الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


القطاع الخاص والخصخصة في الصناعة النفطية 3من6

حمزة الجواهري

2006 / 12 / 23
الادارة و الاقتصاد


مثال دول الخليج :
ربما يعتقد المرء أن هذا النموذج غير مناسب، هذا صحيح بما يتعلق بالامتيازات النفطية التي مازالت سارية المفعول، ولكن بما يتعلق بالصناعة الخدمية المصاحبة للصناعة النفطية وباقي القطاعات الاقتصادية، فهي متطورة وتشبه إلى حد بعيد ما نطمح له، حيث إن وجود قطاع وطني خاص يساهم في الصناعة النفطية أمر درجت عليه جميع الأنظمة الحديثة بدون استثناء، وقد أثبت هذا القطاع وجوده وجدارته في السنوات الأولى التي بدأت فيها دولة الإمارات، على سبيل المثال، من خلال مشاركته مع الشركات العالمية الباحثة دائما عن أسواق لتصريف بضاعتها، سواء كانت تكنولوجيا أو بضاعة معرفية في مجالات مختلفة، لذا نجد أن الشركات الوطنية الخاصة قد بدأت بالعمل من يومها الأول في هذه الدولة واكتسبت خبرات واسعة في مجالات عملها، حتى أنها اليوم تستطيع أن تنافس الدول الكبرى في هذا المجال، هذا فضلا عن تقديمها خدمات على مستوى المحيط الإقليمي، وقد استطاعت بعض الشركات أن تنافس الأمريكية في أمريكا، وحصلت إحداها على عقد خدمة لإدارة الموانئ الأمريكية، وهذه الشركة الخدمية نفسها قد استطاعت أن تنافس الشركات الآسيوية أيضا وتفوز بعقد لإدارة الموانئ السنغافورية، واستطاعت شركات خدمية أخرى في مجال النفط، أن تعمل تحديدا في مجال "التدخلات في الآبار" من الحصول على عقود في أوربا، وكان العراق من أول المستفيدين من خدماتها وكذلك إيران وباكستان وسوريا والسودان وليبيا وغيرها من دول المنطقة، ذلك أن هذه البلدان كانت ومازالت تنهج نهج الدولة العراقية قبل سقوط النظام الدكتاتوري، حيث أبقت هذه الصناعة كما أسلفنا بعيدة عن أعين شعوبها وأيديهم إلا بالقدر الذي هم يحددوه. بالمقابل نجد في دول الخليج الأمر معكوسا، وأن آخر أزمة كانت بين الحكومة والبرلمان في الكويت تتمثل بمساهمة الشركات المحلية بتطوير الحقول الشمالية فيها، حيث الشركات كانت تطالب بشدة أن تكون هي التي تأخذ على عاتقها مسألة التطوير وليس الاستثمارات الأجنبية، لكن الحكومة كانت مصرة على أن يكون للاستثمار الأجنبي الدور الأول في عملية التطوير، وأن عقود المشاركة بالإنتاج يجب أن تمنح للشركات الأجنبية، العائدة للدول الكبرى، تحديدا أمريكا، لأسباب سياسية بحتة، وذلك كون الحقول الشمالية فيها الكثير من الحساسية مع الجارة الكبرى العراق، وأن معظم هذه الحقول مشتركة بين البلدين ولم يحسم أمرها بشكل قطعي، لذا فإن الدولة كانت تبغي من وراء مشاركة الأمريكان وإعطائهم حصة من النفط، تعزيزا لموقفها مع العراق، الضعيف أمام الأمريكان حاليا. فلو لم تكن الشركات الوطنية الكويتية بهذه القوة والجدارة لما استطاعت أن تضع الحكومة في هذا المأزق الحرج، وحسب علمي، هي بالفعل كفء لذلك. صحيح أن المسألة قد حلت داخليا، لكن المؤكد هو أن شركات القطاع الخاص الوطنية هي التي ستقوم بمهمة التطوير عمليا لصالح الشركات الغربية، وذلك من خلال عقود الخدمة، لأن الشركات الغربية سوف لن يكون لها أكثر من مكتب بسيط تقوم من خلاله بالتنسيق وإدارة مشاريع التطوير التي عهدت لها، وهذا ما نستطيع أن نفعله في العراق بالضبط، أي إننا نستطيع أن نسارع بإشراك القطاع الخاص في عمليات التطوير وأن يكون هو الرائد في هذه العملية وما على الدولة سوى أن تفتح مكتبا بسيطا كما تفعل الشركات الغربية في الكويت لتدير من خلاله عمليات التطوير، وحتى لو لم يكن لدى الدولة من هو مؤهل لمثل هذه المهمة، فإنها تستطيع أن تستقدم شركات استشارية أجنبية، أو محلية بمشاركة أجنبية، لتؤدي الدور بدلا منها، أما باقي الشركات الخدمية العائدة للقطاع الخاص فإنها تستطيع العمل منذ اليوم الأول لتأسيسها ولا تحتاج إلى وقت طويل لتكون فاعلة، لأن الخبرة الأجنبية سوف تجنبها جميع المشقات والسفر الطويل من أجل اكتساب المعرفة اللازمة لتأدية عملها.
