الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


على الطريق بوش .. خير خلف لصدام

طلال سلمان

2003 / 7 / 5
اخر الاخبار, المقالات والبيانات


قد يكون من نعم الله على الشعوب المستضعفة أن الإدارة الأميركية بزعامة جورج و. بوش تتميّز بغباء نادر المثال من شأنه أن يقصّر في عمر هذه الإمبراطورية التي يدفعها غرور القوة لأن تكون إمبريالية جديدة تطمع بأن تضع يدها على العالم بشرقه وغربه وشماله وجنوبه جميعاً.
بفضل هذا الغباء المعزز بتضخم عقدة القوة المطلقة فقدت الإدارة الأميركية أقرب حلفائها إليها واصطدمت بالكثير من أصدقائها المحتملين واستعدت المحايدين فلم يتبقّ إلى جانبها إلا <<بيت الخبرة>> البريطاني، يبيعها بالثمن من كنوز معرفته <<بالعالم القديم>>، بدءاً من أوروبا العتيقة إلى هذه المنطقة التي فيها بدأ التاريخ الإنساني.
وبفضل هذا الغباء الذي يستولد التبسيط الفاضح للمسائل المعقدة، ويغري بالاستهانة بالآخرين، أمماً وشعوباً وأدياناً وعقائد ومصالح، فليس من المبالغة في شيء أن يجري الحديث عن الاحتلال الأميركي للعراق على أنه أمر عارض وطارئ على تاريخ هذا البلد العربي العريق، وعلى أنه <<مغامرة عسكرية>> باهظة الكلفة سياسياً، وثقيلة الخسائر بشرياً، وقصيرة الأمد زمنياً.
لنترك حديث <<المقاومة الشعبية الشاملة>> للاحتلال الأميركي إلى موعد آخر، ولنركّر على بعض الأمثلة الفاقعة عن هذا <<الغباء البوشي>> النادر المثال:
1 في الطريق إلى الحرب التي لم تستطع هذه الإدارة تبريرها، جدياً، ولا هي استطاعت أن تشرّعها دولياً، استعدى جورج بوش شعوب العالم جميعاً واستفزها، فتجاوزت مقتها لنظام صدام حسين الدكتاتوري، ووقفت ضد <<الإمبريالية الأميركية>> بأعلى صوتها وبأكثف جماهيرها التي كانت قد غادرت الشوارع منذ عقود طويلة، ربما منذ حرب فيتنام.
2 ومع النصر العسكري السهل الذي تحقق لهذه الإدارة بفضل تهاوي ذلك النظام الدكتاتوري، الجبار على شعبه المهزوم في كل مواجهة عسكرية، تصرف جورج بوش وإدارته برموزها الإمبريالية الأشد بشاعة (رامسفيلد، مثلاً) بغرور الفاتح القاهر، بل لقد أعطى نفسه التفويض للنطق باسم شعب العراق بينما دباباته تقتحم مدنه وقراه وعسكره يعتقل الآلاف من الرجال ويرميهم في معسكرات صحراوية كأسرى حرب، بينما الملتحقون بعسكره من الرعاع والمأجورين ينهبون المتحف الذي يضم أغلى كنوز التاريخ الإنساني ويحرقون دار الكتب الوطنية التي تحتوي على ابدع نتاج العبقرية العربية، علوماً وشعراً وأدباً، فضلاً عن الوثائق الرسمية للدولة العراقية.
3 بغرور الفاتح القاهر أحلت هذه الإدارة نفسها محل الطاغية المخلوع وعاملت العراقيين وكأن لا رأي لهم في شؤون حاضر بلادهم ومستقبلها، فمن اطاع سلم والسيف لمن عصى!
وكان بديهياً ان يرفض العراقيون <<صدام الأميركي>> كبديل من صدام التكريتي، وان يحاولوا وبوسائل التعبير المتاحة ان يؤكدوا رفضهم للوصاية، خصوصاً ان غباء الإدارة البوشية جعلها تفضح طمعها بسرعة الضوء فإذا نفط العراق هو الهدف وليس <<الحرية لشعب العراق>>، وإذا تمكين الشركات الأميركية العملاقة من احتكار عقود <<إعادة إعمار العراق>> هو الغاية وليس بناء مؤسسات الدولة الحديثة في أرض الرافدين.
