الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


عن الطوفان وأشياء أخرى (5)

محمود الصباغ
كاتب ومترجم

(Mahmoud Al Sabbagh)

2024 / 9 / 3
القضية الفلسطينية


إسرائيل كاستثناء والفلسطيني كمستباح
-أثناء إحدى زيارات أريئيل شارون لواشنطن دعاه جورج بوش جونيور لتفقد السياج الذي أقامته بلاده على حدودها مع المكسيك، شارحاً الأمر كمقارنة بما تقوم به إسرائيل في الضفة الغربية، ولما أنهى كلامه، ابتسم شارون وقال بهدوء: "ولكن لو كان جيراننا من المكسيكيين لما أقمنا مثل هذا السور "*
-أثناء احتدام "الصراع الانتخابي" بين نتنياهو وباراك، تفاخر هذا الأخير -في معرض انتقاده لأداء حكومة نتنياهو- بقتله، بأقل من أربع دقائق، ثلاثمئة فلسطيني.
جوهر موقف هذا وذاك هو ذاته الذي يجعل شخص مثل "المؤرخ الإسرائيلي" يوفال نوح هراري [تصفه "لوبوان" الفرنسية بأنه "أهم مفكر في العالم حالياً"؛ وكتبه تملأ المكتبات العربية ويستشهد به الكثير هنا وهناك]، يشرح لصحيفة يديعوت أحرونوت أن "الحملة في غزة لا تتعلق بمن يقتل المزيد من الناس، أو يدمر المنازل أو يأخذ المزيد من السجناء؛ أو حتى يحتل المزيد من الأراضي؛ بل بمن يقترب من تحقيق أهدافه السياسية" [ يعني هو يريد فوق كل هذا أن يكون هناك هدف سياسي يضاف إلى كل ما سبق، فما فائدة أن تفوز إسرائيل بجميع المعارك إن خسرت الحرب في نهاية المطاف].
حزين أدون هراري أن هجوم حماس تسبب في تخريب الاتفاق المتوقع بين إسرائيل السعودية والقضاء على فرص التطبيع المستقبلية، ولعل ما يضاعف حزنه غياب أي أفق سياسي إسرائيلي لهذه الحرب. وحزين أيضاً لتصاعد "كراهية إسرائيل في أذهان الملايين من الناس حول العالم" حتى في الديمقراطيات العربية "التي كانت صديقتنا لسنوات " كما يقول؛ ولا بأس من العزف -كالعادة- على وتر معاداة السامية. علماً أنه قبل مدة ليست ببعيدة (2028) "اعترف" بعدم خبرته في الشأن الإسرائيلي** حين ُسأل عن سلوك حكومته إزاء الفلسطينيين، لأن ليس هذا ما يؤرقه، بل ما يشغل باله، ويجعله يتقلب على جمر النار، مدى قدرة إسرائيل في الحفاظ على مكانتها التاريخية، باعتبارها "في طليعة التقدم التكنولوجي، ولكنها توجد في (المكان الخطأ) حيث تأخذ المنطقة اتجاهاً مغايراً مما يخلق -لإسرائيل- ضغوطاً وصعوبات جمّة "، رغم تصريحه بمعارضته "قانون القومية" في ذات الوقت الذي يرى في فلسطين "وطناً تاريخياً لليهود"، وفي ذات الوقت الذي يتضامن فيه مع البقر والحمير والدجاج وبقية أفراد المملكة الحيوانية ضد "وحشية الهوموسابيينيس"
-درس غزة وأثر الفراشة
يقال في الفيزياء، كما في الرياضيات، عن تحول نظام خطي مكون من ثلاثة متغيرات (أو أكثر) إلى نظام فوضوي chaotic ضمن جملة مقارنة وشرط تجريبي أساسي يحدد الشروط الابتدائية initial conditions إذا منحت هذه الشروط النظام درجة عالية من الحساسية تجعله عرضة للتأثر بأي تغيير مهما كانت قيمته وكميته بسيطة أو ضئيلة مما يؤدي إلى تحوله من نظام موجّه (بالمعنى الحتمي) إلى نظام فوضوي يصعب التنبؤ بسلوكه ومساره الزمني رغم معرفتنا المسبقة بشروطه الابتدائية ( المثال المجازي الشهير على هذا ما يعرف بـ " اثر الفراشة" أو "كرة الثلج".)
طيب.. ماذا يعني كل هذا؟
مهما بلغت شدة تأثير الوضع في غزة على المحيط، فهذا لا يعني أن ما يجري في فلسطين المحتلة وغزة الآن يرتبط بالوضع في سوريا.. إلا في عقول أصحاب التفكير البائس والساذج المؤمنين بنظرية المؤامرة. قد يجوز القول إن العدوان على غزة وتداعياته تعبير متطرف وفظ وتتويج لانتصار الثورة المضادة للربيع العربي.. قد يجوز هذا، غير أنه لا يفسر كل شيء. ما يحدث في فلسطين حلقة من حلقات مقاومة الاستعمار (لعلها الأخيرة)، وهي لا تعني بأي حال "تمرد" ضد مستبد ولا صراع أهلي داخلي بين خصوم سياسيين تحولوا إلى أعداء بطريقة ما..