ملاحظات هامة:
وهنا لي بعض الملاحظات سجلتها عن التجربة الخليجية التي عشتها فترة طويلة جدا قبل المضي في الموضوع إلى نهايته، القصد هنا التجربة المتعلقة بخلق قطاع خدمي واسع يخدم من حيث الأساس القطاع النفطي ويقدم خدماته للقطاعات الأخرى.
حقيقة هذه التجربة الغنية لا يمكن اختصارها بهذه العجالة فهي بحاجة إلى كتاب وها ما أسعى له، لكي تكون الدراسة واسعة ومتكاملة الجوانب، أرجو أن أتمم هذا العمل بأقرب وقت ممكن. لكن يمكن تلخيص التجربة بالنقاط التالية، مركزا على الأهمية والأسس التي يقام على أساس منها القطاع الخدمي الخاص:
ملاحظات عامة وذات أهمية خاصة:
• ملاحظة مهمة هنا يجب الانتباه لها، وهي أن هذا الأسلوب في التطوير معمول به في العالم أجمع، وحتى لو تم منح شركة ما عالمية عقد مشاركة بالإنتاج من أجل التطوير، فإن هذه الشركة سوف لن تقوم بأكثر مما تعمله الحكومة من خلال مؤسسة المشاريع النفطية ذات الخبرة الواسعة والشبه معطلة حاليا، أو بيوت الخبرة التي تراكمت لديها الخبرات بإدارة المشاريع على اختلاف أنواعها، أما تلك المتخصصة في الصناعة النفطية فهي التي تعنينا في هذا البحث، هذه الشركات يجب استقدامها من الخارج في الفترة الأولى للتعرف على الأساليب الحديثة في مجال إدارة المشاريع العملاقة.
• ومن الملاحظ أيضا أن الشركات العالمية التي يراد لها أن تدخل كشريك في الإنتاج مقابل القيام بالتطوير فإنها سوف تحتاج إلى هذه البيئة الخدمية المتخصصة للبدء بالتطوير، وفي حال عدم توفر قطاع وطني خاص يقدم هذه الخدمات، فإنها سوف تستقدم هذه الشركات من الخارج وتطلب منها هذه الخدمات، وهذا يعني أن الكلف ستكون عالية جدا، ربما عشرة أضعاف الكلف التي يجب أن تقدمها للشركات الوطنية الخاصة في حال وجودها في البلد، وهذا يعني أيضا أنها ستطلب نسبة عالية جدا كحصة لها من خلال عقود المشاركة بالإنتاج، فيما لو رضخ العراقي وأجبر على القبول بهذا النوع من العقود لأنه يعيش تحت تأثير الحالة، أي حالة الفلتان الأمني والتي يكون أكبر ضحية لها هو الثروات والسيادة الوطنية، لذا أكاد أكون جازما أن من يقف وراء العنف المسلح في العراق هم ألائك الذين يجدون بالكعكة العراقية أكثر من مبرر كافي لقتل العراقيين بوقوفهم وراء البهائم التي تعمل بشكل مباشر على إشاعة الإرهاب في البلد، أي أنهم مسخرين، ويوم تستوفى الحاجة من وجودهم ويأخذ من يريد أن يأخذ ما هو غير مشروع، سيكون التعامل مع هذه الجهات المسلحة مختلفا تماما.
• هذه البيئة الخدمية غير الموجودة في العراق، هي شبكة كبيرة وواسعة تصل إلى عدة آلاف من الشركات، فعلى سبيل المثال نجد في الدنمارك الدولة المنتجة التي تعتبر صغيرة مقارنة بالعراق، يوجد فيها أربعة آلاف شركة تقدم خدماتها للصناعة النفطية ويعمل فيها مئات الآلاف من المهندسين والفنيين والاستشاريين في كل المجالات، وعدد مماثل في دولة الإمارات أو قطر، أما المملكة المتحدة، فإن العدد يفوق ذلك بكثير. هذه البيئة، وكما أسلفنا، غير موجودة في العراق، ربما يوجد منها ما هو قليل جدا ولا يسد شيء من حاجة هذه الصناعة.