4 و مع اعلان الجائزة المبهرة، خمسة وعشرون مليون دولار لمن يقبض على صدام حسين أو يرشد إليه، وخمسة عشر مليون دولار لمن يقبض على أحد ولديه عدي أو قصي أو يرشد إلى أي منهما، بلغ غباء هذه الإدارة حده الأقصى إذ كشفت كم هي تحتقر شعب العراق وكم تستهين بكرامة العراقيين والعراقيات.
لكأن كل المآسي التي أنزلها الطاغية بالعراقيين، وبين مظاهرها الأولية المقابر الجماعية، وقتل الأحياء نسفاً، وتقطيع الأوصال، ودفن الرجال والنساء أحياءً، والمجازر التي لا حصر لها والتي لم يوفر فيها سلاحاً من أسلحة التدمير الشامل (الكيماوي، والقصف المركز للتجمعات بواسطة الحوامات والمدفعية والدبابات الخ)...
لكأن كل ما الحقه الطاغية من مهانة بالعراقيين في حقوقهم المادية في خير بلادهم، أو في حقوقهم السياسية في إثبات حضورهم ومشاركتهم في القرارات المصيرية التي تتعلق بها سلامة دولتهم وحياتهم كمواطنين،
لكأن ذلك كله لا يكفي لخلع صدام حسين من صدور العراقيين، ولا يمكن لكراهيته في قلوبهم، ولتحرّقهم إلى الشعور بالأمان بعد التخلص منه، بل لا بد من رشوة معلنة، تحول الوطني إلى واش وتشوه سمعة المناضل إذ تجعله مخبراً عند القوة المحتلة للأرض والمصادرة للقرار الوطني..
5 من الطبيعي ان تستخدم الامبريالية الجديدة الاساليب ذاتها التي سبق ان اعتمدها الاستعمار القديم وأشهرها <<فرِّق تسد>>، وهكذا لجأت الادارة البوشية الى التعامل مع العراقيين كطوائف ومذاهب وقوميات واعراق، لم يكونوا ابداً شعباً واحداً، والاخطر انهم لن يكونوا اليوم او بالاخص غداً شعباً واحداً في
دولة واحدة لها هويتها الطبيعية النابعة من ارضها وتاريخ اهلها فيها.
6 ومن الطبيعي، ايضاً، ان تستفز عمليات المقاومة، كائناً من كان من يقوم بها، جورج و. بوش ذاته، فيلجأ الى تعبير <<العدو>> في توصيفها، مما يجعل خيار العراقيين محدَّداً: انت مع الاحتلال ام مع عدوه! وبديهي ان <<اعداء>> صدام حسين انفسهم لن يقرروا بهذه البساطة ان يجهروا بصداقتهم للاحتلال.
المقاومة الجدية للاحتلال في العراق لم تبدأ بعد.
ان العراقيين يحتاجون، اضافة الى الظروف الموضوعية، زمناً يفيقون خلاله من كابوس صدام، ويستعيدون وعيهم بماجرى لهم في بلادهم، ثم يقررون كيف واين ومتى وبأي سلاح يواجهون الاحتلال الذي يتصرف وكأنه <<خير خلف لخير سلف>>!
على ان المقاومة الفعلية حين تولد وتتكامل نمواً وتباشر عملها الجهادي لتحرير وطنها، ستكون <<مدينة>> للاحتلال الاميركي بانه قد عجل في ولادتها، وبانه قد يسر لها اسباباً عملية للتواصل والتكامل واستعادة الوحدة الوطنية التي عمل فيها <<صدام>> تخريباً على امتداد ثلث قرن، والتي قد يقدَّر لها ان تولد على يدي <<داية>> اميركية متميزة بالتقنية العالية والغباء العالي..
لقد اختار صدام حسين وريثه، حقاً..
وها هو الوريث يكمل مهمة المورث.. لكن الزمان اختلف تماماً، والتماثيل المتهاوية تقدم صورة للمستقبل القريب وليس فقط للماضي القريب: فالطاغية هو الطاغية... فكيف إذا كان اسمه جورج و. بوش؟!
 








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. إسرائيل تخرج من قائمة أكثر 10 دول تفضيلاً لأصحاب الملايين |


.. قتلى فلسطينيون جراء قصف إسرائيلي على الطريق التجاري في رفح




.. كأس أمم أوروبا: فرنسا تفوز على النمسا بصعوبة وتخسر خدمات مبا


.. هوكستين يشدد على ضرورة إنهاء النزاع بين حزب الله وإسرائيل بط




.. ما الرسائل العسكرية من مشاهد حزب الله لمواقع عسكرية وبنى تحت