الحوار المتمدن
- موبايل
الموقع
الرئيسي
تألق اللغة وأهمية المضمون في -ذكريات الزمن الآتي- كميل أبو حنيش
رائد الحواري
2024 / 9 / 9أوراق كتبت في وعن السجن
في الحرب نفقد المعنويات، ويضعف الأمل، وينتشر الاضطراب، ونمسى في دوامة من الصراع النفسي، ونشعر بالضيق ومعاناة، حتى القراءة تفقد بريقها ومتعتها، فبعد ما يقارب العام على عدوان الاحتلال على أهلنا غزة، فقدنا الاتصال والتواصل مع العديد الأصدقاء الأسرى في سجون الاحتلال، ولم نعد نقرأ لهم أو نسمع صوتهم، لكن ها هو "كميل أبو حنيش" يأتي بسُحب الخير لينزل المطر على الجفاف الذي أصابنا، فينعشنا ويخرجنا من الجذب والقحط، ويروي ظمئنا، ويغسل ما بنا من درن وما وأصابنا.
اللافت في هذه الرسالة الصيغة الأدبية العالية والجميلة والممتعة التي جاء به: "وأنت
ترقب الزمن الماضي وتتأمل الحاضر وترنو من وسط ضباب الزمن الآتي لعلك ترى دربا قد يفضي بك إلى عالم ما وراء السديم، فالماضي، بات أشبه بالفردوس المفقود الذي لطالما أعدت اجترار، لحظاته الغابرة" فالقارئ يستمتع باللغة المستخدمة، والطريقة التي قدمت بها، فالشكل الأدبي متألق، وهذا يكفي لنصل إلى أن الأسير بخير، بمعنى أن العدوان على غزة، وحالة الأسر لم تؤثر على لغة "كميل أبو حنيش" وأبقتها متألقة، كما أن حجم الأمل الذي يحمله الأسير مؤشر على المعنويات العالية التي يحتفظ بها: "لن يكون بوسع حارس بوابات جهنم منعك من التسلل في لحظة حلم إلى الفردوس. أنت حر في عالمك الأسطوري الحالم فلترسم ذكريات قد تأتي وستزداد ألقا وجمالا كلما طال زمنها في رحم الحلم وإن لم تأت يكفيك شرف مزاولة مهنة المتفائلين .
تتذكر ماذا رأيت في حلم الآتي: تحلم في البحر ..... بفتاه ترقص فوق الشاطئ ... طرقات لا عساكر فيها ... ومروج من الأزهار... وغابات خضراء تصبح بالبلابل والحساسين" وهذا يمدنا/يمنحنا/يعلمنا نحن (الأحرار) الاحتماء بالأمل والمحافظة عليه والتمسك به، فالحياة دونه تمسى محبطة وبائسة.
اللافت في هذا المقطع أننا نجد فيه كل عناصر الفرح التي يستند عليها الشعراء والأدباء، فنجد المرأة في: "بفتاة ترقص" ونجد الطبيعة في: "البحر، الشاطئ، مروج، أزهار، غابات، بلابل، حساسين" ونجد الكتابة في: "عالمك الأسطوري، الحالم، فترسم" ونجد التمرد في مضمون المقطع والثورية التي جاءت في المعنى: أنت حرا وستزداد ألقا وجمالا، يكفيك شرف مزاولة مهنة المتفائلين" وإذا ما توقفنا عند جمالية اللغة نصل إلى أن الأسير يتمتع بإيمان مطلق بالخير والحرية القادمة، وهذا ما يثلج صدورنا، ويخلصنا من غم الاحتلال وما يفعله من جرائم بحق أهلنا.
