الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


خيمة وزغرودة وساق رجل

شوقية عروق منصور

2024 / 9 / 4
مواضيع وابحاث سياسية


خيمة و زغرودة وساق رجل
قالت لي صديقتي الغزاوية، هل تعرفي معنى خيمة؟ ليست خيمة الرفاهية منصوبة على شاطئ البحر أو خيمة في الصحراء مجهزة بكامل المعدات التي تُشعر الانسان بالراحة ومغازلة النعاس .
" خيمة عن خيمة تفرق كما قال كاتبنا غسان كنفاني " الخيمة التي أعيش فيها مجهزة بكامل معدات التعذيب والقهر الإنساني، من شقوق القماش البالي الممزق الذي صنعت منه جدران وسقف الخيمة ، حيث تتسلل أشعة الشمس الحارقة كالسياط تحرق أجسامنا كيفما تحركنا هذا غير الحرارة داخلها - كأنها بروفة لجهنم - أما العيش فوق ذرات الرمل المفروشة بغضب كأنها تستنكر وجوك فوقها ، حيث تصر حبيبات الرمل الساخنة على تعذيبك في المشي على أرضية الخيمة فهي تتقن الدخول بين الأصابع وفي العيون خاصة حين يركض أحد الأبناء ، أو حين تهب و تختلط بالطعام حين نأكل .
الخيمة تصادق الخيمة المجاورة، حيث تصير الخيام حارة كبيرة من عائلة واحدة قررت أن تزيل الحواجز وتتحول الاسرار إلى مملكة مفتوحة متاحة للجميع سماع آهاتها وحزنها وقرفها ووجعها حتى اختفت الخصوصية ودفء اللحظات الإنسانية، و صارت القلوب أقفاصاً من الحزن والارتباك والحذر والخوف طوال الساعات والأيام .
الخيمة في غزة هي المكان المميز للهذيان ، للصراخ، للعيش على حد سيف الانتظار، حتى حين تكتشف أنه لا يوجد مجالاً لاستحضار ذاكرة الماضي لأن المقارنة تصبح فخاً للبكاء ، والأصعب غياب الكثير من الوجوه التي تمتلئ الخيمة بتقاسيمهم وضحكاتهم، فعندما نتأملها تهطل التنهدات لأن غيابها قد رسم الواقع بصدق طيارته وصواريخه ورصاصه وركام البيوت والمباني .
الخيمة ترسم مساحات التحرك ، فهي المطبخ وغرفة النوم وغرفة الاستقبال وعند الغضب تخبط رأسك بعامودها فينهار جزءاً من السقف ويتدلى على الأرض ، فتسمع أصوات الاستنكار ثم تسمع أصوات الضحك المعلب في عبوات تفجرها لحظة عابثة من الوالدة " ومنين راح أجيب قماش اغلق فيه الخيمة فش غير سروال أبوك "
زغرودة وسط الجثث
هرعت النسوة مع مجموعة من الرجال للتفتيش بين كثبان الرمال عن جثث دفنها الجيش بصورة عشوائية ، وتركض النسوة هنا وهناك ، وكل امرأة تنتظر الأيدي التي تحفر لعل جثة ابنها أو زوجها أو شقيقها أو أحد أقاربها يكون بينهم ، وكلما صرخ الرجال " هون في جثث " تركض النساء وفجأة تنطلق زغرودة ، إحدى الأمهات تزغرد بأعلى صوتها وبحنجرة تتحدى الرمال والأيدي التي أرادت طمس جثة أبنها " هذا أبني !! ... هذا أبني !! " زغرودة مختلطة بالدموع وتردد الأم :
- الحمد الله سأدفنه إلى جانب والده الشهيد ..!! .. وتتراجع إلى الوراء وتحل محلها امرأة ثانية تنتظر وتردد " انشاء الله يلاقوا جثة أبي حتى تبرد نار أمي وجدتي ..!!
ولا تغادر النساء المكان .. لكن المراسل التلفزيوني قرر أن يغادر وينهي التقرير الذي يدور حول الجثث التي خطفها الجيش في غزة ، فصوته الخافت يشير إلى أن حزنه قد وصل إلى ثقل الوجع الذي لم يعد له قدرة على الاحتمال .
الساق والكلب
من بين الركام والجميع يحاولون تخليص العالقين تحت الردم ، يقف الكلب منتظراً لحظة فراغ المكان لعله يجد وجبة له ، وطال انتظاره لأن الذين قدموا للمساعدة يتكاثرون ، لم ييأس بل جلس على كومة من الحجارة ، وفجأة أخذ يصيح أحد الشباب " يا الله " وإذا بالأشلاء تخرج مبعثرة ، الرأس لوحده ثم الأيدي ، أما الساق فقد حملها الشاب الذي أخذ يصرخ متضرعاً إلى الله وناولها لشاب آخر وضعها جانباً وإذ بالكلب يقفز قفزة رهيبة ويسرق الساق ويهرب ، فيركض وراءه الشاب حتى أمسك به ، لقد كانت الساق بالنسبة للكلب وجبة دسمة ، أما بالنسبة للشاب فهي ساق إنسان ركض ودافع واستشهد من أجل وطنه .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تعرف إلى فيرناندو ريدوندو صاحب أقل تمريرات خاطئة في مشواره ا


.. مدير شرطة بالم بيتش: الشخص المسلح كان يبعد عن ترمب بمسافة تت




.. جيروزاليم بوست: الجيش الإسرائيلي يبدأ تحقيقاته في أسباب إخفا


.. الرئيس البرازيلي يتفقد المناطق المتضررة من حرائق الغابات




.. بعد محاولة اغتيال ثانية.. جهاز الخدمة السرية: ترمب لم يصب بأ