الحوار المتمدن
- موبايل
الموقع
الرئيسي
رسالة إلى التروتسكيين الأمريكيين
ليون تروتسكي
2024 / 9 / 3الارشيف الماركسي
بمناسبة ذكرى اغتيال القائد الشيوعي العظيم ليون تروتسكي، والتي مرت علينا منذ عشرة أيام، ننشر تلك الرسالة الهامة التي كتبها إلى التروتسكيين الأمريكيين عام 1929 من منفاه في تركيا بعنوان: “رسالة إلى التروتسكيين الأمريكيين”. والتي يتناول فيها العديد من الجوانب التنظيمية الهامة، حيث يقدم لهم نصائح سياسية وتنظيمية شديدة الأهمية، ونرى أنها لا تزال شديدة الراهنية للماركسيين في العالم اليوم، وندعو كل قراءنا للتمعن فيها دراستها بعناية.
إلى البلاشفة اللينينيين الأمريكيين
هيئة تحرير صحيفة The Militant ( المناضل)
أصدقائي الأعزاء:
أتابع صحيفتكم باهتمام كبير ويسعدني رؤية روحها النضالية. إن تاريخ نشأة المعارضة الأمريكية بحد ذاته ذو طابع مميز وتعليمي. فبعد خمس سنوات من النضال ضد المعارضة الروسية، تطلب الأمر سفر أعضاء من اللجنة المركزية للحزب الأمريكي (الحزب الشيوعي – المحرر)، بل وأعضاء من المكتب السياسي، إلى مؤتمر في موسكو وذلك لكي يكتشفوا لأول مرة ما يسمى بـ “التروتسكية”. هذه الحقيقة الوحيدة هي إدانة دامغة ضد النظام البوليسي للحزب والتزييف المسموم. لم يؤسس لوفستون وبيبر هذا النظام ولكنهما ضابطا أركان فيه. لقد أدنت لوفستون بالتزوير الأيديولوجي الكريه (انظروا كتابي “أوروبا وأمريكا”). في ظل نظام عادي إلى حد ما كان هذا وحده كافيا لدفن الرجل لفترة طويلة، إن لم يكن للأبد، أو على الأقل لحمله على الاعتراف والتراجع. لكن في ظل النظام الحالي، ولإعادة تعزيز مواقفهم، لا يحتاج اللوفستونيون إلا أن يكرروا بعناد التزييف الذي تم فضحه. وهم يفعلون ذلك بوقاحة تامة تقليدا لرؤسائهم. إن روح لوفستون وبيبر تتعارض بشكل جوهري مع روح الثورة البروليتارية. هذا الانضباط الذي نسعى نحوه -ونحن نسعى نحو انضباط حديدي- لا يمكن أن يقوم إلا على قناعات مكتسبة بوعي دخلت في اللحم والدم.
لم تتح لي الفرصة للتواصل الوثيق مع العناصر القيادية الأخرى في الحزب الشيوعي الأمريكي، باستثناء فوستر بالطبع. لقد بدا لي فوستر دائما أكثر موثوقية من لوفستون وبيبر. كانت انتقادات فوستر للقيادة الرسمية للحزب تتسم دائما بالكثير من الحقيقة والحدة. ولكن بقدر ما أفهمه، فإن فوستر هو تجريبي. فهو لا يريد، أو لا يستطيع، أن يمضي بتفكيره إلى النهاية وأن يبني على أساس انتقاداته التعميم الضروري. لهذا السبب، لم يكن واضحا لي أبدا إلى أي اتجاه سوف تقود انتقادات فوستر: هل ستدفعه نحو اليسار أم نحو اليمين بالمقارنة مع التوجه الرسمي الوسطي للحزب. يجب أن نتذكر أنه إلى جانب المعارضة الماركسية هناك معارضة انتهازية (براندلر، ثالهايمر، سوفارين وغيرهم). ويبدو أن هذه التجريبية نفسها تقترح على فوستر الشكل الكامل لنشاطه، والذي يتكون من الكفاح ضد الشيطان الصغير بدعم من الشيطان الأكبر. يحاول فوستر أن يخفي نفسه تحت غطاء دفاعي من الستالينية لكي يتسلل عبر هذا الطريق غير المشروع نحو قيادة الحزب الأمريكي. في السياسة الثورية، لم تسفر لعبة الاختباء عن نتائج جدية حتى الآن. بدون موقف مبدئي عام بشأن المسائل الأساسية للثورة العالمية، وقبل كل شيء بشأن مسألة الاشتراكية في بلد واحد، لا يمكنك تحقيق انتصارات ثورية دائمة وجدية. يمكن فقط تحقيق نجاحات بيروقراطية، مثل ستالين. ولكن هذه النجاحات المؤقتة تُدفع بثمن هزيمة البروليتاريا وتفكك الكومنترن. لا أعتقد أن فوستر سيحقق حتى تلك الأهداف من الدرجة الثانية التي يسعى لتحقيقها، لأن أتباع لوفستون و بيبر هم أفضل من يستطيعون تنفيذ سياسة المركزية البيروقراطية التي لا تحمل أي طابع حقيقي، وهم مستعدون لأن يقوموا في أربع وعشرين ساعة بتنفيذ أي انعطاف مهما كان وفقا للضرورات الإدارية للنخبة الستالينية.