• جميع المعدات التي تدخل في عملية التطوير تبقى باستمرار بحاجة إلى خدمات تخصصية تقدمها الشركات المنتجة لتلك التكنولوجيا، ومنها تقديم المشورة التشغيلية أو تقديم الأدوات الاحتياطية أو مستلزمات لاستهلاك تلك المعدات أو الأجهزة، هذا فضلا عن الخدمات التي تتعلق بالصيانة الدورية أو الصيانة العامة في حال حصول توقفات مفاجئة غير متوقعة. وهذه لا يمكن تقديمها بشكل مناسب وسليم ما لم يكون هناك وكيل مجهز للشركة المصنعة يفترض به أن يكون مهيأ لتقديم مثل هذه الخدمات.
• ملاحظة مهمة يمكن قراءتها هنا، وهي أن ليس كل ما يتعلق بالصناعة الاستخراجية لا يمكن أن يدخل به القطاع الخاص سواء كان وطني أو عالمي، فهي تسمح بدخول كل شيء ما عدا إدارة العملية الإنتاجية والتي تعني استقدام هذه الشركات للعمل وتقديم الخدمات وفق عقود أو اتفاقيات خدمة يمكن أن نتحدث عنها وعن طبيعتها في مجال آخر، هذا فضلا عن العديد من الدراسات والمقالات التي قدمتها جهات تخصصية عالمية ومحلية تعتبر كافية جدا ويجب مراجعتها قبل وضع المسودة النهائية للقانون الجديد الذي ينظم الملكية والعلاقات الإنتاجية والخدمية في الصناعة النفطية الواسعة جدا والتي تعتبر هي الأساس في الاقتصاد العراقي حاضرا ومستقبلا.
• حتى في مجال إدارة الإنتاج، يمكن أن يدخل فيه القطاع الخدمي ويقدم خدمات لإدارة العمليات الإنتاجية وما يصاحبها من احتياجات تخصصية ذات طبيعة استشارية.
الأسس التي يجب أن يقام على أساس منها القطاع الخاص، وفي الحالة العراقية لا يختلف كثيرا عن هذه التجربة:
• مسألة الشراكة بين الكيان العالمي المتطور مع شركة القطاع الوطني الحديثة العهد بالعمل في هذا المجال ضرورية جدا، ويجب أن تكون كاستراتيجية أساسية بتشكيل قطاع وطني خاص يعمل في مجال الخدمات النفطية. هذه الشراكة هي التي يمكن الاعتماد عليها بتنفيذ المهام المتعاقد عليها، ومن خلال العمل يستطيع الشريك العراقي اكتساب الخبرة المطلوبة التي سوف يوظفها في حال وجد نفسه جاهزا للعمل لوحده بدون معونة الشريك.
• القوى البشرية وسياسة التطوير مهمة أساسية تتضافر عليها جهود القطاع الخاص والعام بالإضافة إلى الجامعات والمعاهد المهنية، حيث أن هذه المهمة لا يمكن أن تتولاها الدولة فقط، حيث أن الكثير من المهارات العالية في الأداء الوظيفي لا يمكن أن تتحقق إلا من خلال استمرار الدورات التدريبية التي يقدمها رب العمل سواء كان قطاع خاصا أو عاما، وبوجد الشريك العالمي يمكن نقل الخبرات المهارات المطلوبة بشكل أفضل موثوق به ويمكن الاعتماد عليه في هذه الصناعة الخطرة.
• اختيار الأفضل، أي يشترط أن تجتاز الشركة الاختبارات المطلوبة بجدارة، بحيث تمتلك القوة التنافسية وتجتاز اختبارات النوعية والصلاحية لتقديم الخدمات، وذلك وفق نماذج محددة تأخذ بنظر الاعتبار إثبات القدرة على القيام بالأعمال المناطة بالشركة، أي بمعنى أن يكون لها خبرة مشهود بها، وأن تكون بالمستوى المطلوب من ناحية استيفائها كامل شروط النوعية سواء على مستوى نظم العمل والمنشاة ومستوى تطور وحرفية العاملين ومستوى الدعم الفني العالي الذي باستطاعة الشركة تقديمه للشركات المنتجة وما إلى ذلك من معايير.
• يجب أن تكون في الوزارة والشركات المنتجة وباقي الكيانات في الدولة ذات العلاقة لجان أو كيانات متخصصة، بل عالية التخصص، لكي تقوم بعملية تقييم الشريك المحلي أو الأجنبي الذي يقدم الخدمة المطلوبة قبل أن يدرج اسم شركته في لائحة المتنافسين على العقد، أي عقد لتقديم الخدمات.
• تحديث النظم التي تعمل عليها الشركات المنتجة والوزارة وبالتالي الشركات الخدمية لموائمة احتياجات النوعية التي تطلبها الشركات المنتجة المعنية بالاستفادة من الخدمات. هذا المعيار لا يمكن التنازل عنه ويجب أن يتم ترقيته من حين لآخر في عملية مستمرة لبلوغ الكمال المستحيلة ولكن بالتأكيد تحقق مستويات رفيعة بالعمل بشكل مستمر ومتجدد.
