الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مقامة قربانك نجلاء .

صباح حزمي الزهيري

2024 / 9 / 9
الادب والفن


مقامة قربانك نجلاء :

يقول سعد البزاز أثبَتت نجلاء أنها رمزٌ لثباتِ المرأةِ العراقية ورسوخُ إرادتِها , وبرهنت أن العراقية َ عندما تحصلُ على حريتِها تستطيعُ صنعَ المعجزات , وإن فوزهاَ بذهبيةِ بارالمبياد باريس يُعد نوعاً من الإعجاز, فقد تفوقت على ذاتِها في لحظةِ تفوقِها على الجميع , وخاطبها بالقول , ((أنتِ من يصنعُ الفرحَ من الألم في حين يُبدِدُ سِواكِ ما بين يديهِ من مظاهرِ البهجةِ والسرور)) . ومنحها أعلى نوعٍ من قلادةِ الإبداعِ الذهبية مع إستحقاقِها المالي وإمتيازاتِها المعنوية.

من فرط المجاز تحاصرك الكلمات بأفعال مقطوعة , ومن فرط الألم تعتلي بطولة ضفة السماء , وتعلم ان واجبا يسكنك ويتصاعد منك , ومن فرط الحنين لا تهرب الى خيالات ادمنت عقول السلف , ونراك خفيفا قويا تعرف اكثر ما ينبغي , وكأنك قربان يحاصر الاعداء , وبقلب متهدج , يسمح لي محمود درويش أن احور قصيدته قليلا وأقول :
((وأقسم : من رموش العين سوف اخيط لك يا نجلاء منديلا
وأنقش فوقه شعرا لعينيك..
و حين اسقيه فؤادا ذاب ترتيلا
يمد عرائش الأيك
سأكتب جملة اغلى من الشهداء والقبل : منتصر بك العراق ولم يزل)) .

كتب الأعلام الفرنسي والأوروبي مانشيتا يقول : ((على يد فتاة في الـ16 من العمر, إنجاز غير مسبوق للعراق في بارالمبياد باريس , حيث حصدت نجلاء عماد أول ميدالية ذهبية بارالمبية للعراق )) , في الثالثة من عمرها , فقدت نجلاء ساقيها وذراعها في 19 أبريل/نيسان 2008 , إثر تفجير عبوة ناسفة كانت تستهدف سيارة والدها العسكري المتقاعد , يتباهى الأب بعنق مشرأب بالفخر : (( نجلاء صمدت وتحدّت نفسها والعالم)) , هكذا تشكلت الحُرُوفُ المُقدَّسة لأسم نجلاء , فكونت الرُوح والجَسَدَ , وفي أزمنةِ الضّيقِ , كانت بردًا و كُانت سلامًا.

يقول المثل (يد واحدة لا تصفق ) , وتجيب نجلاء إن يدا واحدة يُمكنها أن تصفق ليس فقط بطريقة واحدة بل بثلاث طرق على أقل تقدير, وهي لم تقبل بتعريف التصفيق بأنه الصوت الصادر عن ضرب كف بكف , و اثبتت ان يدًا واحدة بإمكانها أن تصفق وتصفق وتصفق , فعندما ثقبُوا الناي بَاغَتَهُم بأنغامِ الحُريَّة , وفي عالَمٍ مُكتَظٍّ بالأقنعة , كان وجهُكَ يا نجلاء هو الاستثناء.

كانَت تركضُ نحوك ياوطن بسرعةِ عَدَّاءِ المسافات ِالطَّويلة, وكان العراق عندَ خَطِّ النِّهايةِ متأهبا بإكليلِ غارٍ كمن ينتظرُ نبيًّا بلهفةٍ , وحين سألوها : لمَ تطوفينَ حولَ نفسِكِ؟ قالت : لأنَّ العراق سكنَ قلبي , وقلبي معبدي , وتقول للصحافة (( ربّما أنتَ لا تعرفُ أنّني ابنة النّيران الإلهيّة الأولى , ابنة الشّمعة والقنديل , وابنة اللّيالي البِيض لوطن جريح , من أجله لا أنامُ ولا أغفو )) .

وفي أختزال ألأماني يغدو العراق مبتسما فوق وجنتيْك , وتتحرّكُ عيون الأرض كلّها فوق جبينك , إنّك وجه يرى بأكثر من عيْنيْن ويتكلّمُ بأكثر من فَم , وأنا لا أستطيع النّظر إليكَ طويلاً , يصيبني دوار عنيف وتتسارعُ نبضات قلبي , ليس إعجاباً وإنّما من الجلال والرّهبة , فهل هذا وجهُ الخَلْقِ أم وجه القُدرة يا نجلائي؟ هل هذا وجه الإرادة , أم وجهُ المشيئة ؟ دلّيني , فوجهك ليلة الأنتصار حيّرني كثيراً , وأنت تطلين على العراق , ويتحدّثون عنك بأكثر من لسان فلا أفهَم , وتنظُرين بأكثر من عينيْن فتتسع الآفاق .

يد واحدة لا تصفِّق , لكنها قد تُشير إلى الطريق , سبّابتها دلالةٌ أو ضَلالة , يد واحدة لا تصفِّق , يمكن لها المصافحة , يد واحدة لا تُصفِّق , يُمكن لها اطعام جائع , يد واحدة لا تُصفِّق , يُمكن لها أن تُمَدّ فينهضُ كريمٌ تعثَّر , يد واحدة لا تُصفِّق , لكنها قادرة على الامساك بقلم , لا تُصفِّق , و يمكنها الرسم , يد واحدة لا تُصفِّق , و تمسح دمعة أو حبّات عَرَق جبين , يد واحدة لا تُصفِّق , تحمل سيفاً , و ترفعُ رايةً , يد واحدة لا تُصفِّق , لكنها تلوِّح رافضةً , تمتلك الـ " لا " كاملة العنفوان , يد واحدة لا تُصفِّق , تُربِّت على كتفٍ مواسيةً , و تقدّم التحيّة , و بحركة من الإبهام تمنح التأييد و الموافقة , يد واحدة لا تُصفِّق , تبصم , تَهِبُ الدنيا امضاءً لا يتكرر , لا تُصفّق , لكنها تفتح باباً , تُغلق باباً , يد واحدة لا تُصفِّق , لكنها تحصد أول ميدالية ذهبية بارالمبية للعراق .

يا ضارِبَ العود اطوي الصمتَ وانطلق , نجلاء بعقوبة جلبت مجدا للعراق.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. حوار مع الدكتـور سـعـد كـمـونـي حول مجمل أعماله الفكرية | حا


.. مسك الكلام | علي عليان - ممثل ومؤسس مهرجان المسرح الحر الدول




.. الممثل البريطاني المصري خالد عبدالله لـCNN: وجدت نفسي حين وق


.. حضور استثنائي للفنان عادل إمام في زفاف حفيده




.. أخبار الصباح | بعد هجوم بوتين الكبير.. الناتو: علينا تعلم ال