للعمل الذي يجب أن تنجزه المعارضة الأمريكية أهمية تاريخية وأممية، لأن كل مشاكل كوكبنا ستُحسم، في التحليل التاريخي النهائي، على الأراضي الأمريكية. هناك الكثير ممن يدعمون فكرة أن أوروبا والشرق، من منظور النظام الثوري، يتقدمان على الولايات المتحدة. لكن من الممكن أن يتغير تسلسل الأحداث بحيث ينكسر هذا الترتيب لصالح البروليتاريا الأمريكية. وعلاوة على ذلك، حتى إذا افترضنا أن أمريكا التي تهز العالم الآن ستكون آخر من يُهَز، يبقى الخطر أن تجد وضعية ثورية في الولايات المتحدة طليعة البروليتاريا الأمريكية غير مستعدة، كما كان الحال في ألمانيا عام 1923، وفي إنجلترا عام 1926، وفي الصين من 1925 إلى 1927. يجب ألا نغفل ولو للحظة عن حقيقة أن قوة الرأسمالية الأمريكية تعتمد بشكل متزايد على الاقتصاد العالمي بكل تناقضاته وأزماته، العسكرية والثورية. هذا يعني أن الأزمة الاجتماعية في الولايات المتحدة قد تأتي في وقت أقرب بكثير مما يعتقد الكثيرون، وقد تتطور بسرعة من البداية. لذلك، من الضروري الاستعداد.
بقدر ما أستطيع الحكم، فإن حزبكم الشيوعي الرسمي قد ورث العديد من الخصائص من الحزب الاشتراكي القديم. اتضح لي ذلك عندما نجح بيبر في جر الحزب الشيوعي الأمريكي إلى المغامرة الفاضحة مع حزب لافوليت. كانت هذه السياسة الانتهازية البرلمانية الدنيئة مغطاة بثرثرة ’’ثورية’’ تدعي أن الثورة الاشتراكية في الولايات المتحدة ستتحقق ليس بواسطة البروليتاريا، بل بواسطة المزارعين المفلسين. وعندما شرح لي بيبر هذه النظرية عند عودته من الولايات المتحدة، ظننت أنني أتعامل مع حالة فردية غريبة من الانحراف. فقط بعد بعض الجهد أدركت أن هذا يمثل نظاما كاملا، وأن الحزب الشيوعي الأمريكي قد انجرف في هذا النظام. عندها أصبح واضحا لي أن هذا الحزب الصغير لا يمكنه التطور دون أزمات داخلية عميقة تضمن له الحماية من البيبرية وغيرها من الأمراض الخبيثة. لا أستطيع أن أسميها أمراضا طفولية. على العكس، هذه أمراض الشيخوخة، أمراض العقم البيروقراطي والعجز الثوري.
