الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


لجة من الشعر الثوري/ بقلم سلافوي جيجيك ت: من الألمانية أكد الجبوري

أكد الجبوري

2024 / 9 / 5
الادب والفن


اختيار وإعداد إشبيليا الجبوري - ت: من الألمانية أكد الجبوري

ربما يكون أفضل ما يجسد الصلة الكامنة بين الشعر والنضال السياسي هو قصيدة "اثنا عشر"، وهي قصيدة كتبها ألكسندر بلوك عام 1918، وهو أحد أعظم الشعراء الروس في القرن العشرين، والذي اعتبرها أفضل أعماله. فبأصواتها التي تخلق الحالة المزاجية، وإيقاعاتها المتعددة الأصوات، ولغتها العامية القاسية، نجحت القصيدة الطويلة (حوالي 1000 بيت)() في إبعاد بلوك عن جمهور معجبيه على الفور ــ وتراوحت الاتهامات بين سوء الذوق المروع والخضوع أمام السلطات البلشفية الجديدة وخيانة مُثُله السابقة.

ولكن حتى الجانب الآخر (معظم البلاشفة) احتقروا تصوف بلوك وزهده، وخاصة ذكر المسيح (حتى أن بعض النسخ السوفييتية المعاد طبعها استبدلت كلمة "المسيح" بكلمة "الشمس"!)(). تصف القصيدة مسيرة اثني عشر من الحرس الأحمر (الذين يشبهون الرسل الاثني عشر) عبر شوارع بتروغراد الثورية في شتاء 1918 الثلجي، في ظل عاصفة شتوية عنيفة تهب من حولهم. لا يتم تصوير الاثني عشر على أنهم مثاليون،

حيث تتأرجح حالتهم المزاجية كما تنقلها القصيدة بين العدوانية الدنيئة وحتى السادية تجاه كل ما يُنظر إليه على أنه برجوازي ومعادٍ للثورة، إلى الانضباط الصارم والشعور بالواجب الثوري(). في المقطع الأخير (الأكثر إثارة للجدل) من القصيدة، نرى شخصية السيد المسيح في العاصفة الثلجية، وهو يتقدم مسيرة الاثني عشر باعتباره الراكب الثالث عشر غير المرئي وغير الميت، وقد نقول:

"... وهكذا يحافظون على وتيرة قتالية، / وخلفهم يتبع الكلب الجائع، / أمامهم - براية دموية، / غير مرئي وسط دوامة العاصفة الثلجية، / آمن من أي ضرر من أي رصاصة، / بخطوة لطيفة، فوق العاصفة، / في الثلج المتناثر الذي يشبه اللؤلؤ، / متوجًا بإكليل من الورود البيضاء، / أمامهم - يسير السيد المسيح()."
(ترجمة بديلة للسطور الأخيرة: "أقدام ناعمة في دوامة العاصفة الثلجية، / محصنة حيث تقطع الرصاصات - / متوجة بتاج من لؤلؤة ندفة الثلج، / في إكليل من الوردة البيضاء، / أمامهم المسيح يسوع يسير()."

إن وصف جون إليسون لتأثيرها الاجتماعي يستحق الاقتباس: "ظهرت القصيدة لأول مرة في أوائل مارس 1918 في صحيفة بلشفية(). كتب جاك ليندسي في مقدمته لترجمته الخاصة أنها كان لها "تأثير فوري وواسع النطاق. تكررت عبارات منها بلا نهاية؛ حملت اللوحات الإعلانية واللافتات في جميع أنحاء روسيا مقتطفات منها". أصبحت "فولكلور الشارع الثوري"(). في نوفمبر 1918، نُشرت في (الأثني عشر) في حد ذاتها في بتروغراد، مزينة برسومات يوري أنينكوف. يذكر فورسيث ببساطة أنها "أصبحت مقبولة باعتبارها التعبير الأساسي عن الثورة، ليس فقط في روسيا، حيث كان القراء إما متحمسين أو منزعجين منها، ولكن أيضًا "في الخارج()".