وبصفتي سوري من فلسطين.. لا أرى، وقد أكون مخطئاً، علاقة بين ما يجري في فلسطين وما هو حاصل في سوريا، ومحاولة الربط بينهما ليس أكثر من تلوين أشكال الاهتمام بتفكير رغبوي وتشوّف و" أستذة" ليس في مكانها قطعاً (الأمثلة كثيرة هنا قد تحول النقاش إلى ردح).
مقاومة المحتل لا تتعارض مع مقاومة الاستبداد.. ولكل طرف معركته الخاصة التي يخوضها، ليس مطلوباً أن تقف على أرجل من خشب كي تعبر عن تضامنك أو انخراطك أو اشتباكك.. فإذا كنت معنياً بالمعركة.. أي معركة؛ عليك أن تخوضها وكفى، ضمن مصالحك وحساباتك الخاصة وليس حسابات ومصالح غيرك.
على مدى قرن ونيف من الصراع امتلك الفلسطينيون حساسية مفرطة تجاه عديد من المسائل، ليس لذكاء فطري خاص بهم بقدر ما فرضها ظرفهم الموضوعي. ومن غير المجدي تقليدهم، فالتقليد غير مريح هنا، فضلاً عن كونه عديم الفائدة.. (والأمثلة هنا أيضاً كثيرة)
الحرب الآن على فلسطين تمثل حالة نموذجية للإبادة الجماعية؛ كما ورد في صحيفة "نيويورك ديلي نيوز (28 تشرين الأول 2023) على لسان كريغ مخيبر المفوض السامي للأمم المتحدة لحقوق الإنسان الذي اعتبر أن ما يجري في غزة ليس سوى استكمال "المراحل النهائية من المشروع الاستعماري الاستيطاني الأوروبي القومي في فلسطين وهو يسير سريعاً نحو تدمير آخر ما تبقى من المعيش الفلسطيني الأصلي في فلسطين". وهذا يعني اعتماد إسرائيل على استراتيجية التدمير الهمجي كمقدّمة أولية لسياسات التطهير السكاني سواء بالقضاء عليهم أو ترحيلهم وتفريغ الأرض؛ فضلاً عن اعتباره تطويراً لمنظومة الأخلاق الاستعمارية بأثر رجعي لتثبيت القوة المؤسسة للحق، كهدف مركزي للعقلية الغربية الاستعمارية. ولا أحد يعلم أين وعلى من ستكون الحرب غداً. وحتى اللحظة لا أحد يستطيع معرفة كيف ولماذا صار ما صار.. وعدم المعرفة ليس عيباً أو جهلاً عدمياً.. بل، ربما، يكمن العيب والجهل في اختراع إجابات لا نملكها لأسئلة لا نملك معلومات عنها ... ما نعرفه هو أن المقاومة تخوض حربها منفردة (مثل كل مرة للأسف).. وقد تعددت ألوان المقاومة، بل حتى تبدلت ولكنها بقيت تقاوم المحتل.. تغير المقاومون وتغيرت أقوالهم لكن الأفعال بقيت تقاوم المحتل.. تبدلت البرامج وتغيرت حتى اللغة وبقي المقاوم يقاوم المحتل.. هكذا هي المقاومة، أو على الأقل هكذا ينبغي لها أن تكون.
لا بد من فهم ظروف وأوضاع وأوجاع الناس هناك قبل التحليق في أوهام فكرية تشبع أوهام نرجسية وغرائز سياسية وبرامج مدفوعة الأجر.
"الحرب هي الحرب، ولن تجد في البشر إنساناً صالحاً إلا الموتى منهم.... و الحياة هي الحياة بكل ما فيها من شقاء؛ سواء شُيّدت الطاحونة أم لم تُشيّد" على حد قول جورج أورويل
.......
* الشيء بالشيء يذكر، لطالما كان شارون يردد في جلساته الخاصة والحميمية عبارة (الدجاجة المنتوفة plucked chicken) في سياق وصفه لمقاول الاحتلال الأمني عزيزي الرئيس محمود عباس.
**للمزيد عن وجهة نظر هراري، انظر https://arabi21.com/story/1130077/%D8%A7%D9%84%D8%A5%D8%B3%D8%B1%D8%A7%D8%A6%D9%8A%D9%84%D9%8A-%D9%8A%D9%88%D9%81%D8%A7%D9%84-%D9%87%D8%B1%D8%B1%D9%8A-%D9%8A%D9%81%D9%82%D8%AF-%D8%B9%D9%82%D9%84%D8%A7%D9%86%D9%8A%D8%AA%D9%87-%D8%B9%D9%86%D8%AF-%D8%B3%D8%A4%D8%A7%D9%84%D9%87-%D8%B9%D9%86-%D9%81%D9%84%D8%B3%D8%B7%D9%8A%D9%86








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مراسلة العربية: غارة على تحويطة الغدير في ضاحية بيروت الجنوب


.. رسالة من مواطن أردني لخالد مشعل: قاعد بتنظر علينا.. عيب عليك




.. -الله لا يكسبك يا نتنياهو-.. صرخة طفل فقد والده في قصف إسرائ


.. جنود الجيش السوداني يستعرضون غنائم من قوات الدعم السريع في ج




.. الهدوء الحذر يسود منطقة الضاحية الجنوبية لبيروت بعد غارات في