لهذا السبب أعتقد أن الحزب الشيوعي قد تبنى العديد من خصائص الحزب الاشتراكي القديم، الذي على الرغم من شبابه، كان يبدو لي وكأنه في حالة شيخوخة. بالنسبة لغالبية هؤلاء الاشتراكيين -وأعني الشريحة القيادية- تعتبر الاشتراكية بالنسبة لهم مسألة ثانوية، مهمة من الدرجة الثانية يمارسونها في أوقات فراغهم. يكرس هؤلاء السادة ستة أيام في الأسبوع لمهنهم الليبرالية أو التجارية، ويزيدون ثرواتهم بنجاح، وفي اليوم السابع يخصصون وقتا لتخليص أرواحهم. في كتاب مذكراتي (حياتي – المحرر)، حاولت رسم ملامح هذا النوع من الاشتراكيين من نوع “بابيت”[1]. من الواضح أن العديد من هؤلاء السادة قد نجحوا في التنكر على صورة شيوعيين. هؤلاء ليسوا خصوما فكريين، بل إنهم أعداء طبقيون. يجب على المعارضة أن توجه مسارها ليس نحو “بابيت” البرجوازي الصغير، بل نحو “جيمي هيغينز”[2] البروليتاري، الذي تصبح فكرة الشيوعية بالنسبة له، بمجرد أن يتشربها، جوهر حياته ونشاطه بالكامل. لا يوجد شيء أكثر إثارة للاشمئزاز والخطر في النشاط الثوري من الهواة البرجوازيين الصغار، المحافظين، الأنانيين، المحبين للذات، والعاجزين عن التضحية في سبيل فكرة عظيمة. يجب على العمال المتقدمين أن يتبنوا قاعدة بسيطة ولكنها ثابتة: القادة أو المرشحون للقيادة الذين لا يستطيعون في الأوقات العادية والتقليدية التضحية بوقتهم وطاقتهم ومواردهم من أجل قضية الشيوعية، غالبا ما يصبحون في فترات الثورة خونة مباشرين أو ينضمون إلى معسكر المنتظرين ليروا من سينتصر. إذا تولت هذه العناصر قيادة الحزب، فإنها ستدمره بلا شك عند مجيء الاختبار العظيم. وليس أفضل منهم هؤلاء البيروقراطيون الأغبياء الذين يؤجرون أنفسهم للكومنترن كما يفعلون مع كاتب عدل، ويتكيفون بطاعة مع كل رئيس جديد.
بطبيعة الحال، قد يكون للمعارضة -أي البلشفية اللينينية- رفاق نصف الطريق الذين يقدمون هذه الخدمة أو تلك لقضية الشيوعية دون أن يهبوا أنفسهم بالكامل للثورة. سيكون من الخطأ بالطبع عدم الاستفادة منهم. يمكنهم أن يقدموا مساهمة كبيرة في العمل. ولكن يجب ألا تكون لهؤلاء الرفاق، حتى الأكثر صدقا وجدية من بينهم، أي تطلع لاحتلال مناصب القيادة. يجب أن يرتبط القادة في جميع أعمالهم اليومية بمن يقودونهم. يجب أن يسير عملهم أمام أعين الجماعة، مهما كانت تلك الكتلة صغيرة في لحظة معينة. إنني لن أدفع سنتا واحدا مقابل قيادة يمكن استدعاؤها ببرقية من موسكو، أو من أي مكان آخر، دون أن تلاحظها الجماهير. مثل هذه القيادة تعني الإفلاس المضمون مسبقا. يجب علينا أن نوجه مسارنا نحو الشباب البروليتاري الراغب في المعرفة والنضال، والقادر على الحماس والتضحية بالنفس. من هؤلاء الأشخاص يجب أن نجتذب ونثقف الكوادر الحقيقية للحزب والبروليتاريا.
يجب أن يكون كل عضو في منظمة المعارضة ملزما بأن يكون مشرفا على العديد من العمال الشباب، الفتيان الذين تتراوح أعمارهم بين 14 و 15 عاما، والبقاء على اتصال مستمر معهم، ومساعدتهم في تعليمهم الذاتي، وتدريبهم على مسائل الاشتراكية العلمية، وتعريفهم بشكل منهجي بالسياسة الثورية للطليعة البروليتارية. يجب على المعارض الذي هو نفسه غير مستعد بشكل كاف لمثل هذا العمل أن يسلم البروليتاريين الشباب الذين كسبهم إلى رفاق أكثر تطورا وخبرة. نحن لا نريد أولئك الذين يخافون من العمل الشاق. إن الانتماء إلى البلاشفة الثوريين يفرض التزامات. وأول هذه الالتزامات هو النضال من أجل كسب الشباب البروليتاري، وفتح الطريق أمام الشرائح الأكثر اضطهادا وتهميشا منهم. هؤلاء هم الذين يجب أن يقفوا أولا تحت رايتنا.