• القطاع المالي يجب أن يكون موجود منذ اليوم الأول في هذا القطاع، ففي حال حصول الشركة على عقد خدمي، يكون سببا كافيا للبنك بتمويل كامل الاحتياجات المالية التي تترتب على العقد، وهذا يعني وجود شركات تأمين ذات مصداقية عالية تعمل إلى جانب البنوك والشركات الخدمية لاستكمال احتياجات هذه السوق، وفي حال عدم توفر الشركات من هذا النوع، ينبغي العودة للشركات العالمية التي تضمن أيضا النوعية في العمل وبالتالي الربحية المطلوبة.
• العقود تمنح بأفضلية للشركات الوطنية، حيث في البداية لا يشترط النوعية أو الخبرة السابقة مادام الشريك الأجنبي المعروف بمستوى تطوره موجود.
• في حال دخول الشركة الوطنية لوحدها تكون المنافسة حرة، ويجب أن تطبق عليها الشروط والمعايير التي تطبق على الشركة العالمية وفق مبدأ تكافؤ الفرص.
• القطاع الخدمي يمتد نشاطه ليشمل جميع الاختصاصات التي تقوم بها الشركات المنتجة والكيانات الأخرى في الصناعة، بحيث يستطيع أن يقدم خدماته لمختلف مستويات العمل بما فيها الإدارة التي يفترض أن تكون محتكرة من قبل المالك، وهو الدولة أو الشركات التي تخولها، وهي الشركات المنتجة من حيث الأساس.
• القطاع الخدمي يعتبر شريك في العملية الإنتاجية ويتمتع بمبدأ تكافؤ الفرص بالكامل مع غيره من شركات القطاع، وكذلك يعامل على أنه شريك وليس تابع للشركة المستفيدة من خدماته.
• المنافسة تجري بين الشركات للدخول على عقد خدمة بشفافية مطلقة ومحاسبة دقيقة.
• كما أن الثواب موجود، فإن العقاب موجود أيضا، ويجب أن يكون قاسيا في المرحلة الأولى لكي يكون حريصا منذ اليوم الأول ويرتقي لمستوى المسؤولية المناطة به في العملية الإنتاجية والتطويرية.
• حركة الطاقات البشرية يجب أن تجري بحرية بين القطاع الخاص والعام والاستثمار الأجنبي وفق التنافس الطبيعي والإغراءات التي يقدمها الموقع الجديد، حيث هذا الأمر يطلق طاقات الشباب الخلاقة في منافسة محمومة للوصول إلى الموقع الأفضل واستمرار الارتقاء لبلوغ درجة الكمال، وبالنتيجة تحقيق مكاسب مادية ومعنوية أفضل.
• لإعطاء السيادة الوطنية حقها، يجب أن تكون القوانين التي يجب الرجوع لها في حال نشوب خلاف بين الأطراف المتعاقدة، تكون المحاكم العراقية المختصة هي التي تفصل بين المتخاصمين.
• على المستثمر المحلي أو الأجنبي في القطاع الخدمي احترام القوانين المرعية والمعمول بها في الدولة.
• أن يكون جزء من شروط العقد، أي عقد خدمة مهما كان، أن يكون جزء منه أنظمة وقوانين السلامة الصناعية والسلامة العامة ونظم حماية البيئة. لأن بغياب هذا الشرط سوف يتحول العراق إلى مزبلة للنفايات الصناعية الأخطر، حيث تعتبر الصناعة النفطية من أكبر الملوثات للبيئة وأكثرها خطرا على الإنسان والسلامة العامة.
• هناك شروط أخرى كثير لكن يضيق المجال لذكرها، ولكن ما ذكرناه يكفي ليفتح أمام المشرع ضرورة التدقيق بكل شيء.
رابط الجزء الثاني:
http://www.rezgar.com/debat/show.art.asp?aid=83892








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. كل يوم - - كل يوم - يفتح ملف الدعم أيهما أفضل للمواطن العيني


.. النائب أيمن محسب: الدعم النقدي هو الأفضل للفقير والدولة والط




.. كل يوم -د. أحمد غنيم : الدعم النقدي لن يؤدي لمزيد من التضخم


.. د. أحمد غنيم لخالد أبو بكر: كلما تقدمت الدول كلما تحولت من ا




.. كل يوم - د. أحمد غنيم :الدولة تقدم الدعم النقدي لأصحاب المع