بعد أن (تذوق) الأسير طعم (الحرية)، واستمتع بمشاهدة المرأة الراقصة، وشعر بنشوة التمرد، وأهمية الكتابة، يتقدم أكثر من هذا الفرح/السعادة: "أن تقبل امرأة في ساعة متأخرة من الحب ... وتشم عبير الطفولة ... أن تغتسل تحت سياط المطر ... وأن تستلقي على العشب وتحدق في سماء نيسان الصافية ... وأن وأن ... توضأ بالحلم ... وذاكرة، قد تجيء ... وتهيأ أن تكتب ذكريات الزمن الآتي ... فما ستكتبه سيدون في سجل الوجود، كوديعه لك" في هذا المقطع نجد الأسير يتقدم إلى الأمام من خلال تناوله عناصر الفرح، فهو يركز على النواحي الجمالية من هنا استخدم في بداية المقطع: "أن تقبل امرأة في ساعة متأخرة من الحب" فنلاحظ أنه يُلغي/يتجاهل مفاتن الجسد الجنسية، ويهتم بالنواحي الجمالية/العاطفية، وما استخدامه "عبير الطفولة" إلا تأكيد لهذا الميل العاطفي والجمالي والإنساني.
ونلاحظ أنه يحيا بحرية مطلقة، فهناك اغتسال بالمطر، واستلقى على العشب، وحدق بجمال السماء، وعندما حدد زمن التأمل "سماء نيسان" أكد أنه تحرر كليا مما هو فيه من أسر، وها هو يحيا حياة أخرى، بمعنى انه تجاوز الجدران والحيطان والأبواب المؤصدة.
ونلاحظ أنه يمارس دوره ككاتب وكأديب من خلال: "وتهيأ أن تكتب ذكريات الزمن الآتي، فما ستكتبه سيدون" فالكتابة وأهميتها ودورها كوسيلة إيصال أفكار ومشاعر وأدب ولغة "كميل أبو حنيش" للآخرين تعد إكمال لدوره في الحياة، فدوره لا يقتصر على كونه مناضل ومقاوم للاحتلال فحسب، بل أيضا ككاتب وكناقد كروائي وكشاعر وكأديب، من هنا ركز على هذا الجانب الذي يؤكد مسيرة "كميل" في الحياة التي لم تتوقف، فهناك عمل وفعل أدبي كثير وكبير في انتظاره، وبحاجة ليقوم به.
في خاتمة الرسالة، يتجاوز "كميل" ذاته كأسير، حتى أن القارئ المحبط ـ مثلنا نحن في فلسطين وحتى في المنطقة العربية ـ نشعر أن الخطاب موجه لنا: " تسلح بالأنفة، والكبرياء.
لا لا تنحني أمام سطوة القيد، وقف على قدميك دائما. وتذكر بأنك لك حياة أخرى لم تعيشها بعد خارج الأبواب الموصدة. حيث لا أبد، ولا أزل، سينتهي زمن ويبدأ آخر، وما عليك سوى رسم الزمن الآتي إلى أن يبزغ كالفجر من وسط ملكه الظلام"
مثل هذا الخطاب، الرؤية، الأفكار، الإيمان، والإصرار على ممارسة الحياة، هي من تمدنا بالأمل، بالإيمان بأن الحياة لن تبقى بائسة/راكدة، هذا ما تركته رسالة كميل فينا، وعلينا أن نستمد القوة والإيمان والأمل منه رغم أسره. فيا له من إنسان عظيم هذا الذي يمدنا بالأمل رغم الأسر ووحشية المحتل.
الرسالة منشورة على صفحة الأسير وصفحة شقيقه "كمال أبو حنيش"
|
التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي
.. اكتظاظ العاصمة بيروت بالنازحين مع تصاعد حدة القصف
.. إسرائيل تهاجم الأمين العام للأمم المتحدة والأخير: أدين بشدة
.. ناشطون ينظمون أنشطة ترفيهية للأطفال النازحين في جنوب لبنان
.. ميلر لـ-العربية-: يجب على تل أبيب التعامل مع الأمم المتحدة ل
.. بعدما بررت بها إيران قصفها لإسرائيل.. ما هي المادة 51 من ميث