الحوار المتمدن
- موبايل
الموقع
الرئيسي
-لعنة الطفل: أنياب في قلب الظلام-
مصطفى جمال علي
2024 / 9 / 8الادب والفن
كان المساء ينسدل ببطء على القرية الصغيرة، حيث يمتزج الضوء الذهبي بالغبار المتطاير في الهواء، وتظهر السماء بلون أرجواني يخفي وراءه أسرار النهار. في ذلك الوقت، جلس "عمر" على حافة النافذة، يتأمل المساحات الخضراء الممتدة أمامه، حيث تلتف الأشجار حول الأفق وكأنها تحرس بقايا الماضي الذي لا يريد أن يمضي.
لقد كان هناك شيء يصرخ بداخله، صوت خافت لكنه ثابت، صوت لم يكن بمقدوره تجاهله بعد الآن. تلك الأحلام المزعجة بدأت تزوره كل ليلة، تحاصره وتُغرقه في مزيج من الحنين والخوف.
في إحدى تلك الليالي، رأى حلماً مختلفاً عن كل ما سبق. كان واقفاً في الحقل، قدماه حافيتان تغوصان في الطين والماء، وشعر بأثر الحشائش التي تلامس بشرته. نظر إلى الأسفل، فرأى قدم أبيه الحافية تسبق خطاه، تتعمق أكثر في الأرض كأنها تمتزج معها. حوله، الحيوانات تركض عائدة إلى المنزل، بينما الشمس تغيب ببطء خلف الجبال.
لكن شيئًا ما كان يترقبه. من بعيد، ظهرت الذئاب، عيونها تتلألأ في العتمة. أحس بالخطر، لكنه لم يكن خائفًا. في يده عصا قديمة، عصا الرعاة، التي لطالما استخدمها جده وأبوه، لكنه شعر بثقلها في يده، كأنها لم تعد تلائم قبضته.
ركض، ركض مع الحيوانات نحو المنزل، لكن الذئاب كانت تقترب. وفجأة، ظهرت امرأة على الطريق، وجهها يحمل تفاصيل لم تكن غريبة عليه، لكنه لم يستطع أن يتذكرها. عيناها اللامعتان كانتا تغوصان في أعماق روحه، وكأنها تعرفه منذ زمن بعيد. حاول أن يتحدث، لكن الكلمات هربت منه.
استيقظ فزعًا، لكنه لم يجد الراحة في اليقظة. كانت تلك الليالي تتكرر، كل مرة بأحداث مختلفة، وكل حلم يحمل رموزًا جديدة. وجه أمه، أصوات هدير المياه في النهر، غراب ينهش يده، وباب قديم يخشى أن يفتحه. لم يعد يفهم مغزى هذه الأحلام، ولماذا كانت تطارده بلا رحمة.
بدأ يتساءل: هل يريد الطفل الذي كانه في الماضي العودة للسيطرة عليه؟ هل يحاول أن يخبره بشيء نسيه؟ ربما كان الأمر كذلك، لكنه لم يعد يملك الطاقة ليفهم.
"كم مرة علي أن أبدأ من جديد؟" تمتم عمر لنفسه وهو ينظر إلى السماء. لقد اختبر الحب والفقدان، عاش ومات عدة مرات في روحه. غادر المدن القديمة، باحثًا عن إجابات بين وجوه الغرباء، لكنه لم يجد سوى المزيد من الأسئلة.
وفي إحدى الليالي، وقف أمام المرآة وتأمل وجهه. لكنه لم يرَ ملامح الرجل الذي كبر. رأى وجه الطفل الذي كانه. تلك العينان البريئتان، مليئتان بالخوف والدهشة. لم يعد يعرف ماذا يريد هذا الطفل منه، لكنه شعر باليأس. "هل يريد قلباً جديداً؟" تساءل.
في لحظة يأس، رفع رأسه نحو السماء، كما كان يفعل في طفولته، وسأل الله أن يأخذ سن الحمار الذي سقط منه وينبت بدلاً منه سن غزال، كما كان يفعل حين يكسر سنًا وهو صغير. لكن شيئًا آخر حدث. بدلاً من أن ينبت سن الغزال، نبتت له أسنان ذئب.
شعر بها بوضوح في فمه، حادة وقاسية، وكأنها جزء من ذاته الجديدة. لم يكن يدري ما الذي يعنيه ذلك، لكنه أدرك أن حياته قد تغيرت للأبد. قد يكون الطفل الذي بداخله أراد عودة البدايات، لكن ما نبت الآن كان شيئًا آخر، شيئًا لا يستطيع تجاهله بعد الآن.
ربما كانت الذئاب التي طاردته في الأحلام هي جزء منه، تلك القوة التي كان يخشى أن يواجهها. لكن الآن، وقد أصبحت جزءًا من حقيقته، لم يعد بإمكانه الهروب منها.
|
التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي
.. كأنه مشهد من أفلام هوليوود.. إنقاذ روسي تاه بالبحر لأكثر من
.. عمرو إسماعيل: موسيقى فيلم أبو علي ومسلسل الكبير أعمال كان لي
.. وفاء سيلين حلاوي: -تستهويني السينما الهادفة التي توصل رسائل
.. مصر.. فتح تحقيق بعد خلط القرآن بالموسيقى
.. مهرجان الموسيقى العربية اليوم.. حفل عمرو سليم وفؤاد زبادى وم