من المؤسف أن بلوك أصيب بخيبة أمل سريعة بسبب الثورة البلشفية، وكان آخر عمل له قبل وفاته المبكرة في عام 1921 قصيدة وطنية بعنوان "السكيثيون" تدعو إلى نوع من "القومية المغولية"()، وهي مقدمة واضحة لأوراسيا اليوم: يجب على روسيا أن تتوسط بين الشرق والغرب، ولكن أيضًا سياسيًا بين الحمر والبيض. تعود "السكيثيون" بالفعل في أسلوبها إلى لغة شعرية أكثر تقليدية بدون أصوات وتعبيرات مبتذلة شائعة، وبدون قطع إيقاعية مجنونة - بدون أي من الأشياء التي تجعل الاثني عشر فريدة من نوعها.

في اثني عشر، نحصل على سلسلة فريدة من التداخل بين الأضداد: تمجد القصيدة ثورة أكتوبر، لكنها بعيدة قدر الإمكان عن الثائرة الثورية المعتادة، مليئة باللغة المبتذلة والإيماءات العادية. إن المسيح يقف على رأس المجموعة التي تجوب جحيم الفوضى الطبيعية والعامة في بتروغراد ـ ولنتذكر أن هدفهم هو منع الفوضى الاجتماعية، أي الحفاظ على القانون والنظام الجديدين. وهذه صورة حقيقية للدائرة القصيرة اللاهوتية السياسية، وصورة لما تعنيه الإلحاد المسيحي كممارسة سياسية.

إن المسيح ليس زعيمهم، بل هو مجرد ظل افتراضي يشير وجوده إلى أن الإثني عشر ليسوا مجرد مجموعة من الأفراد الذين يسعون إلى تحقيق مصالحهم الخاصة، بل مجموعة من الرفاق الذين يعملون نيابة عن قضية. ولا يوجد في هذه الصورة أي وعد أو صورة للنعيم السماوي، بل هم مجرد مجموعة من الرفاق الذين يتصرفون في حالة طوارئ مطلقة، دون أي ضمان للنتيجة النهائية ـ ربما يتم تصفيتهم على يد العدو، أو قد يموتون ببساطة في العاصفة الثلجية. وحتى لو لم يكونوا على علم بذلك، فإنهم يتصرفون في تفانيهم المطلق وكأن المسيح على رأسهم.

وحتى في الغرب "المتقدم"، صادفنا مؤخرا مجموعات من هذا النوع كانت تقوم بتفتيش المناطق المغلقة بحثا عن ضحايا الوباء، أو تبحث عن الناجين المهجورين من الفيضانات وموجات الحر، أو ــ لماذا لا ــ تقوم بدوريات في منطقة ما وتبحث عن الألغام الروسية على الجبهة الأوكرانية. والقائمة تطول: مجموعة من الفنانين منخرطين في مشروع جماعي، ومجموعة من المبرمجين يعملون على خوارزمية قد تساعدنا في نضالنا من أجل البيئة... وبدون تفكير، كانوا وما زالوا يؤدون واجبهم فحسب.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
Copyright © akka2024
المكان والتاريخ: طوكيـو ـ 9/05/24
ـ الغرض: التواصل والتنمية الثقافية
ـ العينة المستهدفة: القارئ بالعربية (المترجمة).








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. صباح العربية | وقفة طربية مع الفنانة السعودية الجوهرة


.. كلمة من القلب لـ-أحلى وأهم لاعبين-... الممثل يوسف الخال يوجّ




.. قنبلة سياسية تهز إسرائيل.. ونتنياهو يتحرك لمنع عرض فيلم -ملف


.. حكايتي على العربية | موسيقى الناي والكولة.. نغمات الحزن وأسر




.. أي وجه جديد في الوسط الفني سيختاره الممثل جورج خباز لمنحه مو