقولها: "وما الذي يمنع من أن تتحول الهدنة الطويلة إلى عملية اتفاق سلام كما طرحتها م.ت.ف ؟؟"..
المانع الذي تغاضى عنه الأستاذة جميلة هو الفارق بين طرح قيادة منظمة أوسلو، وطرح حركة حماس: اعتراف قيادة منظمة التحرير تنازل تاريخي عن حق اللاجئين في العودة واعتراف بمشروعية قيام دولة العدوانية الصهيونية في 78% من أراضي فلسطين.. ولكن هدنة حماس الطويلة، أمينة مع حقيقة أن فلسطين لأهلها العرب، وأمينة مع فهم واقع مرحلي لا يسمح بهزيمة المشروع الإسرائيلي على الأرض حاليا..
وكثيرا ما كان الشيخ أحمد ياسين مؤسس حركة حماس يردد: تحرير كامل فلسطين مسئولية الأجيال القادمة.. وأضيف: الأمانة الروحية التي يحمل المثقفون رايتها، تقتضي منا أن لا نكبل إرادة الأجيال القادمة عندما يتغير الواقع لصالح تدمير دولة إسرائيل.. حل "هدنة حماس الطويلة" لا تصادر إرادة تحرير فلسطين، من الأجيال القادمة، لكن تسوية أوسلو تفعل ذلك..
هل أدركتِ أيتها الكريمة جميلة الشوا: ما المانع من الاعتراف بإسرائيل ؟!
بقى أن أشير إلى أن كتابتي لهذا المقال، تمت استجابة لدعوة كريمة من الأختين جميلة ونورا دحلان.. لإثراء النقاش حول قضية مصيرية من الدرجة الأولى .. لجميلة ونورا وللقارئات والقراء جميعا بهجة الحب النوراني...








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ناشطون في كورك الأيرلندية ينظمون فعاليات دعما لفلسطين


.. كاميرا الجزيرة توثق استهداف الاحتلال سيارات الإسعاف في حي تل




.. الجيش الإسرائيلي يدمر منزلاً على ساكنيه في مخيم البريج


.. اليمين المتشدد في صعود لافت في بريطانيا قبل انتخابات يوليو ا




.. مرشح الإصلاحيين في إيران يتعهد بحذر بوقف دوريات الأخلاق