الحوار المتمدن
- موبايل
الموقع
الرئيسي
مؤشرات الإنذار المبكر في المالية العامة العراقية... هل سنسير نحو موازنة هشة أم نحو سياسة مالية رشيدة؟
قصي الجابري
2024 / 9 / 9الادارة و الاقتصاد
ستحاول هذه الورقة عرض مسارات المالية العامة في العراق خلال المدة 2019- 2023 والتركيز على النقاط الجوهرية في السياسة المالية وبعضاً مما يمكن إعتباره مؤشر للإنذار المبكر حول أوضاع المالية العامة وذلك من خلال عرض لبعض أرقام الموازنة العامة وكذلك مستويات الإيرادات والنفقات المتحققة من خلال متابعة بيانات نظام توحيد حسابات الدولة الصادرة عن وزارة المالية
العجز المالي المخمن كمستهدف للسياسة المالية
يُعد تسارع النفقات الجارية واحدة من أبرز سمات السياسة المالية في العراق، فخلال المدة 2019 – 2024 تسارعت مستويات الإنفاق الجاري المخمن بشكل كبير حيث ازدادت مما يقارب 100 ترليون دينار عام 2019 الى 149.6 ترليون دينار عام 2023 محققة معدل نمو سنوي بلغ 8.4%، حتى وصل الحال الى تجاوز مستوى تخصيصات النفقات الجارية لوحدها مستوى الإيرادات التخمينية خلال سنتي 2023، 2024. ويبدو أن من ضمن مستهدفات السياسة المالية في العراق خلال المدة 2019 – 2023 تحقيق عجز مالي في الموازنة العامة للدولة يزداد من 27.5 ترليون دينار عام 2019، وبما يشكل 14.1% من الناتج المحلي الإجمالي بالأسعار الثابتة الى 64.4 ترليون دينار وبما يشكل 29.9% من الناتج المحلي الإجمالي، وبالتأكيد فان مثل هذه النسبة لو تحققت لكانت قد شكلت أعباء كبيرة على الاقتصاد العراقي كونها ستكون خارج المدى المعياري لنسبة العجز الى الناتج ، حيث إزداد العجز المتحقق وفقاً لبيانات نظام توحيد حسابات الدولة الصادرة عن وزارة المالية من 4.1 ترليون دينار عام 2019 ليصل الى 6.7 ترليون عام 2023 ، وقد شكل ما بين 2% - 3% من الناتج المحلي الإجمالي بالأسعار الثابتة خلال المدة 2019 – 2023 . وهذه النسبة تعد من ضمن المديات المقبولة للعجز الحكومي ، إذ ساعدت الزيادة المتحققة في أسعار النفط عالمياً على زيادة الإيرادات المتحققة عن الأرقام التي وضعتها الموازنة العامة للدولة ، حيث نمت الإيرادات الفعلية بنسبة 4.7% والنفطية بنسبة 4.6% ، كما شكلت الإيرادات النفطية حوالي 92.2% من إجمالي الإيرادات العامة عام 2019 وقد انخفضت الى 91.7% من اجمالي الإيراد عام 2023 ، في حين بلغت نسبة النمو في الإيرادات غير النفطية المتحققة خلال المدة 2019 – 2023 حوالي 6.1% . وتتوقع موازنة عام 2024 تحقيق ما يقارب 27.3 ترليون دينار إيرادات غير نفطية مرتفعة عما وضعته موازنة عام 2023 والبالغة 17.3 ترليون دينار، علماً بأن الإيرادات غير النفطية المتحققة في عام 2023 وفقاً لنظام توحيد حسابات الدولة لم يتجاوز 9.8 ترليون دينار.
النفقات الجارية المتحققة وهيمنة تعويضات الموظفين
كما هو معروف فان النفقات الجارية هي المتحكمة في مستوى الإنفاق العام في العراق، إذ أظهر نظام توحيد حسابات الدولة ارتفاع نسبة النفقات الجارية المتحققة الى إجمالي الإنفاق العام من 78% عام 2019 الى 83% عام 2023 مقابل تراجع نسب النفقات الإستثمارية، إذ بلغ معدل نمو النفقات الجارية حوالي 6.2%خلال المدة 2019 – 2023.