إن البيروقراطيين النقابيين، مثلهم مثل بيروقراطيي الشيوعية الزائفة، يعيشون في جو من التحيزات الأرستقراطية للشرائح العليا من العمال. يجب علينا ليس فقط رفض وإدانة هذه التحيزات، بل يجب علينا أن نستأصلها تماما من وعينا حتى آخر أثر. يجب أن نجد الطريق إلى أكثر الشرائح حرمانا واضطهادا في البروليتاريا، بدءا من الزنوج الذين حولهم المجتمع الرأسمالي إلى منبوذين، والذين يجب أن يتعلموا أن يروا فينا إخوتهم الثوريين. وهذا يعتمد كليا على طاقتنا وتفانينا في العمل.
أرى من رسالة الرفيق كانون أنكم تنوون إعطاء المعارضة شكلا أكثر تنظيما. لا يسعني إلا أن أرحب بهذه الأخبار. وهذا يتبع بالكامل خط وجهات النظر الموضحة أعلاه. في العمل الذي تقومون به، يكون التنظيم الجيد ضروريا. إن غياب العلاقات التنظيمية الواضحة ينتج عن الارتباك الفكري أو يؤدي إليه. إن الصراخ حول حزب ثانٍ وأممية رابعة هو مجرد أمر سخيف، وينبغي أن يكون آخر ما يوقفنا. نحن لا نماهي الأممية الشيوعية بالبيروقراطية الستالينية، أي بالهرمية المدمرة مثل بيبر بدرجاته المختلفة من الانحطاط. توجد في أساس الأممية الشيوعية مجموعة محددة من الأفكار والمبادئ، والخلاصات المستمدة من النضال الكامل للبروليتاريا العالمية. نحن، المعارضة، نمثل هذه المجموعة من الأفكار. سندافع عنها ضد الأخطاء والانتهاكات الفظيعة في المؤتمرين الخامس والسادس، وضد الجهاز المغتصب للوسطيين، الذين في أحد جوانبهم ينضمون بالكامل إلى صفوف الترميدوريين. من الواضح لأي ماركسي أنه، رغم الموارد المادية الهائلة للجهاز الستاليني، فإن الفصيل الحاكم الحالي للأممية الشيوعية ميت سياسيا ونظريا. راية ماركس ولينين في أيدي المعارضة. ولست أشك في أن الفرقة الأمريكية من البلاشفة ستحتل مكانا جديرا تحت تلك الراية.
مع التحايا القلبية باسم المعارضة،
ل. تروتسكي
اسطنبول، مارس 1929
ترجم عن أرشيف الماركسيين:
A Letter to the American Trotskyists
الهوامش:
[1] “بابيت”: إشارة إلى جورج ف. بابيت، بطل رواية “بابيت” للكاتب سنكلير لويس، الذي يمثل البرجوازي الصغير المهتم بالمظاهر الاجتماعية والمادية بدون عمق فكري أو التزام حقيقي (إضافة المترجم).
[2] “جيمي هيغينز”: إشارة إلى شخصية خيالية من رواية “جيمي هيغينز” للكاتب أبتون سنكلير، التي تمثل العامل البسيط المخلص للحركة العمالية والشيوعية، والذي يعيش الشيوعية كجزء أساسي من حياته (إضافة المترجم).
|
التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي
.. حكومة فرنسا تسقط وماكرون في مأزق.. اليمين المتطرف يحكم البلد
.. الندوة المنظمة من طرف قطاع المحاماة التابع للحزب بعنوان القا
.. فصائل المعارضة السورية تكشف شبكة أنفاق لحزب العمال الكردستان
.. الرفيق رشيد حموني، في برنامج -مباشرة معكم- لمناقشة القانون ا
.. الشرطة الكورية الجنوبية تمنع مسيرة احتجاجية تطالب باستقالة ا