لقد شكلت تعويضات الموظفين النسب الأكبر في النفقات الجارية في حساب الدولة إذ ازدادت مبالغ تعويضات الموظفين من 40.6 ترليون دينار عام 2019 لتصل الى 47.2 ترليون دينار عام 2023 وبزيادة قدرها 6.6 ترليون دينار. ووفقا لموازنة عام 2024 فان تعويضات الموظفين ممكن أن تصل الى 63.3 ترليون دينار، إذ اتاحت موازنة عام 2024 زيادة أعداد العاملين الى 4.08 مليون موظف وبزيادة قدرها 1.180 مليون موظف عن عام 2019 بعد أن كان عدد العاملين لا يتجاوز 2.9 مليون موظف في ذلك العام. ومن الجدير بالإشارة هنا ان المؤسسات الحكومية شهدت جميعها بما في ذلك الجامعات الحكومية والمؤسسات الصحية حالة من الإكتظاظ من العاملين لم تشهد له الدوائر الحكومية مثيل من قبل، مما يعزز حالة البطالة المقنعة ويزيد من مستويات تدني الإنتاجية في القطاع الحكومي، ويبدو أن الحكومة ماضية في هذا المنهج والذي سيحمل موازنة الدولة أعباء كبيرة لا يمكن تخفيضها خلال الأمدين القصير والطويل ويخفض من مستويات الإنفاق الإستثماري ويجعله مقيداً بالدين الحكومي.
بنود أخرى لتضخم النفقات الجارية
من جانب آخر تشير بيانات حساب الدولة الى تحقق زيادة في مبالغ الرعاية الاجتماعية من 19.7 ترليون دينار عام 2019 لتصل الى ما يقارب 25 ترليون دينار عام 2023 وبزيادة قدرها 5.3 ترليون دينار. فضلآ عن ذلك فقد حصلت زيادة واضحة في المستلزمات السلعية إذ إزدادت من 7.4 ترليون دينار عام 2019 لتصل الى 11.6 ترليون دينار وبزيادة قدرها 4.2 ترليون دينار وهذا يشكل أعباء إضافية على المالية العامة للدولة يزيد من هشاشة ميزانية الدولة. أن هذا الشكل من الإنفاق الحكومي المتزايد لا يراعي متطلبات الإنضباط المالي، إذ يعمل الإنفاق الحكومي على زيادة مستويات الطلب الكلي سواء بشكله الخاص، في ظل مستويات عالية من الميل الحدي للإستهلاك، فضلاً عن زيادة واضحة في الإنفاق الحكومي. وفي ظل الخلل الهيكلي الواضح في الجهاز الإنتاجي فسيكون لذلك تداعيات واضحة على الميزان التجاري في العراق.
تسارع مستويات الدين العام
من جانب آخر تشير بيانات وزارة المالية الى أن رصيد الدين الخارجي بلغ في نهاية عام 2023 حوالي 20.5 ترليون دينار وقد شكل ذلك 9.5% من الناتج المحلي الإجمالي، وبإضافة رصيد الدين الداخلي البالغ 71.5 ترليون دينار فان رصيد الدين الكلي حتى نهاية عام 2023 بلغ 92.1 ترليون دينار وقد شكل حوالي 42.8% من الناتج المحلي الإجمالي، ويشكل ذلك عبئاً كبيراً على قدرة الحكومة على الوفاء بالتزاماتها المالية المتعلقة بالديون على المدى البعيد ومن دون اللجوء الى إعادة جدولة ديونها او شطب جزء منها ، أو ما يسمى في الأدبيات الإقتصادية بالإستدامة المالية . وقد أعلنت الحكومة في شهر نيسان 2024 بأن الدين الخارجي انخفض من 19.729 مليار دولار أواخر عام 2022، إلى 15.976 مليار دولار في عام 2023، وصولاً إلى ما يقارب 8.9 مليار دولار في العام الحالي، وباعتماد سعر الصرف الرسمي 1300 فان الدين الخارجي سيكون حوالي 11.57 ترليون دينار ويتوقع أن يشكل حوالي 5% من الناتج المحلي الإجمالي. فاذا أضفنا مقدار الدين الداخلي الذي يقدر بحوالي 50 مليار دولار أي حوالي 65 ترليون دينار فان اجمالي الدين سيكون 76.7 ترليون دينار والذي يتوقع أن يشكل حوالي 34.6% من الناتج المحلي الإجمالي لعام 2024. ومع ذلك يبقى موضوع تسارع مستويات الزيادة في الدين الحكومي مشكلة ينبغي الإنتباه اليها.
خطة التنمية الوطنية 2024 – 2028 ومتطلبات الإستثمار والنمو
بالإستناد الى معطيات خطة التنمية الوطنية 2024 - 2028 نلاحظ ما يلي :
o أن هنالك حاجة الى 241 ترليون دينار خلال مدة الخطة 2024 – 2028 لتحقيق معدل نمو في الناتج المحلي الإجمالي يبلغ 4.24% بالأسعار الثابتة يكون بإمكانه تحقيق معدل نمو في دخل الفرد بنسبة 1.4% سنوياً بالأسعار الثابتة.
o أن معدل النمو المستهدف يتطلب إستثمارات تتراوح ما بين 43 – 53 ترليون دينار سنوياً... وهذا المبلغ يتطلب تقييد سياسة التعيينات في القطاع الحكومي الى أقصى قدر ممكن وبالشكل الذي يخفض النفقات الجارية الى أدنى قدر ممكن لصالح النفقات الإستثمارية لكي يكون بالإمكان تحقيق مستهدفات خطة التنمية الوطنية.
o من ذلك يصبح أمام الحكومة المسؤولية الرئيسية ، كما صرح في ذلك السيد رئيس الوزراء المحترم في مؤتمر الخطة ، بضرورة توفير أفضل الظروف لتحقيق أهداف الخطة من قبل الجهات المعنية.
استمرار العجز في ظروف اللايقين
تعيش المنطقة العربية وبالأخص العراق وكذلك العالم حالة من اللايقين في المجالات الإقتصادية والسياسية والتي يمكن أن تؤثر على أوضاع السوق النفطية، كما أن أسعار النفط عالمياً تسير باتجاه تنازلي منذ 4 / 7 / 2024 إذ انخفض سعر خام برنت من 87.43 دولار / برميل ليصل الى 72.7 دولار / برميل في 4 / 9 / 2024. ويمكن للصدمات النفطية السلبية التي يمكن أن تحدث في ظروف حالة اللايقين العالمي أن تؤثر في أوضاع المالية العامة في العراق فتؤثر على مستويات الإيرادات دون إمكانية تخفيض المستويات المهمة من النفقات الجارية والمتمثلة في الرواتب والإجور فيصبح قيد النفقات الجارية عاملاً أساسياً في عدم إمكانية تخفيض عجز الميزانية وقد يؤدي ذلك الى تسارع الدين العام، فضلآ عن عدم إمكانية تحقيق مستويات الإستثمارات المحفزة لتحقيق مستويات التنمية المطلوبة.
أولويات السياسة
o من كل ذلك تظهر أهمية ضبط أوضاع المالية العامة للحيلولة دون تسارع مديات العجز كواحدة من أهم الأولويات التي ينبغي على الحكومة في سياستها المالية
o ضرورة إعادة النظر في سياسة التوسع في التعيينات في القطاع الحكومي واعتبارها من أكثر الموضوعات جدية للحد من حالة الترهل الوظيفي في مؤسسات الدولة واستنزاف موارد المالية العامة والتأكيد على تقييد نطاق التعيينات فقط في ضوء الحاجة الملحة. ان تعيينات اليوم ستحمل ميزانية الدولة أعباء الرواتب والإجور لمدة قد تتجاوز 30 سنة أو أكثر وسيكون ذلك على حساب الإستثمارات المعززة لأوضاع التنمية. إن ذلك يتطلب إعادة النظر في كل القوانين والتعليمات التي تلزم الحكومة بتعيين موظفين جدد بما في ذلك قانون التدرج الطبي وتعيين الأوائل وخريجي الدراسات العليا ...الخ. وهذا هو ما معمول به في كل دول العالم ... فلا مانع من التعليم ولكن دون إلزام الحكومة بالتعيين.
o كما تتطلب أولويات السياسات دعم جهود رقمنة المالية العامة عموماً ورقمنة الإيرادات غير النفطية بشكل خاص وبما يعزز مسارات الحوكمة الرشيدة في مجال المالية العامة.
o هنالك ضرورة ملحة لإدخال إصلاحات جوهرية في القطاع المالي بما في ذلك إجراء التحديثات الضرورية في عملية إعداد الموازنات وضرورة وضع الخطوات الرئيسة للتحول نحو موازنة البرامج والأداء. كما أن هنالك ضرورات ملحة لتحديث بنية القطاع المصرفي في العراق.
o إن تحسين بيئة الإستثمار يعد شرطاً أساسياً لأي إصلاح اقتصادي في العراق، إذ ان تحسين الأداء المصرفي والمالي يمر بالضرورة عبر تحسين بنية قطاعات الإنتاج وتقديم الدعم الكافي للقطاع الخاص وتعزيز دوره في التخفيف من مشكلة البطالة بدلآ من تحميل الموازنة العامة بما لا تطيق.
|
التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي
.. مفاجآت أسعار العقارات فى العام الجديد 2025 وما الوقت الأنسب
.. سعر الذهب اليوم الإثنين 9 ديسمبر 2024 وعيار 21 الآن بالمصنعي
.. عملة منهارة وتضخم مرتفع.. انهيارات متلاحقة للاقتصاد السوري ف
.. فيديو مزعوم يظهر لحظة السطو على البنك المركزي السوري في دمشق
.. فصائل المعارضة تمنع لصوصا من سرقة البنك المركزي